زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما
بــيــن الـمــواقــف والـمــراقــد
بقلم : محمد أحمد العباد
بسم الله والحمد لله أحق ما ابتدئ به وختم بذكره ، وصلى الله على محمد نبي الهدى والرحمة ، الذي جعله الله للمتقين إماماً ، وعلى أصحابه الذين عرفوا الحق فبذلوا في إقامته اجتهاداً واهتماماً ، وعلى أهل بيته - الذين هم أجدر الناس باتباع شِيَمِه - لتشرفهم باسمه نسبةً وانضماماً ، أما بعد :
فإن من لوازم عقيدة أهل السنة والجماعة وأصولها : محبة أهل البيت ، وإن من آكد حقوق هذه المحبة ولوازمها – إن لم يكن الآكد – : تعريفُ الأمة بهم ، خصوصاً من عُرفوا بالصلاح والعلم ، والذبُ عنهم ، وسحبُ البساط من تحت من يعتاشون على أسمائهم، فمن هذا المنطلق أحببت أن أكتب هذه المقالة للتعريف بهذه المرأة الشريفة الكريمة سليلة بيت النبوة ألا وهي زينب بنت علي رضي الله عنهما ، فإلى المادة :
1 - اسمها ونسبها :
هي زينب بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشية حفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة ابنته فاطمة رضي الله عنها ، والمشهور أنها وُلدت بعد فترة وجيزة من وفاة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم في أول سنة 8 هـ كما في السيرة النبوية لابن كثير (4/ 610 ط: المعرفة) فسميت زينب باسم خالتها رضي الله عنها .
ولزينب أخت من أبيها تحمل نفس اسمها وهي زينب الصغرى بنت علي بن أبي طالب تزوجها محمد بن عقيل بن أبي طالب.
2 - زواجها وأولادها :
أخرج البغوي الكبير في الجعديات ( تغليق التعليق 4/400 ) عن عبد الرحمن بن مهران : ( أن عبد الله بن جعفر جمع بين زينب بنت علي وامرأة علي ليلى بنت مسعود التميمية ) ، وهذا فيه جواز الجمع بين المرأة وامرأة أبيها بعد طلاقه أو وفاته عنها .
وقد ولدت زينب لعبد الله كلاً من: (جعفر) الأكبر، و(عون) الأكبر، و(العباس) ولا عَقِب لهم ، و(علي) وفيه العَقِب وتزوج بـ(لبابة بنت عبد الله بن العباس رضي الله عنهم )(1) كما في سير أعلام النبلاء (3/ 333) ، وأم كلثوم التي تزوج ابنتها حمزة ابن الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما بعد وفاة ابن عمها كما في نسب قريش للزبيري ص241.
3 - زينب واستشهاد علي رضي الله عنه :
أخرج الآجري في الشريعة (مج 5 ص 2108) عن حنظلة بن نعيم قال : لما ضرب ابن ملجم -لعنة الله عليه- عليا رضي الله عنه قال علي : (( احبسوه فإنما هو جرح ، فإن برأت امتثلت [ أي : اقتصصت] أو عفوت ، وإن هلكت قتلتموه )) فعجل عليه عبد الله بن جعفر ، وكانت زينب بنت علي تحته ، فقطع يديه .. ، فجاءت زينب تبكي وتقول : (( يا خبيث ، والله ما ضِرْتَ أميرَ المؤمنين )) فقال علي : (( ما تبكين يا زينب والله ما خانني سيفي ، وما ضعفت يدي )) .
4 - زينب رضي الله عنها واستشهاد الحسين رضي الله عنه :
وتروي بعض الكتب(2) أنه قد جرى بين زينب وبين ابن أخيها زين العابدين علي بن الحسين رحمه الله موقف يُبطل قول من نسب إليه أنه يعلم ما كان وما يكون ، وهو موقف يدل على أنه رحمه الله لم يكن عالماً بجميع أحداث كربلاء وما ترتب عليها ، حتى بينت له ذلك زينب بنت علي رضي الله عنها وعزَّته وسلَّته وبشرته بدرجات الشهداء لما رأت (( جزعه ، وهلعه ، واشتداد قلقه حتى كادت نفسه أن تخرج )) كما في رواية طويلة في كتاب كامل الزيارات ص257 لابن قولويه الذي وثَّق رواة كتابه ، وبحار الأنوار (45/179) .
وورد في بحار الأنوار ج45/162 عن زينب بنت علي رضي الله عنهما أنها لما رأت الذين استدعوا الحسين رضي الله عنه ليبايعوه – بزعمهم – فغدروا به وقتلوه من أهل الكوفة ، ورأت الجمع الذي استقبلها بالبكاء والعويل والنواح قالت تؤنبهم : (( يا أهل الكوفة يا أهل الختر والخذل .. ، أتبكون وتنتحبون؟! أي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة…)) .
وينقل عباس القمي في "نفس المهموم" ص 365 أنها قالت : (( صه ! يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم وتبكينا نساؤكم )) .
5 - زينب في الشام :
جاء في تاريخ الإسلام للذهبي ( 5/ 20 ) محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه قال: (( فحملنا إلى يزيد، فدمعت عينه حين رآنا، وأعطانا ما شئنا )) ، وورد في تاريخ الطبري (4/353) وابن عساكر (69/177) رواية في إسنادها أبو مخنف لوط بن يحيى – مع أنه أحد كبار الرواة الذين يتكئ على مروياتهم دعاة الفتنة - : أن زينباً ومن معها لما رحلوا بعد استشهاد الحسين ومن معه -رضي الله عنهم - إلى يزيد بن معاوية – خليفة المسلمين آنذاك - قال رجل من الشام ليزيد : (( يا أمير المؤمنين هب لي هذه ! )) ، يعني فاطمة بنت علي التي تصف ذلك الموقف قائلةً : (( وكانت أختي زينب أكبر مني وأعقل وكانت تعلم أن ذلك لا يكون فقالت له : كذبتَ واللهِ ولؤمتَ ، ما ذلك لك ولا له )) ثم لما كرر الشامي قوله : (( يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية ! )) ، رَدَّ عليه يزيد قائلاً : (( اُعْزُبْ ، وهب الله لك حتفاً قاضياً )) ، ثم قال يزيد : (( يا نعمان بن بشير جهزهم بما يصلحهم وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا )) .
ويروى أن يزيداً قال لعلي بن حسين رحمه الله : (( إن أحببت أن تقيم عندنا، فنصل رحمك، فعلت ، وإن أحببت، وصلتك، ورددتك إلى بلدك )) قال: (( بل تردني إلى المدينة )) فرده ووصله . "انظر: نسب قريش للزبيري ( ص58)" .
6 – زينب رضي الله عنها في ثلاثة أضرحة !!:
يحق لنا أن نتساءل : هل رأت زينب بنت علي رضي الله عنهما هذه الأضرحة والمراقد ؟ وهل زارتها وهل طافت بها ؟ وهل ازدحمت فيها مع المزدحمين سنوياً ؟ بل هل فعل ذلك أهل بيتها وأولهم زوجها عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما الذي توفيت زينب وهي عنده كما في البداية والنهاية ( 5/ 330) ؟ أو هل فعل ذلك واحد من أبنائها وأحفادها ؟ إذن ما حقيقة هذه الأضرحة وما صلتها بزينب رضي الله عنها ؟
لقد نُسب إلى زينب رضي الله عنها ثلاثة أضرحة كل منها في بلاد غير الأخرى ، واحد في دمشق الشام ، وثانٍ في القاهرة ، وثالثٌ في سنجار ( شمال العراق ) وكل من هذه الأضرحة مفتقر تماماً إلى ما يُثبت صحته ؛ وذلك أن القائلين بدفنها في أحد تلك الأماكن عاجزون تماماً عن الإتيان بإسناد صحيح لإثباتها ، بل حتى إنهم – جميعاً -لم يُسندوها إلى مؤرخ متقدم ولا إلى راوٍ من الرواة الذين تتبعوا أحداث تلك الفترة ، ونحن في هذه النقطة نمهلهم أياماً – بل شهوراً وأعواماً - هذا من حيث العموم ، ولا بأس أن أتطرق إلى أشهر ضريحين بشكل موجز في النقطة الآتية .
7 – هل ضريح السيدة زينب في دمشق ؟ :
لو تطرقنا إلى أشهر ضريحين لزينب رضي الله عنها فسيقفز إلى الذهن مباشرة ذلك الضريح الذي في دمشق والذي يحظى بحج الجماهير إليه - والذي سُمي بالحرم الزينبي - مع أن نسبته إليها لا يعتمد على دليل مقبول ولا يؤيده المنطق ولاالدراسة بحال من الأحوال ، وقد قيل : إن سبب هجرتها إلى الشام مع زوجها هو تلك المجاعة التي اجتاحت المدينة عام 64هـ تقريباً فهاجرت وماتت هناك ، وهذا باطل بلا شك ؛ فإن مجاعة بهذا الشكل يبلغ مداها أن تُخرج شخصاً يعد من أغنياء الناس وأوسعهم ثروة كعبد الله بن جعفر ومع ذلك فلا يُنقل حولها أي شيء في كتب المؤرخين المعتبرة ، مع كون تلك الحادثة - لو وقعت - لكانت مما تتوافر الهمم على نقله ، مما يدل على أنها لم تقع إلا في أذهان البعض فقط .
كما أن صاحب هذه المجاعة المخترعة لم يتطرق إلى أثرها على بقية أبناء عمومة عبد الله بن جعفر وبخاصة العلويون منهم ، وعلى رأسهم زين العابدين علي بن الحسين رحمه الله - الذي لم يفارق المدينة وبها كانتوفاته - هل تركهم عبد الله بن جعفريتجرعون مرارة الجوع ليفر منها إلى دمشق ؟ وهل تفعلها زينب رضي الله عنها ؟!
8 – هل ضريح السيدة زينب رضي الله عنها في القاهرة ؟ :
يذكر أحمد زكي باشا أن هذا الضريح لم يكن له وجود ولا ذكر في عصور التاريخ الإسلامي إلى ما قبل فترة حكم محمد علي باشا بسنوات معدودة ، وقد نقل كلامه أحد الشيوخ الأزهريين وهو الشيخ سمير شاهين في كتابه "الوثنية في ثوبها الجديد" (ص81 ) ، ونقل عنه قوله : (( إن الذي يشهد به العارفون بالحق الصريح هو : أن السيدة زينب لم تشرف أرض مصر بوطء قدمها المباركة مطلقاً والحق الذي ليس بعده إلاالضلال أنها قضتحياتها بالحجاز إلى أن انتقلت إلى جوار ربها بالمدينة المنورة ، فكان دفنها بالبقيع، هذا هو الصواب وما عداه إفك وبهتان )) .
ويقول علي مبارك في الخطط التوفيقية (5/ 9 ) : (( لم أرَ في كتب التاريخ أن السيدة زينب بنت علي ـ رضي الله عنهما ـ جاءت إلى مصر في الحياة أو بعد الممات )) .
ويقول مفتي الديار المصرية في وقته الشيخ محمد بخيت المطيعي : (( جزم كلٌ من ابن الأثير في تاريخه 4/48والطبري 6/264ومابعدها – بأن السيدة زينب بنت علي رضي الله عنه وأخت الحسين رضي الله عنه قد عادت مع نساء الحسين أخيها ، ومع أخوات الحسين بعد مقتله إلى المدينة .. ولا عبرة بمن يشذ عنهما – أي الطبري وابن الأثير - .. وعليه : فلا مدفن لها في مصر ، ولا جامع ، ولا مشهد )) . ( مجلة الفتح ، نقلاً عن مرقد العقيلة زينب لمحمد حسنين السابقي ص58) .
وللتوسع والاستزادة في معرفة الأدلة والشواهد على بطلان نسبة ذلك الضريح إلى زينب رضي الله عنها يراجع : ( الباب الخامس من كتاب القول الصريح عن حقيقة الضريح تأليف محمود المراكبي ص98 ) .
9 – زينب رضي الله عنها والتصرف بالأكوان :
ينسب البعض إلى زينب رضي الله عنها – ضمن عدد محدد من أهل البيت - ما يُسمى بالولاية التكوينية التي تعني القدرة على التصرف بالكون وخضوع جميع ذراته لسيطرة أصحاب تلك الولاية التكوينية (مجلة النبأ، تحت عنوان "حقائق عن الولاية التكوينية" العدد 25-26 ص13 والعدد 27 ص36) .
وأما الصوفية فليسوا عن هذا المعتقد ببعيد ، حيث يرون أنها رئيسة ديوان يجتمع فيه الأولياء لتصريف أمور الكون وقد ذكر تفصيل وقائع اجتماعهم – المزعوم – الصوفي عبد العزيز الدباغ حسب ما نقل عنه تلميذه أحمد بن المبارك في كتاب "الإبريز من كلام [سَيِّدِه] عبد العزيز ص278 ط: العلمية" ، وقد ذكر علي عبد العال الطهطاوي موقفاً جرى له حيث قال له أحدهم : (( إن مصر يحرسها أربعة ولولاهم لأصبحت في خبر كان ! الدسوقي والبدوي يحرسان الوجه البحري والأسيوطي والقناوي يحرسان الوجه القبلي .
فقلت له : إن الوجه القبلي أكبر من الوجه البحري ونحن في حاجة إلى عدد أكبر من ذلك !
فقال لي : على كل حال يوم الخميس حيث تعقد كل يوم خميس رئاسة رئيسة الديوان السيدة زينب، سوف أعرض عليها طلبكم وسوف ألح على المجلس أن يلبي طلبكم !! )) . " كرامات أولياء الله الصالحين (1/62)"
وقد جَرَّت هذه المعتقدات إلى أعمالٍ أخرى تقام باسم زينب رضي الله عنها مثل "فول السيدة " فـ ((ـينذرون إن نجحوا في انتخابات أو نجح الابن في دراسة أو شفي المريض أن يصنعوا للسيدة فُولاً سنوياً يقيمون به ليلةً صاخبةً يُدعى لها أرباب الطرق والدراويش ويهتفون فيها باسم السيدة )) وقد أشار شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت إلى بطلان هذا النوع من النذور وبَيَّنَ أن (( صيغته ، وظروف فعله ، وشواهد حال الناذرين ، كلها ناطقة بأن لغير الله فيه نصيباً )) . "انظر : فتاوى كبار علماء الأزهر حول الأضرحة والقبور (ص104-113 ط: اليسر )"