ملخص البحث:
تم إجراء هذا البحث للتعرف على الداء والدواء في "حديث الذباب" للرسول صلى الله عليه وسلم؛ للرد على المشككين في هذا الحديث.
تم عزل 9 أنواع من البكتريا موجبة وسالبة الجرام، بالإضافة الى نوعين من الخميرة (فطريات). تم عزل هذه الكائنات من الجناحين الايمن والأيسر لأربعة أنواع من الحشرات وهي: الذبابة المنزلية Musca domestica، ذبابة الاصطبل الكاذبة Muscina stabulans، ذبابة الرمل Phlebotomus papatasi، و البعوضة المنزلية Culex pipiens . تم تجميع هذه الحشرات من بيئات مختلفة في محافظات (الجـيزة، القاهرة وجنوب سيناء) وذلك بواسطة الشبكة الهوائية أو بشفاط البعوض الكهربائي. تم عزل الكائنات الدقيقة باستخدام ست أوساط غذائية مختلفة اختيارية وغير اختيارية وذلك لعزل أكبر عدد من الكائنات الدقيقة. سجلت أعداد البكتريا المعزولة من أوساط الآجار المغذي بمستخلص الخميرة وتربتوز الدم اكبر عدد بين كل الأنواع المعزولة أثبتت الدراسة أن بكتريا Bacillus circulans- (ت 88) كانت أقوى نوع بكتيري في إفراز المادة الأيضية الأكثر فاعلية.
ولقد تم عزل هذا النوع الخطير من الجناح الأيمن لكل من الذبابة المنزلية وذبابة الاصطبل الكاذبة. أظهرت الصفات الفيزيائية والكيميائية للمادة الأيضية الخالية من الشوائب أنها مركب ذات طبيعة اروماتية وتم تحديد الصيغة الكيميائية للمركـب وهي C30H37N4SO9. تم دراسة النشاط ضد الميكروبي لهذه المادة على أنواع كثيرة من الميكروبات المعزولة من الذباب وميكروبات أخرى من خــارج الذباب، وكانت أكثرها تأثيرا بالمركب هي البكتريا موجبة الجرام المسببة للأمراض ، وكان أقل تركيز كافي لإحداث عملية تثبيط نمو البكتريا الضارة هو 5 ug/ml.
المقدمة:
إن البحث في مجال الميكروبات المصاحبة للحشرات يعتبر من الدراسات المثيرة، حيث إن العلاقة بين الميكروبات والحشرات قد تكون علاقة حمل Phoresy فقط، أو علاقة تكافيلية أو متعايشة. إن دور الميكروبات المصاحبة للحشرات في نقل المرض أو إفساد الغذاء تم دراسته بواسطة العديد من العلماء Taylor (1935) ، Grecnberg (1973)، Alcanos and Frishman (1980)، Mcoay et al (1982). ولقد ناقش علماء آخرون علاقة المعايشة بين الميكروبات والأنواع المختلفة من الحشرات مثل Breznak (1982)، Fouda (1984)، Hassan et al (1996, 1998a, 1980b, 2000). فحص Ghanem et al (1986) أنواع البكتريا المتواجدة علي السطح الخارجي وفي أعضاء ثلاثة أنواع مختلفة من الحشرات.
لم يتم الحصول علي أي مرجع عربي أو أجنبي درس أنواع الميكروبات المختلفة المصاحبة لأجنحة أي نوع من الذباب. ويعتبر هذا البحث هو أول بحث يقدم في هذا المجال على المستوى الدولي والمحلي.
يهدف البحث الحالي الى عزل الأنواع المختلفة من الميكروبات المتواجدة على جناحي ثلاثة أنواع من الذباب هي: الذبابة المنزلية، ذبابة الاصطبل الكاذبة، ذبابة الرمل بالإضافة الى البعوضة، وذلك من أجل الوصول الى حقائق علمية، والتعرف على الداء والدواء في جناحي الذباب مصداقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وهو من الأحاديث الصحيحة. كما رواه العديد من الرواة.
