1- ليس هناك حل للخروج من النفق المظلم الذي تسير فيه الأمة إلا الرجوع إلى القرآن وكنوزه.
2- القرآن بمثابة مشروع لنهضة الأمة جمعاء، فهو كالشمس يسع الجميع، مع الأخذ في الاعتبار أن الشمس لا تؤثر إلا فيمن يتعرض لها.
3- الوصال بين القلب والقرآني يعني به الكاتب السماح لنور القرآن بدخول القلب فينوره ويغيَّره.
4- المرحلة التي تعيشها أمتنا اليوم تتشابه إلى حدٍ كبير مع مرحلة التية التي مرت بها بنو إسرائيل عندما رفضوا دخول الأرض المقدسة.
5- منذ عقود طويلة والمخلصون من أبناء أمتنا يبحثون عن مخرج يُنقذها من تيهها إلا أن هذا البحث تنقصه حلقة مهمة.
6- فصيلة دم الأمة هو الإيمان فقد ربط الله بين علونا وقيادتنا للبشرية وبين الإيمان الذي تحمله صدورنا .. فقال سبحانه: { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران: 139]. والإيمان هو أهم شرط للتمكين قال تعالى: { وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } [النور: 55].
7- إن فصيلة دم أمتنا هي الإيمان، ويوم أن يضعف الإيمان، ويتمكن الهوى وحب الدنيا من قلوب أبنائها، فإنها بذلك تفقد مصدر قوتها وتميزها على سائر الأمم.
8- إن كانت فصيلة دم أمتنا هي الإيمان، واليوم نعاني من نقصٍ شديد فيه، فإن أعظم مقوٍ للإيمان هو القرآن فهو المنبع العظيم للإيمان.
9- إن كان الإيمان للقلب كالروح للبدن، فإن القرآن يمثل العمود الفقري هذا الإيمان؛ لذلك ليس عجبا أن يُسمى القرآن بالروح: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا } [الشورى: 52].
10- إذا كان القرآن قد صنع الجيل الأول، فإنه قادر بإذن الله أن يصنع أجيالاً ربانية جديدة، وأن يخرج الأمة - بإذن الله- من أزمتها، ويعيد لها مكانتها.
11- القرآن الكريم أعظم معجزة نزلت من السماء، والسر الأعظم لإعجازه يكمن في قوة تأثيره على القلوب.
12- يقول ابن القيم -رحمه الله-: «كما أن البدن محتاج أن يرقى بالأغذية المصلحة له، والحمية عما يضره، فلا ينمو إلا بإعطائه ما ينفعه ومنعه مما يضره، فكذلك القلب: لا يزكو، ولا ينمو، ولا يتم صلاحه إلا بذلك ..ولا سبيل له إلى الوصول لذلك إلا من القرآن».
13- انصب اهتمام الغالبية من الأمة- إلا من رحم ربي - على الناحية الشكلية للقرآن، ولم يواكب ذلك اهتمام بتدبره والتأثر به، والاغتراف من منابع الإيمان التي تتفجر من كل آية من آياته، لتستمر الأمة في ضعفها وعجزها عن النهوض من كبوتها، وكيف لا وقد هُجر أهم وأعظم مصدر للإمداد الإيماني.
14- إن وجود كلمة «اتخذوا» مع كلمة «مهجورا» في قوله تعالى: { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً } [الفرقان:30] أعطت لمفهوم الهجر بُعدًا آخر، ودلت على أن الشكوى تخص أناسًا تعاملوا مع القرآن، وبذلوا فيه مجهودا؛ فكلمة اتخذوا تدل على ذلك، إلا أنهم في نفس الوقت - رغم هذا المجهود - قد هجروا القرآن، وذلك حين اهتموا بشكله ولفظه، وهجروا أهم جانب فيه ألا وهو تأثيره المتفرد على القلوب.
