بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحم الله تعالى وبركاته
رسول الله صلى الله عليه وسلم
صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، صاحب الغرّة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيّد بجبريل، خير الخلق في طفولته، وأطهر المطهرين في شبابه، وأنجب البشرية في كهولته، وأزهد الناس في حياته، وأعدل القضاة في قضائه، وأشجع قائد في جهاده؛ اختصه الله بكل خلق نبيل؛ وطهره من كل دنس وحفظه من كل زلل، وأدبه فأحسن تأديبه وجعله على خلق عظيم؛ فلا يدانيه أحد في كماله وعظمته وصدقه وأمانته وزهده وعفته.
اعترف كل من عرفه حق المعرفة بعلو نفسه وصفاء طبعه وطهارة قلبه ونبل خلقه ورجاحة عقله وتفوق ذكائه وحضور بديهته وثبات عزيمته ولين جانبه.
بل اعترف بذلك المنصفون من غير المسلمين؛ ومن هؤلاء:
يقول المستشرق الأمريكي (واشنجتون إيرفنج): «كان محمد خاتم النبيين وأعظم الرسل الذين بعثهم الله تعالى ليدعوا الناس إلى عبادة الله».
ويقول : البروفيسور يوشيودي كوزان ـ مدير مرصد طوكيو: (أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود).
ويقول عالم اللاهوت السويسري د.هانز كونج : (ـ بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم).
ويقول توماس كارليل: (قرأت حياة رسول الإسلام جيدًا مرات ومرات، فلم أجد فيها إلا الخُلُق كما ينبغي أن يكون، وكم ذا تمنيت أن يكون الإسلام هو سبيل العالم).
ويقول المستشرق الفرنسي أميل ردمنغم: "... كان محمد صلى الله عليه وسلم أنموذجًا للحياة الإنسانية بسيرته وصدق إيمانه ورسوخ عقيدته القويمة، بل مثالاً كاملاً للأمانة والاستقامة وإن تضحياته في سبيل بث رسالته الإلهية خير دليل على سمو ذاته ونبل مقصده وعظمة شخصيته وقدسية نبوته".
ويقول المستشرق الإسباني (جان ليك): (أيّ رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثلما أدرك محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأيُّ إنسان بلغ من مراتب الكمال مثل ما بلغ، لقد هدم الرسول المعتقدات الباطلة التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق".
أما (وليام موير) المؤرخ الإنجليزي فيقول في كتابه (حياة محمد): "لقد امتاز محمد عليه السلام بوضوح كلامه، ويسر دينه، وقد أتم من الأعمال ما يدهش العقول، ولم يعهد التاريخ مصلحًا أيقظ النفوس وأحيى الأخلاق ورفع شأن الفضيلة في زمن قصير كما فعل نبي الإسلام محمد".
هذه مقتطفات من مواقف فلاسفة ومستشرقين أوروبيين وغربيين في حق المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم النبي الخاتم، أردنا منها إثبات أن أبناء الحضارة الغربية يقرون بدور الإسلام في بنائها وتشييد صروحها، وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصفاته الحميدة وفضله المتصل إلى يوم القيامة على البشرية في جميع أقطار المعمور، ذلك أن التعصب الأوروبي المسيحي لم يكن خطًا صاعدًا باستمرار، وإنما وجد هناك منصفون أكدوا الحقيقة بلا لف أو دوران، ولكن الثقافة الغربية السائدة والمتشبعة بقيم التعصب والعناد والتمركز الحضاري حول الذات سعت إلى حجب هذه الحقائق وإخفاء هذه الأصوات حتى لا يتمكن الشخص الأوروبي العادي من الإطلاع على ما أتبثه أبناء جلدته من الكبار في حق الإسلام ونبيه ورسالته العالمية الخالدة، وذلك كله بهدف تحقيق غرضين، الأول إبعاد الأوروبيين المسيحيين عن الإسلام الذي دلل على قدرته على التغلغل في النفوس وملامسة صوت الفطرة في الإنسان، فهو يخيف الغرب المتوجس من تراجع عدد معتنقي المسيحية في العالم ,برغم ما ينفقه من الأموال والوقت لتنصير الشعوب، والغرض الثاني ضمان استمرار الصراع بين الغرب والإسلام والقطيعة بينهما لمصلحة الصهيونية والماسونية التي تعتبر نفسها المتضرر الأول والرئيس من أي تقارب أو حوار بين الإسلام والغرب.