الحديث النبوي سندا ومتناً:
ذكر الدكتور خليل إبراهيم سلام خاطر، سند الحديث ومتنه في كتابه (الإصابة في حديث الذبابة). وأيضاً نقل عنه الدكتور كارم غنيم سند الحديث ومتنه في كتابه الإشارات العلمية في الأحاديث النبوية. ولقد روى الحديث العديد من الرواة مثل:
روى البخاري في صحيحه وابن ماجه في سننه عن أبي هريرة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء وفى الآخر شفاء). ذكره البزار، وكذلك التبريزى في (مشكاة المصابيح)، وابن حجر في (تلخيص الحبير).
وروى البخاري في صحيحه وابن ماجه في سننه وأحمد في مسنده عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه - كله - ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء). ذكره البزار، وكذلك التبريزي في (مشكاة المصابيح)، وابن حجر في (تلخيص الحبير).
وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه، فإن في أحد جناحيه داء وفى الآخر شفاء). وامقلوه يعنى إغمسوه، كما ورد في النهاية لابن الأثير.
وروى ابن ماجه في سننه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء، فإذا وقع في الطعام، فامقلوه، فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء).
وروى النسائي وابن ماجه في سننيهما عن أبي سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن في أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء، فإذا وقع في الطعام، فامقلوه، فإنه يقدّم السم ويؤخر الشفاء).
وروى أحمد في مسنده، أيضاً، عن وكيع عن ابراهيم بن الفضل، عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب في طعام أحدكم أو شرابه فليغمسه ثم يخرجه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، وإنه يقدِّم الداء).
وروى أحمد في مسنده، أيضاً، عن يونس، عن ليث، عن محمد، عن القعقاع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الذباب في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، فإذا وقع في إناء أحدكم فليغمسه، فإنه يتقي بالذي فيه الداء، ثم يخرجه).
تتبّع صاحب كتاب (الإصابة) (2) سند حديث الذبابة في باب كامل من كتابه، وجعل الفصل الأول فيه حول طرق هذا الحديث، والفصل الثاني فيه حول دراسة أسانيد هذا الحديث. أما طرق الحديث فتناول فيها خمساً، هي: طرق حديث أبى هريرة، طرق حديث أبى سعيد الخدري، طرق حديث أنس بن مالك، وطرق حديث علي بن أبى طالب..
أما حديث أبى هريرة فقد رواه البخاري من طريقين، ورواه كل من أبى داود وابن ماجه من طريق واحد، وأخرجه أحمد بن حنبل من عشر طرق، ورواه الدارمي من طريقين، ورواه البيهقي من ثلاث طرق، ورواه كل من ابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود من طريق واحد، ورواه الطحاوي من ست طرق، ورواه البغوي من ثلاث طرق، ورواه ابن السكن وابن عبد البر،.. الخ. هكذا، حتى أحصى صاحب الكتاب أربعاً وثلاثين طريقاً من حيث الإجمال، واثنين وأربعين طريقاً من حيث التفصيل، وقد أثبت رواة الحديث كل هذه الطرق.
صورة مكبرة لذبابة المنزل
ثم تناول طرق حديث أبي سعيد الخدري (للذبابة)، وقد أخرجه أحمد بن حنبل من طريقين، وكل من النسائي وابن ماجه وابن حبان وأبي داود الطيالسي والبيهقي وابن قتيبة وأبي عبيد وابن عبد البر والبغوي وعبد بن حميد، من طريق واحد، ورواه الطحاوي من طريقين، وكذلك الطبراني وأبو يعلي والحاكم.. إلخ.
وكذلك فعل صاحب الكتاب بالنسبة لطرق الحديث عند أنس بن مالك وعند علي بن أبى طالب. وأما رواية الأخير - َكرَّمَ الله وجهه - فأخرجها ابن النجار، ولفظها : (في الذباب: أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء، فإذا وقع في الإناء، فأرسبوه، فَيَذْهَبَ شفاؤه بدائه).