15- لا بد أن يستمر ويستمر التذكير بقيمة القرآن، وبالهدف الأسمى لنزوله، والذي لو اتضح أمامنا بصورة جلية، وأصبح إيمانًا مستقرًا في قلوبنا، فإنه - بلا شك - سيولد داخلنا الدافع القوي للإقبال على القرآن بصورة صحيحة.
16- نقطة البداية الصحيحة في طريق الانتفاع بالقرآن هي زيادة الإيمان والثقة فيه كمصدر متفرد للهداية والشفاء والتغيير.
17- القرآن هو الرحمة العظمى التي أرسلها الله للبشرية لتكون بمثابة الوسيلة السهلة والدواء الناجع لشفائها من أمراضها وهدايتها إليه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].
18- كل آية من آيات القرآن، وكل سورة من سوره، تحمل منابع غزيرة للإيمان.. هذه المنابع جاهزة للتفجر والتدفق في قلب أي شخص يتعرض لها مهما بلغت قسوته، ومهما كانت عِلَّته.
19- يقول ابن القيم -رحمه الله-:«جماع أمراض القلب هي أمراض الشبهات والشهوات، والقرآن شفاء للنوعين. ففيه من البينات والبراهين القاطعة ما يبين الحق من الباطل، فتزول أمراض الشبهات المفسدة للعلم والتصور والإدراك، بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه... أما شفاؤه لمرض الشهوات، فذلك لما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب، والتزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة، والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار، فيرغب القلب السليم فيما ينفعه، ويرغب عما يضره، فيصير القلب محبًا للرشد، مبغضًا للغي....».
20- القرآن ليس كتابًا فحسب، وليس دواءً فحسب. إنه شيء متفرد لا يمكن إدراك كنهه وقدرته الفذة على العمل في ذات الإنسان.. إنه -كما يقول سيد قطب-: «يزيل الغشاوة، ويفتح النوافذ، ويسكب النور، ويحرك المشاعر، ويستجيش القلوب، ويخلص الضمير، وينشئ حياة للروح تنبض بها وتشرق وتستنير ».
21- إن المؤمن الذي يتلو الآيات ويعيش معها يجد قلبه وقد استولت عليه مشاعر التعظيم والمهابة والإجلال لله عز وجل، ولا يستطيع أن يسيطر على هذه المشاعر فتجده يسجد بتلقائية لربه إجلالاً وخشية ومهابة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّدًا صدق الله العظيم وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً صدق الله العظيم وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 107، 109].
22- إن أهم مظهر لقوة تأثير المعجزة القرآنية هو التحول العظيم الذي حدث لجيل الصحابة، والتغيير الجذري الذي حدث لهم بعد إسلامهم....
23- كان حب الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن، واهتمامه به لا يُوصف، فقد سيطر القرآن على عقله، واستحوذ على مشاعره، وبلغت قوة تأثيره عليه أن شيَّب شعره.
24- لقد تشبع الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن تشبعًا تامًا، وتأثر به تأثرًا بالغًا لدرجة أن الإمام الشافعي - رحمه الله- يعتبر أن كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن.
25- ويقول الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - ومعنى مدارسة القرآن: القراءة والفهم والتدبر والتبين لسنن الله في النفس والآفاق، ومعرفة الوصايا والأحكام، وأنواع الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، وما إلى ذلك مما يحتاج المسلمون إليه.
26- ذاق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حلاوة الإيمان من خلال القرآن، وأدركوا قيمته وقدرته الفذة على التغيير وبث الروح، فأقبلوا عليه، وانشغلوا به، وأعطوه الكثير من أوقاتهم، وانجذبت مشاعرهم نحوه عند لقائهم به لدرجة الاستغراق والهيمنة.
27- إذا أردت - أخي - أن تعرف قدر تأثير القرآن على قلوب الصحابة، وكيف أن معانيه قد استحوذت على مشاعرهم، وأصبحت تواجههم وتوجههم حيثما اتجهوا فانظر إلى آثار ذلك من الناحية العملية لترى كيف كان ذلك الأثر سريعا في إذعانهم للحق، ومبادرتهم لفعل الخير، وعدم التلكؤ أو التباطؤ تحت أي دعوى.
28- هذه الأمثلة الرائعة لأثر القرآن على سلوك الصحابة ما كانت لتظهر لولا حرص الصحابة على كثرة قراءة القرآن بتفهم وترتيل، فقد كان للواحد منهم حزب يومي من القرآن - قل أو كثر - لا يتكاسل عن القيام به.
29- لقد كانت هناك مساحة معتبرة للقرآن في يوميات الصحابة، لدرجة أن بعضهم كان يختمه في ثلاثة أيام والبعض في سبع، والبعض في عشر، مع التدبر والترتيل والتجاوب مع الآيات كما مر علينا، والذي ساعدهم على المداومة على ذلك هو استشعارهم لقيمة القرآن من ناحية، ولتحذيرات الرسول صلى الله عليه وسلم المتكررة لهم بعدم الانشغال بغيره من ناحية أخرى .. لذلك كان القرآن يصحبهم في كل وقت، حتى في المعارك لم يتركوا قراءة القرآن.
30- لقد كان القرآن هو محور حياة الصحابة الكرام ، ومادة حياة قلوبهم.. يحرصون على تحصيلها أكثر من حرصهم على تحصيل الطعام والشراب والراحة، ولم لا وهم يدركون بأن الحياة الحقيقية هي حياة القلب.
31- يقول خباب بن الأرت رضي الله عنه لجارٍ له: «يا هناه! تقرب إلى الله ما استطعت، فإنك لن تقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه».
32- كان أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه يقول:«اقرأوا القرآن، ولا يغرنكم هذه المصاحف المعلقة، فإن الله لا يعذب قلبا وعى القرآن».
33- قال الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله-: «هجر المسلمون القرآن إلى الأحاديث..
34- ثم هجروا الأحاديث إلى أقوال الأئمة ..ثم هجروا أقوال الأئمة إلى أسلوب المقلدين.
وكان تطور الفكر الإسلامي على هذا النحو وبال على الإسلام وأهله».
35- عن بشر الحافي - رحمه الله-قال: سمعت أبا خالد الأحمر يقول: «يأتي زمان، تُعطَّل فيه المصاحف، يطلبون الحديث والرأي، فإياكم وذلك فإنه يُصفِّقُ الوجه، ويَشغل القلب، ويُكثر الكلام».
36- إن الذي يقرأ القرآن ويتدبره ويرتله، وينشغل به كما انشغل الصحابة، سيجد معانيه قد انطبعت في عقله، وتحولت إلى يقين، وامتزجت بعاطفته فصارت إيمانًا راسخًا رسوخ الجبال الرواسي، فالقرآن يُشرب في القلب محبة الله، وتعظيمه، ومهابته، وتقديسه..
37- قال الشيخ محمد الغزالي- رحمه الله-: «.. إن دراسة هذا القرآن الكريم، أورثتنى إحساسًا بعظمة الله، لم أحسه في قراءة كتاب آخر... أحسست أن الكتاب الذي بين يدي، يبدئ ويعيد في قيادة الناس إلى الله، واستثارة مشاعرهم من الأعماق، كي يرتبطوا به، ويتوجهوا إليه، ويستعدوا للقائه .... ».
38- قال الشيخ محمد الغزالي- رحمه الله-:« ليت المسلمين استقوا عقائدهم من القرآن وحده! إذن لأراحوا واستراحوا، إن بعض هواة الجدل لم يتورعوا عن كثرة اللغط في قضايا العقيدة، فضلوا وأضلوا».
39- قال حسن البنا - رحمه الله-: «لقد صرنا نقرأ القرآن قراءة آلية صرفة .. كلمات تتردد، ونغمات تتعدد، ثم لا شيء إلا هذا، أما فيض القرآن وروحانيته، وهذا السيل الدافق من التأثير القوي الفعال، فمن بيننا وبينه حجاب، ولهذا لم نكن صورة من النسخة الأولى التي تأثرت بالقرآن وتبدَّلت نفوسها به».
40- قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله-:« إن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهمان إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».
41- بلوغ الهداية من القرآن، والتأثر بمعانيه، ومن ثم الانتفاع الحقيقي به، في وسع وطاقة أي عاقل مهما كان مستوى إدراكه.
42- هناك دليل واقعي واضح يؤكد على أن السبب لعدم انتفاعنا بالقرآن ليس هو افتقادنا للتذوق اللغوي... هذا الدليل يتمثل في وجود نماذج كثيرة ممتدة عبر التاريخ الإسلامي من غير العرب ممن تعلموا اللغة العربية، فتأثروا بالقرآن تأثرًا بالغًا، وانتفعوا به انتفاعًا عظيمًا.
43- كان الشيخ فضل الرحمن الكنج مراد آبادي (م 1313هـ) يقرأ القرآن ذات يوم إذ غلبه الوجد (التأثر والاستغراق المشاعري الشديد مع الآيات)، فقال للشيخ السيد تجمل حسين: «إن اللذة التي نجدها في القرآن، لو وجدتم منها ذرة، لما صبرتم على الجلوس مثلنا، ولخرجتم تمزقون ثيابكم إلى الصحراء»، ثم قال: آه، ودخل حجرته ومرض لعدة أيام.
44- ويقول الشيخ الجليل عبد القادر الرائيفوري - أحد كبار المشايخ المعروفين في عصره - وهو يصف حال مربيه وشيخه عبد الرحيم الرائيفوري (م 1919م - الموافق 1337هـ): «لقد رأيت الشيخ يقرأ القرآن الكريم، فكان يطيل قراءته في صلاة الليل أيما إطالة، فتارة يبكي، وإذا جاء ذكر العذاب، بكى واستغفر الله تعالى وتضرع إليه تضرعا عجيبًا يتمثل حال من يسأل العفو عن جريمته في ضراعة ولهف، وإذا جاءت آية فيها ذكر رحمة الله - عز وجل - استبشر وسرَّ تارة، وهدأ صامتا أخرى».
45- يقول أبو الحسن الندوي - رحمه الله-: «لقد أثَّر (القرآن الكريم) في عقلية إقبال، وفي نفسه ما لم يؤثر فيه كتاب ولا شخصية، ولم يزل محمد إقبال إلى آخر عهده بالدنيا يغوص في بحر القرآن، ويطير في أجوائه، ويجوب في آفاقه، فيخرج بعلم جديد، وإيمان جديد، وإشراق جديد، وقوة جديدة».
46- بديع الزمان سعيد النورسي من نماذج الأعاجم الذين تأثروا بالقرآن تأثرًا بالغًا، وفاضت عليه معانيه، وكتب الكثير حولها في «رسائل النور» وحفظ الله به الإسلام في تركيا فترة سقوط الخلافة وتحويل تركيا إلى دولة علمانية..
47- عائشة برجت هوني التي نشأت في أسرة إنجليزية مسيحية، وشغفت بالفلسفة، ثم سافرت إلى كندا لإكمال دراستها، وهناك في الجامعة أتيح لها أن تتعرف على الإسلام، وأن تنتهي إليه.تقول هوني: .. لن أستطيع مهما حاولت، أن أصف الأثر الذي تركه القرآن في قلبي، فلم أكد انتهى من قراءة السورة الثالثة من القرآن حتى وجدتني ساجدة لخالق هذا الكون، فكانت هذه أول صلاة لي في الإسلام.
48- يمكن إجمال العوامل والأسباب التي أدت إلى ضعف الإيمان والثقة بالقرآن الآتي:
أولاً: الصورة الموروثة عن القرآن.
ثانيًا: طول الإلف.
ثالثًا: نسيان الهدف من نزول القرآن.
رابعًا: الانشغال بفروع العلم والتوسع فيها على حساب القرآن.
خامسًا: غياب أثر القرآن.
سادسًا: كيد الشيطان.
