سيف الدين قطز.قصة حياة سيف الدين قطز.نبذة عن قصة قطز قصة
الملك المظفر سيف الدين قطز محمود بن ممدود بن خوارزم شاه، سلطان مملوكي (توفي 658 هـ الموافق 1260)؛ تولى الملك سنة 657 هـ الموفق 1259. يُعدّ قطز بطل معركة عين جالوت وقاهر التتار المغول؛ كما يعتبر أحد أبرز ملوك مصر، وذلك على الرغم من أن فترة حكمه لم تدم سوى أقل من عام واحد[1]، حيث نجح في إعادة تعبئة وتجميع الجيش المصري، واستطاع إيقاف زحف التتار الذي كاد أن يقضي على الدولة الإسلامية، فهزمهم قطز بجيشه هزيمة كبيرة في عين جالوت، ولاحق فلولهم حتى حرر الشام بأكملها من سلطتهم.[2]
قطز هو اسم أطلقه التتار عليه حيث قاومهم بشراسة خلال اختطافهم وبيعهم له وهو صغير، ومعنى قطز باللغة المغولية (الكلب الشرس)،[3] نسب قطز يعود إلى الأمير ممدود الخوارزمي ابن عم السلطان جلال الدين خوارزم شاه سلطان الدولة الخوارزمية وزوج أخته. نشأ قطز نشأة الأمراء وتدرب على فنون القتال على يد خاله، وبعد سقوط الدولة الخوارزمية بِيع مملوكًا في الشام، ثم انتقل لمصر وبِيع مملوكًا للملك الصالح نجم الدين أيوب آخر ملوك الدولة الأيوبية، فتعلم فنون القتال والخطط الحربية في مدارس المماليك، وشارك جيش الملك الصالح في صد الحملة الصليبية السابعة، وتحقيق الانتصار في معركة المنصورة عام 648 هـ الموافق 1250. تدرّج قطز في ترتيب السلطة حتى كان يوم السبت 24 ذو القعدة 657 هـ الموافق 11 نوفمبر 1259 حيث نُصب ثالث سلاطين مماليك مصر،[4] ولما عاد قطز منتصرًا من عين جالوت إلى مصر تآمر عليه بعض الأمراء المماليك بقيادة بيبرس، فقتلوه بين القرابي والصالحية ودفن بالقصير، ثم نُقِل قبره بعد مدة من الزمن إلى القاهرة، وكان مقتله يوم السبت 16 ذو القعدة 658 هـ الموافق 22 أكتوبر 1260، وذلك بعد معركة عين جالوت بخمسين يومًا.
اصولة
نشأ قطز كأي مملوك تم شراءه، مثل بقية المماليك الأرقّاء القادمين من بلاد ما وراء النهر من بلاد المغول والترك؛ فالترك من قبائل المغول التي سكنت شرق آسيا ومنهم التتار الذين خرج منهم جنكيز خان وهولاكو. ويُوصف قطز بأنه أحد أمراء الدولة الخوارزمية الإسلامية التي كانت مجاورة لإمبراطورية المغول التي أسسها خان المغول جنكيز خان، وقد دخل ملك الدولة الخوارزمية علاء الدين محمد الخوارزمي في صراع وحروب مع جنكيز خان أدت إلى تحطم الإمبراطورية الخوارزمية وهلاك علاء الدين محمد خوارزم شاه وابنه السلطان جلال الدين، والخوارزميون هم سلالة تركية سُنِّية حكمت أجزاء كبيرة من آسيا الوسطى وغرب إيران في الفترة (1077 - 1220) وكانوا أتباعًا اقطاعيين للسلاجقة ثم استقلوا، وأصبحوا حكامًا مستقلين في القرن الحادي عشر الميلادي.[5]
ولمَّا سقطت الدولة الخوارزمية بمقتل السلطان جلال الدين بن محمد خوارزم شاه في 15 شوال 628 هـ الموافق 9 أكتوبر 1231، كان الأمير ممدود الخوارزمي ابن عم السلطان جلال الدين وزوج أخته قد شارك جلال الدين في قتاله للمغول حتى نال الشهادة وقتل في بداية الحروب الخوارزمية المغولية، وترك الأمير ممدود قبل وفاته ابنه الصغير محمود في رعاية وتربية خاله السلطان جلال الدين، قال علي أحمد باكثير «مات الأمير ممدود شهيدًا في سبيل الله، ولم يتجاوز الثلاثين من عمره، تاركًا وراءه زوجته البارة، وصبيًا في المهد لما يدُر عليه الحول، ولم يتمتع برؤيته إلا أياماً قلائل، إذ شغله عنه خروجه مع جلال الدين لجهاد التتار، ولم يكن له وهو يودع هذه الحياة ونعيمها من عزاء إلا رجاؤه فيما أعد الله للشهداء المجاهدين في سبيله من النعيم المقيم والرضوان الأكبر»،[6][7]