ثم تناول صاحب الكتاب دراسة أسانيد الحديث من طرقه المختلفة، وأثبت في هذه الدراسة بما لا يدع مجالاً لشك صحة هذا الحديث، فهو إذن حديث صحيح، بل هو من أعلى درجات الصحة. ثم ختم بقوله: إن هذا الخبر (أيْ: حديث الذباب) قد كثرت طرقه بحيث زادت على خمسين طريقا، كما هو مرسوم في " شجرات الرواية "، لكل من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وأنس - رضي الله عنهم أجمعين. كما أن هذه الطرق قد وردت بأسانيد صحيحة ورجالها ثقات.. وبهذا يتبيّن أن هذا الحديث صحيح من حيث الرواية والسند، وأن حكم أئمتنا عليه بالصحة قول صحيح سليم، لا غبار عليه، وأن من خالف وأنكر - من حيث الرواية - فعليه البرهان، وهيهات وأنىَّ له ذلك، وقد رواه الأئمة الثقات الأثبات، والحمد لله.
والحديث النبوي لم يدع أحداً إلى صيد الذباب ووضعه عنوة في الإناء، ولم يشجع على ترك الآنية مكشوفة، ولا على الإهمال في نظافة البيوت والشوارع، ولا يتعارض مع الحماية من أخطار انتشار الذباب بأية صورة، ولم يجبر من وقع الذباب في إنائه واشمأز من ذلك على تناول ما فيه: { لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (سورة البقرة 286)
وهذا الحديث لا يمنع أحداً من القائمين على صحة الناس، ولا من الأطباء من التصدي للذباب ومقاومته بالوسائل المختلفة.
ولا يمكن أن يتبادر إلى الذهن (ذهن علماء الدين أو غيرهم) أن هذا الحديث يدعو إلى إقامة مزارع للذباب.
ولكننا إذا أخذا آخر الحديث، " فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاءً ". فإننا نجد رسولنا الكريم يدعونا إلى البحث والتوجه إلى دراسة الذباب لمعرفة ماهو الداء الذي يوجد على احد جناحي الذباب، وأيضا الى معرفة الدواء أو الشفاء الذي يوجد على الجناح الآخر؛ وذلك لكي يتوصل علماء المسلمين الى الأدوية التي تعالج الأمراض التي ينقلها الذباب.
وبدراسة الحديث نجد انه يتضمن علوم الفيزياء، الطب، الصيدلة، الميكروبيولوجي، الحشرات بالإضافة إلى علوم الدين واللغة.
الطرق والوسائل المستخدمة:
1 – جمع الذباب:
تم جمع نوعين من الذباب غير الماص للدم هما: الذبابة المنزلية، وذبابة الاصطبل الكاذبة. كما تم تجـميع ذباب الرمل التي تمص دم الإنسـان والحيوان وأيضا تم جمع البعوضة المنزلية التي تتغذى علي دم الإنسان والحيوان. هذه الحشرات تم جمعها من محافظات القاهرة، الجيزة، وجنوب سيناء. وتم نقل الحشرات في أنابيب معقمة الي المختبر لتشريحها وعزل الكائنات الدقيقة منها.
2 – تشريح الذباب:
تم تشريح الذباب لفصل كل من الجناح الأيمن والجناح الأيسر لكل ذبابة وذلك بأدوات تشريح دقيقة ومعقمة وذلك لعدد 20 حشرة من كل نوع، بعد ذلك تم وضع كل من الجناح الأيمن والجناح الأيسر كل علي حده لكل ذبابة في محلول فسيولوجي معقم (0.9 شلامين).
3 – عزل الكائنات الدقيقة:
تم اخذ 50 ميكرولتر من كل عينة وتم وضعها علي المزارع البكترية الآتية:
1- Nutrient agar emended with 1% yeast extract.
2- Nutrient agar emended with 5% sheep blood
3- MaConkey's agar
4- Starch nitrate agar
5- Tryptose blood agar
6- Staphylococcus media
تم وضع الأوساط البكتيرية السابقة في حضانة درجة حرارتها 30°م تحت ظروف هوائية. تم عد البكتريا (الوحدات المكونة للمستعمرة (CFU بعد 48 ساعة بعد ذلك تم تعريف البكتريا حتى مستوى النوع. وذلك طبقا للمرجع التصنيفي للبكتريا لكل من (1944) Holt et al.,, (2004) Honda et al .
4 – التحليل الحصري للنشاط ضد الميكروبي:
تم ذلك بواسطة أقراص الورق التحليلية وذلك لدراسة النشاط ضد الميكروبي لأنواع البكتريا المختلفة ضد بعضها.
5 – عملية التخمر:
تم دراسة تأثير أقوى مزارع بكترية تم عزلها من الطريقة السابقة ضد بعضها من أجل الحصول على أقوى نوع من البكتريا ذات فاعلية ضد الأنواع الأخرى.
6 – استخلاص وتنقية المركب الآيضي:
تم اختيار المذيب العضوي المناسب باستخدامBioautographic technique وذلك عند قيم pHمختلفة. ثم تنقية المستخلص بواسطة Thin layer and column chromatography.
كما تم استخدام الجهاز الأول مرة ثانية لتأكيد نقاوة نشاط المركب الآيضي للتحليل الطيفي.
تم دراسة Spectroscopyللمركب النشط النقي باستخدام الاشعة فوق البنفسجية(UV) وجهاز Spectrophotometer وايضا الأشعة تحت الحمراء (IR)كما تم الحصول على Mass spectral Dataبواسطة جهاز Hp mudel MS 5988
7 – تقييم اقل تركيز مثبط للبكتريا (MIC):
تم ذلك باستخدام طريقة Agar Diffusion Methodللحصول على اقل تركيز مثبط للمركب النشط ضد الأنواع المختلفة من البكتريا، الخميرة والفطريات المعزولة من الذباب ومن خارج الذباب.
النتائج والمناقشة:
أسفر فحص جناحي كل من الذبابة المنزلية، وذبابة الاصطبل الكاذبة، ذبابة الرمل والبعوضة عن وجود تنوع كثيف وعديد لأنواع الكائنات الدقيقة المتواجدة عليها. ولقد سجلت أعلى كثافة عددية وتعدد لأنواع البكتريا والفطريات على جناحي ذبابة الاصطبل الكاذبة والذبابة المنزلية كما هو مبين في جدول (1). تواجدت البكتريا موجبة الجرام بكثافة عددية أكبر من مثيلتها في البكتريا سالبة الجرام. سجل الجناح الأيمن أعلى كثافة عددية من البكتريا موجبة الجرام في كل أنواع الذباب. وكما أشار Hassan, et al (1998a)أن التنوع الميكروبي على الذباب يعكس البيئة التي يعيش فيها الذباب. أي أن لكل بيئة أنواع معينة من الكائنات الدقيقة تختلف عن أية بيئة أخرى. لوحظ أن البكتريا موجبة الجرام قد سجلت أعلى كثافة عددية من البكتريا سالبة الجرام. وهذا يوضح قدرتها على المعيشة في الظروف الصعبة، حيث أنها تتحمل الحرارة، البرودة، تأثير المواد الكيميائية والإشعاع. سجل جنس Bacillus50% من كل أجناس البكتريا المعزولة وخاصة البكتريا موجبة الجرام.
تتميز عزلات البكتريا سالبة الجرام جدول (2) بأن لها أهمية طبية خاصة من حيث قدرتها على التسبب في كثير من الأمراض. ولقد تم عزل ثلاثة اجناس من هذه البكتريا هي:Salmonella، Erwinaو Pseudomonas. ويصيب الجنس الأخير الإنسان والحيوان وأيضا النبات. وللغرابة فلقد تم عزل هذا الجنس من الجناح الأيمن لذبابة الاصطبل الكاذبة على الوسط الغذائي MacConkey.
ولقد تم عزل هذا الجنس بواسطة Ahmed et al (1995)من على السطح الخارجي لكل من الذبابة المنزلية وذبابة الاصطبل وتعف الماشية ولقد اشترك الباحث الحالي في هذا البحث.
يوضح جدول (2)عزل سلالتين من الخميرة، حيث وجد أن لها شكل بيضاوي، وتتكاثر بواسطة التبرعم. ولقد لوحظ أن احدهما يفرز مادة عديدة السكريات حول الخلية. ولقد عزل الباحث في بحث سابق أنواع من الفطريات تسمي Empusa muscaeلديها القدرة على إفراز بعض المضادات الحيوية، والتي تستطيع أن تقتل العديد من أنواع البكتريا سالبة وموجبة الجرام. ولقد تمكن كل من " ارنشتين " و " كوك " الانجليزيين في عام 1947، و "روليوس " السويسري في عام 1950م، من عزل مادة مضادة للحيوية تسمي "جافاسين" من فطر من نفس الفصيلة التي ذكرناها والتي تعيش في الذبابة. تم أيضا في هذا البحث كما يوضح جدول (2)عزل بعض أنواع الاكتينومايستس والتي لها القدرة أيضا على إفراز بعض المضادات الحيوية.
