الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ( 2 ) )
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : اللَّهُ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ، فَقَوْلُهُ : هُوَ كِنَايَةٌ مِنَ اسْمِ اللَّهِ ، وَالْأُمِّيُّونَ : هُمُ الْعَرَبُ . وَقَدْ بَيَّنَا فِيمَا مَضَى الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قِيلَ لِلْأُمِّيِّ أُمِّيٌّ .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ . [ ص: 372 ]
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ ، قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ) قَالَ : الْعَرَبُ .
حَدَّثَنِي يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يُحَدِّثُ - لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ مُجَاهِدٍ - أَنَّهُ قَالَ : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ) : الْعَرَبُ .
حَدَّثَنَا بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ) قَالَ : كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْعَرَبِ أُمَّةً أُمِّيَّةً ، لَيْسَ فِيهَا كِتَابٌ يَقْرَءُونَهُ ، فَبَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا رَحْمَةً وَهُدًى يَهْدِيهِمْ بِهِ .
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ) قَالَ : كَانَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ أُمِّيَّةً لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا .
حَدَّثَنِي يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ، فِي قَوْلِهِ : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ) قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَتْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمِّيِّينَ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ كِتَابًا; وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ( رَسُولًا مِنْهُمْ ) يَعْنِي مِنَ الْأُمِّيِّينَ وَإِنَّمَا قَالَ : مِنْهُمْ لِأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أُمِّيًّا ، وَظَهَرَ مِنَ الْعَرَبِ .
وَقَوْلُهُ : ( يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ) يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَقْرَأُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأُمِّيِّينَ آيَاتِ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَيْهِ ( وَيُزَكِّيهِمْ ) يَقُولُ : وَيُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ الْكُفْرِ .
وَقَوْلُهُ : ( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ ) يَقُولُ : وَيُعَلِّمُهُمْ كِتَابَ اللَّهِ ، وَمَا فِيهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ ، وَشَرَائِعِ دِينِهِ ( وَالْحِكْمَةَ ) يَعْنِي بِالْحِكْمَةِ : السُّنَنَ .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ . [ ص: 373 ]
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) أَيِ السُّنَّةُ .
حَدَّثَنَا يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ، قَالَ : ( وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) أَيْضًا كَمَا عَلَّمَ هَؤُلَاءِ يُزَكِّيهِمْ بِالْكِتَابِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ كَمَا صَنَعَ بِالْأَوَّلِينَ ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ) مِمَّنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ ، قَالَ : وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِمْ سَابِقِينَ ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) وَقَالَ : ( ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ ) فَثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ سَابِقُونَ ، وَقَلِيلٌ السَّابِقُونَ مِنَ الْآخَرِينَ ، وَقَرَأَ : ( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) حَتَّى بَلَغَ ( ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ ) أَيْضًا ، قَالَ : وَالسَّابِقُونَ مِنَ الْأَوَّلِينَ أَكْثَرُ ، وَهُمْ مِنَ الْآخَرِينَ قَلِيلٌ ، وَقَرَأَ ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ) الْآيَةَ ، قَالَ : هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ .
وَقَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَقَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْأُمِّيُّونَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ فِي جَوْرٍ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ ، وَأَخْذٍ عَلَى غَيْرِ هُدًى .
مُبِينٍ يَقُولُ : يُبَيِّنُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ أَنَّهُ ضَلَالٌ وَجَوْرٌ عَنِ الْحَقِّ وَطَرِيقِ الرُّشْدِ .
[ ص: 377 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( 5 ) )
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : مَثَلُ الَّذِينَ أُوتُوا التَّوْرَاةَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، فَحُمِّلُوا الْعَمَلَ بِهَا ( ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ) يَقُولُ : ثُمَّ لَمْ يَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا ، وَكَذَّبُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ أُمِرُوا بِالْإِيمَانِ بِهِ فِيهَا وَاتِّبَاعِهِ وَالتَّصْدِيقِ بِهِ ( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) يَقُولُ : كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ عَلَى ظَهْرِهِ كُتُبًا مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ ، لَا يَنْتَفِعُ بِهَا ، وَلَا يَعْقِلُ مَا فِيهَا ، فَكَذَلِكَ الَّذِينَ أُوتُوا التَّوْرَاةَ الَّتِي فِيهَا بَيَانُ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَثَلُهُمْ إِذَا لَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا فِيهَا ، كَمَثَلِ الْحِمَارِ الَّذِي يَحْمِلُ أَسْفَارًا فِيهَا عِلْمٌ ، فَهُوَ لَا يَعْقِلُهَا وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا عِيسَى; وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا الْحَسَنُ ، قَالَ : ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، فِي قَوْلِهِ : ( يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) قَالَ : يَحْمِلُ كُتُبًا لَا يَدْرِي مَا فِيهَا ، وَلَا يَعْقِلُهَا .