وفي هذه الورقات اليسيرات نكشف جانباً من جوانب عظمته, وأخلاقه الكريمة وخصاله الشريفة لعل الله يهدي بها أقواماً علم منهم الإنصاف إلى الحق، ولعله يرعوي أقوام آخرون ممن تابع عن جهل وتعصب أعمى تلك الحملة الظالمة والتشويه الكاذب لسيرة أعظم إنسان عرفته البشرية.
أخلاق أعظم إنسان:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً وأكرمهم وأتقاهم، وقد شهد له بذلك ربه جل وعلا وكفى بها فضلا؛ قال تعالى مادحاً وواصفاً خُلق نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم
وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ )) القلم4
يقول خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه:" كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا" - رواه البخاري ومسلم.
وتقول زوجه صفية بنت حيي رضي الله عنها: "ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم " - رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.
وقالت عائشة لما سئلت رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: (كان خلقه القرآن) صحيح مسلم.
فهذه الكلمة العظيمة من عائشة رضي الله عنها ترشدنا إلى أن أخلاقه صلى الله عليه وسلم هي اتباع القرآن، وهي الاستقامة على ما في القرآن من أوامر ونواهي، وهي التخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن العظيم وأثنى على أهلها والبعد عن كل خلق ذمه القرآن.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيةً له وخلقاً.... فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خُلقٍ جميل.ا.هـ
وقد جاءت صفاته وخصاله الكريمة صلى الله عليه وسلم في كتب أهل الكتاب نفسها قبل تحريفها ؛ فعن عطاء رضي الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا - رواه البخاري.
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله :
كان صلى الله عليه وسلم خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته من طيب كلامه وحُسن معاشرة زوجته بالإكرام والاحترام، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )) رواه الترمذي.
وكان من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أهله وزوجه أنه كان يُحسن إليهم ويرأف بهم ويتلطّف إليهم ويتودّد إليهم، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم، وكان من شأنه صلى الله عليه وسلم أن يرقّق اسم عائشة ـ رضي الله عنها ـ كأن يقول لها: (يا عائش )، ويقول لها: (يا حميراء) ويُكرمها بأن يناديها باسم أبيها بأن يقول لها: (يا ابنة الصديق) وما ذلك إلا تودداً وتقرباً وتلطفاً إليها واحتراماً وتقديراً لأهلها.
و كان صلى الله عليه وسلم يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم، وكانت عائشة تغتسل معه صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، فيقول لها: (دعي لي)، وتقول له: دع لي. رواه مسلم
وكان يُسَرِّبُ إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها. وكان إذا هويت شيئاً لا محذورَ فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإِناء أخذه، فوضع فمه في موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عَرقاً - وهو العَظْمُ الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حَجْرِها، ويقرأ القرآن ورأسه في حَجرِها، وربما كانت حائضاً، وكان يأمرها وهي حائض فَتَتَّزِرُ ثم يُباشرها، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خُلُقه مع أهله أنه يمكِّنها من اللعب.
(عن الأسود قال :سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قال : كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة) رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم - رواه أحمد.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس : اقدموا فتقدموا، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي : تعالي أسابقك فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول هذا بتلك" رواه أحمد.
بل إنه صلى الله عليه وسلم وضع ركبته لتضع عليها زوجه صفية رضي الله عنها رجلها حتى تركب على بعيرها. رواه البخاري.
ومن دلائل شدة احترامه وحبه ووفائه لزوجته خديجة رضي الله عنها، إن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها (صديقاتها)، وذلك بعد مماتها وقد أقرت عائشة رضي الله عنها بأنها كانت تغير من هذا المسلك منه - رواه البخاري.