ويروي شمس الدين الجزري في تاريخه عن سيف الدين قطز «لما كان في رق موسى بن غانم المقدسي بدمشق، ضربه سيده وسبه بأبيه وجده، فبكى ولم يأكل شيئا سائر يومه، فأمر ابن الزعيم الفراش أن يترضاه ويطعمه، فروى الفراش أنه جاءه بالطعام، وقال له: كل هذا البكاء من لطمة، فقال قطز: إنما بكائي من سبه لأبي وجدي وهما خير منه، فقلت: من أبوك واحد كافر، فقال: والله ما أنا إلا مسلم ابن مسلم، أنا محمود بن ممدود ابن أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك، فسكتُّ وترضيته».[8]
نشأتة
ولد قطز أو الأمير محمود بن ممدود الخوارزمي في أسرة ملكية بمملكة خوارزم شاه بفارس، ولم يذكر المؤرخون السنة التي ولد فيها، وكان أقرب تاريخ ذُكر في سيرة قطز هو عام 628 هـ الموافق 1231 عندما تمَّ اختطافه عقب انهيار الدولة الخوارزمية على يد التتار، وحُمل هو وغيره من الأطفال إلى دمشق.[8]
ولد محمود للأمير ممدود ابن عم وزوج أخت السلطان جلال الدين الخوارزمي، ونشأ نشأة الأمراء وتدرب فنون القتال على يد خاله جلال الدين نظرًا لاستشهاد أبيه وهو لايزال رضيعًا في حروب المسلمين الأولى ضد التتار، وكان اسمه وقتها محمود، ثم دارت الدائرة على مملكة جلال الدين وقضى التتار عليه وعلى ملكه، وأُسر الأمير محمود وبيع عبدًا في السوق لثري من أثرياء الشام،[9] فرباه الثري وأحسن تربيته، فتعلم اللغة العربية وأصولها، وحفظ القران الكريم ودرس الحديث، وبعد موت الثري أصبح قطز مملوكًا لابن الثري، ولم يجد منه عناية وحسن تعامل، فبيع قطز لثري آخر من أثرياء الشام، وكان هذا الثري مدخلًا لقطز لدخول الحياة السياسية والجهاد ضد الصليبيين، فهذا الثري هو ابن واحد من أكبر معاوني العالم العز بن عبد السلام، فتربى قطز تربيه جديدة، وجاءت الحروب الصليبية على الشام ومن ضمنها دمشق، وعندما تخلى الصالح إسماعيل عن جهاد الصليبيين وهادنهم، نهض الملك الصالح نجم الدين أيوب للدفاع عن المسلميين، فاشترك قطز من ضمن المدافعين من أهل دمشق مع الجيش المصري، وكان له دور مع بقيت أهل الشام في انتصار المسلمين على الصالح إسماعيل وأعوانه من الصليبيين.[10]
ثم طلب قطز من سيده أن يبيعه إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب ليندرج تحت سلك ممالكه، ووافق سيده على بيعه، وبعد أن بيع قطز إلى الملك الصالح عهد به إلى الأمير المملوكي عز الدين أيبك، فتربى قطز مثل باقي المماليك حيث يتم الحاقهم بمدرسة المماليك، ويتم تعليمهم اللغة العربية قراءة وكتابة، ثم حفظ القران الكريم ومباديء الفقة الإسلامي، ثم فنون القتال من الرمي بالسهام والقتال بالسيوف، وركوب الخيل ووضع الخطط الحربية والتصرف في أمور الدولة، وقد ساعدت التربية الإسلامية والقتالية لقطز في سن الطفولة والشباب في قصر خاله السلطان جلال الدين حيث تولى تربيته بعد وفاة أبيه، في تفوق قطز على أقرانه من المماليك الذين اشتراهم الملك الصالح، فقد نشأ قطز على كراهية المغول وسمع وشاهد القتال والمعارك التي قادها خاله وأبوه في بلاد الخوارزميين.