حَدَّثَنَا بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) قَالَ : يَحْمِلُ كِتَابًا لَا يَدْرِي مَاذَا عَلَيْهِ ، وَلَا مَاذَا فِيهِ .
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، فِي قَوْلِهِ : ( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) قَالَ : كَمَثَلِ الْحِمَارِ الَّذِي يَحْمِلُ كُتُبًا ، لَا يَدْرِي مَا عَلَى ظَهْرِهِ . [ ص: 378 ]
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ : ثَنَا عُبَيْدٌ ، قَالَ : سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ : ( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) كُتُبًا ، وَالْكِتَابُ بِالنَّبَطِيَّةِ يُسَمَّى سِفْرًا; ضَرَبَ اللَّهُ هَذَا مَثَلًا لِلَّذِينِ أُعْطُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ كَفَرُوا .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، قَالَ : ثَنِي عَمِّي ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ : ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) وَالْأَسْفَارُ : الْكُتُبُ ، فَجَعَلَ اللَّهُ مَثَلَ الَّذِي يَقْرَأُ الْكِتَابَ وَلَا يَتَّبِعُ مَا فِيهِ ، كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ كِتَابَ اللَّهِ الثَّقِيلَ ، لَا يَدْرِي مَا فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : ( بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ) . . . الْآيَةَ .
حَدَّثَنِي يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ : ( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) قَالَ : الْأَسْفَارُ : التَّوْرَاةُ الَّتِي يَحْمِلُهَا الْحِمَارُ عَلَى ظَهْرِهِ ، كَمَا تُحْمَلُ الْمَصَاحِفُ عَلَى الدَّوَابِّ ، كَمَثَلِ الرَّجُلِ يُسَافِرُ فَيَحْمِلُ مُصْحَفَهُ ، قَالَ : فَلَا يَنْتَفِعُ الْحِمَارُ بِهَا حِينَ يَحْمِلُهَا عَلَى ظَهْرِهِ ، كَذَلِكَ لَمْ يَنْتَفِعْ هَؤُلَاءِ بِهَا حِينَ لَمْ يَعْمَلُوا بِهَا وَقَدْ أُوتُوهَا ، كَمَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا هَذَا وَهِيَ عَلَى ظَهْرِهِ .
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ ، قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِحٍ ، قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَةُ ، عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : ( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) يَقُولُ : كُتُبًا . وَالْأَسْفَارُ : جَمْعُ سِفْرٍ ، وَهِيَ الْكُتُبُ الْعِظَامُ .
وَقَوْلُهُ : ( بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ) يَقُولُ : بِئْسَ هَذَا الْمَثَلُ ، مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ، يَعْنِي بِأَدِلَّتِهِ وَحُجَجِهِ ( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَاللَّهُ لَا يُوَفِّقُ الْقَوْمَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ، فَكَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ( 7 ) )
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا ) يَقُولُ : وَلَا يَتَمَنَّى الْيَهُودُ الْمَوْتَ أَبَدًا ( بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) يَعْنِي : بِمَا اكْتَسَبُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِنَ الْآثَامِ ، وَاجْتَرَحُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) يَقُولُ : وَاللَّهُ ذُو عِلْمٍ بِمَنْ ظَلَمَ مِنْ خَلْقِهِ نَفْسَهُ ، فَأَوْبَقَهَا بِكُفْرِهِ بِاللَّهِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 9 ) )
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ عِبَادِهِ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ( إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) وَذَلِكَ هُوَ النِّدَاءُ ، يُنَادَى بِالدُّعَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ قُعُودِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِلْخُطْبَةِ ; وَمَعْنَى الْكَلَامِ : إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ( فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) يَقُولُ : فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ، وَاعْمَلُوا لَهُ; وَأَصْلُ السَّعْيِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْعَمَلُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الشَّوَاهِدَ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ ، قَالَ : ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ : ( فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) قَالَ : فَاسْعَوْا فِي الْعَمَلِ ، وَلَيْسَ السَّعْيُ فِي الْمَشْيِ .
