تعاني زوجتي من مرض برودة أطراف أصابع اليدين والرجلين منذ سنوات كثيرة، وتقول إن هذا المرض جاء من جراء عين أصيبت بها من أحد أفراد عائلتي أو عائلتها أو صديقاتها، واستغلت حفل وليمة زواج أختها وقامت بجمع الماء الذي غسل به الحضور أيديهن بدون طلب ذلك منهن، ودون علمهن، لكي تغتسل به أو ترشه على بعض جسمها، وقالت إن فعلها هذا وارد في السنة، ولم أكن على علم بما فعلت إلا بعد الوليمة، فقلت لها إن ما قمت به ليس من السنة في شيء، لأنك أولا لا تعرفين الشخص الذي أصابك بالعين إن كنت فعلا أصبت بالعين، ثانيا لأنك لم تطلبي موافقة الحضور بأخذ ذلك الماء، مع العلم أن زوجتي لم تحصل على هذا الماء بل تم إتلافه من أحد أفراد عائلتي. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع على ما يدل على كون مجرد غسل اليدين يكفي في علاج العين ولا على أن ذلك وارد في السنة، وإنما الثابت في السنة غسل عدة أعضاء من الجسم، كما يفيده حديث رواه سهل بن حنيف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الحجفة اغتسل سهل بن حنيف، وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعه أخو بني عدي بن كعب وهو يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخباة، فلبط سهل، فأتى رسول الله فقيل له: يا رسول الله؛ هل لك في سهل والله ما يرفع رأسه وما يفيق! قال: هل تتهمون فيه من أحد؟ قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامر فتغيظ عليه وقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت، ثم قال له: اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخله إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه ثم يكفئ القدح وراءه، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس. رواه أحمد في مسنده، وصححه الألباني...
وفي رواية ابن ماجه: ثم دعا بماء فأمر عامرا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره، وأمره أن يصب عليه.
وقال النووي في المجموع: الاستغسال أن يقال للعائن ـ وهو الناظر بعينه بالاستحسان ـ اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد بماء، ثم يصب ذلك الماء على المعين، وهو المنظور إليه.. اهـ.
وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد في ما يدفع به إصابة العين: أن يؤمر العائن بغسل مغابنه وأطرافه وداخلة إزاره.. ثم يصب على رأس المعين من خلفه بغتة. انتهـى.
وقال الباجي في المنتقى: وفي حديث الزهري: اغتسل له ـ إلا أنه فسر الغسل بفعل الوضوء، والوضوء غسل الأعضاء المخصوصة به، وروي عن يحيى بن يحيى عن ابن نافع في معنى الوضوء الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يغسل الذي يتهم للرجل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه ورجليه وداخلة إزاره، قال عيسى بن دينار: إنما يغسل يديه ومرفقيه ولا يغسل ما بين اليد والمرفق، وروي عن الزهري أنه قال: الغسل الذي أدركنا علماءنا يصفونه أن يؤتى العائن بقدح فيه ماء فيمسك مرتفعا من الأرض فيدخل فيه كفه فيمضمض، ثم يمجه في القدح، ثم يغسل وجهه في القدح صبة واحدة، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على كفه اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على ظهر كفه اليسرى صبة واحدة، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على مرفقه الأيمن، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على مرفقه الأيسر، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على قدمه اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على قدمه الأيسر، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على ركبته اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على ركبته اليسرى، كل ذلك في قدح، ثم يدخل داخلة إزاره في القدح ولا يوضع القدح في الأرض، فيصب على رأس المعين من خلفه صبة واحدة، وقيل يغتفل ويصب عليه، ثم يكفأ القدح على ظهر الأرض وراءه، وأما داخلة إزاره: فهو الطرف المتدلي الذي يفضي من مئزره إلى جلده كأنه إنما يمر بالطرف الأيمن على الأيسر حتى يشده بذلك الطرف المتدلي الذي يكون من داخل، قال يحيى بن يحيى عن ابن نافع: لا يغسل موضع الحجزة من داخل الإزار، وإنما يغسل الطرف المتدلي. اهـ.
هذا؛ وننبه إلى أن استئذان العائن ومعرفة عين الشخص ليست شرطا في صحة علاج العين بالاغتسال بماء اغتسل به العائن، فلو علم الشخص أن من بين الحاضرين من أصابه بعين فلا يضر اغتساله بالماء الذي اغتسلوا به جميعا، بل قد يكون طلب جميعهم بالاغتسال أولى، لما فيه من الستر على العائن، ولا يشترط الإذن، لأن العائن ملزم بالاغتسال، لما في الحديث: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا. رواه مسلم.
والله أعلم.