بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
وَصِيَّةُ رَجُلٍ مِنَ الْعُبَّادِ:
قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْعُبَّادِ لِابْنِهِ: «يَا بُنَيَّ، لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الْآخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ، وَيُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ بِطُولِ الْأَمَلِ»
وَصِيَّةُ لُقْمَانَ لِابْنِهِ:
قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: «يَا بُنَيَّ لَا تُؤَخِّرِ التَّوْبَةَ، فَإِنَّ الْمَوْتَ قَدْ يَأْتِي بَغْتَةً»
(
نَسِيَتْ. . . لَظَى تُكَابِدُ ... . . حرَّ شَمْسِ الْهَوَاجِرِ
كَأَنَّكَ لَمْ تَدْفِنْ حَمِيمًا وَلَمْ تَكُنْ ... لَهُ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ يَوْمًا بِحَاضِرِ
أَكْبَرُ أَرْبَعِ كَبَائِرَ
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " أَكْبَرَ الْكَبَائِرُ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ لِمَكْرِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ
أَنْوَاعُ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي
مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، قَالَ: دَفَعَ إِلَيَّ يَحْيَى بْنُ عَقِيلٍ صَحِيفَةً قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: " الذُّنُوبُ أَرْبَعَةٌ: ذَنْبَانِ مَغْفُورَانِ، وَذَنْبَانِ لَا يُغْفَرَانِ، رَجُلٌ عَمِلَ ذَنْبًا خَطَأً فَاللَّهُ يَمُنُّ وَلَا يُعَذِّبُهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ قَالَ فِيمَا أَنْزَلَ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] وَرَجُلٌ عَمِلَ ذَنْبًا قَدْ عَلِمَ مَا فِيهِ فَتَابَ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ، وَنَدِمَ عَلَى مَا فَعَلَ، وَقَدْ جَزَى اللَّهُ أَهْلَ هَذَا الذَّنْبِ أَفْضَلَ الْجَزَاءِ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: [ص:56] {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} [آل عمران: 135] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَذَنْبَانِ لَا يَغْفِرُهُمَا لِأَهْلِهِمَا: رَجُلٌ قَدْ عَمِلَ ذَنْبًا قَدْ عَلِمَ مَا فِيهِ، فَأَصَرَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتُبْ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ، وَلَنْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ حَتَّى يَتُوبَ، وَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِمُذْنِبٍ حَتَّى يَسْتَغْفِرَ، وَرَجُلٌ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا، فَإِنَّ هَذِهِ الَّتِي يَهْلِكُ فِيهَا عَامَّةُ مَنْ يَهْلِكُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ "
كُنْ حَيِيًّا:
(كُنْ حَيِيًّا إِذَا خَلَوْتَ بَذَنْبٍ ... دُونَ ذِي الْعَرْشِ مِنْ حَكِيمٍ مَجِيدِ
قَدْ تَهَاوَنْتَ بِالْإِلَهِ عَمِيدًا ... وَتَغَيَّبْتَ عَنْ عُيُونِ الْعَبِيد
ِتَلْقَى الْفَتَى حَذَرَ الْمَنِيَّةِ هَارِبًا ... مِنْهَا وَقَدْ حَدَّقَتْ بِهِ لَوْ يَشْعُرُ
نَصَبَتْ حَبَائِلَهَا لَهُ مِنْ حَوْلِهِ ... فَإِذَا أَتَاهُ يَوْمُهُ لَا يُنْظَرُ
إِنَّ امْرءَاً أَمْسَى أَبُوهُ وَأُمُّهُ ... تَحْتَ التُّرَابِ لَنَوْلُهُ يَتَفَكَّرُ
تُعْطَى صَحِيفَتَكَ الَّتِي أَمْلَيْتَهَا ... فَتَرَى الذي فِيهَا إِذَا مَا تُنْشَرُ
حَسَنَاتُهَا مَحْمُودَةٌ قَدْ أُحْصِيَتْ ... وَالسَّيِّئَاتُ فَأَيُّ ذَلِكَ أَكْثَرُ؟
أَلَسْنَا نَرَى شَهَوَاتِ النَّفْسِ ... تَفْنَى وَيَبْقَى عَلَيْنَا الذُّنُوبُ
يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مَنْ يَتُوبُ ... فَكَيْفَ تَرَى حَالَ مَنْ لَا يَتُوبُ
مُكْرَمًا الْأَزْدِيَّ، وَكَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ يَقُولُ: كَفَاكَ هَمُّكَ بِذَنْبِكَ مِنْ تَوْبَتِكَ إِقْلَاعًا وَإِنَابَةً "
حَالُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ
عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: لَا يَأْمَنُ دَاوُدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: ذَنْبِي ذَنْبِي، فَيُقَالُ لَهُ: ادْنُهْ حَتَّى يَدْنُوَ إِلَى مَكَانٍ كَأَنَّهُ يَأْمَنُ بِهِ فَذَلِكَ، قَوْلُهُ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] .