وكان التتار هم الذين أطلقوا على محمود ابن الأمير ممدود اسم قطز، وهذه الكلمة بالتترية تعني الكلب الشرس، فقد كان واضحًا على قطز علامات القوة والبأس من صغره، فلذلك أطلق عليه التتار هذه الكلمة،[11][12] أورد المؤرخون وصفًا لقطز بأنه كان شابًّا أشقر، كثَّ اللحية، بطلا شجاعًا عفًّا عن المحارم، مترفعا عن الصغائر، مواظبًا على الصلاة والصيام وتلاوة الأذكار، تزوج من بني قومه، ولم يخلف ولدًا ذكرًا، بل ترك ابنتين لم يسمع عنهما الناس شيئًا بعده.[8][13]
مقتلة
كانت نهاية سيف الدين قطز بعد معركة عين جالوت بخمسين يوم فقط،[1] اتفق المؤرخون على أن قطز قتل وهو في طريق عودته من دمشق إلى القاهرة في منطقة تسمى الصالحية بفلسطين. ولكنهم اختلفوا في من قتله،ومنهم من يقول انه كان مقتله على يد القائد المملوكي ركن الدين بيبرس،[85][86][87][88][89] واختلف المؤرخون في سبب إقدام بيبرس على قتل السلطان قطز، فابن خلدون في مقدمته يروي أن المماليك الحربية بقيادة بيبرس كانت تتحين الفرصة لقتل قطز لأخذ الثأر لمقتل أميرهم فارس الدين أقطاي، الذي تولى قطز قتله في عهد السلطان عز الدين أيبك، فلما غادر قطز دمشق وقرب من مصر، ذهب في بعض أيامه يتصيد وسارت الرواحل على الطريق فاتبعوه المماليك وعلاه بيبرس بالسيف فخر صريعاً،[85] في حين يقول جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء أن قطز وعد بيبرس بإعطائه إمارة حلب ثم رجع قطز عن وعده، فتأثر بيبرس بذلك، ولما رجع قطز إلى مصر كان بيبرس قد أضمر الشر وأسر ذلك في نفسه، ثم اتفق بيبرس وجماعة من الأمراء على قتل المظفر فقتلوه في الطريق،[87] أما المؤرخ قاسم عبده قاسم فقال أن بيبرس ظن أنه أحق بالعرش من قطز، لا سيما وأنه صاحب دور كبير في هزيمة الحملة الصليبية السابعة بقيادة الملك لويس التاسع قبل عشر سنوات في المنصورة، كما أنه لعب دوراً كبيراً في هزيمة المغول في عين جالوت، وأنه كان أول من ألحق بهم هزيمة عندما دمر طليعة الجيش المغولي، ثم طارد فلوله المنسحبة حتى أعالي بلاد الشام، وكان بيبرس ابن عصره، وكانت تلك هي الأفكار السياسية السائدة آنذاك، ولم تكن هناك مؤسسات شورية قوية في اختيار الحاكم، وغاب الفقه السياسي في الإسلام المتعلق باختيار السلطان أو الملك أو الحاكم، فأدى ذلك لقتل قطز،[90] يروي ابن خلدون في كتابه تاريخ ابن خلدون قصة مقتل الملك المظفر سيف الدين قطز:[85]
سيف الدين قطز كان البحرية من حين مقتل أميرهم أقطاي الجامدار يتحينون لأخذ ثأره وكان قطز هو الذي تولى قتله، ولما سار إلى التتر ذهل كل منهم عن شأنه، وجاء البحرية من القفر هاربين من المغيث صاحب الكرك فوثقوا لأنفسهم من السلطان قطز أحوج ما كان إلى أمثالهم من المدافعة عن الإسلام وأهله فأمنهم واشتمل عليهم وشهدوا معه واقعة التتر على عين جالوت وأبلغوا فيها والمقدمون فيهم يومئذ بيبرس البندقداري وأنز الأصبهاني وبلبان الرشيدي وبكتون الجوكنداري وبندوغز التركي. فلما انهزم التتر من الشام واستولوا عليه وحسر ذلك المدّ وأفرج عن الخائفين الروع عاد هؤلاء البحرية إلى ديدنهم من الترصد لثأر أقطاي، فلما قفل قطز من دمشق سنة ثمان وخمسين (سنة 658 هـ) أجمعوا أن يبرزوا به في طريقهم، فلما قارب مصر ذهب في بعض أيامه يتصيد وسارت الرواحل على الطريق فاتبعوه وتقدم إليه أنز شفيعاً في بعض أصحابه، فشفعه فأهوى يقبل يده فأمسكها، وعلاه بيبرس بالسيف فخر صريعاً لليدين والفم، ورشقه الآخرون بالسهام فقتلوه وتبادروا إلى المخيم، وقام دون فارس الدين أقطاي على ابن المعزّ أيبك وسأل من تولى قتله منكم فقالوا بيبرس فبايع له واتبعه أهل المعسكر ولقبوه بـالقاهر، وبعثوا بالخبر إلى القلعة بمصر فأخذ له البيعة على من هناك، ووصل القاهر منتصف ذي القعدة من السنة فجلس على كرسيه ولكنه غير لقبه الي الظاهر خوفاً من شؤم لقب القاهر واستخلف الناس على طبقاتهم وكتب إلى الأقطار بذلك. ورتب الوظائف وولى الأمراء. سيف الدين قطز