سابعًا: مفاهيم وممارسات ساهمت في عدم الانتفاع بالقرآن.
49- يقول عمر عبيد حسنة: «إن الصورة التي طبعت في أذهاننا، في مراحل الطفولة للقرآن أنه لا يُستدعي للحضور إلا في حالات الاحتضار والنزع والوفاة، أو عند زيارة المقابر، أو نلجأ لقراءته عند أصحاب الأمراض المستعصية، وهي قراءات لا تتجاوز الشفاة».
50- إن الإنسان هو موضوع القرآن، بمعنى أن الهدف الأسمى لنزول القرآن هو هداية الإنسان وإصلاحه والسير به في الطريق المؤدي إلى رضا الله وجنته..ومن أجل تحقيق هذا الهدف جعلها الله رسالة موجزة مقارنة بما تحتويه من معان عظيمة، ليسهل حملها وقراءتها وحفظها.
51- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:« أُنزل القرآن ليُعمل به، فاتخذوا دراسته عملا!!».
52- يقول الحسن البصري - رحمه الله-: «إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل، وجعلتم الليل جملا، فأنتم تركبونه وتقطعون به مراحله، وإن من كان قبلكم رأوه رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار».
53- لم يبق لمعظم من طلب القرآن العزيز هِمَّةً إلا في قوة حفظه، وسرعة سرده، وتحرير النطق بألفاظه، والبحث عن مخارج حروفه، والرغبة في حسن الصوت به.وكل ذلك- وإن كان حسنا - ولكن فوقه ما هو أهم منه وأتم، وأولى، وأحرى، وهو فهم معانيه، والتفكر فيه، والعمل بمقتضاه، والوقوف عند حدوده، وثمرة خشية الله تعالى من حسن تلاوته.
54- من أقوال الإمام حسن البنا -رحمه الله-:«لم ينزل القرآن من علياء السماء على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون تميمة يحُتجب بها، أو أورادًا تُقرأ على المقابر وفي المآتم، أو ليُكتب في السطور، ويحفظ في الصدور، أو ليحُمل أوراقًا ويُهمل أخلاقًا، أو ليحفظ كلامًا ويهُجر أحكامًا .. وإنما نزل ليهدي البشرية إلى السعادة والخير {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ صدق الله العظيم يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16].
55- من أقوال الإمام حسن البنا -رحمه الله-: «ليس المقصود من القرآن: مجرد التلاوة، أو التماس البركة، وهو مبارك حقًا، ولكن بركته الكبرى في تدبره، وتفهم معانيه ومقاصده، ثم تحقيقها في الأعمال الدينية والدنيوية على السواء، ومن لم يفعل ذلك، واكتفى بمجرد التلاوة بغير تدبر ولا عمل، فإنه يُخشى أن يحق عليه الوعيد الذي يرويه البخاري عن حذيفة - رضي الله عنه -: «يا معشر القراء: استقيموا فقد سبقتم سبقًا عظيمًا وإن أخذتم يمينًا وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا».
56- إن جملة الأحاديث الصحيحة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة الحد الأدنى لختم القرآن تؤكد على أنه صلى الله عليه وسلم لم يُرخِّص لأحد ختمه في أقل من ثلاثة أيام.فإن قلت بأن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان يقرأ القرآن في ركعة. لجاءك الجواب بأن هذا الأثر قد ضعَّفه الترمذي، وأقر الألباني ذلك التضعيف فقال: ولقد أحسن الإمام الترمذي برواية هذا الخبر والذي بعده (خبر عثمان بن عفان، وخبر سعيد بن جبير) بصيغة التضعيف، لأن الركعة مهما طالت لا يمكن أن يقرأ فيها القرآن الكريم كاملا، فضلا عما في ذلك من مخالفته لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود والقيام، وحاشا لسيدنا عثمان أن يفعل مثل ذلك .قال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: أقول: هذا هو الصواب الموافق للسنة.
