السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سؤال..
إلى من يهمهم الأمر..
أليس من العار أن ينشأ أبناؤنا وقد مسختهم الثقافات الأجنبية والمبادئ الغربية؟
ثم.. أليس من المخزي والمؤسف أن نغفل عن أبنائنا وهم في سن التفتيح والتقبل.. فندع عقولهم وأفكارهم الغضة تتشرب ذلك العفن الذي سيقطعهم عن كل صلة بالثقافة الإسلامية الواعية، ويمنعهم من كل مرشد ومخلص؟!
وشعرت بانهزام نفسي
* كانت ليلة باردة.. المطر يهطل فيها بغزارة.. وقفت هند أمام المرآة بعد عودتها من حفل زواج إحدى زميلاتها، نظرت بإعجاب إلى شعرها المنفوش ووجهها المليء بالأصباغ، وكأنهما لوحة لفنان تشكيلي!
أخذت تتحسس خصلات شعرها الأصفر وهي تتمتم بكلمات مسموعة: حقا إنها آخر صيحة في عالم التسريحات! والدليل نظرات الزائرات التي تلاحقني.. شعرت بشيء من الإرهاق فألقت بجسدها المتعب على الأريكة وهي تجول ببصرها في أرجاء الغرفة.
وقع بصرها على تلك المجلات التي تمتلئ بها أرفف مكتبتها الصغيرة، لا رغبة في الثقافة والعلم، ولكن جريا وراء الموضة، ومتابعة لأخبار الفن والرياضة، والقصص الغرامية!.
نهضت بتثاقل شديد.. وتناولت واحدة من تلك المجلات.. تصفحتها بعشوائية، ثم رمتها وتناولت أخرى، أخذت تتأمل غلاف المجلة وهي تطلق آهة حزينة.. ألقتها وأخرجت شريطا لأغنيتها المفضلة.. أنصتت لكنها سرعان ما أغلقت جهاز التسجيل!
* إنها تشعر بخواء روحي لم تملأه تلك الصور والأغاني!
* عادت مرة أخرى تقلب أكوام المجلات وقصاصات الجرائد، فوجدت رسالة قد علاها الغبار.. لم تفتح بعد! نظرت في ظهر الرسالة فإذا هي مكتوب عليها: إلى تلميذتي هند حفظها الله..
بادرت هند إلى فتح الرسالة بدافع الفضول لا أكثر! أخرجت الرسالة وجلست باسترخاء ثم قرأتها بروية.
* تلميذتي هند: حفظك الله ورعاك
لقد وددت أن أبعث إليك بهذه الرسالة بعد أن عصفت في صدري الرعود فتساقطت الكلمات بردا من سحابة قلبي..
فيا أطيب الناس قلبا كنت أعرفها
هلا يكن لنصحي منك إصغاء؟
ما زال نصحي بصدري ضيقا حرجا
فهل يحين لهذا الصدر إفضاء؟
لا ألف ذنب كبير عنك يمنعني
حتى ولو باعدتني عنك أنحاء
* حبيبتي هند:
تعالي معي لنتحدث ولو قليلا عن بعض نعم الله تعالى علينا، فلقد أسدى علينا ربنا وخالقنا ورازقنا نعما لا تحصى؛ ومن أعظم تلك النعم وأجلها: نعمة الإسلام، والعقل، ونعمة الصحة في الأجساد، ونعمة الأمن في البلاد، وغيرها.. وغيرها..
فها نحن يا حبيبتي ننعم بالراحة والاستقرار.. لا نشعر بحرارة الصيف أو برد الشتاء! يأتينا رزقنا رغدا من كل مكان، في الوقت الذي يعيش فيه غيرنا حروبا طاحنة وخوفا واضطهادا.. يفترشون الأرض ويلتحفون السماء! أما نحن يا تلميذتي.. فإننا نعيش برفاهية بالغة.. لقد سخر الله لنا من اخترع أنواع مختلفة من الأجهزة منها ما يقرب البعيد، ويكفينا عناء السفر، فنقضي حوائجنا، ونصل أرحامنا، ونطمئن على مرضانا.. فتهدأ نفوسنا.. وتنشرح صدورنا.. كل ذلك بجهد لا يتجاوز لمسات.. أو لمسة خفيفة بأنملة أحد الأصابع!
أتدرين ما هو ذلك الجهاز يا هند؟ إنه جهاز الهاتف!!
فيا لها من نعمة تستحق الشكر حتى تدوم وتبقى.
* لكن من المؤسف.. أن فئة من الشباب– هداهم الله- قد بدلوا نعمة الله كفراً؛ حيث صاروا يستخدمون جهاز الهاتف لتفكيك الأسر وهدم المجتمع بإفسادهم لبنات المسلمين!
* قد تعجبين!! كيف يكون ذلك؟! لكنها الحقيقة المؤلمة! ولقد حدث ذلك بالفعل! فكم من فتاة تفننوا في اصطيادها حتى وقعت فريسة سهلة بين أيديهم.. بل كم من فتاة تعيش ضغوطا نفسية لا يعلمها إلا الله.. والسبب مكالمة هاتفية! قد تكون عفوية! وبعدها حدث ما لم يكن في الحسبان، والقصص والمآسي كثيرة ومتواترة، ولكن لتعلمي يا حبيبتي أن الموفق والسعيد في هذه الحياة هو من وعظ بغيره، والشقي من وعظ به غيره. ثم إنه لمن الشقاء أن يبدأ العاقل من حيث انتهى المغفلون.
* إن من يفعل ذلك الفعل لم يستشعر الملائكة وهم يسجلون كل كلمة يتفوه بها! بل لم يشعر بمراقبة الحي القيوم له الذي لا تأخذه سنة ولا نوم! ولا تخفى عليه صغيرة ولا كبيرة الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ولكن أولئك جعلوا الله أهون الناظرين إليهم! وجعلوا تحريك الباب أشد على نفوسهم الضعيفة من مراقبة الله عز وجل.
فأسأل الله أن يحفظ حماك من شرهم.
* حبيبتي هند:
إني أحدثك بهذا الحديث وكلي محبة وشفقة عليك، فهذه كلمات قليلة قلتها لما رأيته منك وما سمعته عنك، فلقد كذبت سمعي وبصري إذ لم أصدق أن يحدث ذلك منك، ثم لم أعاتب في ذلك إلا أنت: أحقا ما حدث منك؟!
* غاليتي: إن فتاة مثلك لتربأ بنفسها أن ترعى مع الهمل، وقد رشحت لأمر أعظم من ذلك! فأنت التي تدركين عظم المسؤولية الملقاة على عاتقك، أنت صانعة الرجال ومربية الأجيال، أنت التي خلقها الله سكنا ولباسا للزوج، فلا أظن أن فتاة واعية مثلك ستجد فراغا تبحث عن ملئه في أمر ساقط يفقدها أعز ما تملك!
* فهيا يا تلميذتي.. ضعي يدك في يدي وانهضي.. انهضي قبل الغرق! وعودي لرب الفلق.. أعاذني الله وإياك من شر ما خلق.. هيا بادري إلى باب التوبة قبل أن يغلق، فالأجل مجهول والعمر قصير، فلا تسوفي.. وإياك أن تكوني ممن يقول: إنني اتخذت المعصية عادة، ولا أستطيع تركها، فإن الذي يقول ذلك هو من يترك المعصية عادة، ولا أستطيع تركها، فإن الذي يقول ذلك هو من يترك المعصية لغير الله، أما الذي يتركها فإنه لا شك سيجد مشقة في البداية فقط، لكنه حينما يجاهد نفسه ويصبر تستحيل تلك المشقة حلاوة ولذة يجدها في قلبه.
* وقبل أن أختم حديثي أهمس في أذنيك: إنك يا غاليتي أشبه ما تكون بثوب ناصع البياض، يتأثر بأقل البقع، فحافظي عليه من الدنس!.
ثم أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك.
معلمتك: وفاء
* نظرت هند إلى تاريخ الرسالة، فإذا بها قد مر عليها عام كامل!.
طوت الرسالة بكلتا يديها وهي تتمتم بحسرة: عام كامل مضى عليك يا هند، ماذا فعلت فيه؟!
أراحت رأسها على كفها، وطاف بها الخيال بعيدا حيث أخذت تستعيد شريط حياتها، وتفتش في سجلها الأسود!:
* لقد نشأت في بيت محافظ، ولدت من أبوين فاضلين أمسي وأصبح وأنا أسمع كلمات الدعاء لي بالستر والصلاح، فأبواي أشد ما يكونان حرصا على تربيتي التربية الصالحة.. وباعتباري أكبر أبنائهما فقد كرسا جل جهدهما ليغرسا في نفسي خلاصة ما تعلماه من أصول التربية وقواعدها الصحيحة، فكل ما في منزلنا يسير تحت ضوء الشرع والدين، أداء الصلوات في وقتها.. النوم المبكر.. الاستيقاظ المبكر.. حفظ أجزاء من القرآن الكريم وبعض من أحاديث الرسول r.. أما القصص الهادفة فقد كانت تأتينا بأسلوب مشوق فتتشربها عقولنا عن طريق الأشرطة المسموعة والمرئية.
* منذ نعومة أظافري تعلمت كيف أحترم الكبار.. وكيف أرحم الصغار.. أساعد والدتي في بعض أعمال المنزل وفي رعاية إخوتي الصغار، برا بوالدتي أولا ثم بداعي فطرتي كأنثى.. وقتي يقسم بين واجبي تجاه ربي وبين واجباتي المدرسية وواجباتي المنزلية، مع جزء يسير من الوقت للترويح البريء أحيانا.
* لا وقت لدي أضيعه كحال أترابي.. بل إنني لا أعرف الذهاب إلى الأسواق البتة، فكل ما أحتاج إليه يوفره لي والدي وأنا فرحة مسرورة!
* لكن أول يوم تغيرت فيه حالي.. هو ذلك اليوم الذي رأيت فيه (دلال) لأول مرة! يوم أن كنا في بداية المرحلة الثانوية، وكانت فتاة تتقد حيوية وجمالا.. الكل يتحدث عن أناقتها وسحرها، فهي في كل يوم تأتينا بلون وشكل جديد! حقا لقد كانت محط أنظار الجميع. أما أنا فقدر لي أن أصادف مكان جلوسها ولم أكن أقل من غيري إعجابا بها! لم أنس أنني صارحتها مرة بذلك، فكادت تطير فرحا.. بعد ذلك زاد تعلقي بها وتعلقها بي.. وذات يوم أعجبني شكل حذائها فسألتها: ما نوع هذا الحذاء يا دلال؟!
أجابت وهي تبتسم ابتسامة عريضة: إنه نفس شكل الحذاء الذي تلبسه الممثلة (...) ثم استطردت وهي تهز رأسها بثقة: ألم ترينها يا هند في فيلم (...) يوم أن كانت بطلة الفيلم هي و(...)؟!
* أحسست بانهزام نفسي، فاحتقرت في تلك اللحظة ذاتي! كيف لا أعرف تلك المصطلحات التي تتحدث عنها دلال؟! ولعلها هي سر جمالها وجاذبيتها، حتى أصبحت يشار إليها بالبنان! أما أنا فمتخلفة متأخرة!!
أفقت من تلك الهواجس والأفكار على قهقهة وضحكة عالية أطلقتها دلال وهي تقول بعد أن خفضت صوتها قليلا: إنك مثلي تماما يا هند، فأنا حينما أتذكر من أحب أنسى جميع من حولي..!
* لم أفهم ما تقول.. ولكن!
مضت الأيام ودلال تأتيني كل يوم بأخبار جديدة عن فلان، أو فلانة (من الفنانين).
وذات يوم.. وفي إحدى الزوايا بساحة المدرسة!! أخرجت دلال من جيبها صورة ملونة لمغنٍ طالما حدثتني عنه حتى حفظت اسمه.. كانت تضم الصورة إلى صدرها، وهي تعلن عبارات الحب والغرام!
فقلت لها– بسذاجة- ساخرة: ثم ماذا يا دلال؟!
همست في أذني وهي تطلق آهة مكبوتة:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها
ثم أخفت الصورة في جيبها وقالت: لا تزالين صغيرة العقل يا هند.. لا بأس سأحضر لك الشريط حتى تشاهديه صوتا وصورة.. ولتحكمي علي بما شئت بعد ذلك.
* وفي الغد أحضرت دلال الشريط بعد أن أكدت لي أنه آخر شريط نزل قبل أسبوع فقط! وضعته في مكان آمن في حقيبتي..
