افقت من نومي فزعة على صوت لم اسمعه من قبل ..
فتحت عيني ولكم تعجبت من قدرتي على الرؤية بهذا الوضوح ..
نظرت الى كف يدي فوجدته وياللغرابة في مكانه ..
لقد عدت ؟
تلفت حولي فوجت الكثيرين مثلي ..
حاولت جاهدة ان اتذكر ماكان .. وكيف كانت البداية ..
****
سرت في جسدي قشعريرة شعرت معها ببروده لم اعهدها من قبل ..
شعرت بشيء ما يسري في دمي .. بروده في قدمي ويدي .. ملت براسي قليلا محاولة النظر امامي ولكن ماهذا .. اني لا استطيع تحريك رقبتي .. بل اني حتى لم اعد راغبه او قادرة على ان اطرف بعيني ..
شيء من الخدر بدأت اشعر به ..
اشعر وكاني اغوص بجسدي كله في هوة ما ..
بدأ الضوء يقل فيما اصبح جفني اثقل .. رغبه عارمه في نوم عميق تعتريني وشعور غامض بأني مقبلة على شيء ما ..
ثقل في كل اطرافي فلا اقوى على تحريكها ولكن وياللعجب .. فبرغم الثقل اشعر اني بلا وزن .. اشعر اني كتلة من الريش ..
المكان كله يدور ..
انني ادور معه .. بل انني انزلق ..
الى اين اذهب ؟؟
لا ادري ولا اجد بنفسي طاقة او قدرة على محاولة فهم مايحدث .. ماهذا الخدر العجيب .. لماذا اشعر اني اصبحت وكأنني ؟ وكأنني هلامية .. شيء بلا شكل او كنه ...
ارفع يدي فلا اراها .. ياالهي .. ماهذا ؟
الى اين ..
كنت انزلق بسرعه فائقة في نفق لا ادري كيف وصلت اليه ولا اعلم أين بي سينتهي ..
مرت في ذهني مئات الصور لعديد من المواقف التي عشتها في حياتي الطويلة .. مرت امامي وكاني استعيد شريطا لقصة مبعثرة بكل لحظاتها وتفاصيلها التي مرت وانقضت ..
لا ادري كم مضى علي من الوقت ولكني فجأه وبلا مقدمات وجدتي قد توقفت ..
نظرت حولي ..
اين انا ..
اخذت انتبه كمن يفيق من غيبوبة ..
لاجدني بجسدي بلا جسد .. في مكان بلا مكان ..
كان الظلام دامس ولكني كنت ارى .. لا ادري كيف ولكنه ماحدث ..
نظرت امامي .. دققت النظر .. وجدت بقعتين من النور تقتربان ..
اخذت اجري تجاه النور بخطى واسعه .. فكرة ما لاحت في ذهني .. بدأت اتباطأ في الجري .. لم يعد هنالك تفسير آخر .. توقفت ..
اقترب الضوء اكتر لاكتشف حقيقة ما حدث ..
اطرقت برأسي .. ياالهي . .
انه ما ظننته . .
هكذا ببساطه .. هو الموت الذي حدثونا عنه اذا ..
لقت توفيت . .
وركزت نظري في القادمين من البعيد ..
******
انتزعتني من ذكرياتي عن تلك اللحظات الفاصلة بين حياتي الماضية التي اذكرها بالكاد وبين ماعشته من لحظه مغادرتي الارض وحتى هذه اللحظه التي افقت فيها على صوت مفزع .. نعم الصوت .. توقفت عن محاولة ماحدث فقد شعرت بشيء ما من .. ... لا ادري ولكن كلمة خوف هي هينة بعض الشيء مقارنة مع ما اشعر به .. أأقول انه الفزع ؟ ربما ولكني حقيقة لا ادري مما انا فزعه ..
شعرت برغبه في الفرار .. نظرت حولي وجدت الكل يجري .. الى اين ؟ لا ادري .. ولكني وجدت نفسي من يدفعني لاقوم من مرقدي الذي كنت فيه نظرت خلفي .. امامي .. حولي .. العشرات بل المئات من البشر تتدافع وتخرج من مراقدها صارخه .. وجدت نفسي اندفع معهم الى حيث يندفعون ..
دقات قلبي تتسارع والخوف يملأني وقد كنت اظنه بلغ منتهاه حين افقت على تلك الصرخه ولكن هيهات .. يبدوا انني لم اعرف الخوف قبلا ويبدوا اني مقبلة على تعرف وثيق عليه ..
بدأ من حولي بالجري .. وجدتني لسبب ما اجري معهم ..
الحرارة تشتد والاجسام متلاصقة وكل يدفع من يقترب منه .. اشعر ان روحي ستخرج من شده الحر ولكن اين .. لقد ردت الي توا واظن الموت عني اليوم بعيد ..
