أخواتي
إن محبة الله هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون،
وإليها نظر العاملون،
وعليها تفانى المحبُّون،
وهيَّ غذاء الأرواح وقرة العيون،
وهي الحياة التي مَن حُرمها فهو من جملة الأموات
والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي مَن عدِمه حَلَّتْ بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام
في الصحيحين عن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين".
وفي الصحيحين أيضًا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال
يا رسول الله! والله لأنت أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي. فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يا عمر، حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك". فقال: والله لأنت أحبُّ إليَّ من نفسي. فقال صلى الله عليه وسلم:" الآن يا عمر".
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ثلاث من كُن فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله، كما يكره أن يُقذف في النار".
وعن معاذ - في حديث اختصام الملأ الأعلى – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أتاني ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة - يعني في المنام – فذكر الحديث. وقال في آخره: "قال: سل. قلتُ: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون، وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني إلى حبك". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها حقٌّ فادرسوها، ثم تعلموها"
قال الشيخ التويجري في(موسوعة فقه القلوب):
علامة محبة الله للعبد أن يقربه الله من نفسه،
ويحبب له طاعته، والإيمان به،
ويُكرِّه له المعاصي،
ويدفع الشواغل والمعاصي عنه،
ويوحشه من غيره،
ويحول بينه وبين ما يقطعه عنه،
كما قال سبحانه:
{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ . فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }
[الحجرات: 7، 8] .
وإذا أحب الله عبداً ابتلاه .. فإن صبر اجتباه .. فإن رضي اصطفاه. اهـ.
وقال الشيخ محمد عويضة في (فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب):
العلامات التي إذا وجدت في العبد أو أحس
بها تدل على أن الله يحبه:
(1) حسن التدبير له، فيربيه من الطفولة على أحسن نظام، ويكتب الإيمان في قلبه، وينور له عقله، فيجتبيه لمحبته، ويستخلصه لعبادته، فيشغل لسانه بذكره، وجوارحه بطاعته، فيتبع كل ما يقربه إلى محبوبه وهو الله عز وجل، ويجعله الله نافراً من كل ما يباعد بينه وبينه، ثم يتولى هذا العبد الذي يحبه بتيسير أموره من غير ذلّ للخلق، فييسر أموره من غير إذلال، ويسدد ظاهره وباطنه، ويجعل همه هماً واحداً بحيث تشغله محبته عن كل شيء.
(2) الرفق بالعبد، والمراد اللين واللطف، والأخذ بالأسهل وحسن الصنيع.(3) القبول في الأرض، والمراد قبول القلوب لهذا العبد الذي يحبه الرب، والميل إليه، والرضا عنه، والثناء عليه،
كما جاء في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إن الله يحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض".
(4) الابتلاء: فإنه من علامات محبة الله تعالى للعبد، كما جاء في الحديث أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط". ...
وهذا الابتلاء على حسب قدر الإيمان ومحبة الله للعبد بنص السنة الصحيحة،
كما جاء في الحديث أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
( أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل. يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة).
(5) يوفقه لعملٍ صالحٍ قبل الموت بنص السنة الصحيحة،
كما جاء في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"إن الله إذا أحب عبداً استعمله، قالوا: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعملٍ صالحٍ قبل الموت"... اهـ
ومن الأسباب الجالبة للمحبة المقوية لها:
(1) قراءة القرآن بالتدبر:
لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(من سرَّه أن يحبَّ اللهَ و رسولَه ، فلْيقرأْ في المصحفِ)
الراوي:عبدالله بن مسعود المحدث:الألباني المصدر:صحيح الجامع الجزء أو الصفحة
:6289 حكم المحدث:حسن
(2) التقرب إلى الله بالنوافل بعد أداء الفرائض:
كما في الحديث القدسي:
إنَّ اللهَ قال : من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه ، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه ، فإذا أحببتُه : كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به ، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به ، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها ، ورِجلَه الَّتي يمشي بها ، وإن سألني لأُعطينَّه ، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه ، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه ترَدُّدي عن نفسِ المؤمنِ ، يكرهُ الموتَ وأنا أكرهُ مُساءتَه
الراوي:أبو هريرة المحدث:البخاري المصدر:صحيح البخاري الجزء أو الصفحة:6502 حكم المحدث:[صحيح]
ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(من سرَّه أن يُحبَّ اللهَ ورسولَه أو يُحبَّه اللهُ ورسولُه فليصدُقْ حديثُه إذا حدَّث، وليُؤدِّ أمانتَه إذا اؤتُمِن، وليُحسِنْ جِوارَ من جاوره .)