مُوسَى يَسْأَلُ رَبَّهُ
عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، أَنَّ مُوسَى، نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ: " يَا رَبِّ لَا تُرِنِي النَّفْسَ الَّتِي قَتَلْتُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الرَّبُّ: أَلَمْ أَغْفِرْهُ لَكَ يَا مُوسَى؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ أَخْشَى مِمَّا أَرَى مِنْ عَدْلِكَ أَنْ يَكُونَ لِقَلْبِي رَوْعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: أَنْ لَا تَرَاهُ "
(
الذُّنُوبُ أَهَمُّ
ثنا جَسْرٌ أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِيُونُسَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَرَرْتُ بِقَوْمٍ يَخْتَصِمُونَ فِي الْقَدَرِ، قَالَ: «لَوْ كَانَ أَهَمَّتْهُمْ ذُنُوبُهُمْ مَا اخْتَصَمُوا فِي الْقَدَرِ»
(
الْقِصَاصُ فِي يَوْمِ الْخَلَاصِ
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الْعَنْبَرِيُّ، ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ عُبَيْدٍ الصِّيدِ، قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا سُهَيْلٌ أَخُو حَزْمٍ، حَدَّثَنِي قَالَ: سَمِعَ ابْنُ سِيرِينَ رَجُلًا يَسُبُّ الْحَجَّاجَ فَقَالَ: «مَهْ أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّكَ لَوْ وَافَيْتَ الْآخِرَةَ كَانَ أَصْغَرُ ذَنْبٍ عَمِلْتَهُ قَطُّ أَعْظَمَ عَلَيْكَ مِنْ [ص:61] أَعْظَمِ ذَنْبٍ عَمِلَهُ الْحَجَّاجُ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ حَكَمٌ عَدْلٌ إِنْ أَخَذَ مِنَ الْحَجَّاجِ لِمَنْ ظُلِمَ شَيْئًا فَسَيَأْخُذُ لِلْحَجَّاجِ مِمَّنْ ظَلَمَهُ، فَلَا تَشْغَلَنَّ نَفْسَكَ بِسَبِّهِ»
(
الْعُصَاةُ أَمْوَاتٌ عَلَى الْأَرْضِ
عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: " أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ أَنَّ أَوَّلَ، مَنْ مَاتَ إِبْلِيسُ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ عَصَانِي وَأَنَا أَعُدُّ مَنْ عَصَانِي مَنِ الْمَوْتَى
مَنْزِلَةُ التَّائِبِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى:
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ نَشِيطٍ الْهِلَالِيُّ، ثنا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ: أَنَّ قَصَّابًا، وَلِعَ بِجَارِيَةٍ لِبَعْضِ جِيرَانِهِ، فَأَرْسَلَهَا أَهْلُهَا إِلَى حَاجَةٍ لَهُمْ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَتَبِعَهَا فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَقَالَتْ: لَا تَفْعَلْ، لَأَنَا أَشَدُّ حُبًّا لَكَ مِنْكَ لِي، وَلَكِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، قَالَ: فَأَنْتِ [ص:63] تَخَافِينَهُ، وَأَنَا لَا أَخَافُهُ، فَرَجَعَ تَائِبًا، فَأَصَابَهُ الْعَطَشُ حَتَّى كَادَ يَنْقَطِعُ عُنُقُهُ، فَإِذَا هُوَ بِرَسُولٍ لِبَعْضِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسَأَلَهُ، قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: الْعَطَشُ، قَالَ: تَعَالَ حَتَّى نَدْعُوَ اللَّهَ حَتَّى تُظِلَّنَا سَحَابَةٌ حَتَّى نَدْخُلَ الْقَرْيَةَ قَالَ: مَا لِي مِنْ عَمَلٍ فَأَدْعُو , قَالَ: فَأَنَا أَدْعُو وَأَمِّنْ أَنْتَ، قَالَ: فَدَعَا الرَّسُولُ وَأَمَّنَ هُوَ، قَالَ: فَأَظَلَّتْهُمْ سَحَابَةٌ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْقَرْيَةِ فَأَخَذَ الْقَصَّابُ إِلَى مَكَانِهِ، وَمَالَتِ السَّحَابَةُ فَمَالَتْ عَلَيْهِ فَرَجَعَ الرَّسُولُ فَقَالَ لَهُ: زَعَمْتَ أَنْ لَيْسَ لَكَ عَمَلٌ وَأَنَا الَّذِي دَعَوْتُ وَأَنْتَ الَّذِي أَمَّنْتَ فَأَظَلَّتْنَا سَحَابَةٌ، ثُمَّ تَبِعَتْكَ، لَتُخْبِرَنِّي مَا أَمْرُكَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ الرَّسُولُ: التَّائِبُ إِلَى اللَّهِ بِمَكَانٍ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بِمَكَانِهِ
أَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ
أنبا أَبُو يُوسُفَ الصَّيْقَلُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي زَيْنَبَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ، يَقُولُ: " مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَرْجَى عِنْدِي لِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ [ص:64] قَوْلِهِ {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 102
إِيَّاكَ وَالْعُجْبَ
عَنْ شَيْخٍ، مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: كَتَبَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ إِلَى رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْعِصْمَةَ ثَمَرَةُ التَّوْبَةِ، وَاللَّهُ وَلِيُّ عِصْمَتِكَ، فَإِيَّاهُ فَاحْمَدْ عَلَيْهَا يُرِدْكَ مِنْ طَاعَتِهِ، وَإِيَّاكَ وَالْعُجْبَ فَإِنَّهُ أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكَ، وَالْمُعْجَبُ كَالْمُمْتَنِّ عَلَى اللَّهِ بِمَا أَوْلَى بِالْمِنَّةِ فِيهِ "
: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: إِنَّكَ إِنْ أَدْمَنْتَ النَّظَرَ فِي مَرْآةِ التَّوْبَةِ بَانَ لَكَ قَبِيحُ شَرِّ الْمَعْصِيَةِ
انْشُرْ أَعْمَالَكَ:
.: أَيْ أَخِي انْشُرْ أَعْمَالَكَ عَلَى نَفْسِكَ، ثُمَّ قَبِّحْهَا جَهْدَكَ لِعَقْلِكَ، لَعَلَّهُ يَدْعُوكَ تَقْبِيحُهَا إِلَى تَرْكِ مُعَاوَدَتِهَا، وَاعْلَمْ أَنَّكَ وَإِنْ قَبَّحْتَهَا بِجَهْدِكَ فَلَيْسَ يَبْلُغُ غَايَةَ قُبْحِهَا عِنْدَ رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْكَ بِعَفْوِهِ وَتَمَامِ سَتَرِهِ
احْذَرْ مَكْرَ اللَّهِ
عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: إِنَّ إِقَامَةَ الْعَبْدِ عَلَى الذَّنْبِ يَطْبَعُ عَلَى قَلْبِهِ، وَيُكْتَبُ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمِنَ الْأَمْنِ لِمَكْرِ اللَّهِ إِقَامَةُ الْعَبْدِ عَلَى الذَّنْبِ يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْمَغْفِرَةَ "
(
أَدْوَى الدَّاءِ الذُّنُوبُ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ زُهَيْرًا الْبَابِيَّ، يَقُولُ لِرَجُلٍ: كَيْفَ كُنْتَ بَعْدِي؟ قَالَ: فِي عَافِيَةٍ، قَالَ: «إِنْ كُنْتَ سَلِمْتَ مِنَ الْمَعَاصِي، فَإِنَّكَ كُنْتَ فِي عَافِيَةٍ وَإِلَّا فَلَا دَاءَ أَدْوَى مِنَ الذُّنُوبِ»
من كتاب التوبة لابن ابي الدنيا