الإعجاز العلمي في قوله تعالى:
﴿وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق: 1-3]
مقدمة:
منذ آلاف السنين والبشرية تنظر إلى السماء وتتأمل ما فيها من نجوم وكواكب وشهب، وتحاول أن تقدم دراسات لتلك الظواهر التي في السماء، واستخدم الناس أعينهم في أول الأمر، فكانت تلك الدراسات عبارة عن ملاحظات بسيطة لا تستطيع أن تصل إلى التفسير الحقيقي لتلك الظواهر البعيدة.
ثم بعد ذلك استخدموا العدسات المكبرة لسبر أعماق الكون، وفي هذه المرة استطاعوا أن يحسنوا من أداء الدراسات الفلكية إلا أنها مازالت دراسات قائمة على رؤية محدودة لا تتجاوز الأشياء القريبة، حتى جاء القرن العشرين ليستخدموا أعيناً جديدة هي التلسكوبات العملاقة، ثم استخدموا التلسكوبات التي تعمل بوسائل جديدة تختلف عن الوسائل المرئية بالعين، فاستخدموا الأشعة الراديوية والأشعة تحت الحمراء والأشعة السينية وأشعة جاما وغير ذلك لرؤية ما لا تستطيع العين المجردة رؤيته.
وفي هذه اللحظة بدأ العلماء باكتشاف أسرار الكون وعجائبه، فاكتشفوا المجرات وداخل كل مجرة مئات البلايين من النجوم!، واكتشفوا الدخان الكوني، واكتشفوا أيضاً أنواعاً عديدة من النجوم ومراحل تطور هذه النجوم، وتبين لهم أن النجم يولد ويكبر ثم يشيخ ويهرم ثم يموت وينفجر ويتهاوى على نفسه!.
ومن عجائب الاكتشافات الكونية ما سمّاه العلماء بالنجوم النيوترونية، وقد كان أول من طرح فكرة النجوم النيوترونية العالمان Fritz Zwicky و Walter Baade عام 1933، حيث وجدا بنتيجة حساباتهم أن الكون يحوي نجوماً عادية ونجوماً نيوترونية أي أن هذه النجوم تتكون من جسيمات صغيرة هي النيوترونات.
وبدأ العلماء على مدى أربعين عاماً رحلة البحث عن هذه النجوم الجذابة، حتى جاء عام 1967 حيث قام كل من Jocelyn Bell و Anthony Hewish بمراقبة السماء لفترة طويلة وأخيراً تمكنوا من تسجيل إشارات راديوية، تبين أنها صادرة عن هذه النجوم. ولكن الإثبات العلمي اليقيني على وجودها لم يأت إلا في أواخر القرن العشرين عندما استطاع العلماء تصوير هذه النجوم ودراستها دراسة متعمقة، وتأكد لهم وجودها بكميات كبيرة في الكون(1).
أقوال علماء اللغة والتفسير في النجم الطارق:
أقسم الله تعالى في كتابه الكريم بنجم من النجوم في السماء، ووصفه تعالى بصفتين، هذا النجم هو النجم الطارق، وجاء وصف هذا النجم الطارق بأنه طارق وأنه ثاقب، قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق: 1-3].
أما الوصف الأول فهو الطارق، وهو مأخوذ من الطرق، وأصل الطرق الضرب، ومنه سميت المطرقة، والطرق الدق أيضاً، والطرق يأتي بمعنى تراكب الشيء بعضه على بعض، والتطارق هو التتابع.
يقول ابن منظور: "وأَصل الطَّرْقِ الضرب ومنه سميت مِطْرقَة الصائغ والحدّاد لأَنه يَطْرقُ بها أَي يضرب بها وكذلك عصا النَّجَّاد التي يضرب بها الصوفَ، وطَرَقَ النَّجَّادُ الصوفَ بالعود يَطْرُقُه طَرْقاً ضربه واسم ذلك العود الذي يضرب به المِطْرَقةُ وكذلك مِطْرَقَةُ الحدّادين.