يوضح جدول (3) التأثير المضاد للبكتريا للأنواع المختلفة التي تم عزلها. لوحظ أن بعض أنواع البكـتريا مثل Erwina و Salmonella و Lactobacillus gasseri لها تأثير ضعيف ضد أنواع البكـتريا الأخرى. بينما هناك خمسة أنواع من البكتريا لها كفاءة عالـية في القضــاء على أنـواع البكتريا الأخرى هي:B. circulans ، L. animalis، B. subtilis، P. aeruginosa و S. aureus.
ولقد تم تخمير هذه البكتريا وحللت لمعرفة تأثيرها ضد بعضها (جدول 4).
يوضح جدول (4)وشكل (1)أن أكثر أنواع البكتريا فاعلية هي B.Circulans وكانت أقوى كائن من بين كل الأنواع ولقد لوحظ تواجد هذا النوع من البكتريا على الجناح الأيمن للذباب وهي تتحمل درجات الحرارة العالية، الاشعاع، تأثير المواد الكيميائية والبرودة.
بعد ان تم اثبات ان B.Circulansهي أقوى انواع البكتريا المتواجدة والمعزولة من الجناح الأيمن للذباب، تم اخضاعها لعزل المادة الفعالة منها. ولقد تم تحضيرها في صورة بودرة، ليس لها شكل معين ولونها ابيض مصفر. ولوحظ أن درجة انصهارها 185°م. وتذوب في الكحول والكلورفورم كما أنها تذوب في الماء. ولكنها لا تذوب في اثير البترول.
تم تحليل المادة الفعالة باستخدام تحليل Thin layer chromatographyولقد اسفر ذلك عن وجود 5 أحماض امينية. كما أوضح التحليل وجود نسبة عالية من المحتوى النيتروجيني في المادة. تم تحليل المادة باستخدام Mass spectraللمادة النقية وتم تحديد الصيغة الكيميائية للمركب وهي C30H37N4SO9(شكل 2).
يوضحجدول (5) Bioautographyللمادة الايضية الفعالة وتفاعلها مع المذيبات المختلفة ولوحظ أنها تتحرك كنقطة فردية.
يوضح شكل (3) تحليل المادة الفعالة بواسطة الامتصاص الطيفي للأشعة فوق البنفسجيةUV. كما يوضح شكل (4) تحليل المادة باستخدام الأشعة تحت الحمراء IR. كما تم استخدام ايض 1H-NMRلتحليل هذه المادة ومعرفة تركيبها.
من كل التحـليلات السـابقة أتضـح ان المادة الفعالة مضـادة للحيوية لها تركـيب اروماتي. وتشابه في طبيعتها مركبات أخري لها طبيعة حلقية كما ورد في بعض الأبحاث (Zhang et al 1999).
يوضح جدول (6) اقل تركيز كاف لتثبيط نمو الكائنات الدقيقة Minimum Inhibatory Concentration (MIC). ولقد أتضح أن أقل تركيز من المادة الفعالة المعزولة كان لها تأثير قاتل ضد كثير من أنواع البكتريا سالبة أو موجبة الجرام، ضد الخميرة ضد الفطريات الخيطية. يوضح شكل (6) منحني الوقت الكافي لقتل البكتــريا ولقد وجد أن أقل تركيز هو 5 mg/mlكاف لقتل أنواع كثيرة من البكتريا.
ولقد أتضح أن المادة الفعالة المعزولة لها تأثير نشط في هذا المجال، حيث أن أعداد البكتريا قد اختزلت الى حوالي 0.01 % في وقت قصير. ولقد كانت أكثر أنواع البكتريا تأثرا هي: B. subtilis و S. aureus، وهما من أكثر أنواع البكتريا الممرضة للانسان، وتسبب العديد من الأمراض مثل: التهابات العين، خراج أو دمامل، الحصف (داء جلدي)، التهاب المثانة، التهاب المعدة والقولون، التهاب العظام، إصابة الجهاز البولي التناسلي، الجهاز العصبي المركزي وفساد الأطعمة وغيرها....
الاستنتاج
(وجه الإعجاز العلمي)
يتضح من النتائج السابقة وجود كثافة عددية عالية من أنواع عديدة من البكتريا على جناحي الثلاثة أنواع من الذباب، بينما قلت أعداد البكتريا وأنواعها على جناحي البعوضة. كما أتضح أن أكثر أنواع البكــتريا شراسة هو نوع B. circulansالذي يفرز مادة مضادة للحيوية لكثير من أنواع البكتريا الاخرى سواء سالبة أو موجبة الجرام. ولقد لوحظ تواجد هذه البكتريا بكثافة عالية على الجـناح الأيمن للذباب. كما لوحظ وجود أنواع من الفطريات التي تفرز أيضا مواد مضادة للحـيوية لكثير من أنواع البكـتريا. كما أتضح قدرة البكتريا B. circulans على قتل الانواع الاخرى من البكتريا في زمن قصير جدا. وهي البكتريا التي تنقل العديد من الأمراض للإنسان والتي تم ذكرها.
صورة للبكتريا B. circulans
إذا رجعنا الى نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة : " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم ليطرحه فإن في احد جناحيه داء وفي الآخر شفاء ".
نجد أن حرف الفاء في " فليغمسه " يفيد السرعة، بينما " ثم " تفيد التراخي والبطء. لذلك فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بغمس الذباب بسرعة لأنه يتعلق على سطح السائل لوجود التوتر السطحي، وكلمة ثم بعد الغمس تعطي فرصة للأنواع المفيدة من البكتريا والفطريات لكي تفرز المواد المضادة للحيوية والدواء أو الشفاء) لكي تقضي على البكتريا الضارة (الداء). ولقد ثبت أنه حتى لو أكل الإنسان أو شرب من الإناء فإن المادة الفعالة تظل نشطه في أمعاء الإنسان؛ لأن هذه البكتريا في حالة معايشة في أمعاء العائل. كما أنها تتحمل درجات الحرارة العالية، تأثير الإشعاع، تأثير المواد الكيميائية والبرودة أي إن الذباب حتى لو سقط في إناء به طعام أو شراب ساخن أو بارد فإن البكتريا المفيدة (الدواء) تظل نشطة وتفرز المادة الفعالة القاتلة لانواع الميكروبات الأخرى بأقل تركيز وهو 5 mg/ml. أي أن 5 جم من المادة كافية لتعقيم 1000 لتر من اللبن أو أي سائل أو طعام.
ولعل عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمر بغمس الذباب تتضح في ميكانيكية افراز المادة الفعالة (الدواء) حيث أن إفراز أنواع البكتريا النافعة والفطريات لهذه المواد لايتم إلا في وجود وسط، وهو هنا الطعام أو الشراب الموجود داخل الاناء. حيث يسمح هذا الوسط لان يتقابل كل من الداء والدواء وجها لوجه بدون عوائق ويتم الالتحام، وعند ذلك تقوم الكائنات المفيدة بالقضاء على الكائنات الضارة. ولقد وجد أن المادة المضادة للحيوية والتي تقتل البكتريا سالبة أو موجبة الجرام لاتتحرر من الخلايا الفطرية إلا اذا امتصت السائل، وعند ذلك فإنه بواسطة خاصية الضغط الاسموزي تنتفخ ثم تتفجر وتطلق محتوياتها التي تعتبر كالقنابل، وتقوم بالقضاء على البكتريا الضارة. ولوحظ أن هذه القنابل تقذف لمسافة 2 مم داخل السائل وهي مسافة تعتبر عظيمة بالنسبة لحجم الكائنات الدقيقة.
وفي أبحاث كثيرة سابقة قام بها الباحث الحالي مع آخرون، تم عزل معظم البكتريا الممرضة من على السطح الخارجي للذباب وخاصة من على الأرجل والبطن مثل بكتريا : الخمرة الخبيثة، التيفود، الباراتيفويد، الدوسنتاريا، امراض العيون، الجهاز التنفسي، الجهاز الهضمي، الجهاز العصبي، الجهاز البولي التناسلي وغيرها كثير. لذلك فإنه عند غمس الذباب في الإناء فإن البكتريا المفيدة والتي تم استخلاص المادة الفعالة منها بالاضافة الى المواد ضد الحيوية المفرزة من الفطريات تقوم بالقضاء على كل هذه الانواع الضارة. ولعلنا فهمنا الحكمة من قول سيد الخلق صلى الله عليه وسلم " فليغمسه " وفي أحاديث أخرى " فامقلوه " أي فاغمسوه.
لقد لوحظ أن أعداد البكتريا بعد غمس الذبابة تتناقص كثيرا عما كانت عليه قبل الغمس وذلك لان البكتريا المفيدة والفطريات تفرز المواد المضادة للحيوية التي تقتل البكتريا الضارة بعد سقوطها في السائل. وهذا البحث يفسر النتائج التي توصل إليها د. نبيه عبد الرحمن باعشن والمشاركون معه في تناقص أعداد البكتريا في السائل بعد غمس الذبابة وليس زيادتها كما هو متوقع (د/ خليل خاطر – مرجع سابق).
ولعلنا في هذا البحث نكون قد ألقينا الضوء على الداء والدواء في جناحي الذباب ورددنا على المتشككين في الحديث الشريف. وكما قال الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه (السنن النبوية مصدرا للمعرفة والحضارة) يجب ألا نقابل حديث (غمس الذباب) بالرد أو التكذيب لمجرد الاستبعاد. وبعد هذه النتائج فليس هناك أي مجال للاستبعاد بعدما صارت الحقيقة جلية واضحة.
وطبقا للنتائج التي تم الحصول عليها في البحث الحالي، فإن حديث الذباب يلقي الضوء على كثير من المعلومات في مجال الفيزياء، الكيمياء، الطب، الصيدلة، البيولوجي... وغيرها. وأهم ما نود الإشارة إليه، هو أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لم يدع أحداً إلى وضع الذباب في الإناء عنوة، أو إلى الشرب أو الاكل من الإناء الذي وقع فيه الذباب، ولكنه صلى الله عليه وسلم يلفت نظرنا إلى أن لكل داء دواء. ويدفعنا الحديث في آخره الى البحث عن الدواء أو الشفاء في جناحي الذباب، لمعالجة الأمراض التي ينقلها الذباب للإنسان. بل أن البحث الحالي اثبت بإن المادة المضادة للحيوية المعزولة من جناحي الذباب تستطيع أن تقضي على كثير من المسببات المرضية الأخرى غير المتواجدة على الذباب. إن الحديث الشريف يفتح المجال لاكتشاف عشرات المضادات الحيوية من الذباب خاصة إذا عرفنا ان هناك 64000 نوعا من الذباب منتشرة في جميع أنحاء العالم. وان الكائنات الدقيقة المتواجدة على الذباب تعكس البيئة التي يعيش فيها الذباب. أي أن الأمراض التي ينقلها الذباب في منطقة ما، تختلف عن تلك التي ينقلها الذباب في منطقة أخري. أي أننا نستطيع أن نحصل على علاج أو دواء لكل الأمراض التي ينقلها الذباب في مناطق العالم المختلفة، حيث أن الداء والدواء متلازمان في جناحي الذباب والأحرى ان يتم اكتشاف تلك المضادات للحيوية بواسطة علماء المسلمين، ولعل هذا البحث هو الأول من نوعه في هذا المجال وربما يفتح الطريق لتحقيق مزيد من الانتصارات العلمية لعلماء المسلمين. حتى لا يتهمنا الغرب بأننا كسالى ننتظره لاكتشاف الحقائق العلمية ثم نقول بأن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة قد ذكرت هذا منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام. قال تعالى: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } (سورة النجم 3 - 4) ".
---------------------------------
المصدر
موسوعة الاعجاز العلمي في القرأن والسنه
الأستاذ الدكتور / مصطفى إبراهيم حسن
أستاذ الحشرات الطبية ومدير مركز أبحاث ودراسات الحشرات الناقلة للأمراض
كلية العلوم (بنين) – جامعة الأزهر – القاهرة – مصر