- الرقة: فلا يكون رقيقاً وشفافاً, فيشف ما تحته, بحيث يظهر لون البشرة, وذلك لأنه يظهر عورة المرأة المأمورة بسترها, فقد تلبس بعض النساء ملابس واسعة ولكنها شفافة, أو قد تستر جميع جسدها, وتظهر كتفيها ونصف صدرها, أو ساقيها وبعض فخذها من تحت قماش رقيق, أو قد تلبس الملابس الضيقة, التي تفصل تقاسيم جسدها وتلبس من فوقها ملابس شفافة, وكلها في الحرمة سواء, إلا أنه كلما أظهرت من جسدها كلما زاد إثمها.
وهذا هو الذي عليه أهل العلم ومنهم العلامة محمد ابن إبراهيم رحمه الله, وتلميذه سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله, ومعالي الشيخ صالح الفوزان حفظه الله, وغيرهم (انظر فتاوى ورسائل ابن إبراهيم:/159, ومجموع فتاوى ابن باز:19/17, والتنبيهات للشيخ الفوزان ص23)
- القِصر: فلا يكون قصيراً فلا يستر ساقيها, بل قد يصل الحال ببعض النساء إلى إظهار بعض الفخذين, وهذا اللبس محرم لما فيه من إظهار المرأة لما أمرت بستره من عورتها, وبعضهن قد تتحايل على لبس القصير بلبس السروال الضيق تحته, أو ما يسمى بالهلاهب, أو تلبس جورباً طويلاً, أو بوتاً طويلاً إلى ركبتيها, وكل هذا لا يحلل لها لبس القصير, لأنه لا يؤمن معه ظهور شيء من ساقيها أو فخذيها, بل حتى لو لبست تحته البنطلون, فلا يزال المحذور قائماً لآن لبس البنطلون كما سبق تقريره محرم, و لا يتحقق بلبسه الستر الواجب, ثم أن من النساء من كانت تلبس مع القصير البنطلون, ثم تخطي بها إبليس إلى لبس السروال الضيق والقصير تحته, ثم إلى لبس الهلاهب, حتى وصل بها إلى لبس القصير بدون ساتر تحته, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (21: النــور)
- أن يكون ساتراً لجسمها, فلا يكون به فتحات, أو يكون مشقوقاً من أسفله, أو علاقياً يظهر يديها وكتفيها, وبعض صدرها وظهرها, فقد تلبس المرأة الفستان الطويل, ولكنه مشقوق إلى أعلى فخذها, أو يكون به فتحة تبين بعض جسدها كظهرها, أو بطنها وسرتها, أو نحو ذلك, ومع الأسف أن كثيراً من النساء اليوم لو سترت أسفل بدنها بثوب طويل, إلا أنه لا يستر أعلى بدنها, فيكون معلقاً على كتفيها بخيط رقيق, وقد أظهرت صدرها وظهرها, وكتفيها وذراعيها, وكل هذه من المفاتن التي لا يجوز لها كشفه لأنه من العورة المأمور بسترها كما سبق تقريره.
وقد دل على هذه الضوابط جميعها قوله صلى الله عليه وسلم: ( صنفان من أهل النار لم أرهما.....و نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)), رواه مسلم.
والشاهد في هذا الحديث هنا هو قوله صلى الله عليه وسلم: ((نساء كاسيات عاريات)) إذ يدخل في هذا الذم والوعيد كل امرأة تلبس الملابس العارية والضيقة والشفافة, لأنها كاسية في الظاهر بما عليها من ملابس, ولكنها في الحقيقة ونظر الشرع عارية, لأن ملابسها لا تستر القدر الواجب عليها ستره, حتى إن من يلبس هذه الملابس يسميها (ملابس عارية) فطابق الاسم الحقيقة والله المستعان.