سمعت صوت لشيء يرتطم .. بل اشياء .. صوت كصوت الرعد يصم اذني .. نظرت بجانبي فاذا جبل ينهار . . ياالهي .. اخذت اعدوا باقصى مافي من قوة وانا ابكي .. بل واصرخ .. لم اكن اسمع حتى صوتي فقد كان حولي مئات بل آلاف يصرخون ..
هيء الي اني ارى البعض يمشي مطمئنا .. لا ادري لست اكيده فانا ارى طريقي بالكاد .. لا ادري ان كنت رايت ام انني شعرت .. لا ادري حتى ان كنت دريت ..
نظرت حولي فوجدت وجها اعرفه .. انها ابنتي .. نعم ابنتي الوحيده تذكرتها الآن .. لا ادري لما اشعر بعدم رغبه في التحدث اليها .. اراها تصرخ مع من يصرخون .. او ربما هي صامته .. لا ادري .. ولا وقت عندي ولا نية للتحقق .. لا ادري لما لا اريد ان اطمئن عليها اليوم كما كنت افعل بالامس .. لا ادري لما يشغلني امري الى درجه اني حتى لا اعبأ الى اين تمضي ابنتي او كيف ..
وفرقت بيننا الجموع وصدقوني .. لم اتسائل اترى سأراها مرة اخرى ام لا .. صدقوني بات كلا الامران عندي سواء ..
الارض تتزلزل من تحتي وشقوق النار تملأ المكان .. والكل يجري ويقفز الى لا مكان ..
كنت اجري في كل اتجاه وانا لا اعلم الى اين او ماسافعل .. ولكن شيئا ما داخلي كان يحثني على مواصلة السير .. شيئا ما كان يرجوا ان الامور جميعا .. ربما .. ستكون بخير ..
واشتد الزحام .. واقتربت الاجساد من بعضها اكثر فاكثر .. الحر شديد والشمس تكاد تلمس الرؤوس .. رائحة الدم والعرق تزكم الانوف .. البعض حولي يصرخ من العطش والبعض يبكي بل ينتحب ولا ارى في مقلتيه شيء جفت الدموع وتوقف النبض في العروق .. همهمات واصوات عاليه ..
العدد في ازدياد .. المكان يضيق والبشر لا يتوقفون عن التوافد من كل حدب وصوب .. بدأت اشعر بالاختناق .. ياالهي رحمتك ..
لا ادري علام وقوفنا هنا ولكنا وقفنا .. وطال الانتظار .. واستمر تدفق الجموع على مكاننا الذي كنا وقوف فيه حتى لم يبق موطيء قدم .. رفعت راسي الى السماء فوجدت حركة غير عاديه .. كانت جموع من الملائكة التي بت اراها الآن رؤيا العين تتحرك في عصبية ودأب ... كان يبدوا عليهم هم الآخرون الخوف من شيء ما . . كنت ادرك ماهو ولكني تعمدت طرد الفكرة من راسي .. فمجرد التفكير بان خالق هذا الكون وسيده غاضب اليوم في هذه اللحظه بالذات التي اصبحت مصائرنا كلها معلقة بامل عفوه عنا هو امر كفيل بان افقد عيني بكاء على نفسي بالدم .. حاولت ان لا افكر برغم معرفتي ان انشغالي عن الحقيقة لن ينفي وجودها ..
كنت وكنا جميعا نسمع تسبيح الملائكة وتحميدها في السماء من فوقنا .. وصوت ما يشبه غليان الماء في مرجل يهدر من تحتنا .. كنا جميعا مدركين ان لحظه الحقيقة قد حانت او اقتربت واننا جميعا مقبلون على الحساب ..
واخذنا كل منا يردد ذكره وطلبه لربه بان ينجيه .. واختلطت اصواتنا لتخرج فيما يشبه الرعد .. يارب .. يارب ..
بعضنا كان يقولها بأمل والبعض كان يقولها بغير امل على الاطلاق ..
وفجاه .. لذنا جميعا بالصمت .. فجأه توقفنا جميعا حتى عن حديث النفس .. فجاه وبلا اتفاق وجدنا انفسنا جميعا نصغي .. وباهتمام ..
يبدوا انه قد بدأ ..
انه الحساب ..
*******
لم تكن من المصليين .. لم تكن تحض على طعام المسكين .. وكنت تخوض مع الخائضين ..
بحمد الله لم يكن الكلام موجها لي بشخصي ولكنه كان احد ما سمعت وانا اشاهد وارى واسمع كل مايدور حولي من حساب لكل من حولي بلا استثناء ..
ولكن ياالهي .. اذكر انه مر علي يوم بل يومان .. عفوا .. قد كانوا اكثر .. هي ايام لا احب تذكرها ولكنها حدثت لم اكن اصلي فيها .. سيتم ذكر هذا بعد قليل وعلى الملأ . . لا مشكلة لدي الآن في الملأ ولكن رحماك يارب الملأ .. كيف ساواجه موقفي امامك الآن حين تسالني اين كنتي حين ناديتك لتقفي امامي .. اين كنتي حين سجد من سجد وركع من ركع .. احاول ان ارتب اجابة مقنعه ولكن الكلمات تذوب من راسي كصخر ملح على نهر جار ..
اخذت اطمأن نفسي بان لابد هنالك من بين الجموع من له ذنوب تفوق ذنوبي .. وتلفت .. الحمد لله وجدت .. فعلا هذه امرأة اسمعها تُسأل عن اللحظه التي كانت فيها مع فلان .. ياالله .. اي عار واي فضيحه . . لحظاتهم الحميمة دقيقة بدقيقة وثانية بثانية هنا على الهواء وعلى الملأ .. اراها تشق صدرها وتلطم خدها ووالداها يسمعان وزوجها يرى وابنائها يخفضون عن مافعلت امهم الرؤوس ..
اخذت ابحث علني اجد آكل ربا او سارق او فاحش بالقول . . اخذت ابحث عنهم كمن يبحث عن طوق نجاة ولسان حالي يقول انت الافضل فالبقعة البيضاء في ثوب السواد كرامة ..
وفيما اتلفت وجدت البعض وقد نادى منادي باسمائهم .. فلان ابن فلان .. وفلان ابن فلان .. ووجدتهم يسيرون فتفتح لهم الابواب فيدخلون منها وبغير حساب .. هممت بان الحقهم ولكن شيئا ما منعني .. شيئا ما جعلني اتثبت في مكاني بالارض واتمنى لو اني لن اظهر فلا يراني احد .. ولكن هيهات . وقتي سيحين لا محالة وحسابي قادم لا ريب ..
اخذني الخيال فرايت نفسي وقد نودي علي اسمي من بين من نودي عليه .. اخذت اجري وانا غير مصدقة لنفسي .. انني لا اجري بل انني اسير بغير مسير .. وجدتني ارتفع الى اعلى .. ارتفع وارتفع .. وطاقات من النور والعطر تستقبلني وباب عظيم يفتح امامي .. كدت امد يدي فادلف منه لولا ان ايقظني من خيالي صوت ينادي اسمي .. امتنا فلانة أبنة عبدنا فلان ..
وكدت اسقط مغشيا علي ..
********
ساعات وساعات .. ايام .. شهور .. سنوات .. حياتي القديمه اعيدت امامي لحظه بلحظة ومشهدا بمشهد ..
ياالله .. تفاصيل حياتي الدقيقة تعلن الآن . . تفاصيل حياتي بكل مافيها تلك التي نسيتها هاهي تعاد امامي ومن جديد ..
مع كل حسنة كنت احصل عليها كنت اخذ نفسا عميقا منتظرة التالية ..
ومع كنت سيئة اخذها كنت اعض شفتي ندما على كل لحظة اضعتها ..
كان الامل يحذوني فجاه باني من الناجين .. كنت اتخيل للحظات بان عملي الكثير سيكون شفيعا لي امام رب العالمين ..
وفي اوقات اخرى كنت اراني اسوأ اهل الارض قاطبة حين تعاد علي ايام حياتي لاجد اني كنت امضي بالايام لا افعل شيئا الا مايكتب علي لا مايكتب لي .
كنت اسمع مافعلت ولا استطيع الانكار .. حاولت ان ارفع راسي لاقول شيئا ولكني لم استطيع .. حاولت ان اتكلم لكن الجرأة لم تواتيني .. ها انا اقف امام رب العالمين .. سيدي ومولاي .الذي خلقني من قبل وكنت على عهده بان لا اعصاه .. ها انا اقف امامه وقد فعلت كل مافعلت في عشرات السنين تراكمت فيها الخطايا التي ربما بها ماغفر وربما والله اعلم بها مالايغتفر ..
كنت ارى اعمالي الصالحه تصب في الميزان كقطرات المطر المنهمر .. وكنت ارى ايضا سيئاتي تتتراكم في كفته الاخرى كتلال من الفحم الذي احترق ..
مرت امامي كل دقائق عمري وساعاته .. وتم سرد كل شيء .. الصالح قبل الطالح . .
واخيرا وبعد ان عرض عملي بكامله غير منقوص .. ماسرني منه ومالم يسر .. انتهى العرض واوشك الانتهاء من الوزن وبعد قليل سيجيء دوري في الكلام ..
خفضت راسي وانا مدركه لموقفي الذي اقفه الآن ..
خفضت راسي فلم اجرؤ على النظر .. ومن ذا يستطيع ..
كنت اعلم انه سبحانه عفو .. وكنت اعلم انه قبل عفوه فهو رحيم .. هممت بان اطلب منه ماكنت اطلبه في الدنيا وهي الجنة بغير حساب ولكني تراجعت .. في موقفي لم اكن املك الخيارات .. كما اني ونظرا لما رايت حولي من اعمال صالحه لآخرين ايقنت اني لم افعل شيئا .. نظرت الى من قضي بهم الى النار ونظرت الى من قضي به الى الجنة .. كنت ساطلب الجنة فقط ولكني عدلت .. في هذه اللحظه تمنيت ان يقضى بي الى اي مكان .. اي مكان ان كان هذا سيعفيني من الحساب .. اي مكان ولو النار لو كان هذا سيعفيني من موقفي امام رب العالمين.. موقف لا ادري أأقف فيه كبريء ام انا فيه واحدة من المذنبين ..
لم اكن على قدر الموقف فلا استطيع ان اقف امام الجبار في هذا اليوم لاحاسب على مااعطاني من نعم فانكرتها او امانة فضيعتها .. في هذا اليوم الذي فرغ فيه العزيز بعزته وجبروته لنا نحن الثقلان لا اظن ان اي كلمات ستستطيع ان تخرج مني لاطلب عفوه ورضاه .
كان وقت الحصاد قد حان ولم يعد هنالك مجال لأي تحسين ..
تمنيت ان اسجد امام الله خاشعه طالبة منه الرضى .. تمنيت لو ان هذا ممكن الآن .. اريد ان اخاطبه سبحانه واناجيه واطلب منه رضاه فقط .. لا اريد المال .. لا اريد الابناء .. لا اريد المنصب ..بل حتى لا اريد الجنة .. هو رضاه فقط الذي اريد .. اريد ان اقف امام هذا السيد في ذلك اليوم وانا من عبيده .. اريد ان اقول له سبحانك لبيك انا عبد من عبادك تشرفت بعبوديتك ولم اخرج عن طاعتك .. لبيك انا ممن يشهدون انك الخالق وحدك .. لبيك انا ممن يقولون لا اله غيرك .. تمنيت فقط ان اكون في هذه اللحظه عبدا له سبحانه .. عبدا صالحا لا غير ..
اطرقت براسي وخرج مني ماهو اقرب الى الهمس منه الى الكلام ..
يارب ليس بعملي .. ولكنها رحمتك .. برحمتك يارب ..
وخررت على الارض ساجدة للرحمن ..
*******
ورأيتني في وقت لاحق ذلك اليوم كنت امسك كتابي باحدى يدي .. نعم هو ذلك الكتاب الذي كتبت فيه اعمالي والذي عرض سابقا لتوزن في كفة الخير او الشر ..
ساقول باني وحين طيرت صحائف اعمالنا فقد التقطتها بيمين . . ساقول باني سعدت يومها حتى اني اخذت اجري لاريها كل من اقابله ان هاؤم اقرأوا كتابي .. اقراوا اعمالي كيف محى الله سيئها وابقى على الصالح منها .. انظروا كيف رضي الله عني فغفر لي ما اذنبت وقبل مني ماقدمت .. ساقول باني كنت اقفز فرحه وقد فتحت لي ابواب الجنة على مصارعها ان ادخلي من ايها شئتي .. ووجدت ولدي الذي فقدته يوما يقف امامي من بعيد .. وبغير كلام وجدته يمد لي يده لامسك بها وينطلق بي . . وهاهو باب الجنة يفتح امامي حقيقة لا خيال .. وها انا ارى هنالك زوجي وابنتي وابي وامي وكل من احببته في الدنيا وقد اذن الله ان نجتمع جميعا في جنته .. دخلنا جميعا لنجد الملائكة وقد اصطفت على الجانبين ترحب بكل الفائزين .. طبتم فادخلوها جميعا .. دخلنا لنجد القصور هناك.. انهار واشجار .. اطفال ونساء ورجال .. الطيبيون والطيبات .. وجدناهم جميعا هناك .. ادركت اني مقبلة على حياة جديده حياة سلام كلامنا فيها السلام ومعيشتنا فيها سلام ..
وملأ شعورا غامرا قلبي بالسكينة والرضى ..
شعرت باني اولد من جديد ..
بل انني حقا ولدت من جديد ..
كل هذا سأقوله واقول المزيد ولكن ترى اهو حقا ما حدث في ذلك اليوم ؟
مازال لدي الوقت والعمر لاجعله ماسيكون ..
..تمت .. منقولة