بسم الله الرحمن الرحيم
*أثابكم الله فضيلة الشيخ يقول السائل :
أنا تائب من المعاصي ولله الحمد ولكن تصّور لي المعاصي في أوقات العبادة فكيف أتخلص منها أثابكم الله ؟
اسأل الله لنا ولك وللسائر المسلمين التائبين الثبات على طاعته ومحبته ومرضاته ، ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لَّدُنك رحمة انك أنت الوهاب
أخي في الله إن الله إذا أحب عبده رزقه التوبة والإنابة اليه سبحانه ، فقد أعطى الدنيا من أحب ومن كره ولم يعطي الدين والتوبة والإنابة اليه إلا لمن يحبه نسأل الله ان يجعلنا جميعاً من أحبابه ، فأحب ربك كما يسر لك الهدى وسهله لك ورزقك التوبة قبل أن تموت .
فكم من شاب طائش أتته منيته وحيل بينه وبين التوبة ولكن الله تداركك بلطفه ولما أنعم الله عليك بهذه النعمة وامتن عليك بهذه المنة أبى عدو الله ابليس الا ان يقعُد لك بالمرصد فهو في غيض وحسد وحقد لك فرأى كرامة الله لك وأراد ان يذلك وخسأ عدو الله فلن يستطيع ذلك بإذن الله
ومن هنا تمتحن في توبتك وتختبر وتبتلى من ربك فإن صدقت مع الله صدق الله معك
تتوب الى الله من الشهوات والمعاصي والملهيات فيأتيك عدو الله إناء الليل والنهار يزينها لك ؛ حتى لربما زينها لك في أشرف المواطن وأعظمها وهو موطن القرب من الله فيقول لك لو كنت تائباً صادقاً في توبتك لماذا تتذكر هذه الأمور وأنت واقف بين يّدي الله !
وكذب وفجر ولقم الحجر ولو انك قلت هذا ربي وهذا حبيبي وهذا الذي أدناني الى رحمته وهذا الذي قربني الى لطفه وبره وكرامته والله لن أترك سبيله ولن أحيد عن طريقه ، فإن عرضت عنه أقبّلت عليك الخيرات والباقيات الصالحات لأن الشهوة التي عصيت بها الله أُنزلت الى الدركات ؛ فحتى تخرج من هذه الدركات تتسلق الى الدرجات العُلا بإمتحانات وابتلاءات ومنها هذه الابتلاء .
فاصبر فإن الله يقويك ويعطيك من فضله ومنه وكرمه مالم يخطر لك على بال !
فظن بربك خير وإياك ثم إياك ان قال لك أنت لست بصادق أو قال لك انت منافق أو أنت لست صادق بتوبتك فكله كذب لا حقيقة له فإن أعرضت عن هذه الوساويس والخطرات لا يملك عدو الله الإ أن يوسوس وإذا أعرضت عن هذه الوساوس وأقبلت على الله رأيت حقيقة ما أنت فيه وهو رحمته ولطفه وبره ومعونته وتوفيقه
ليس للشيطان إلا هذا البلاء وهو ان يوسوس ويذكرك بالمواقف الرديئة والمنازل المخزية .
والنَّاس في هذا البلاء على أحوال منهم من يسترسل مع هذه الأفكار ومنهم إذا استرسل ينقطع ولا يستمر ومنهم من يستمر ثم يختلفون فالذين يستمرون في ذلك يضعف إيمانهم - نسأل الله السلامة والعافية - ويقوى سلطان الشيطان عليهم بقدر مايسترسلون من هذه الوساويس حتى أن بعضهم يرى نفسه بعد التزامه بطاعة الله واستقامته على محبة الله كأنه في سجن والعياذ بالله .
وإذا كمل إيمانه وعظم يقينه بالله عزوجل وقد مرت عليه ألذ الشهوات ومرت عليه أجمل الفتن الفاتنة إذا عُرضت عليه احتقرها في جنب ماهو من طاعة الله فيرفع إلى أعالي الدرجات لأن هذا الاحتقار بعد أن رأى وتلذذ وذاق لذة المعصية وهي لا لذة فيها بعد هذا كله ، يُعرض عنها بصدق فإن هذا يبدله الله عزوجل سيئاته حسنات ولذلك كم من أناس إذا رأيتهم علمت معنى الاستقامة وقوة الإيمان والثبات لو فتشت عن أمورهم لوجدت أنهم جاهدوا أنفسهم جهاد عظيم .