يروي ابن كثير في كتابه البداية والنهاية:[86]
سيف الدين قطز ذكر سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداري وهو الأسد الضاري وذلك أن السلطان الملك المظفر قطز لما عاد قاصدا مصر وصل إلى ما بين الغزالي والصالحية، عدا عليه الأمراء فقتلوه هنالك، وقد كان رجلا صالحا كثير الصلاة في الجماعة ولا يتعاطى المسكر ولا شيئا مما يتعاطاه الملوك، وكانت مدة ملكه من حين عزل ابن استاذه المنصور علي بن المعز التركماني إلى هذه المدة وهي أواخر ذي القعدة نحوا من سنة رحمه الله وجزاه عن الإسلام وأهله خيرا، وكان الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري قد اتفق مع جماعة من الأمراء على قتله فلما وصل إلى هذه المنزلة ضرب دهليزه وساق خلف أرنب وساق معه أولئك الأمراء فشفع عنده ركن الدين بيبرس في شئ فشفعه فأخذ يده ليقبلها فأمسكها وحمل عليه أولئك الأمراء بالسيوف فضربوه بها وألقوه عن فرسه ورشقوه بالنشاب حتى قتلوه. سيف الدين قطز
قال جلال الدين السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء:[87]
سيف الدين قطز ثم دخلت سنة ثمان وخمسين والوقت أيضا بلا خليفة وفيها قطع التتار الفرات ووصلوا إلى حلب و بذلوا السيف فيها ثم وصلوا إلى دمشق وخرج المصريون في شعبان متوجهين إلى الشام لقتال التتار فأقبل المظفر بالجيوش و شاليشه ركن الدين بيبرس البندقداري فالتقوا هم والتتار عند عين جالوت ووقع المصاف وذلك يوم الجمعة خامس عشر رمضان فهزم التتار شر هزيمة وانتصر المسلمون ولله الحمد وقتل من التتار مقتلة عظيمة وولوا الأدبار وطمع الناس فيهم يتخطفونهم وينهبونهم، وجاء كتاب المظفر إلى دمشق بالنصر فطار الناس فرحا ثم دخل المظفر إلى دمشق مؤيدا منصورا وأحبه الخلق غاية المحبة وساق بيبرس وراء التتار إلى بلاد حلب وطردهم عن البلاد ووعده السلطان بحلب ثم رجع عن ذلك فتأثر بيبرس من ذلك وكان ذلك مبدأ الوحشة وكان المظفر عزم على التوجه إلى حلب لينظف آثار البلاد من التتار فبلغه أن بيبرس تنكر له وعمل عليه فصرف وجهه عن ذلك ورجع إلى مصر وقد أضمر الشر لبيبرس وأسر ذلك لبعض خواصه فأطلع على ذلك بيبرس فساروا إلى مصر و كل منهما محترس من صاحبه فاتفق بيبرس وجماعة من الأمراء على قتل المظفر فقتلوه في الطريق في ثالث عشر شهر ذي القعدة سيف الدين قطز
قبره عدل
بعد مقتل قطز بقي ملقًا على الأرض مضرحًا بدمائه دون أن يجرؤ أحد على دفنه، إلى أن دفنه بعض غلمانه، وصار قبره يقصد للزيارة والتبرك والناس يترحمون عليه ويدعون على قاتله، وكثر الترحم عليه والدعاء على من قتله، وكان الملك الظاهر بيبرس قد شارك في قتله فلما بلغه ذلك سيَّر من نبشه ونقله إلى غير ذلك المكان وعفى أثره ولم يعفى خبره، ثم حُمل قطز بعد ذلك إلى القاهرة، ودفن بالقرب من زاوية الشيخ تقي الدين قبل أن تُعمر، ثم نقله الحاج قطز الظاهري إلى القرافة ودفن بالقرب من زاوية ابن عبود.[91][92][93][94]