رزق الله عز وجل نبينا صلى الله عليه وسلم الأولاد والبنات والأحفاد، تكميلاً لفطرته البشرية وقضاء لحاجات النفس الإنسانية، وأولاده جميعاً من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، إلا إبراهيم عليه السلام من مارية القبطية،وهم: القاسم وعبد الله وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهم. وقد شاء الله وله الحكمة البالغة أن لا يعيش له صلى الله عليه وسلم أحد من الذكور، ـ فماتوا جميعاً في صغرهم ـ، حتى لا يكونوا مدعاة لافتتان بعض الناس بهم، وفي ذلك أيضاً عزاء وسلوى للذين لا يُرزقون البنين، أو يُرزقون بالبنين ثم يموتون، كما أنه لون من ألوان الابتلاء له صلى الله عليه وسلم، وأشد الناس بلاء الأنبياء، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (قلتُ يا رسول الله: أيُّ الناس أشدُّ بلاء؟ قال: الأنبياء، ثمَّ الأَمثل فالأَمثل) رواه الترمذي.. فأبناء النبي صلى الله عليه وسلم سبعة كما قال النووي: "كان له صلى الله عليه وسلم ثلاثة بنين: القاسم وبه كان يُكَّنَّي، وُلِدَ قبل النبوة، وتوفي وهو ابن سنتين، وعبد الله وسُمي الطيب والطاهر، لأنه وُلِدَ بعد النبوة، وإبراهيم وُلِدَ بالمدينة سنة ثمان، ومات بها سنة عشر وهو ابن سبعة عشر شهراً أو ثمانية عشر. وكان له أربع بنات: زينب تزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد،وفاطمة تزوجها علي بن أبى طالب رضي الله عنه، ورقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان رضي الله عنه، تزوج رقية ثم أم كلثوم وتوفيتا عنده ولهذا سُمي ذا النورين .. فالبنات أربع بلا خلاف، والبنون ثلاث على الصحيح".
وللنبي صلى الله عليه وسلم من الأحفاد: الحسن والحسين ومحسن وزينب وأم كلثوم لابنته فاطمة رضي الله عنها، قال ابن كثير في البداية والنهاية: "فأول زوجة تزوجها عليّ رضي الله عنه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بَنَى بها بعد وقعة بدر، فولدت له الحسن وحسيناً، ويقال: ومحسناً ومات وهو صغير، وولدت له زينب الكبرى وأم كلثوم". ومن أحفاده: عليّ وأمامة لابنته زينب، قال ابن سعد: "ولَدَتْ زينب لأبي العاص عليًّا وأُمامة،فتوفي علي وهو صغير، وبقيت أُمامة", ومن أحفاده صلى الله عليه وسلم عبد الله لابنته رقية، قال ابن عبد البر: "تزوّجها (رقية) عثمان بن عفان في مكة، وهاجر بها الهجرتين إلى الحبشة، فولدت له هناك ولداً، فسمّاه عبد الله وبه كان يُكنّى، وبلغ من العمر ست سنوات، حتى تُوفّي".
ونبينا صلى الله عليه وسلم كان يولي أحفاده عناية خاصة، يستشعر من خلالها الأبناء والأحفاد والأسرة كلها جو الرحمة والألفة، والحنان والمحبة، فكان صلوات الله وسلامه عليه يُسمي أحفاده أحسن الأسماء، ويلاطفهم ويداعبهم، ويحملهم ويقبلهم، ويركبهم على ظهره، حباً لهم، وتلطفاً معهم، ويأخذهم معه إلى المسجد، بل ويحملهم في صلاته، ويرقيهم ويدعو لهم، ويهديهم لما للهدية من أثر في قلب الحفيد، والأمثلة على ذلك من سيرته وحياته صلى الله عليه وسلم كثيرة، منها:
اختيار الاسم الحسن للحفيد:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (لمَّا وُلِدَ الحسنُ سمَّيتُه حرباً، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟قلنا: حرباً، قال: بل هو حسن، فلما وُلِدَ الحسين سمَّيتُهُ حرباً، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلنا: حرباً، قال: بل هو حسين، فلما وُلِدَ الثالث سمَّيتُهُ حرباً، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلنا: حربا، فقال: بل هو محسن) رواه أحمد وابن حبان وصححه أحمد شاكر، وقال ابن حجر: إسناده صحيح، وضعفه الألباني.
تقبيله صلى الله عليه وسلم لأحفاده، وحملهم على عاتقه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين،هذا على عاتقه (ما بينَ مَنْكِبه وعُنُقِه) وهذا على عاتقه، وهو يلثم (يُقَبِّل)هذا مرة وهذا مرة، حتى انتهى إلينا، فقال فقال له رجل: يا رسول الله إنَّك لَتُحِبُّهُما؟ قال: من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني) رواه أحمد وصححه الألباني.
ملاعبته لحفيده:
عن يعلى العامري رضي الله عنه أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام دُعوا إليه، فإذا حسين مع غلمان يلعب في السِّكَّة (الطريق)، قال: (فتقدَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم، وبسط يديه، فجعل الغلامُ يفِرُّ ها هُنا وَها هُنا، ويضاحِكُه النبي صلى الله عليه وسلم حتَّى أخذه (أمسكه)، فجعل إحدى يديه تحت ذقنِه والأخرى في فأس (وسط) رأسه فقبَّلَه وقال: حُسَيْن منِّي، وأَنا من حُسَيْن، أحبّ اللَّه من أحبَّ حُسَيْناً) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
ركوب حفيده على ظهره النبي في الصلاة:
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: (كُنَّا نُصَلِّي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما بيده من خلفه أخذاً رفيقاً، فيضعهما على الأرض، فإذا عاد، عادا حتى قضى صلاته) رواه أحمد وحسنه الألباني. وفي رواية عبد الله بن مسعود ـ وحسنها الألباني ـ: (كان صلى الله عليه وسلم يُصلِّي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا منعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فلمَّا قَضى الصَّلاةَ وضعَهما في حِجْرِه). وروى النسائي عن عبد الله بن شَدَّاد عن أَبيه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي، وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الناس: يا رسول الله! إنك سجدت بين ظهرني صلاتك سجدة أطلتها! حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك؟! قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته) رواه النسائي وصححه الألباني.
وفي هذه الأحاديث جواز إدخال الصبيان المساجد، ولو كانوا صغاراً يتعثرون في سيرهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ ذلك ولم ينكره، بل شرع للأئمة تخفيف القراءة لصياح صبي خشية أن يشق على أهله، ولعل من الحكمة في ذلك تعويدهم على الطاعة وحضور الصلاة منذ نعومة أظفارهم، فإن لتلك المشاهد التي يرونها في المساجد وما يسمعونه ـ من قراءة القرآن و التكبير والتحميد والتسبيح ـ أثراً قوياً في نفوسهم لا يزول حين كبرهمو بلوغهم الرشد ودخولهم في أعباء الحياة.
إجلاسه لحفيده معه على الدابة:
روى مسلم عن ابن إياس عن أبيه رضي الله عنه قال: (لقد قُدْتُ بنبيِّ الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين، بغلته الشهباء، حتّى أدخلتهم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم هذا قدامه وهذا خلفه).
رُقْيَتُه صلى الله عليه وسلم لحفيده:
الرقية وسيلة نبوية للعلاج من الأمراض البدنية والنفسية، ولا تعارض بين العلاج بالرقية الشرعية مع العلاج الطبي والعلمي الحديث، وفعالية كل منهما في العلاج، وينصح بالجمع بينهما، فالرقية قد يجعلها الله عز وجل سبباً للشفاء، كما يمكن أن يكون العلاج بالدواء بفضل الله ومشيئته سبباً كذلك للشفاء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذ الحسن والحسين من الهوام وعين الإنس والجن، فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذ الحسن والحسين يقول: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة (كل ذات سم)، ومن كل عين لامة،ويقول: إن أباكم إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق عليهما الصلاة والسلام)، قال ابن حجر: "قوله: (وهامّة): واحدة الهوام ذوات السموم، قوله: (ومن كل عين لامة) : قال الخطابي: المراد به كل داء وآفة تلم بالإنسان من جنون وخبل".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات) رواه مسلم. النفث: نفخ لطيف بلا ريق. قال النووي: "وفى هذا الحديث استحباب الرقية بالقرآن وبالأذكار، وإنما رقى بالمعوذات لأنهن جامعات للاستعاذة من كل المكروهات جملة وتفصيلا، ففيها الاستعاذة من شر ما خلق، فيدخل فيه كل شيء، ومن شر النفاثات في العقد، ومن السواحر، ومن شر الحاسدين، ومن شر الوسواس الخناس".
مع حفيدته:
اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأحفاده لم يكن قاصراً على البينين منهم فقط، بل شمل البنين والبنات، فمن المعلوم من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه اهتم بالمرأة وكرمها: أماً، وبنتا، وأختاً، وحفيدة، أكرمها أماً: فعن عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: ثم أمك،قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك) رواه مسلم. وأكرمها بنتاً وأختاً: فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو ابنتان، أو أختان، فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن دخل الجنة) رواه ابن حبان وصححه الألباني. وأكرمها زوجة: فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي..
وكذلك أكرم النبي صلى الله عليه وسلم واهتم بحفيدته أُمَامَة بنت ابنته زينب رضي الله عنها، فكان يحبها ويحنو عليها ويكرمها، وكان يخرج بها أحياناً إلى المسجد فيحملها وهو في الصلاة، فإذا سجد وضعها على الأرض، وإذا قام حملها على كتفه صلى الله عليه وسلم، فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس،فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها) رواه البخاري، وفي رواية مسلم: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها).
وكان صلى الله عليه وسلم يخصّها بهداياه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أُهْدِيَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلادة من جِزع (خرز) ملمعة بالذهب، ونساؤه مجتمعات في بيت كُلهن، وأُمامة بنت أبي العاص ابن الربيع جارية (صغيرة) تلعب في جانب البيت بالتراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف ترينَ هذه؟فنظرن إليها (زوجاته) فقلن: يا رسول الله ما رأينا أحسن من هذه ولا أعجب! فقال: أردُدْنها إليَّ،فلما أخذها قال: والله لأضعنّها في رقبة أحب أهل البيت إليّ،قالت عائشة: فأظلمت عليّ الأرض بيني وبينه خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن، ولا أراهن إلا قدْ أصابهن مثل الذي أصابني، ووجمنا جميعاً، فأقبل حتى وضعها في رقبة أمامة بنت أبي العاص،فسُريَ عنّـا) رواه الطبراني.
لقد كانت علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بأحفاده ـ البنين والبنات ـ، عَلاقة قائمة على الحب والمودة، والمداعبة والحنان، تشعر الأسرةُ ـ الآباء والأبناء والأجداد والأحفاد ـ في ظلِّها بالأُلْفة والحب والترابط، وهكذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في الأخلاق، ومثالاً راقياً يُحتذى به في التعامل مع الناس، صغيرهم وكبيرهم، مؤمنهم وكافرهم، وقدوة حسنة في علاقة الأب مع أبنائه وأحفاده، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4)، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(لأحزاب:21).