57- إذا ما نظرنا إلى كتب فضائل القرآن نجد في أغلبها أخبارًا عجيبة عن بعض السلف بأن فلانًا كان يختم في رمضان ستين ختمة، وآخر كان يختم ختمة فيما بين الظهر والعصر، ويختم ختمة أخرى فيما بين المغرب والعشاء، وآخر كان يختم بالنهار أربع ختمات، وبالليل أربع ختمات .وأكثر من هذا وأكثر، ومن لا يصدق هذا الكلام فعليه بالنظر في كتب فضائل القرآن ليتأكد بنفسه. فهل هذا كلام يُعقل؟!هل يمكن لأحد أن يختم القرآن بين صلاتي المغرب والعشاء؟!إن متوسط المسافة الزمنية بين انتهاء صلاة المغرب حتى صلاة العشاء تقرب من ساعة من الزمن، أي أنه كان يقرأ كل جزء من القرآن في دقيقتين!!!
58- هذه الأخبار التي تورد ختم القران في اليوم أو اليومين مرات عديدة وغيرها، مهما قيل في صحتها أو عدم صحتها، فهي أولاً: تخالف الهدى النبوي، ثانيًا: تصطدم مع قوله تعالى: {لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29]: ثالثًا: لا يمكن تصديقها مهما ادعى البعض وجود بركة في الوقت عندهم .. ولعل السبب وراء تناقل هذه الآثار -دون التثبت من صحتها- هو استثارة همم المسلمين في الانكباب على القراءة، والانشغال بها.
59- لقد نجح الشيطان نجاحًا كبيرًا في استدراج الأمة وإبعادها عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن، وهذا لم يتم في يوم وليلة، بل كان استدراجًا هادئًا بطيئًا عبر القرون المتعاقبة حتى وصل إلى الحال الذي وصل إليه الآن.
60- إن هدف الشيطان هو إبعاد كل فرد في الأمة عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن، من خلال :
#في البداية يجتهد في الحيلولة دون قراءة المسلم للقرآن، إما بالتسويف، أو بإشغاله بأمر آخر.
فإن قرأ بالفعل دخل عليه من مداخل متعددة:
#مدخل التعب والنعاس.
#مدخل تحصيل أكبر قدر من الحسنات ليدفع القارئ للقراءة السريعة غير المتدبرة.
#مدخل شرود الذهن مع بعض الكلمات.
#مدخل تذكيره بأمر من أمور الدنيا التي ينبغي عليه القيام بها ليترك القراءة.
#مدخل الاهتمام الشديد بمخارج الحروف وإتقان التلاوة.
#مدخل تخويفه من تدبر القرآن..
61- يقول ابن هبيرة: «ومن مكايد الشيطان تنفير عباد الله عن تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر، فيقول: هذه مخاطرة، حتى يقول الإنسان: أنا لا أتكلم في القرآن تورعًا ».
62- يقول أبو حامد الغزالي -رحمه الله - في حديثه عن موانع فهم القرآن: «أن يكون الهم منصرفًا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن فهم معاني كلام الله عز وجل، فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف يُخَّيل إليهم أنه لم يخرج من مخرجه، فهذا يكون تأملهم مقصورا على مخارج الحروف فأنى تنكشف له المعاني؟ وأعظم ضحكة للشيطان من كان مطيعًا لمثل هذا التلبيس ».
63- يقول ابن القيم -رحمه الله-: «إن الشيطان يُجْلِب على قارئه بخيله ورَجْله، حتى يشغله عن المقصود بالقرآن، وهو تدبره وتفهمه، ومعرفة ما أراد به المتكلم -سبحانه - فيحرص بجهده على أن يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن، فلا يكمل انتفاع القارئ به، فأُمر عند الشروع أن يستعيذ بالله منه».
64- من المفاهيم التي ينبغي أن تُصحح عند المسلمين قصر وظيفة القرآن على تحصيل الأجر والثواب والتبرك...ومن المفاهيم التي كان لها دور كبير في إبعاد البعض عن الانتفاع بالقرآن: قناعتهم بأن أهل القرآن هم حفاظ حروفه، بغض النظر عن ربط ذلك بالعمل بما فيه، والتخلق بأخلاقه.