وبعد عودتي إلى منزلنا.. وحين جاء موعد نومي.. لم أنم مبكرة كالمعتاد! حيث تشاغلت بحل الواجبات، حتى نام الجميع، ثم أحكمت إغلاق الباب بعد أن نقلت جهاز الفيديو إلى غرفتي.. ثم بدأت بمشاهدة ذلك الشريط، فقد كان يحتوي على مسرحية غنائية تعج بكلمات الحب الصاخبة التي تخلع الحياء خلعا وتغرس مكانه الفحش والخنا!!
* مضت الأيام.. ومضت تلك الليلة وليال بعدها وأنا أعيش في دوامة من الصراع مع نفسي.. فقد اختلطت الرؤى في ناظري! أحسست بأنني أسير على مفترق طرق! فوالدي قد أحاطاني بسياج منيع من الحياء والعفة.. بينما دلال تعيش حرية مطلقة.. تستمتع بكل ما تريد دون حدود أو قيود.
* كنت أظن أن طريق دلال هو طريق السعادة بغض النظر عما يؤدي إليه ذلك الطريق، فطالما حذرتني منه والدتي مرارا وتكرارا، ولكني أردت اللذة والمتعة العاجلة.. بل كنت أظن أن والداي ينظران إلى الحياة بمنظار أسود.
* وتمر الأيام تلو الأيام، وحالي يزداد سوءا، ففي كل مساء شريط أو مجلة ساقطة! كانت أجمل ساعات يومي عندما يسدل الليل ستاره، فلا يمكن أن أمضي ليلة دون مسلسل تأسرني فيه مشاهدة فنان أعجب بوسامته، أو ممثلة يعجبني هندامها، ولابد لي أيضا من أن أصغي إلى كلمات الهوى والغرام، فهي تهز المشاعر وتدغدغ الغرائز؛ حتى أصبحت شديدة الإعجاب بأحد المغنين، فلا أستطيع النوم إلا على نغمات صوته الذي زينه الشيطان في سمعي. وصرت أجمع صوره من الجرائد والمجلات فأحتفظ بها في (ألبوم) خاص! وما أن أمسك بالقلم إلا وأكتب اسمه حتى كتبي ودفاتري! كنت أردد أبياته الشعرية وأستشهد بها في كل مناسبة!!
* لقد انعكس التغيير على سلوكي فأصبحت سريعة الانفعال.. متوترة الأعصاب.. كثيرة القلق.. أغضب لأتفه الأسباب.. ساءت علاقتي بوالدي.. ثم انخفض مستواي الدراسي تدريجيا بعد أن كنت الطالبة المثالية، كيف لا يكون ذلك والهدف من ذهابي إلى المدرسة أصبح هدفا لا يرضي الله ولا الصالحين من خلقه.. فلقد اتخذتها أنا وبعض الزميلات مكانا لتبادل الأشرطة والصور أو مجلات الأزياء!
* لست أنسى ذلك اليوم الذي استدعتني فيه إحدى المعلمات وأسرت إلي بنصيحة قيمة مفادها التحذير من رفيقات السوء، لكن نصيحتها لم تحرك في القلب ساكنا! فلقد أصبح في أذني وقر يمنعني من سماع الخير والنصح.. وعلى قلبي الغافل باب محكم الغلق عن أهل الخير، فلا يدخله إلا من هم على شاكلتي من شياطين الإنس!
* أما شأني مع كتاب ربي فإني أقرأ كغيري من الطالبات في حصة القرآن فقط!! لكنها قراءة جامدة.. أقرأه على مضض دون تفكر أو تدبر مما لفت انتباه معلمتي.. ففي أحد الأيام كنت في طريقي للخروج من المدرسة فاستوقفتني الأستاذة وفاء – وهي معلمة مادة الدين- ووضعت في يدي رسالة وهي تبتسم ابتسامة المشفق وتقول بصوت حانٍ خفي: تفضلي يا هند.. حاولي أن تقرئي ما فيها بتمعن، ولتتأكدي أن لك في قلبي مكانا فسيحا وأن…، لم أدعها تكمل حديثها بل أسرعت إلى الخروج بلا مبالاة. ففكري مشغول بأحاديث دلال وقصاصات الجرائد وأنا أتساءل: لماذا هؤلاء – الملتزمين- يكبلون أنفسهم بقيود تحرمهم متعة الحياة وجمالها؟!
* والعجيب أنهم يحاولون أن يكبلوا غيرهم أيضا.. لا أشك أنهم يعيشون وهم يعانون من عقد نفسية بسبب تلك القيود!.. كم كان يضايقني صوت والدتي وهي تصلي قبيل الفجر وتدعو لي بالهداية والستر..
* وفي ذات يوم سألتني دلال: هل تعرفين خالد يا هند؟
أجبتها باستغراب: خالد! ومن يكون خالد أيضا؟
* أنه شاب في منتهى الوسامة و...و...ثم إنك يا هند فتاة جميلة وصوتك ساحر.. ناعم.. دافئ! خالد يبحث عن فتاة مثلك..
أصابني شيء من الغرور خالطه الخجل، فقلت لها باستحياء: وهل يريد الزواج مني؟
قالت: ألا تزالين صغيرة العقل يا هند؟ خالد سيحدثك عن طريق الهاتف فقط! فالمقصود التسلية لا أكثر!.
* ترددت في أول الأمر ولكن دلال بحيلها الشيطانية وأساليبها الملتوية أغرتني حتى ألقيت بنفسي في بحر جهله، فخضت تجربة جديدة واجهتني منها عواطف هوجاء كادت تغرقني لولا لطف ربي ورحمته، إذ أصبحت أنتظر مكالمته الهاتفية في الثلث الأخير من الليل, ساعة النزول الإلهي!! لقد كنت أنتظر مكالمة خالد وأنا على أحر من الجمر.. والخيالات والأحلام الوردية تحلق بخاطري فتبلغ بي عنان السماء!
في تلك الساعة التي يتلذذ بها الطائعون بمناجاة الله، كنت أتلذذ بسماع صوته فأبثه الهموم والأشواق، وأشنف سمعي لحديثه، وعبارات الثناء والإعجاب تزيدني تعلقا به!!.
خدعوها بقولهم حسناء
والغواني يغرهن الثناء
لقد أصابت سهامه، فوقعت في قلبي أشد الوقع!! كيف لا؟
وقد أتاني هواه قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلبا خاليا فتمكنا
* وبعدها تحول الحديث مع الزميلات إلى سماعة الهاتف ومغامراتنا العاطفية.. فكل واحدة تخبر ماذا قال لها فلان.. وماذا قالت له.. حتى صار مفهوم الوفاء للصديقة عندنا يعني تقديمها لفلان من الشباب واقتراحها صديقة جديدة!
* مضت الشهور والأيام، ودلال وزميلاتها لا يألون جهدا في دعوتي لسلوك كل طريق يقودني إلى الضياع والهلاك, وأنا منسابة ومنقادة بلا هدف!.
وقبل أسبوعين فقط، دعتني إحدى الزميلات لحضور حفل زواجها في أحد الفنادق الكبرى، فاعتذرت عن قبول الدعوة لشعوري بالنقص أمام تلك الفئة من النساء. فأنا لا أعرف الذهاب إلى محلات الزينة أو التسريحات الراقية..
علمت دلال بخبر اعتذاري لكنها لم تيأس! ففي أحد الأيام سمعت صوت جرس الهاتف فذهبت مسرعة كالعادة.. رفعت السماعة.. كانت دلال على الطرف الآخر..
- هند؟!
- نعم هند يا دلال..
- سمعت أنك لن تحضري الزواج.. هل هذا صحيح؟!
- نعم صحيح.
- ولماذا تحرميننا يا هند من رؤيتك..؟
- تعلمين يا دلال أن الحفل على مستوى رفيع.. وأنا كما ترين وضعي لا يناسب المقام... و...
- لا عليك يا هند.. دعي الأمر لي.. سأصحبك معي إلى محلات [الكوافير] ثم نذهب إلى الفندق.. اتفقنا يا هند؟
- بلهجة المتردد.. قلت لها: حسنا اتفقنا..
واليوم ذهبت بصحبة دلال بعد إلحاح شديد على الأهل، ذهبنا إلى أرقى محلات [الكوافير] في المدينة.
دخلته لأول مرة.. وجلست على ذلك الكرسي وأمامي مرآة عريضة وضعت عليها أنواع منوعة من الدهانات والأصابغ والأمشطة الغريبة!
أصبحت كدمية لا حراك فيها غير أن أقلب نظري في تلك الصور التي تملأ جدران المحل, أما دلال فقد تركت لها حرية التصرف في تزييني، فهي بلا شك صاحبة خبرة في هذا المجال.