وقيل أَصل الطُّروقِ من الطَّرْقِ وهو الدَّق، وسمي الآتي بالليل طَارِقاً لحاجته إلى دَق الباب، والطَّرَقُ في الريش أَن يكون بعضُها فوق بعض، وريش طِرَاقٌ إِذا كان بعضه فوق بعض، تقول منه اطَّرقَ جناحُ الطائر على افْتَعَلَ أَي التف ويقال اطَّرَقَت الأَرض إِذا ركب التراب بعضه بعضاً، وكل ما وضع بعضه على بعض فقد طُورِقَ وأَطْرقَ، وطِرَاقُ بيضةِ الرأْس طبقاتٌ بعضها فوق بعض، والمَجَانّ المُطْرَقَة التي يُطْرَق بعضُها على بعض، وقوله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ﴾ [المؤمنون: 17].
قال الزجاج أَراد السمواتِ السبع وإِنما سميت بذلك لتراكُبها والسموات السبع والأرضون السبع طَرائِقُ بعضُها فوق بعض، وتَطارق الشيءُ تتابع واطَّرَقت الإِبل اطِّراقاً وتَطارقت تَبِع بعضُها بعضاً وجاءت على خُفٍّ واحد، وتَطارق القومُ تَبِعَ بعضُهم بعضاً"(2).
وأما الوصف الثاني فهو الثاقب، والثقب هو النفوذ في الشيء، والنجم الثاقب هو اللامع المضيء، وهو الشيء المرتفع على غيره، يقول صاحب اللسان: "الثَّقْبُ مصدر ثَقَبْتُ الشيءَ أَثْقُبهُ ثَقْباً والثَّقْبُ اسم لما نفَذ، الثَّقْبُ الخَرْقُ النافِذُ. والثُّقُوب مصدر النارِ الثاقبةِ والكَوْكَبُ الثاقِبُ المُضِيءُ، وتَثْقِيبُ النار تَذْكِيَتُها وثَقَبَتِ النارُ تَثْقُبُ ثُقُوباً وثَقابةً اتَّقَدَتْ، والثِّقابُ والثَّقُوب ما أَثْقَبَها به وأَشْعَلَها به من دِقاقِ العِيدان، ويقال هَبْ لي ثَقُوباً أَي حُرَاقاً وهو ما أَثْقَبْتَ به النارَ أَي أَوقَدْتَها به.
ويقال ثَقَبَ الزَّنْدُ يَثْقُب ثُقُوباً إِذا سَقَطَتِ الشَّرارةُ وأَثْقَبْتُها أَنا إِثقاباً، وزَنْدٌ ثاقِبٌ وهو الذي إِذا قُدِحَ ظَهَرت نارُه، وشِهابٌ ثاقِبٌ أَي مُضِيءٌ، وثَقَبَ الكَوْكَبُ ثُقُوباً أَضاء. وفي التنزيل العزيز: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق: 2-3].
قال الفرَّاء الثاقِبُ المُضِيءُ وقيل النجم الثاقِبُ زُحَلُ والثاقِبُ أَيضاً الذي ارتفع على النجوم، والعرب تقول للطائر إِذا لَحِقَ بِبَطْن السماء فقد ثَقَبَ. والعرب تقول: أَثْقِبْ نارَكَ أَي أَضِئْها للمُوقِد.
وفي حديث الصّدّيق رضي اللّه عنه: نحنُ أَثْقَبُ الناسِ أَنساباً أَي أَوضَحُهم وأَنوَرُهم، والثَّاقِبُ المُضِيءُ.
ومنه قَولُ الحجاج لابن عباس رضي اللّه عنهما إِنْ كان لَمِثْقَباً، أَي ثاقِبَ العِلْم مُضِيئَه، وحَسَبٌ ثاقِبٌ إِذا وُصِفَ بشُهْرَتِه وارْتِفاعِه، وحَسَبٌ ثاقِبٌ نَيِّر مُتَوَقِّدٌ وعِلمٌ ثاقِبٌ منه. وثَقَبَ رَأْيُه ثُقُوباً نَفَذَ، ورجل مِثْقَبٌ نافِذُ الرَّأْي"(3).
ويقول ابن جرير الطبري: "النجم الثاقب يعني يتوقد ضياؤه ويتوهج"(4).
ويقول ابن كثير: "يقسم تبارك وتعالى بالسماء وما جعل فيها من الكواكب النيرة ولهذا قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ﴾ ثم قال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ ثم فسره بقوله: ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾.
قال قتادة وغيره: إنما سمي النجم طارقاً لأنه إنما يرى بالليل ويختفي بالنهار، ويؤيده ما جاء في الحديث الصحيح: «نهى أن يطرق الرجل أهله طروقاً»(5) أي يأتيهم فجأة بالليل.