فأبشر مادمت مع الله عزوجل ولا تلفت الى هذه الوساوس ولا تلفت الى هذه الخطرات أي شيء يأتي في قلبك يُشكك في إيمانك أو يُشكك في رحمة الله لك أو يسيء ظنك بالله فاعلم انه الشيطان قد وضع خرطومه على قلبك ! وهي لمة الشيطان فإذا فرغت الى الله كما أمرك الله وقلت أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم أفلحت ونجحت لأنك عُذت بعظيم واتبع هذا بالصدق فالعبد الصالح الذي أناب الى الله يتقلب في الفتن ويتقلب في المحن على قدر إيمانه
لماذا ؟
[color="rgb(75, 0, 130)"]لأن الذي ذاق اللذات والشهوات والمحرمات والمنكرات واستمتع وتلذذ ثم ولى ظهره لذلك البلاء صادقاً مُقبل على الله فلا يزال يتجرع الغُصص من كيد الشيطان فيذكره بها يذكره بها فيأذن ويقول ربي ربي التوبة التوبة ان الله طهرني فكيف أقبل على القاذورات والخبث والنجاسات لا وربي ياربي امتني قبل ان أعود اليها - النفس تتحدث - فالنفوس الطاهرة المؤمنة تمر بأشجان وأحزان لا يعلم بها الا الله جل جلاله .
الله أكبر إذا أقبلت القلوب على ربها فامتحنت وابتليت وفتنت ( أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لايفتنون )
هذه الفتن وهذه المحن وهنا يكون جهاد العبد لله جل جلاله جهاد النفس فيها مرير يأتي عدو الله بهذه الأمور يزينها وقد ذهبت مرارتها فإذا عادت العبد الصادق في التوبة والإنابة لا ينظر الى هذه الشهوات الا انها غصة في حلقه
من الشباب من ذاق لذة المعاصي لكن لو جاءو والله بأجمل صورة من المعاصي مارأها الا تحت قدمه من قوة إيمانه يقول أين هذا بكل مافيه من الجمال بكل مافيه من الفتن أين هذا أمام لذة العبادة والوقوف بين يدّي الله فإذ بالشيطان يُدحر فإذا بالشيطان يُقهر وإذا بالعبد الولي الصادق يُنصر وتفتح أبواب الرحمة على العبد وييسر له ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا إن الله لمع المُحسنين ) فبين الله تعالى ان هؤلاء الذين يجاهدون الشهوات وأحاديث النفس
ترى رجل مستقيم على طاعة ربه يخرج الى مسجده يخرج الى عمله فتمر عليه فتن طالما
حينما كان بعيداً عن الله تفعل الافاعيل فإذا به يحتقرها ولو جاءته المراءاة عارية كيوم ولدتها أمها من صّدق إيمانه بالله لاتزلزله الفتن قد باع نفسه لله وباع عمره لله فجعل الجنة والنار أمام عينيه فلا يبالي للفتنة
لا يضعف المؤمن لا يضعف ! ولذلك الشيطان يسول للإنسان الضعف فتجد البعض يقول والله ياشيخ ان الفتن تكالبت لايوجد هذا !! أنت في فتنه ! مُنذ ان تقول ربي الله أنت مفتون لا يوجد تكاسل ! حياةً أو موت. .. سعادة ً أو شقاء !
رحمةً أو عذاب ! ( ان هدينا السبيل إما شاكرا و إما كَفُورا ) إما شكرا وإما كفر فلا يحتاج الانسان !
فتجد العبد الصادق في إيمانه واستقامته والتزامه لربه لاينتظر موعظة
من الناس من إذا استقام عبى سبيل ربه مع كثرة الفتن التي يتجرعها ثابت على دين الله عزوجل حتى لايحتاج الى موعظة لأن الله وعظه
من الناس من لايفتقر الى موعظة أحد ولا الى تذكير أحد لأن ربه وعظه .
ما قام الا تذكر الله ولا قعد الا ذكر الله ووالله ان الإيمان لايزال يتغلغل في قلب العبد حتى يجد لذته وحلاوته فلو أن الفتن جاءته على أسوء ماتكون وأشر ماتكون لم تؤثر في إيمانه خردله أبداً ولو عرضت عليه أجمل وأكمل ماتكون من الفتن لن يلقي لها بالاً وأقبل على سوق الآخرة والأخرة تنسي ماسواها ! فيستحي من الله عزوجل بعد ان استقام على طاعة الله عزوجل مايلتفت ولو كان في أسوء الأزمنة فتن ، لم يزده ذلك الإ صلابة في دين الله وثبات على طاعة الله ومحبة الله يقول يارب اصطفيتني في هذا الزمان زمن الفتن والمحن أي نعمة تلك ما أريد ياربي الا أن تثبتني على هذه الطاعة يارب أُريد أن أجمل عندك يارب أُريد أن أكمل في طاعتك ومحبتك .. هذا شغله الشاغل
أما ان يأتيه فتنة أو محنة أو يأتيه مفتون ممتحن ليفتنه عن دين الله فهذا أبعد من النجم في السماء !
قلوب أمنت ونفوس أيقنت وأقبلت على ربها وصدقت .
[color="rgb(75, 0, 130)"]من المؤمنين ليس كل المؤمنين ( من المؤمنين رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) كأنه لما التزم بطاعة الله واستقام على محبة الله عاهد ربه انه لايكفر النعمة وانه اذا جاءه الشيطان وقال له : أنت جالس هنا وانظر الى هذا الذي يستمتع وهذا الذي يتمتع وهذا الذي يُفتن مايرى ذلك الا تحت أقدامه لاتؤثر فيه الفتن .
(تُعْرَضُ الفتن على القلوب؛ كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَ فيه
نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلب أنكرها
نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنةٌ ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مُرْبَادًّا؛كالكوز مُجَخِّيًا، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشْرِبَ من هواه)[١]
على أبيض مثل الصفاء لاتزال الفتن تُعرض عليه فتحتقرها ولا تضعف ولا تستلم !
يارب اخترتني في هذا الزمان مع مافيه من الفتن والمحن .. يارب أسألك وأبتهل إليك .. ويكون شغلك الشاغل ان يثبتك على طاعته همك الذي تهتم به
ان الله يبلغك الدرجات العُليا في التزامك واستقامتك
لا تضعف فهذه الشهوات التي يعرضها عدو الله لاتسمن ولاتغني من جوع !
ومن الناس من عرف الحرام بأنواعه وأشكاله فلما استقام على طاعة ربه لم يحس بلذة ولو عرضت عليه هذه الشهوات ماوجدها الا مرارة يغُص بها
ثم إذا ضعف الايمان أنصت الى الشيطان .. ثم إذا ضعف أكثر انه والعياذ بالله يسترسل مع هذه الفتن ويضعف
والنَّاس درجات في طاعة الله ومحبة الله فأصدق مع الله عزوجل !
ولذلك إذا قوّي الايمان أشتد البلاء فإياك ثم إياك أن تسيء الظن بالله وتقول أنا مستقيم كيف اتذكر هذه المواطن !
بعضهم يقول أتذكرها وأنا ساجد بين يدّي الله ومنهم من يقول ابتليت بالمواقع الإباحية فأرى فيها مايسوء المنظر وتعرض عليه في صلاته نعم تعرض عليك بالصلاة ! تُعرض عليك بموقف بين يّدي الله حتى تتوب الى الله منها توبة نصوحة وإذا رأيت الحرام وازدريته واحتقرته ؛ ثبت الله جنانك وخلص الله جوارحك وأركانك من فتنها ومحنها [/color]
فأصدق مع الله فإن من صدق مع الله صدق الله معه ( والله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
إياك ان تحس يوماً من الأيام بعد استقامتك إنك تحتاج الى شيء غير شيء واحد وهو رحمة الله ليس هناك شيء تحتاجه الا ان يرحمك الله برحمته لا تحس بعد الاستقامة ان هذه الفتن التي تراها وتسمعها وتشاهد الغير يتقلب فيها فوالله ثم والله لو نظرت الى شخص يتقلب في الفتن ويتلذذ بالمعاصي أقسم بالله انه في جحيم في نفسه لايعلمه الا الله جل جلاله وفي زهّق لا يعلمه الا الله سبحانه وتعالى فلا يغرنك فلقد أحاطك ربك ما تتمناه النفوس فاستقم على طاعة ربك
ان الله يسمعك ويراك مُطلع على قلبك !
أي قلب ذلك القلب الذي إذا نظر اليه ربه وجده يقلبه الشيطان في الفتن فلا يتقلب !
أي قلب ذلك القلب الذي أقبل على الله سبحانه وتعالى إقبال الصادقين فلم تزده المعاصي والشهوات والملهيات وأصحاب الفتن والمحن الإ احتقاراً
لها !
يخرج من بيته فإذا رأى أهل الفساد وأهل المعاصي لايشعر انه ناقص ولا يشعر انهم يتلذذون
يُحس انه هو بإذن الله عزوجل المفضل بتفضيله ويرجو لهم التوبة والخير ولا يحس انه أفضل منهم
لكن لا يحس أن عندهم شيء يحتاجه !
إياك ! لأن إذا شعرت ان من لم يستقم على طاعة الله أكمل منك فقد ازدريت نعمة الله عزوجل
وعندها يكون زيغ للقلب ( فلما زاغوا أَزَاغ الله قلوبهم ) وإذا قال الله تعالى ( ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا )
فلا يزغ قلبك !
ومهما رأى الانسان من المحرمات والمعاصي والملهيات
نعمة الله عزوجل عليه .
والله أكبر من كل شيء سبحانه مقلب القلوب .. سبحانه علام الغيوب .. سبحانه مفرج الكروب !
ولا كربة أعظم من كربة الدين ومن صدق مع الله صدق الله معه .
وان العيون التي تلذذت بمعصية الله إذا دمعت من خشية الله طهرت وزكت
وما أجرى الله مدامعها الإ وهو يريد خير بها وبأهلها
وان العيون لو رأت ما رأت من المواقع الإباحية التي أوذي بها شباب المسلمين والمؤمنين فإن ربك غفور رحيم وربك حليم كريم
ومن تقوّا بالله قواه الله ومن اعتز بالله أعزه الله فليقل ربي عليك توكلت .
ولو أنه انغمس في شهواته من شعر رأسه الى أخمص قدمه لايمكن أن يُزعزع يقينه بربه ويقول يخرجني الله منها ولو عظمت
وإني أرجو الله ان ينتزعها من قلبي ولو كثرت
كُن مع الله ولا تبالي ! كُن مع الله وأقبل على الله إقبال الصادقين ( فماعندكم ينفذ وماعند الله باق )
هذا الذي تراه من الشهوات لذة ساعة وألم دهر والذي أنت تراه من المحن والفتن عذاب لحظة وسعادة عمر
فكن مع الله واصدق مع الله وإياك ثم إياك أن تلفت الى شيء غير الله عزوجل وأن أسعد الناس في هذه الدنيا من امتلئ قلبه بالله ومن أنساه الله كل شيء .
اللهم أنت الله لا إله الا أنت نسألك وقد مننت علينا بهدايتك ولطفك ورحمتك اللهم لا إله الا أنت نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا .. اللهم اهد بها قلوبنا اللهم اهد بها قلوبنا وأصلح بها قوالبنا وأبكي بها عيوننا من خشيتك واملئ بها جوارحنا وأعضاءنا بطاعتك ومحبتك .
سبحانك يامقلب القلوب سبحانك ياعلام الغيوب !
اللهم هب لنا من لَّدُنك رحمة انك أنت الوهاب
اللهم إنَّا نسألك رحمة تصلح بها مافسد منا .. اللهم أصلح فساد قلوبنا وقوالبنا وخذ بنواصينا لما يرضيك عنا وسدد أقوالنا وصوب أراءنا وأعنا وثبت على طاعتك ومحبتك قلوبنا ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لَّدُنك رحمة إنك أنت الوهاب .
إليك نشكو ضعفنا وقلة حيلتنا وعظم الفتن والمحن التي تُحيط لنا خلصنا يارب منها ومن أهلها ومن كل شر وأسلمنا إليك مسلمين مؤمنين مُخبتين وثبتنا على ذلك حتى نلقاك يوم الدين وأنت راضٍ عنا يا أرحم الراحمين
اللهم سبقنا الصالحون بصلاحهم بعد فضلك ومّنك وكرمك فنسألك اللهم رحمة من عندك ندرك بها من سبقنا ونفوت بها من بعدنا واجعل لنا على خير يرضيك عنا
سبحانك ربنا رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين
محمد المختار الشنقيطي
*[/color]