الراوي:عبدالرحمن بن أبي قراد المحدث:الألباني المصدر:التوسل الجزء أو الصفحة:145 حكم المحدث:ثابت، له طرق وشواهد
(3) دوام ذكره سبحانه على كل حال:
بالقلب واللسان، قال. قال إبراهيم بن الجنيد: كان يقال: من علامة المحبة لله: دوام الذكر بالقلب واللسان، وقلما ولع المرء بذكر الله عز وجل إلا أفاد منه حب الله عز وجل.
(4) إيثار محابه سبحانه على محاب النفس وهواها.
(5) مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَث رجلًا على سَرِيَّةٍ، وكان يَقرأُ لأصحابِه في صلاتِه فيَختِمُ بـ : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } . فلمَّا رجَعوا ذكَروا ذلك للنبيِِّّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : ( سَلوهُ لِأَيِّ شيءٍ يَصنَعُ ذلك ) . فسَألوه فقال : لأنها صِفَةُ الرحمنِ، وأنا أُحِبُّ أن أقرَأَ بها، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( أخبِروه أنَّ اللهَ يُحِبُّه ) .
الراوي:عائشة أم المؤمنين المحدث:البخاري المصدر:صحيح البخاري الجزء أو الصفحة:7375 حكم المحدث:[صحيح]
(6) مشاهدة بره وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة:
قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53].
(7) الخلوة به سبحانه وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه ودعائه واستغفاره.
(8) مجالسة المحبين الصالحين الصادقين.
(9) مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.
من علامات صدق المحبة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54].
وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آلعمران:31].
فوصفهم سبحانه بخمسة أوصاف:
(1) الذلة على المؤمنين ولين الجانب والتواضع والرحمة والرأفة للمؤمنين.
(2) العزة على الكافرين والبراءة منهم.
(3) الجهاد في سبيل الله ببذل النفس والمال لنصرة دين الله ورد الناس إليه.
(4) الاجتهاد في رضى الله وعدم المبالاة بلوم الناس:
(5) متابعة الرسول وطاعته.
ومن علاماتها: حب لقاء الله في دار السلام والنظر إلى وجهه.
قال ابن رجب:
"هِمَمُ العارفين المحبين متعلقة من الآخرة برؤية الله، والنظر إلى وجهه في دار كرامته والقرب منه".
ومن المحبين الصادقيــــــن
أبو بكر الصديق الذي سبق الأمة بحبه لله:
عن بكر المزني قال:
ما فاق أبو بكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه.
قال إبراهيم:
بلغني عن ابن علية أنه قال في عقيب هذا الحديث: الذي كان في قلبه الحبُّ لله عز وجل والنصيحة لخلقه.
ابن عمر يسأل الله حبَّه:
كان ابن عمر يدعو على الصفا والمروة وفي مناسكه:
"اللهم اجعلني ممن يحبك،ويحب ملائكتك، ويحب رسلك،ويحب عبادك الصالحين.
اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وإلى رسلك وإلى عبادك الصالحين".
حكيم بن حزام شعاره الحب:
كان رضي الله عنه يطوف بالبيت ويقول: لا إله إلا الله ، نعم الرب ونعم الإله ، أحبه وأخشاه.
نسأل الله الكريم أن يرزقنا محبته، وأن ينعم علينا بالنظر إلى وجهه الكريم في جنات النعيم.وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
المراجع
الشيخ التويجري في (موسوعة فقه القلوب)
وقال الشيخ محمد عويضة في (فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب)
اسلام ويب بتصرف
الدرر السنية فى التحقق من الاحاديث
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
آلام الولادة والاسباب المؤدية لها | المهاجرة | مرحلة الحمل والولاده | 19 | 10-06-2018 08:01 PM |
دوالى الاوردة او الساقين الاعراض والاسباب والعلاج | dodo modo | العيادة الطبية | 3 | 23-12-2017 01:03 PM |
تشوهات الاطفال الخلقيه . انواع تشوهات الاطفال الخلقيه والاسباب والعلاج | عـدلات | مرحلة الحمل والولاده | 4 | 26-10-2014 02:39 AM |
نزيف الحمل أسبابه والوقاية منه,الوقاية والاسباب المؤدية لنزيف الحامل | ام الاء وبيان2 | مرحلة الحمل والولاده | 8 | 13-10-2014 08:12 PM |
من الأسباب المقوية للحب في الله | لؤلؤة الايمان | السنة النبوية الشريفة | 5 | 27-04-2012 02:29 AM |
جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع