اللهمَّ ربنا لك الحمد، مِلء السَّماوات ومِلء الأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثَّناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدِّ - صاحب المال - منك الجدُّ، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمد، الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومُبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أمَّا بعد:
فإنَّ ليوم القيامة مَشاهدَ كثيرة، أحببت أن أُذكِّر ببعضها نفسي وطلاب العلم الكرام، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
(1) النَّفخ في الصُّور:
هناك نفختان عظيمتان ينفخهما المَلَك المُوكَّل بالنَّفخ في الصُّور، وهو إسرافيل:
النفخة الأولى: يُصعق بها جميع الخلائق إلا ما شاء الله.
النفخة الثانية: يقوم بها النَّاس من قبورهم للحساب والعرض على الله؛ قال تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾ [الزمر: 68].
وقال سبحانه: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [إبراهيم: 48].
روى مسلمٌ عن سهل بن سعد، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((يُحشَر النَّاس يوم القيامة على أرضٍ بيضاءَ عَفْرَاءَ - بياض إلى حمرة - كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ - الدقيق - ليس فيها عَلَمٌ لأحد - ليس فيها سكن، أو بناء، ولا أثر))؛ (مسلم حديث: 2790).
الـمُدَّة بين النفختين:
روى الشَّيخان عن أبي هريرة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ما بين النَّفختين أربعون))، قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يومًا؟ قال: أبَيْتُ، قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: أبَيْت، قالوا: أربعون سنةً؟ قال: أبَيْت؛ (البخاري حديث: 4814/مسلم حديث: 2955).
===========================
(2) أرض المحشر:
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ﴾ [طه: 105 - 107].
قال عمرو بن ميمون:
أرض المحشر: "أرضٌ بيضاء، لم يُسفَك عليها دم، ولم يُعمل عليها خطيئة"؛ (تفسير ابن كثير: جـ2 صـ563).
روي مسلمٌ عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ﴾ [إبراهيم: 48]، فأين يكون النَّاس يومئذٍ يا رسول الله؟ فقال: ((على الصِّراط))؛ (مسلم: 2791).
كيف يحشر الله الناس؟
قال تعالى: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ﴾ [مريم: 85، 86].
روى الشَّيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((يُحشَر النَّاس على ثلاث طرائق: راغبين راهبين، واثنان على بعير، وثلاثةٌ على بعير، وأربعةٌ على بعير، وعشرةٌ على بعير، ويَحشُر بقيَّتَهم النَّارُ، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتُصبح معهم حيث أصبحوا، وتُمسي معهم حيث أمسَوا))؛ (البخاري حديث: 6522/مسلم: 2861).
روى مسلمٌ عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((يُحشَر النَّاس يوم القيامة حُفاةً عُراةً غُرْلًا - غير مختونين))، قلت: يا رسول الله، النِّساء والرِّجال جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يا عائشة، الأمر أشدُّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض))؛ (مسلم حديث: 2859).
========================
(3) اقتراب الشَّمس من النَّاس:
روى الترمذي عن المقداد بن الأسود، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إذا كان يوم القيامة أدنِيَت الشَّمس من العباد حتَّى تكون قيد ميلٍ أو اثنين))، قال سُليْمٌ: "لا أدري أيَّ الميلين عَنَى: أمسافة الأرض، أم الميل الذي تكتحل به العين؟"، قال: ((فتصهرهم الشَّمس فيكونون في العَرَق بقدر أعمالهم؛ فمنهم مَن يأخذه إلى عقبيه، ومنهم مَن يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم مَن يأخذه إلى حَقْوَيْهِ، ومنهم مَن يلجمه إلجامًا))، فرأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُشير بيده إلى فيْهِ؛ أي: يلجمه إلجامًا؛ (حديث صحيح، صحيح الترمذي للألباني، حديث: 1973).
=========================
(4) حوض نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم:
الحوض: حوض الماء النَّازل من نهر الكوثر، الذي أعطاه الله تعالى لنبيِّنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ليشرب منه المؤمنون يوم القيامة.
الإيمان بحوض نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم ثابتٌ بالكتاب والسُّنة.
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ [الكوثر: 1].
روى مسلمٌ عن أنس، قال: بينما رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءةً - نام نومة - ثمَّ رفع رأسه متبسِّمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: ((أُنزِلَت عليَّ آنفًا سورة))، فقرأ: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 1 - 3]، ثمَّ قال: ((أتدرون ما الكوثر؟))، فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنَّه نهرٌ وَعَدَنِيهِ ربِّي عزَّ وجلَّ، عليه خيرٌ كثير، هو حوضٌ تَرِدُ عليه أمَّتي يوم القيامة، آنِيَتُه عدد النُّجوم، فيُختلج - أي: يُنتزع - العبدُ منهم، فأقول: ربِّ، إنَّه من أمَّتي؟!))، فيقول: ((ما تدري ما أحدَثَت بعدك))؛ (مسلم حديث:400).
==========================
(5) صفة حوض النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
روى الشيخان عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((حوضي مسيرة شهر، ماؤُه أبيض من اللَّبن، وريحه أطيب من المِسك، وكِيزَانُه كنجوم السَّماء، من شرب منها فلا يظمأ أبدًا))؛ (البخاري حديث: 6579/مسلم حديث: 2292).
======================
(6) أصحاب المعاصي تطردهم الملائكة عن حوض النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
روى البخاري عن سهل بن سعد قال: قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (
(إنِّي فَرَطُكُم على الحوض، مَن مرَّ عليَّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدًا، ليَرِدَنَّ عليَّ أقوامٌ أعرفهم ويعرفوني، ثمَّ يُحال بيني وبينهم، فأقول: إنَّهم منِّي! فيُقال: إنَّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سُحقًا سُحقًا لمن غيَّر بعدي))؛ (البخاري حديث: 6583/ 6584).
==========================
(7) صفة إظهار صحائف الأعمال:
قال سبحانه: ﴿
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا ﴾ [الانشقاق: 7 - 12].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله: ﴿
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ﴾ [الانشقاق: 10]؛ أي: بشماله من وراء ظهره، تُثنى يده إلى ورائه، ويُعطى كتابه بها كذلك؛ (تفسير ابن كثير: جـ14صـ295).
وقال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 25].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: هذا إخبارٌ عن حال الأشقياء إذا أُعطي أحدهم كتابه في العرصات - أي: يوم القيامة - بشماله، فحينئذٍ يندم غاية النَّدم، فيقول: ﴿
يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ﴾ [الحاقة: 25 - 27]، قال الضَّحَّاك: يعني موتةً لا حياة بعدها؛ (تفسير ابن كثير: جـ14صـ295).
=========================
(8) ميزان الأعمال:
قال الله تعالى: ﴿
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47].
وقال سبحانه: ﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 102، 103].
وقال سبحانه:
﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ [الأعراف: 8، 9].
وقال جلَّ شأنه: ﴿ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ر وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾ [القارعة: 6 - 11].
الميزان له كِفَّتان حقيقيَّتان:
روى الترمذي عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ الله سيُخلِّص رجلًا من أمَّتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة؛ فينشُرُ عليه تسعةً وتسعين سجلًّا، كلُّ سجلٍّ مثل مدِّ البصر، ثمَّ يقول: أتُنكر من هذا شيئًا؟ أظلَمَك كتبَتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عُذرٌ؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى، إنَّ لك عندنا حسنةً؛ فإنَّه لا ظُلم عليك اليوم، فتخرج بطاقةٌ فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، فيقول: احضُرْ وزنَك، فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السِّجلَّات؟! فقال: إنَّك لا تُظلم، قال: فتُوضَع السِّجلَّات في كفَّة، والبطاقة في كفَّة، فطاشت السِّجلَّات وثقُلَت البطاقة؛ فلا يثقُل مع اسم الله شيءٌ))؛ (حديث صحيح، صحيح الترمذي للألباني، حديث: 2127).
(9) الحساب والعرض على الله تعالى:
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ [الغاشية: 25، 26].
وقال سبحانه: ﴿
فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأعراف: 6].
وقال جلَّ شأنه: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [غافر: 17].
صفة الحساب:
روى الشيخان عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما منكم أحدٌ إلا سيُكلِّمه ربُّه، ليس بينه وبينه تَرجُمان، فينظر أيمَنَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم من عمله، وينظر أشأَمَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النَّار تلقاء وجهه، فاتَّقوا النَّار ولو بشقِّ تمرة))؛ (البخاري حديث: 6539/ مسلم حديث: 1016).
أول الأُمَم حسابًا يوم القيامة:
روى مسلمٌ عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أضلَّ الله عن الجمعة مَن كان قبلنا، فكان لليهود يومُ السَّبت، وكان للنَّصارى يومُ الأحد، فجاء اللهُ بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة، والسَّبت، والأحد، وكذلك هم تبعٌ لنا يوم القيامة، نحن الآخِرون من أهل الدُّنيا، والأوَّلون يوم القيامة، المقضيُّ لهم قبل الخلائق))، وفي روايةِ واصل: ((المقضيُّ بينهم))؛ (مسلم حديث: 856).
أول ما يُحاسِب الله عليه المسلم:
الصلاة أول ما يُحاسِب الله عليه العبدَ من الأعمال يوم القيامة.
روى الترمذي عن أبي هريرة أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إنَّ أوَّل ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة من عملِه صلاتُه؛ فإن صلَحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسَدَت فقد خاب وخسر؛ فإن انتقَصَ من فريضته شيءٌ، قال الرَّبُّ عزَّ وجلَّ: انظروا، هل لعبدي من تطوُّع؟ فيُكَمَّل بها ما انتقص من الفريضة، ثمَّ يكون سائر عمله على ذلك))؛ (حديث صحيح، صحيح الترمذي للألباني، حديث: 337).