ووصفهن صلى الله عليه وسلم هنا بكونهن يكتسين، فذكر الكسوة ولم يذكر العري الفاضح, قال أهل العلم: لأن الدعوة للشهوة والحرام بالملبوس الشفاف أبلغ من العري، فإنه إذا قورن بين النظر إلى المرأة وهي عارية, والنظر إليها بالملابس الشفافة والقصيرة كانت الفتنة برؤيتها وهي تلبس الشفاف والقصير أبلغ من الفتنة برؤيتها وهي عارية ، وإن كان الكل محظوراً, لأن من طبيعة النفس أن تتشوف لما أخفي عنها, فتحد النظر إليه, وتزيد التأمل فيه حتى يحصل الافتتان به.
وهذا كلام أهل العلم من شراح الحديث في بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((كاسيات عاريات)).
قال القاضي عياض رحمه الله: \"فيها ثلاثة أوجه :
أحدها: كاسيات من نعم الله - تعالى - عاريات من الشكر.
الثاني: كاسيات يكشفن بعض جسدهن، ويسبلن الخمر من ورائهن، فتنكشف صدورهن ، فهن كاسيات بمنزلة العاريات ، إذا كان لا يستر لباسهن جميع أجسادهن .
والثالث: يلبسن ثياباً رقاقا تصف ما تحتها، فهن كاسيات في ظاهر الأمر عاريات في الحقيقة\" . (إكمال المعلم شرح صحيح مسلم:8/193)
و قال الإمام القرطبي رحمه الله:\" وقوله : (( ونساء كاسيات ، عاريات )) ؛ قيل في هذا قولان:
أحدهما: أنهن كاسيات بلباس الأثواب الرقاق الرفيعة التي لا تستر منهن حجم عورة، أو تبدي من محاسنها - مع وجود الأثواب الساترة عليها - ما لا يحل لها أن تبديه، كما تفعل البغايا المشتهرات بالفسق.
وثانيهما: أنهنَّ كاسيات من الثياب، عاريات من لباس التقوى؛ الذي قال الله تعالى فيه: {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ } (26:الأعراف)
قلت: ولا بُعد في إرادة القدر المشترك بين هذين النوعين؛ إذ كل واحد منهما عُرِيٌّ؛ إنَّما يختلفان بالإضافة\".(المفهم:7/488)
الضابط الثاني: أن لا يكون فيه تشبه:
ويدخل في ذلك مسألتان:
- التشبه بالكفار والفساق:
ميز الله المسلم في كل شيء حتى في مظهره وملبسه, لذلك نهاه عن التشبه بالكافر والفاسق, وأمره بمجانبته في كل شيء, قال صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم)) أخرجه أحمد وأبو داود, وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر, وحسنه الألباني.(انظر شرح المسند لأحمد شاكر: 7/121, إرواء الغليل: 5/109)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذا الحديث:\" وهذا أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم, وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم, كما في قوله تعالى: { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } (51: المائدة)\" (اقتضاء الصراط المستقيم:1/237)
قال الصنعاني رحمه الله:\" والحديث دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم أو بالكفار أو بالمبتدعة في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو مركوب أو هيئة\" (سبل السلام:4/348)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله عن هذا الحديث: \"وهو غاية في الزجر عن التشبه بالفساق أو بالكفار في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو هيئة\" مجموع فتاوى ابن باز (25 / 350)
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين رأى عليه ثوبين معصفرين : ((إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها)) أخرجه مسلم
فنهاه صلى الله عليه وسلم عن لبسهما لأن في لبسهما تشبُّه بالكفار.
قال أحمد شاكر رحمه الله:\" هذا الحديث يدل على حرمة التشبه بالكفار في الملبس, وفي الحياة والمظهر, ولم يختلف أهل العلم منذ الصدر الأول في هذا, أعنى حرمة التشبه بالكفار\"( انظر شرح المسند لأحمد شاكر:10/19)
وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس: (إياكم والتنعم, وزي أهل الشرك).
