وقعت المعركه عام 15 هـ (636)
تعتبر معركة اليرموك واحدةً من أبرز المعارك التي خاضها المسلمون بعد وفاة الرّسول محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - وهي معركة خالدة أرّخها المسلمون لحظةً بلحظة،
فهي التي أسّست لعصر جديد من العزّة، والمنعة،
والتوسّع، كما وتعتبر معركة اليرموك واحدةً من أبرز الانتصارات التي حقّقها المسلمون بعد وفاة الرّسول الكريم محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
أين وقعت معركة اليرموك
وقعت معركة اليرموك قرب نهر اليرموك،
والذي ينبع من جبال حوران، والذي يجري بدوره قرب الحدود الفاصلة بين فلسطين وسوريا،
ثمّ ينحدر جنوباً ليصبّ في غور الأردن، وبعدها في البحر الميت،
وينتهي مصبّ نهر اليرموك في جنوب الحولة،
وقبل التقائه بنهر الأردن بمسافة تتراوح بين الثلاثين إلى أربعين كيلو متراً يوجد واد متّسع، تحيط به الجبال من ثلاث جهات،
وهي جبال شاهقة ومرتفعة، ويقع هذاا لوادي في الجهة اليسرى لنهر اليرموك.
وقد قام الرّوم باختيار هذا الوادي لأنّه مكان يتّسع لجيشهم كبير العدد، والذي وصل إلى مئتين وأربعين ألف مقاتل،
ومن النّاحية الأخرى فإنّ المسلمين كانوا قد عبروا إلى الجهة اليمنى من النّهر،
ثمّ عسكروا هناك في واد ممتدّ يقع على طريق جيش الرّوم، وبذلك قاموا بإغلاق الطريق أمام جيش الرّوم الضّخم،
ولم يعد هناك أيّ طريق آخر للروم لكي يسلكوه، أو مكان يفرّون منه في حال اضطرّوا لذلك،
لأنّ جيش المسلمين كان قد أغلق المنفذ الوحيد لهم.
وإنّ البديهيات العسكرية كانت تحتّم على جيش الرّوم أن يتخذوا تدابيراً لحماية الفتحة الوحيدة التي تؤمّن الخروج لجيشهم،
وذلك في حال اضطروا للخروج من هذا الوادي المحاصر بالجبال المرتفعة من كلّ حدب وصوب،
ولا يوجد أيّ مبرّر يشرح سببيّة موافقتهم على نزول جيشهم إلى هذا الوادي المحاصر من كلّ اتجاه،
أو سبب اختيار قادة الجيش لهذا المكان بالذّات ليعسكر فيه الجيش،
غير آخذين بعين الاعتبار الموقع المغلق الذي حاصروا أنفسهم فيه. لكنّه من الواضح أنّ جيش الرّوم كان شديد الاغترار بأعداده الهائلة،
مشغولاً بالنّصر الذي أحرزه على قوات المسلمين من قبل،
وبالتالي أنساهم هذا النّصر أن يخططوا لأبسط القواعد العسكريّة في الحروب.
أسباب تأخر النصر
قام الخليفة باستشارة أصحاب الرّأي والشّورى،
وخلص إلى أنّ سبب ضعف المسلمين ناتج عن ضعف القيادة،
وذلك أنّ جميع الأمراء الذين بعثهم الخليفة إلى أرض الشّام ليس فيهم من وجهة نظره من يصلح لخوض معركة كبيرة كهذه،
حيث أنّ أبا عبيدة بن الجراح مع كلّ قدراته العسكرية فإنّه كان رقيق القلب، ولا يقدم على حسم الأمور بشدّة،
وأمّا ابن العاص فمع كلّ دهائه وحيلته إلا أنّه كان يهاب الإقدام على عدوّه،
وأمّا عكرمة فمع إقدامه وح
نكته الشّديدة إلا أنّه كانت تنقصه الدّقة في تقدير المواقف،
وأمّا بقية القادة فلم يكونوا قد اشتركوا من قبل في معركة بهذه القوّة والضخامة.
ثمّ أنّه كان على الخليفة أن يحسم أمره،
وبعد تفكير عميق اهتدى إلى أنّ مثل هذه المعركة الحاسمة والفاصلة يجب أن تحسم في أرض الشّام كما حسمت في العراق،
ثمّ أصدر الخليفة أبو بكر الصّديق رضي الله عنه قراره،
وقال لمجلس الشّورى:" وَالله لأنسين الروم وساوس الشَّيْطَان بِخَالِد بن الْوَلِيد ".
أحداث المعركة
كان خالد بن الوليد في مواجهة ميسرة الرّوم التي حملت على ميمنة المسلمين،
فقتل منهم قرابة الستّة آلاف،
ثمّ التفت إلى صاحبه، وقال:" وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لم يبْق عِنْدهم من الصَّبْر وَالْجَلد إِلَّا مَا رَأَيْتُمْ، وَإِنِّي لأرجو أَن يمنحكم الله أكتافهم "،
ثمّ قام باعتراضهم، فحمل بمئة من الفرسان على مئة ألف منهم،
ولم يكد يصل إليهم حتى انفضّ جمعهم، ثمّ تبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون.
وقد صلّى المسلمون في هذه المعركة صلاتي الظهر والعصر إيماءً،
وحمل خالد على الرّوم حتى أصبح في وسطهم، ثمّ ذعر الرّوم من شدّة ما رأوا من أمرالمسلمين،
وفرّ خيالتهم، وأفسح لهم المسلمون الطريق حتّى هاموا على وجوههم،
واقتحم خالد الخندق عليهم، وتقهقر الرّوم أمام الهجوم الكاسح الذي شنّه خالد بن الوليد عليهم،
حتّى وصلوا إلى الواقوصة، وقتل عندها مئة ألف وعشرون ألفاً،
سوى من قتل في أرض المعركة من الرّجال والخيول. وقد قتل المسلمون الكثير من جند الرّوم،
وبقوا على هذه الحال حتى أصبحوا، فلما انتهت المعركة جيء بعكرمة بن أبي جهل جريحاً،
فوضع رأسه على فخذ خالد بن الوليد، وعمرو بن عكرمة فوضع رأسه على ساقه، ثم مسح وجهيهما،
وقطر في حلقيهما الماء. كما قاتلت نساء المسلمين في هذا اليوم أيضاً، وقتلن أعداداً من جند الرّوم،
وكنّ يقمن بضرب كلّ من ينهزم من المسلمين،
ويقلن:" أَيْن تذهبون وتدعوننا للعلوج "، وحينها يرجع المنهزمون.
نهاية المعركة لقد فرّ كلّ من انهزم عن أرض المعركة حتّى وصلوا إلى أرض دمشق،
ولمّا بلغ هرقل خبر الهزيمة وقد كان في حمص،
ولى عليها رجلاً، وجعله بينه وبين المسلمين، ثمّ ودّع سوريا وداعاً أخيراً، ثمّ توجه جيش المسلمين إلى أرض الأردن،
وقاموا بتطهيرها ممّن بقي فيها من جند الرّوم، وتابعوا بعدها المسير إلى أن وصلو إلى دمشق،
حيث قاموا بحصارهم هنا. وقد بلغ عدد شهداء المسلمين ثلاثة ىلاف شهيد،
وكان من بينهم كبار الصّحابة، مثل: نعيم النحام، وسعيد بن قيس السّهمي، والنضير بن الحارث، وأبو الرّوم عمير بن هشام أخو مصعب بن عمير،
وكان من جنود هذه المعركة ألف من الصّحابة، قد شهد مئة منهم معركة بدر.
وكانت غنائم المسلمين تشمل كلّ ما وجد في معسكر الرّوم،
وكانت أمراً عظيماً، حيث خصّ الفارس من النّفل ألف وخمسمئة درهم، أو ألف وخمسة دراهم،
وقد حدثت هذه الواقعة الفاصلة في شهر جمادى الآخرة، في السّنة الثّالثة عشر للهجرة،
بعد أن بقي المسلمون قرابة الاربعة أشهر لا يقدرون على الرّوم، ولا يقدر الرّوم عليهم. وعند انتهاء المعركة،
ومطاردة المسلمين للروم، وحصارهم في دمشق، جاء نعي الخليفة لخالد بن الوليد، ثمّ عُزل خالد من الإمارة
وتولى الجيش أبو عبيدة بن الجرّاح