=====================
(10) أول ما يُقضى فيه يوم القيامة:
روى الشَّيخان عن عبدالله بن مسعود، قال: قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أوَّل ما يُقضى بين النَّاس في الدِّماء))؛ (البخاري حديث: 6864/مسلم حديث: 1678).
============================
(11) جوارح الإنسان تشهدُ عليه يوم القيامة:
قال الله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [فصلت: 19 - 21].
وقال سبحانه: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس: 65].
روى مسلمٌ عن أنس بن مالك قال: كُنَّا عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فضحك، فقال: ((هل تدرون ممَّ أضحك؟))، قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((من مخاطبة العبد ربَّه، يقول: يا ربِّ، ألم تُجرني من الظُّلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإنِّي لا أجيز على نفسي إلا شاهدًا منِّي، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا، وبالكرام الكاتبين شهودًا، قال: فيُختَم على فِيهِ، فيُقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثمَّ يخلَّى بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بُعدًا لكُنَّ وسُحقًا؛ فعنكُنَّ كنتُ أُناضل - أي: أُدافع))؛ (مسلم حديث: 2969).
============================
(12) الصِّراط:
تعريف الصِّراط:
الصِّراط: هو الجسر الممدود على ظهر جهنَّم؛ ليعبر عليه النَّاس إلى الجنَّة.
يجب الإيمان بالصِّراط، وأنَّ كلَّ النَّاس سوف يمرُّون عليه، وهو ثابتٌ بالكتاب، والسُّنة، وإجماع الأمَّة.
قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 71، 72].
روى ابن أبي حاتم عن عبدالله بن مسعود قال: يَرِدُ النَّاس جميعًا الصِّراط، وورودهم قيامهم حول النَّار، ثمَّ يصدرون عن الصِّراط بأعمالهم؛ (تفسير ابن كثير: جـ9صـ281).
صفة المرور على الصِّراط:
روى مسلمٌ عن حذيفة بن اليمان، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال - وهو يتحدَّث عن المرور على الصِّراط -: ((يمرُّ أوَّلكم كالبرق))، قال: قلت: بأبي أنت وأمِّي، أي شيءٍ كمرِّ البرق؟ قال: ((ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين؟ ثمَّ كمرِّ الرِّيح، ثمَّ كمرِّ الطَّير، وشدِّ الرِّجال؛ تجري بهم أعمالهم، ونبيُّكم قائمٌ على الصِّراط يقول: ربِّ سلِّم سلِّم، حتَّى تَعجِز أعمال العباد، حتَّى يجيء الرَّجل فلا يستطيع السَّير إلا زحفًا، قال: وفي حافَتَيِ الصِّراط كلاليبُ معلَّقةٌ مأمورةٌ بأخذ من أُمرت به؛ فمخدوشٌ ناجٍ، ومكدوسٌ في النَّار))، والذي نفس أبي هريرة بيده، إنَّ قعر جهنَّم لسبعون خريفًا؛ (مسلم حديث: 195).
أول النَّاس عبورًا على الصِّراط:
روى البخاري عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال - وهو يتحدَّث عن يوم القيامة -: ((يُضرَب الصِّراط بين ظهرَيْ جهنَّم، فأكون أنا وأمَّتي أوَّل مَن يُجيزها، ولا يتكلَّم يومئذٍ إلا الرُّسل، ودعوى - دعاء - الرُّسل يومئذٍ: اللهمَّ سلِّم سلِّم، وفي جهنَّم كلاليب مثل شوك السَّعدان، هل رأيتم السَّعدان؟))، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: ((فإنَّها مثل شوك السَّعدان، غير أنَّه لا يعلم ما قَدْر عِظَمها إلا اللهُ، تخطف النَّاسَ بأعمالهم))؛ (البخاري حديث: 7437).
=========================
(13) ذبح الموت:
الموت أمرٌ معنوي غير محسوس، ولا يراه أحدٌ من الناس، ولكنَّ الله تعالى يجعل الموت كبشًا، يراه جميع الخَلْق يوم القيامة، فيأمر الله سبحانه بذبح الموت بين الجنَّة والنَّار.
روى الشَّيخان عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يؤتى بالموت - أي: يُجسَّد ويؤتى به - كهيئة كبشٍ أمْلَح، فيُنادي منادٍ: يا أهل الجنَّة، فيشرئبُّون - يمدُّون أعناقهم - وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلُّهم قد رآه، ثمَّ ينادي: يا أهل النَّار، فيشرئبُّون وينظرون، فيقول: وهل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلُّهم قد رآه، فيُذبح، ثمَّ يقول: يا أهل الجنَّة، خلودٌ فلا موت، ويا أهل النَّار، خلودٌ فلا موت، ثمَّ قرأ: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ﴾ [مريم: 39]، وهؤلاء في غفلة أهل الدُّنيا؛ ﴿ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [مريم: 39]))؛ (البخاري حديث: 4730/مسلم حديث: 2849).
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكرام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
وصلَّى الله وسلَّم على سيِّدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، والتَّابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
==========================
الشيخ صلاح نجيب الدق
شبكة الالوكة