وبهذا يتضح أنه لا يجوز للمسلم أن يتشبه بالكفار, ومن ذلك التشبه بهم في ملابسهم, وقد بُلي المسلمون في هذا الزمن بمناظر الكفار ومُشاهدتهم في منازلهم, عبر القنوات وما تبثه من أفلام ومسلسلات, وعروض للأزياء, وكذلك ما ينشر في المجلات وما فيها من أزياء مستهجنة, وكلها مع الأسف من الملابس التي لا تخلو من حرمة وخدش للحياء, ويكفي أن الذي يروج لها ويلبسها ممن من ليس لهم في الآخرة من خلاق, ولم يتربوا على الحياء والأخلاق.
وضابط التشبه المنهي عنه بالكفار في الملابس: أن تكون من خصائصهم, أو مما تميزوا به عن غيرهم, أما إذا كان اللباس مما يشترك في لبسه المسلمون والكفار, ولم يكن محرماً في ديننا بنص خاص به كلبس الحرير للرجال, أو الملابس العارية للنساء فلا بأس به.(انظر فتاوى اللجنة الدائمة (2/429) و مجموع فتاوى ابن باز (25 / 350), والمجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين (3/103) وغيرها)
أما إذا كان اللباس محرماً في ديننا فلا يجوز لبسه حتى لو اشتهر لبسه بين المسلمين, وأصبح من عاداتهم, لأن العرف والعادة لا تحلل ما حرمه الله.
ومع الأسف أن كثيراً ممن يلبس الملابس المحرمة, يستدل بجواز لبسها بعرف الناس وعادتهم, ويقول ( كل الناس تلبس هذا) وليس في هذا حجة لأن فعل الناس لأمر ولو انتشر بينهم لا يحلله, فالتحليل والتحريم حق لله وحده, ربطه سبحانه بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
و لا نستطيع أن نقول أن هذا اللباس المعين حرام لأن فيه تشبه, لكن تحرص المسلمة عند اختيارها لملابسها أو ملابس أولادها أن تكون بعيدة عن ملابس أهل الكفر والفسق, كالمغنيات والممثلات, ونحوهن ممن يظهرن في القنوات والمجلات, وأن تكون من الملابس المحتشمة التي تتشبه فيها بالفاضلات والصالحات, وأن ترتفع بذوقها أن تكون إمعة كلما رأت أزياء اتبعتها بدون نظر ولا حذر, وإنما همها أن تكون متميزة ولو كانت إمعة, وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتباع وتقليد اليهود والنصارى في قوله: (( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم, قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن)) متفق عليه. وهذا خبر في سياق الذم والتحذير.
ثم إن المشابهة للكفار والفساق في الملبس والمظهر الخارجي يوجب المودة والمشابهة في الباطن, ويُحبب أهل الكفر والفسق وأعمالهم إلى من تشبه بهم في مظهرهم وملبسهم, كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر, وهذا أمر محسوس ومشاهد, قال ابن تيمية رحمه الله: \" المشابهة في الأمور الظاهرة تورث تناسبا وتشابها في الأخلاق والأعمال ولهذا نهينا عن مشابهة الكفار ومشابهة الأعاجم ومشابهة الأعراب\" (مجموع الفتاوى: 22 / 154) .
وهذا من علة النهي عن التشبه بهم, لذا يجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من كل فعل يؤدي به إلى موادة الكفار ومشاكلتهم في أخلاقهم أو عاداتهم لأن هذا يؤدي به إلى مشابهتهم في عقائدهم وعباداتهم, وقد قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (22: المجادلة) (انظر لتفصيل ذلك اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية)
- التشبه بالرجال:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال)) رواه البخاري.
وزاد في لفظ آخر عند البخاري: ((أخرجوهم من البيوت))
وذلك لأن الإسلام ميز بين الرجل والمرأة, لاختلاف ما بينهما في الطبيعة والصفات والتركيب, قال تعالى: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى } (36: آل عمران)
والضابط في ذلك: أن كل ما أختص به الرجال شرعاً أو عرفاً منع منه النساء, فكل ما يتميز به الرجال عن النساء يمنع منه النساء, وهذا ليس خاصاً باللباس وإن كان هو الغالب, إلا أنه يدخل فيه الحركات والكلام ونحو ذلك.