وفي الحديث الآخر المشتمل على الدعاء: «إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن»(6).
وقوله تعالى: ﴿الثَّاقِبُ﴾ قال ابن عباس: المضيء، وقال السدي: يثقب الشياطين إذا أرسل عليها، وقال عكرمة: هو مضيء ومحرق للشيطان"(7).
ويقول البيضاوي في تفسيره للثاقب: "المضيء كأنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه أو الأفلاك"(8).
النجم الثاقب في ضوء الاكتشافات العلمية الحديثة:
لكل نجم من النجوم بداية ونهاية، وقد تكلمنا عن حياة النجوم بشيء من التفصيل في بحث لنا بعنوان (انكدار النجوم)، ونقول باختصار: عندما يكون وزن النجم أكبر من وزن الشمس بمرة ونصف تقريباً، وعندما تنقضي حياة هذا النجم وينفد وقوده يبدأ بالانهيار ويمر في حالة تشبه الانحلال، فالإلكترونات لا تعود قادرة على البقاء في مداراتها حول الذرة، ولذلك سوف تُجبر على اختراق الذرة والانصهار في البروتونات، لتتشكل بذلك النيوترونات، وتولد حرارة تبلغ أكثر من مليون مليون درجة مئوية، وبالتالي فإن هذا النجم يتحول إلى نجم نيوتروني يزن أكثر من 400 مليون مليون كيلوجرام.
المطارق العملاقة:
عندما قام العلماء بتسجيل الإشارات الراديوية القادمة من الفضاء البعيد، ظنوا في البداية أنها رسالة من كائنات مجهولة، ولكن تبين أن هذه الإشارات ما هي إلا صوت لدقات منتظمة جداً، فقد سمعوا وكأن أحداً يطرق عدة طرقات كل ثانية، ولكن في البداية تخيلوا بأن هذا النجم ينبض مثل قلب الإنسان، فأسموا هذه النجوم بالنوابض Pulsars، ولكن تبين فيما بعد أنها تصدر أصواتاً أشبه بالطرق، فأسموها المطارق العملاقة gigantic hammer التي تدقّ مثل الجرس.
إشعاع ثاقب:
يؤكد العلماء أن هذه النجوم تبث أشعة عظيمة ولامعة، ففي عام 1979م سجل العلماء الشعاع الأكثر لمعاناً في السماء وقد كان ناتجاً عن نجم نيوتروني ثاقب، فقد بث هذا النجم كمية هائلة من أشعة جاما gamma rays وهي أقوى أنواع الأشعة الثاقبة، لقد بث خلال 0،2 ثانية كمية من الإشعاعات الثاقبة تعادل ما تبثه الشمس في ألف سنة!!! ويقول العلماء الذين رأوا هذا الشعاع إنهم لم يشاهدوا شعاعاً بهذه القوة واللمعان من قبل!!(9).
النجم الثاقب بالأرقام:
النجم النيوتروني هو عبارة عن نجم أثقل من الشمس بقليل وقد استنفد وقوده النووي، فلم يعد قادراً على الاشتعال، فبدأ بالانكماش على نفسه وبدأت مادته بالتهاوي والسقوط نحو مركز النجم مما يؤدي إلى انضغاطه بشدة كبيرة وتفكك ذراته بفعل الجاذبية الهائلة إلى بروتونات وإلكترونات ومن ثم تندمج هذه الأجسام متحولة إلى نيوترونات، ولكن النواة تكون في حالة مختلفة حيث تبدأ في داخلها ذرات الحديد بالتشكل، وبالتالي يمكنك أن تتخيل كرة ضخمة من الحديد محاطة بسائل كثيف من النيوترونات، ببساطة هذا هو النجم النيوتروني.
النجم النيوتروني يبلغ وسطياً من 1،4 حتى 5 أضعاف وزن الشمس، وإذا زاد وزنه على ذلك سوف يتحول إلى ثقب أسود. أما نصف قطر هذا النجم فيبلغ من 10 إلى 20 كيلومتر. فإذا كان لدينا نجم نيوتروني وزنه 1،4 وزن الشمس، ونصف قطره 15 كيلومتر، وإذا علمنا بأن وزن الشمس هو 2 وبجانبه 30 صفراً كيلوجرام، أي ألفي بليون بليون بليون كيلوجرام، فإن وزن هذا النجم النيوتروني سيبلغ 2،8 ألف بليون بليون بليون كيلو غرام، وبحساب بسيط نستنتج أن كل سنتمتر مكعب من هذا النجم يزن 200 ألف مليون كيلوجرام.
