الإمام العلامة الحافظ البصير، طبيب القلوب، مجتهد عصره وعلمه، شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي المشهور بابن القيم، والقيّم هو الناظر أو المسئول، وكان أبوه قيمًا على المدرسة الجوزية نسبة للإمام ابن الجوزي، وُلد رحمه الله سنة 691هـ في دمشق، ونشأ من صغره محبًا للعلم والتقى مع شيوخ عصره وسمع منهم وتخرّج على أيديهم حتى برع في علوم كثيرة على رأسها التفسير والحديث والأصول، وكان حريصًا على اقتناء الكتب حتى حاز مكتبة ضخمة من كتب السلف والخلف ضرب بضخامتها الأمثال في وقته.
كان لقاؤه مع شيخ الإسلام ابن تيمية نقطة تحول في حياته، ذلك أن ابن القيم كان في بداياته ميالاً لعلم السلوك والتصوف وكلام الإشارات والرموز، وكان أول لقاء له مع ابن تيمية سنة 712هـ بعد عودة ابن تيمية من مصر، فأدرك ابن تيمية بعينه الفاحصة الثاقبة نباهة ابن القيم وتميزه، فاصطفاه من سائر تلاميذه وضمه إليه حتى صار ابن القيم أخص الناس بابن تيمية، وحمل عنه علومه كلها وآراءه وأفكاره وفتاويه ضد التصوف والبدع والعقائد المخالفة لعقيدة السلف والجمود والتعصب، حتى سجن معه في معتقل دمشق بسبب فتاوى الطلاق، ولم يخرج ابن القيم من المعتقل إلا بعد وفاة شيخه ابن تيمية، فانطلق بعدها ينشر علوم شيخه وينقلها للناس حتى صار صاحب الفضل الأول بعد الله عز وجل في بقاء علوم وفقه ابن تيمية والحفاظ عليه ونقله للأجيال التالية.
وكان ابن القيم حسن الخلق دائم التودد والبشر للناس، يغلب عليه الخير الجم والأخلاق الصالحة مع عبادة طويلة وطريقة مشهورة في الصلاة تشبه صلاة الصالحين من سلف الأمة حيث يطيلها إلى حد كبير جدًا، وكان كثير البكاء والدعاء والمعاتبة لنفسه، شديد الخوف من التقصير والتفريط، وهذه الأمور والخصال أكسبته قدرة كبيرة على الغوص في معاني الآيات والأحاديث ودقائق النفس البشرية، حتى أصبح كأنه من أشهر الأطباء النفسيين، ومن كبار خبراء علل القلوب وأمراضها وكيفية علاجها، حتى فاق كل معاصريه حتى أستاذه ابن تيمية، حتى الغزالي صاحب الإحياء والهروي صاحب المنازل.
ولقد أثرى ابن القيم المكتبة الإسلامية بالكثير من المؤلفات في شتى فروع العلم في التفسير والأصول والفروع والحديث والرقائق والزهد والوعظ والإرشاد والسلوك، منها على سبيل المثال: إعلام الموقعين وزاد المعاد وإغاثة اللهفان ومدارج السالكين وبدائع الفوائد والداء والدواء وشفاء العليل والصواعق المرسلة واجتماع الجيوش الإسلامية، وكان له حافظة عجيبة وقريحة سيالة حتى أنه كتب سفره الحافل زاد المعاد وهو عائد من رحلة الحج ولم يكن معه أي مراجع أو مصادر، بل كتبه كله من ذاكرته الحافظة، وهذا الذي جعله يتقدم علماء عصره ويعترفون هم له بذلك، بل عده بعضهم من المجتهدين المطلقين.
وقد توفي رحمه الله يوم الأربعاء 13 رجب 751هـ بعد حياة حافلة بالعطاء والجهاد ونشر العلوم.
مفكرة الإسلام
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
قصص القرآن الكريم .. | حبيبة أبوها | القرآن الكريم | 45 | 30-05-2019 06:10 PM |
بن رشد الأندلسي ،معلومات عن أبو الوليد ،بحث كامل عن ابن رشد | وغارت الحوراء | شخصيات وأحداث تاريخية | 5 | 14-12-2018 08:18 PM |
مسابفة اليوم الأحد من المسابقة المتجددة | أم أمة الله | مسابقات الاقسام | 17 | 26-01-2017 01:53 AM |
تفسير سورة الفلق تفسير | عطور الجنه | القرآن الكريم | 4 | 08-11-2016 02:13 PM |
العالم العربي ابن سينا | بيادر القاضي | شخصيات وأحداث تاريخية | 2 | 27-11-2013 08:19 AM |
جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع