عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم
( ارحموا ترحموا , واغفروا يغفر لكم , ويل لأقماع القول , ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون ) (1)
قال المناوي: ( ارحموا ترحموا ) لأن الرحمة من صفات الحق التي شمل بها عباده , فلذا كانت أعلاماً اتصف بها البشر , فندب إليها الشارع في كل شيء حتى في قتال الكفار والذبح وإقامة الحجج وغير ذلك
( واغفروا يغفر لكم ) لأنه سبحانه وتعالى يحب أسمائه وصفاته التي منها الرحمة والعفو ويحب من خلقه من تخلق بها
( ويل لأقماع القول ) أي شدة هلكة لمن لا يعي أوامر الشرع ولم يتأدب بآدابه ، والأقماع بفتح الهمزة جمع قمع بكسر القاف وفتح الميم وتسكن , الإناء الذي يجعل في رأس الظرف ليملأ بالمائع ، شبه استماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئاً مما يفرغ فيها , فكأنه يمر عليها مجتازاً كما يمر الشراب في القمع , كذلك قال الزمخشري : من المجاز ويل لأقماع القول وهم الذين يستمعون ولا يعون
( ويل للمصرين ) على الذنوب أي العازمين على المداومة عليها
( الذين يصرون على ما فعلوا ) يقيمون عليها فلم يتوبوا ولم يستغفروا
( وهم يعلمون ) حال أي يصرون في حال علمهم بأن ما فعلوه معصية , أو يعلمون بأن الإصرار أعظم من الذنب أو يعلمون بأنه يعاقب على الذنب (2)
فقوله صلى الله عليه وسلم: ( ارحموا ترحموا ) لأن الجزاء من جنس العمل ، فلتكن الرحمة سجيتك والرفق خلقك ، أما تحب أن يرحمك الله , قال صلى الله عليه وسلم ( ارحم من في الأرض , يرحمك من في السماء ) (3) , وقال صلى الله عليه وسلم ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) (4)
وقال صلى الله عليه وسلم ( من رحم ولو ذبيحة عصفور , رحمه الله يوم القيامة ) (5)
وقال صلى الله عليه وسلم ( الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى , ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) زاد أحمد والترمذي والحاكم ( والرحم شجنة من الرحمن , فمن وصلها وصله الله , ومن قطعها قطعه الله ) (6) أي الراحمون لمن في الأرض من آدمي وحيوان لم يؤمر بقتله بالشفقة والإحسان والمؤاساة والشفاعة وكف الظلم ثم بالتوجع والتوجه إلى اللّه والالتجاء إليه والدعاء بإصلاح الحال ولكل مقام مقال ,
قال البوني : فإن كان لك شوق إلى رحمة من اللّه , فكن رحيماً لنفسك ولغيرك ولا تستبد بخيرك , فارحم الجاهل بعلمك , والذليل بجاهك , والفقير بمالك , والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك , والعصاة بدعوتك , والبهائم بعطفك ورفع غضبك , فأقرب الناس من رحمة اللّه أرحمهم لخلقه , فكل ما يفعله من خير دق أو جل فهو صادر عن صفة الرحمة (7)
الهوامش
(1) رواه أحمد في مسنده 2/165, 219, والبخاري في الأدب المفرد رقم 380 , والبيهقي في شعب الإيمان (صحيح) انظر حديث رقم: 897 في صحيح الجامع ــ السيوطي / الألباني *, والسلسلة الصحيحة للألباني رقم 482
(2) فيض القدير للمناوي 2/745 (3) رواه الطبراني في المعجم الكبير عن جرير والحاكم في المستدرك عن ابن مسعود وأبو نعيم في الحلية وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 909 (4) رواه الطبراني في الكبير عن جرير وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5) رواه الطبراني عن أبي أمامة (حسن) انظر حديث رقم: 6261 في صحيح الجامع.* (6) رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن عمرو (صحيح) انظر حديث رقم: 3522 في صحيح الجامع (7) فيض القدير للمناوي 2/452
د/ خالد سعد النجار
صيد الفوائد