* وبعد انتهائنا من الزينة، ذهبنا إلى مكان الحفل.. كان الفندق في غاية الفخامة، فكل ما فيه يوحي بالبذخ والإسراف غير أن المكان خال من الأطفال.. وخال من الحياء والحشمة!! مجموعة كبيرة من النساء.. يرتدين ملاءات فاضحة عجيبة! بعضها عار تماما إلا ما يستر العورة المغلظة.. والبعض شبه ساتر غير أنها تكاد تتمزق من شدة الضيق..
مناظر غريبة! فالألسنة عربية!. والأشكال أجنبية! موسيقى غريبة.. وأخرى عربية.. غناء صاخب.. رقصات ماجنة..
* وفجأة.. قطع حبل تفكيرها صوت الرعد.. تلاه صوت صاعقة قوية سقطت بالقرب من المنزل، فنهضت مذعورة ونظرت من النافذة فإذا ببرق شديد شق سواد السماء كاد يذهب ببصرها، فأغلقت النافذة بشدة حيث أصابها خوف وهلع شديدان.. لكنها ارتمت على سريرها.. وتشبثت بلحافها الصوفي. وقد سرت في جسدها قشعريرة لم تشعر بها من قبل..
* ثم ازدحمت الظنون بخاطرها، فقالت بصوت خافت مرتجف: ماذا لو مت الآن؟ ما أقسى الموت! وما أشد غفلتي عنه.. والقبر؟ لقد طوته الغفلة في طي النسيان.. والصلاة ماذا عنها؟ إنها مجرد عادة! إن وجدت نفسي متفرغة أديتها على عجل.. وإلا تركتها كغيرها..
* ودق جرس الإنذار في نفسها مدويا! وانهالت الأسئلة من كل جوانبها..
* يا إلهي.. ماذا أعددت لسؤال ربي؟ ماذا أعددت للقبر وضمته؟ وللموت وسكرته؟ لا رصيد لدي.. لا زاد أتزود به سوى عشرات الأغاني التي أحفظها؟
لم تشعر هند إلا والدموع تتساقط من عينيها بحرارة وغزارة حتى بللت مخدتها!
إنها دموع الندم! دموع التوبة.
نهضت بعد أن استجمعت قواها ولملمت شتات فكرها ومسحت دموعها بيديها المرتعشتين..
* كانت الساعة تشير إلى الثالثة.. لم يطلع الفجر بعد! قامت وتوضأت وضوءا أزال كل ما علق بجوارحها من أدران المعاصي.. فكأنها تتوضأ لأول مرة في حياتها.. ثم راحت في صلاة وخشوع وبكاء وندم وعزم على عدم العودة..
وما أن سمعت أذان الفجر أسرعت لتوقظ أبويها وتقبل أقدامهما وتطلب منهما العفو والسماح.. أرادت أن تسرهما كما أحزنتهما.
* ومع خروج شمس ذلك اليوم.. خرجت هند من نهر المعصية.. بعد أن أحرقت زورق حياتها السابقة.. وركبت زورق الإيمان والصبر والمجاهدة..
* لقد عادت هند.. وعادت الابتسامة مشرقة على محياها الطاهر.. عادت وقد جعلت من رضا الله ورضا والديها هدفها المنشود.. لم تترك زميلاتها بل حاولت جاهدة أن تذيقهن حلاوة الإيمان والتوبة، وتدعوهن لنبذ الأغاني والمسلسلات وغيرها من المحرمات الظاهرة والباطنة.. ولم تنس أيضا معلماتها اللاتي قصرن في أداء واجبهن ورسالتهن فأخذت تذكرهن بأنهن مسؤولات عما استرعاهن الله عليه من الطالبات.. ثم ذهبت إلى تلك المعلمتين المخلصتين فشكرتهما على حسن صنيعهما, وخصت أستاذتها وفاء بمزيد شكر.. ووضعت في يدها رسالة كانت قد سطرتها بعبارات الثناء والتقدير.. وطلبت منها العفو والصفح عن كل ما بدر منها من تقصير في حقها.. وقد روت فيها الأحداث التي مرت بها وأخبرتها أن تلك الرسالة كان لها عظيم الأثر بعد الله في رجوعها إلى واحة الإيمان.
