بســـــــم الله الرحـــــــمن الرحــــــــيم
صفــــــــــــــــــــة إبليســـــــــــــــــــيه
إخلاف الوعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد
يقول تعالى في محكم تنزيله:
(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا) [الإسراء:34]،
ويقول جل من قائل: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:91].
إنه عهد الله وإن قطعته مع عبد من عباده، وسوف يسألك عنه. إنه دين وميثاق وثقت نفسك به ولا فكاك لك منه إلا أن توفي به؛ فإن وفّيت كنت صادقا في وعدك وفيا، وإن أخلفت كانت فيك خصلة من خصال النفاق، قال عليه الصلاة والسلام: «آية المنافق ثلاث: إن حدّث كذب وإن وعد أخلف وإن اؤتمن خان».
بل إخلاف الوعد صفة إبليسيه، وكفى بهذا منفراً ومباعداً عن الوقوع في تلك الخلة البغيضة،
قال تعالى مخاطباً الشيطان: {وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [الإسراء: 64]
وقد أقر إبليس على نفسه بذلك وبين سوء هذا الصنيع وعاقبته الوخيمة، قال تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم: 22].
إننا نتهاون في هذا الأمر وليس بالهيّن! فما الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكث ثلاثة أيام ينتظر من قطع معه وعدا بالملاقاة ولم يأته. فلم جاءه قال: «أبطأت علينا». ولعل الرجل لم ينس هذا الدرس أبدا في حياته، ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قصد أن يعلّمه ويعلّمنا خطورة هذا الأمر وعظمته عند الله، وإن كان قد فعل ذلك وفاء منه عليه أفضل الصلاة والسلام!
إننا نقدم على شيء قبيح وخلق بغيض عند الله تعالى، وعند رسوله وهو الصادق الأمين، ولا نشعر بذلك من فرط سوء أحوالنا الأخلاقية، والبلادة التي أصابت نفوسنا.
يقول جل من قائل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) [الصف:2-3]. ـ وانظر إلى التكرار في هذه الآية ينبهنا به جل وعلا إلى خطورة هذا الأمر ـ فهل أصبحنا لا نكترث ألا نكون مرضيّين عند الله؟!
إن خلف الوعد صفة بغيضة في نفوس العباد من ذوي الفطر السليمة، وإن كثر المتصفون بها في أمتنا الإسلامية! ولن تستقيم لنا حياة ولن يصطلح لنا حال ما دمنا هكذا لا نعرف للوقت قيمة، ولا نعترف للآخر بحقه في الاحترام بأن نوفيه ما قطعناه معه من الوعود وما أبرمناه من العهود والمواثيق، ولا نعرّف نفوسنا بواجبها من احترام لذاتها ومحافظة على شرفها ومروءتها.
ولا شرف ولا مروءة ـ اعذروني ـ لمن لا يأبه بإخلافه للمواعيد ونقضه للعهود، ولا يرى رؤية الله له.
يقول جل وعلا: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) [البقرة:40]. حقا إن هذه الآية الكريمة تخص الأمانة الكبرى التي كلف الله الإنسان بحملها وأخذ منه عهدا على ذلك في عالم الذر، لكن هذه الأمانة وهذا العهد يشمل كل ما أمر به المولى عز وجل وبعث أنبياءه ليعلموه للناس ويذكروهم به.
ثمة من الرجال من لا يخشون أن يعاهدوا الله تعالى على أمر، لأنهم – لعظمة في نفوسهم- يعلمون يقينا أنهم سيصدقون في عهدهم له، والله تعالى يذكرهم في القرآن الكريم مادحا هذه الصفة الجليلة فيهم: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ) [الأحزاب:23]؛
صدق ووفاء وثبات!