65- مما أبعد طائفة كبيرة من الحفاظ عن تدبر القرآن والانتفاع الحقيقي به، هو حرصهم على عدم نسيان المحفوظ فقط، لذلك تراهم يقرأون الآيات قراءة سريعة بقصد المراجعة وكل همهم هو عدم النسيان أو الخطأ.
66- الإمام أبو شامة حمل الأحاديث الواردة في ذم نسيان القرآن على ترك العمل، لأن النسيان هو الترك لقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ} [طه: 115].
قال: وللقرآن يوم القيامة حالتان:
أحدهما: الشفاعة لمن قرأه ولم ينس العمل به.
والثانية: الشكاية على من نسية أي تركه تهاونا ولم يعمل به.
قال: ولا يبعد أن يكون من تهاون به حتى نسى تلاوته كذلك.
67- من المداخل المبُعدة للبعض عن القرآن تصورهم بأنه يمكنهم الجمع بين القراءة السريعة للقرآن بلا تدبر ولا تأثر بغية تحصيل الأجر والثواب، وبين قراءة القرآن بتدبر وتأثر، وذلك من خلال تخصيص ختمة للقراءة السريعة، وختمة للتدبر، ولا بأس من المكث مع ختمة التدبر وقتًا طويلاً، ولو استمرت سنوات وسنوات.
68- من المداخل المُبْعدة كذلك اقتناع البعض بضرورة ختم القرآن في مدة أقصاها شهر أو أربعون يوما حتى لا يكون هاجرًا له، فيؤدي ذلك إلى الإفراط في سرعة القراءة في بعض الأيام حتى يتسنى له ختم القرآن خلال المدة المحددة، وبالتالي تقل فرصة التدبر والتأثر.
69- مما أبعد البعض عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن ظنه أنه يتأثر بالسماع أكثر من تأثره بالقراءة، ومن ثمَّ فإنه يهمل القراءة.
70- إذا ما شخَّصنا حالنا مع القرآن، وبحثنا عن السبب الرئيس لهذا الوضع الشاذ لوجدناه - كما أسلفنا - نابعًا من ضعف الإيمان بقيمة القرآن وقدرته الفذة على إنشاء الإيمان وإحداث التغيير.
71- الخطوة الأولى في طريق العودة إلى القرآن، وتوجيه القلب نحو أنواره -كما أسلفنا- هي زيادة الثقة فيه، والتعرف على قيمته الحقيقية، وكيف أنه قادر -بإذن الله- على إحياء قلوبنا وتغيير ما بأنفسنا، والتعرف كذلك على العقبات التي تواجهنا في طريق العودة إليه وكيفية اجتيازها، مع تصحيح المفاهيم الخاطئة التي رسخت في الأذهان عن كيفية التعامل معه.. وكلما ازدادت الثقة في القرآن قويت الرغبة، واشتدت الحاجة، وتولد الدافع القوي للإقبال الصحيح عليه.
72- يقول أبي الحسن الندوي -رحمه الله-: «إن من الشروط الأولية الأساسية للاستفادة من القرآن الكريم والانتفاع به، هو وجود الرغبة إليه، وطلب الاستفادة منه، فمن لم تتحقق عنده الرغبة والطلب ماذا يكون تأثير القرآن فيه؟».
73- إن من سنة الله - تعالى - ونواميسه أنه لا يعطي إلا بالرغبة والسؤال، وللرغبة والسؤال عنده قيمة كبيرة، فالقلق على الوضع الراهن، وعدم الاقتناع به، والجهد للإصلاح والتغيير، والبحث عن الطريق هو أول خطوة عنده في سبيل السعادة.