وتصور أخي القارئ أننا لو أحضرنا إبرة صغيرة جداً من هذا النجم الثاقب، فإن وزنها سيكون 200 مليون كيلوجرام، هذه الإبرة النيوترونية الثاقبة لو وضعت على الأرض لثقبتها واخترقتها بالكامل!! فكيف لو أحضرنا نجماً قطره 20 كيلومتراً مثلاً، من هنا ندرك ضخامة وعظمة هذه النجوم وأهميتها في السماء، وأنها من الآيات التي تدل على عظمة الخالق وقدرته تبارك وتعالى(10).
ساعات كونية دقيقة:
تدور هذه النجوم بسرعات عالية جداً، وتبلغ سرعة بعضها عدة مئات من الدورات في كل ثانية، وهي دقيقة جداً في دورانها، ولذلك يمكن استخدامها كساعات كونية دقيقة. ويتولد بنتيجة دوران هذه النجوم حقل مغنطيسي قوي جداً يعادل ألف مليون ضعف الحقل المغنطيسي للأرض.
إن سبب سماعنا لصوت الطرقات هو دوران هذه النجوم بسرعة هائلة حول مركز دورانها، وأثناء دوران هذا النجم فإنه يحقق نتيجتين: الأولى أنه يعطي طرقات منتظمة، والثانية أنه يصدر إشعاعات تستطيع ثقب أي شيء يصادفها، أي أن دوران هذه النجوم يسبب الطرق والثقب.
إنها تثقب أي شيء تصادفه:
لقد رصد العلماء في أمريكا وأوربا الموجات الجذبية الصادرة عن النجوم الثاقبة، وقالوا إذا كان الضوء يمكن أن يصطدم بالحواجز المادية فلا يستطيع اختراقها، فإن الموجات الجذبية الهائلة التي يصدرها النجم الثاقب تخترق أي شيء، حتى أجسامنا فإنها تُخترق في كل لحظة بهذه الأمواج ولا نحس بها.
هنالك جسيمات دقيقة جداً تطلقها هذه النجوم بكميات كبيرة أثناء تشكلها بعد انفجار النجم الأصلي، وتدعى (نيوترينو) ويعرف العلماء هذه الجسيمات أنها عديمة الشحنة وليس لها كتلة، هذه الأجسام الأولية تخترق الرصاص مسافة أميال عديدة دون أن يعرقلها أي شيء، وهي تخترق جسدك الآن وأنت تقرأ هذه المقالة!!!
تتعرض الأرض ومن عليها في كل لحظة لجسيمات كونية فائقة الصغر مثل النيوترينو، وهذه الجسيمات تبث من المطارق الكونية أثناء تشكلها، وتثقب الغلاف الجوي للأرض وتثقب البحار والجبال، حتى إن العلماء وجدوا آثاراً لهذه الجسيمات في أعماق البحار وفي أخفض نقطة وصلوا إليها تحت سطح الأرض، ويخبرنا العلماء أن النيوترينوات وهي أجسام عديمة الشحنة والوزن، تستطيع ثقب واختراق طبقة من الرصاص يبلغ سمكها عدة كيلومترات، حيث تعجز جميع الأجسام الأخرى عن اختراق أكثر من أمتار محددة من الرصاص، ولذلك فإن أفضل اسم لهذا النجم علمياً هو (النجم الثاقب)(11).
مطرقة من الحديد:
يقول العلماء في تعريف هذه المخلوقات: "إن سطحها من الحديد البلوري الصلب، وهي تدق مثل الجرس عندما يضرب بمطرقة". ومن العجائب أن العلماء وجدوا أن هذه النجوم تتكون من طبقات، وأن قلب هذه النجوم يتألف من الحديد، وأثناء تشكل هذه النجوم يحدث طرق لهذه الطبقات بالنواة الحديدة تماماً كالمطرقة، وجاء في دراسة حول طريقة تشكل النجوم وما يحدث داخل النجوم النيوترونية ما نصه: تعمل الطبقات الخارجية في النجم مثل المطرقة، ونواة هذا النجم مثل الكرة المطاطية.