* ومضت هند في درب الإيمان.. تنير الطريق للحائرين.. وترسم الابتسامة على الشفاه الحزينة.
أبعـاد .. ووقفات
أخي القارئ..
أختي القارئة..
بعد قراءة القصة.. يأتي سؤال يطرح نفسه:
* كيف نقي أو نحمي أبناءنا من الوقوع في الهزيمة النفسية؟!
* إن واجبنا.. كمربين.. أو كآباء وأمهات..
أولا.. وقبل كل شيء.. يجب علينا أن نقوي في نفوس النشء العزة الإيمانية.. أن نزرع في نفوسهم أيضا الثقة بالنفس! والفخر بالشخصية الإسلامية().
* كما أنه لابد من إعطائهم التطعيمات الوقائية اللازمة ضد جميع الأوبئة وتلك الأمراض! بحيث يكون لديهم الحصانة الذاتية التي تقاوم –بإذن الله- جميع الفيروسات المعدية!
* ولابد لنا أيضا من أن نسعى جاهدين في تصحيح أفهامهم وأفكارهم وتوعيتهم بما يحاك ضدهم.. وما يخطط لإفسادهم!.. وما يعرض عليهم من أنواع الفساد!!
عرفت الشر لا للشر ولكن لأتقيه
ومن لا يعرف الشر يقع فيه!
الوقفة الأولى:
* إن المعلم.. والمعلمة لهما من أعمال الخير الكثير.. والكثير، ومن المواقف الطيبة الأثر الكبير والكبير.. لما يتمتعان به من مكانة في نفوس تلاميذهم..
* فكم من معلم مخلص فرغ نفسه لمتابعة من يرى أنه يحتاج إلى متابعة من تلاميذه، فكان لهم اليد الحانية التي أخرجتهم من وحل الخطايا والذنوب إلى نهر الإيمان ومعينه الصافي!
* وكم من معلمة استشعرت عظم المسؤولية الملقاة على عاتقها، فقامت بواجبها خير قيام.. والنتيجة.. لقد استقامت على يدها مدرسة كاملة!
فيا ترى.. كم من الأجر لذلك المعلم وتلك المعلمة؟!
* للرسالة أثر ومردود طيب في نفس المرسل إليه.. فهي تبقى في يده زمنا.. يقرؤها.. يقلبها.. يتأمل في عباراتها ومعانيها.. مرات ومرات.. وبعدها.. قد تُحدث صراعا في النفس.. فتحتدم معاني الإيمان فيها.. فيظل يتنامى ويتنامى.. حتى تأتي اللحظة الحاسمة.. فتخرق شغاف القلب.. ثم يفيض سيل الخير من الأعماق!..
الوقفة الأخيرة:
* لا يختلف اثنان بل لا يشك عاقل في أن في الأشرطة المرئية خيرا كثيرا.. ومنافع للناس.. باعتبارها من البدائل الحسنة.. ومن الوسائل الدعوية.. حيث يقدم فيها الخير بطريقة علمية جادة.. أو بطريقة مسلية وهادفة عفيفة في نفس الوقت..
* لكنها لا تخلو من الإثم.. إذا لم تستخدم بحذر شديد.. فهي تمام كالملح في الطعام!
* ولابد هنا أن يكون القائم على الأسرة دائم اليقظة.. فيحكم الرقابة على تملك الأجهزة.. خاصة إذا كان بين أفراد الأسرة.. المراهقون أو من ليسوا على قدر من الالتزام بتعاليم الدين..
بعيدا عن الهزيمة النفسية..
* ومن أجل فكر سليم وثقافة رائدة وتصور واضح للمبادئ الإسلامية السامية والأخلاق الكريمة.. كانت هذه القصة..
راجين تحقيق التربية والعزة الإيمانية في نفوس حبيبة..
آملين غرس الثقة والفخر بالشخصية الإسلامية في عقول غضة يانعة.
وختاماً
* إنه لحلم يراود نفوسنا.. أن نرى أسرنا المسلمة وقد أدت دورها البناء.. في إعداد لبنات متماسكة، ونفوس قوية مستقرة متهيئة لحمل الرسالة.. وأن نرى أجيالا تنعم بالعافية الفكرية والنفسية والخلقية.
نسأل الله أن يديم علينا أمننا وإيماننا، وأن يحفظ أبناءنا ومجتمعاتنا من كيد الأعداء.
إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
منقول