74- الخطوة الأولى والأساسية في طريق العودة إلى القرآن هي ترسيخ وتعميق الشعور بالرغبة الأكيدة والاحتياج الحقيقي إليه، وهذا يستلزم منا القراءة في بعض الكتب التي تناولت هذا الموضوع والإكثار منها في البداية؛ لتقوم بتغذية وتقوية مشاعر الرغبة وتأججها لينتج عنها دافع قوي ومستمر للإقبال الصحيح على القرآن.
75- إن كانت الخطوة الأولى للانتفاع الحقيقي بالقرآن هي اشتداد الرغبة، فإن الخطوة التي تليها .. بل تصحبها .. هي ترجمة هذه الرغبة بالدعاء والتضرع إلى الله عز وجل بأن يفتح قلوبنا لنور القرآن، ويُعرَّضها لحُسن التأثر به.
76- علينا أن ندعوه - سبحانه - دعاء المضطر الذي يخرج دعاؤه من أعماق أعماق قلبه، كالذي تتقاذفه الأمواج في البحر، فأخذ يصارع الغرق، وليس لديه شيء يتعلق به إلا أمله في الله بأن يستجيب تضرعه، وينقذه من الموت.
77- قال محمد اقبال -رحمه الله- : «قد كنت تعمدت أن أقرأ القرآن بعد صلاة الصبح كل يوم، وكان أبي يراني، فيسألني: ماذا أصنع؟ فأجيبه: أقرأ القرآن، وظل على ذلك ثلاث سنوات متتاليات يسألني سؤاله، فأجيبه جوابي، وذات يوم قلت له: ما بالك يا أبي! تسألني نفس السؤال وأجيبك جوابًا واحدًا، ثم لا يمنعك ذلك عن إعادة السؤال من غدٍ؟ فقال: إنما أردت أن أقول لك: يا ولدي؛ اقرأ القرآن كأنما نُزَّل عليك. ومنذ ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن وأقبل عليه، فكان من أنواره ما اقتبست، ومن درره ما نظمت».
78- من وصايا الإمام حسن البنا -رحمه الله -في كيفية الانتفاع بالقرآن: «واجتهد أن تقرأ في الصلاة وغيرها على مُكث وتمهُّل، وخشوع وتذلل، وأن تقف على رؤوس الآيات، وتعطي التلاوة حقها من التجويد والنغمات، من غير تكلف ولا تطريب، أو اشتغال بالألفاظ عن المعاني، مع رفع الصوت المعتدل في التلاوة العادية أو الصلاة الجهرية، فإن ذلك يُعين على الفهم، ويثير ما غاص من شآبيب الدمع، وما نفع القلب شيء أفضل من تلاوة في تدبر وخشوع».
79- ها هو القرآن يدعونا جميعًا لذلك :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].إن القرآن ينبت الإيمان في القلوب مهما بلغت قسوتها، ويُشربها محبة الله، وخشيته، ومهابته حتى يصير حبه - سبحانه - أحب الأشياء إليها، وخشيته أخوف الأشياء لديها. .إنه روح القلوب وقوتها .. من فقده فقد أضاع على نفسه فرصة عظيمة للحياة الحقيقية، والسعادة، والرضا، ودخول جنة الدنيا.
80- تذكر أخي أن صلاح الأمة متوقف على صلاحي وصلاحك، وصلاحنا لن يكون إلا بالإيمان أولا، والقرآن هو العمود الفقري لهذا الإيمان. فماذا ننتظر بعد ذلك؟!
ماذا ننتظر وقد دخلت الأمة إلى الغار، وقد سقطت صخرة عظيمة فأغلقت بابه، والكل يستصرخ وينادي: هل إلى خروج من سبيل؟
فهل
نكتفي بارتداء الأكفان، و انتظار الموت، أم نبحث عن مخرج من هذا الغار؟!إن الدليل الذي سيقودنا إلى الخروج موجود لكنه مهجور.
إن القائد الذي نبحث عنه قريب منا، وأهل لإخراجنا من الغار.
إنه القرآن .. إي وربي القرآن..
أمير بن محمد المدري
اليمن - المهرة
موقع صيد الفوائد