إذن جميع العلماء يؤكدون على أن هنالك طَرْقاً داخلياً يحدث داخل النجم، وطرقاً خارجياً نتيجة دوران النجم، حيث يصدر طرقات منتظمة تصل إلى الأرض على شكل أمواج راديوية. وهذا يعني أن العلماء يرون في هذه الأجسام عمليات طرق مستمرة تشبه طرقات المطرقة على الجرس.
صوت المطرقة الكونية:
يستخدم العلماء في كشف أعماق هذه النجوم تسجيل الانفجارات التي تولدها ثم يقومون بتحليل هذا التسجيل، ومعرفة التركيب الداخلي للنجم، تماماً كما يستخدم علماء الأرض مقاييس الزلازل وتسجيل الاهتزازات الأرضية لمعرفة تركيب الأرض وبنيتها الداخلية وطبقاتها.
ويقول البروفسور Richard Rothschild من جامعة كاليفورنيا، والذي درس هذه الأجسام لفترة طويلة، وهو يحدثنا عن أحد الانفجارات النجمية الذي خلف وراءه نجماً ثاقباً: "إن الانفجار كان أشبه بضرب النجم النيوتروني بمطرقة كونية، مما يسبب أن هذا النجم يرن مثل الجرس"(12).
وجه الإعجاز:
مما يدل على عظمة كتاب الله تعالى أنه تناول الكثير من الحقائق الكونية المبهرة، وعندما يكون الحديث عن مخلوق عظيم يقسم الله به -والله يقسم بما يشاء من خلقه- فقد أقسم الله تعالى بنجوم عظيمة فقال: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق: 1-3].
وقد احتار المفسرون في تفسير هذه الآيات الكريمات، ولكنهم أجمعوا على أن الله أقسم بنجوم شديدة اللمعان والإضاءة، وهذا ما وصلت إليه معارفهم في ذلك العصر. ولكننا في العصر الحديث وأمام التطورات الكبيرة التي شهدها علم الفلك، فإن أفضل تفسير علمي لهذه الآيات هو أنها تتحدث عن النجوم النيوترونية، وقد يتطور العلم فيكشف لنا أشياء جديدة لا نراها اليوم ليبقى القرآن هو المعجزة الخالدة.
وقد يقول قائل كيف علمتَ أن النجم الثاقب هو ذاته النجم النيوتروني؟ لذلك سوف نعدد بعض أوجه الإعجاز العلمي في هذه الآيات ونلخصها في نقاط محددة:
1- من خلال الحقائق اليقينية السابقة ندرك أن أهم صفتين للنجوم النيوترونية كما يصرح بذلك كبار علماء الفلك هما: الطرق المستمر والمنتظم، وبث موجات جذب تخترق وتثقب أي شيء، وهذا ما لخصه لنا القرآن الكريم بكلمتين فقط هما: (الطارق، والثاقب).
2- الطرْق في اللغة العربية هو الضرب بالمطرقة، فهل تعتبر طرقات هذه النجوم حقيقية ومسموعة لنا؟، يؤكد جميع العلماء أن ما تصدره هذه النجوم هو طرق حقيقي وليس مجازياً، ويقول العلماء هذه النجوم تصدر صوتاً يشبه إلى حد كبير صوت المطرقة العادية، ويبلغ تردد هذا الصوت عدة مئات من الهرتز، ولذلك فهو مسموع للأذن البشرية، ولكن بما أن الصوت يحتاج لوسط مادي لكي ينتشر فيه، وبسبب عدم وجود هذا الوسط في الفضاء، فإن هذه الأصوات لا تصلنا مباشرة إنما تصلنا على شكل موجات راديوية، وبعد إعادة هذه الأمواج الراديوية إلى تردداتها الحقيقية تعطي صوت الطرق على شكل دقات منتظمة.
3- الثَّقب في العربية هو الخَرقُ النافذ كما مر بنا في أول البحث، فكيف يثقب ويخترق الأشياء هذا النجم الثاقب؟. من خصائص النيوترون أنه أثقل أجزاء الذرة وهو حيادي أي لا شحنة له، فهو ليس موجباً وليس سالباً، ولذلك فهو يخترق الذرة وينفذ منها بسهولة، وبالتالي يستخدمه العلماء لتحطيم نواة الذرة بسبب ثقله وحياديته؛ ولذلك فإن أفضل وصف للنيوترون هو أنه يثقب الأشياء ويخترقها بسهولة دون أن يعيقه شيء، وبالتالي فإن كلمة (الثاقب) مناسبة جداً من الناحية العلمية لوصف النجوم النيوترونية، والله تعالى أعلم.
هنالك أمر آخر وهو أن النجوم الطارقة تبث موجات جاذبية عنيفة جداً وهذه الموجات تستطيع اختراق أي شيء في الكون بما فيه نحن البشر، ففي كل لحظة هنالك موجات جاذبية تصدر من هذه النجوم وتخترق أجسامنا ولا نحسّ بها، ولذلك فإن اسم (الثاقب) ينطبق على الموجات التي تبثها هذه النجوم، فسبحان الذي أخبرنا عنها لنزداد إيماناً ويقيناً بهذا الخالق العظيم.
4- يعتبر العلماء هذه النجوم بالذات من عجائب الكون بل هي من أجمل النجوم في الكون، وهي تبث الأشعة الراديوية بانتظام وبشكل متقطع وتعمل مثل منارات في السماء؛ ومن هنا ندرك لماذا أقسم الله بها والله لا يقسم إلا بعظيم.
5- تعتبر النجوم النابضة من أسرع النجوم دوراناً في الكون، وتنتج موجات جذبية هائلة تخترق الزمان والمكان، حيث يمكن أن يدور هذا النجم بسرعة تتجاوز 600 دورة في الثانية الواحدة، أي 36 ألف دورة في الدقيقة، وتصور أخي القارئ جسماً قطره 20 كيلو متراً ووزنه أكبر من الشمس، هذا الجسم يدور بهذه السرعة المذهلة، ألا يستحق هذا النجم أن يُذكر في القرآن بل ويقسم الله تعالى به؟
6- إن كلمة (ثاقب) تعني في اللغة أيضاً (مضيء) أو (لامع)، وقد وجد العلماء أن هذه النجوم تعتبر من أشد النجوم لمعاناً في الكون. ويعجب العلماء كيف تنشأ هذه النجوم في قلب الانفجارات وتكون محاطة بكميات هائلة من الدخان الكوني، وفجأة تظهر وتشع بل وتضيء ما حولها، وهذا يدل على أن اللفظة القرآنية تجمع أكثر من معنى، فكلمة (الثاقب) تعني الذي يخترق الأشياء وتعنى شديد اللمعان، وكلا المعنيين صحيح، وهذا يعني أن العلماء يستخدمون عدة كلمات لوصف هذه النجوم بينما القرآن يختصر هذه المصطلحات بكلمة واحدة فقط، فسبحان الله!
7- وربما يقول قائل أيضاً: إن الصوت لا ينتشر في الفراغ ويحتاج إلى وسط مادي مثل الهواء أو الماء لينتشر فيه، فكيف تمكن العلماء من سماع هذا الصوت؟.
إن الترددات التي يصدرها هذا النجم هي في المجال المسموع، أي أننا عندما نحول هذه الأشعة إلى ذبذبات فإن الترددات الخاصة بها ستكون مسموعة بالنسبة لنا وستعطي صوت مطرقة!
وهنا نلاحظ مزيداً من الإعجاز؛ لأن القرآن الكريم حدثنا عن صوت لا يمكن لأحد أن يسمعه بشكل مباشر، هذا الصوت لا ينتشر في الفضاء، ولا نحسّ به، وسؤالي لكل من يدعي أن القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم: من أين جاء هذا النبي ( -وهو الأمي- بهذه المعلومة وصاغها بشكل علمي دقيق ومطابق لأحدث المكتشفات الكونية؟ ولو لم يكن رسولاً من عند الله تعالى فمن أين له بهذه الحقائق العلمية، كل هذا يشهد بأنه رسول من عند الخالق العليم.
إعداد: عادل الصعدي.
مراجعة: علي عمر بلعجم.
30/ 10/ 2007م.
______________________
(1) المطارق الكونية آية من آيات الله، لعبد الدائم الكحيل،
(2) لسان العرب لابن منظور 10/ 215.
(3) لسان العرب لابن منظور 1/ 239-241.
(4) تفسير الطبري 12/ 532.
(5) أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 2008، برقم: 4549، ومسلم في صحيحه 3/ 1527، برقم: 715.
(6) أخرجه أحمد في مسنده 3/ 419، برقم: 15498، وأبو يعلى في مسنده 12/ 237، برقم: 6844، وصحح إسناده حسين سليم أسد في تحقيقه لمسند أبي يعلى.
(7) تفسير ابن كثير 4/ 641.
(8) تفسير البيضاوي 1/ 476.