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، قَوْلُهُ : (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) وَالسَّعْيُ
[ ص: 381 ] يَا ابْنَ آدَمَ أَنْ تَسْعَى بِقَلْبِكَ وَعَمَلِكَ ، وَهُوَ الْمُضِيُّ إِلَيْهَا .
حَدَّثَنَا
ابْنُ الْمُثَنَّى ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ
شُعْبَةَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي
مُغِيرَةُ ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قِيلَ
لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنْ
أُبَيًّا يَقْرَؤُهَا ( فَاسْعَوْا ) قَالَ : أَمَا إِنَّهُ أَقْرَؤُنَا وَأَعْلَمُنَا بِالْمَنْسُوخِ وَإِنَّمَا هِيَ : فَامْضُوا .
حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ السُّكَّرِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ ، عَنْ
سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : مَا سَمِعْتُ
عُمَرَ يَقْرَؤُهَا قَطُّ إِلَّا : فَامْضُوا .
حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ يَمَانٍ ، قَالَ : ثَنَا
حَنْظَلَةُ ، عَنْ
سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : كَانَ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَؤُهَا : فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ .
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
مِهْرَانُ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
حَنْظَلَةَ ، عَنْ
سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَهَا : فَامْضُوا .
حَدَّثَنِي
يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : ثَنَا
حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ
سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ سَمِعَ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقْرَأُ ( إِذَا نُودِيَ لِلْصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )
قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي
يُونُسُ ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي
سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ قَالَ : لَقَدْ تَوَفَّى اللَّهُ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَا يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِيهَا الْجُمُعَةَ : (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) إِلَّا : فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ .
حَدَّثَنِي
أَبُو السَّائِبِ ، قَالَ : ثَنَا
مُعَاوِيَةُ ، عَنِ
الْأَعْمَشِ ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : كَانَ
عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَؤُهَا "فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ" وَيَقُولُ : لَوْ قَرَأْتُهَا : فَاسْعَوْا ، لَسَعَيْتُ حَتَّى يَسْقُطَ رِدَائِي .
حَدَّثَنَا
ابْنُ الْمُثَنَّى ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ
شُعْبَةَ ، عَنْ
سُلَيْمَانَ ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : لَوْ كَانَ السَّعْيُ لَسَعَيْتُ حَتَّى يَسْقُطَ رِدَائِي ، قَالَ : وَلَكِنَّهَا ( فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) قَالَ : هَكَذَا كَانَ يَقْرَؤُهَا .
[ ص: 382 ]
حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ ، قَالَ : ثَنَا
يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ الْأَزْدِيُّ ، عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ ، عَنِ
الرَّبِيعِ عَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُ يَقْرَؤُهَا ( فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )
حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ يَمَانٍ ، قَالَ : ثَنَا
أَبُو جَعْفَرٍ ، عَنِ
الرَّبِيعِ ، عَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ ، أَنَّهُ قَرَأَهَا ( فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )
حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ يَمَانٍ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
عَطَاءٍ ، قَالَ : هِيَ لِلْأَحْرَارِ .
حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ يَمَانٍ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
مَنْصُورٍ عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ
مَسْرُوقٍ ، قَالَ : عِنْدَ الْوَقْتِ .
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
مِهْرَانُ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
مَنْصُورٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ
مَسْرُوقٍ (
إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ ) قَالَ : عِنْدَ الْوَقْتِ .
حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ يَمَانٍ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
جَابِرٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، قَالَ : هُوَ عِنْدَ الْعَزْمَةِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ ، عِنْدَ الذِّكْرِ .
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا
عِيسَى; وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحَسَنُ ، قَالَ : ثَنَا
وَرْقَاءُ جَمِيعًا عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، فِي قَوْلِهِ : (
إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) قَالَ : النِّدَاءُ عِنْدَ الذِّكْرِ عَزِيمَةٌ .
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
مِهْرَانُ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
جَابِرٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ (
إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) قَالَ : الْعَزْمَةُ عِنْدَ الذِّكْرِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ .
قَالَ : ثَنَا
مِهْرَانُ ، عَنْ
سُفْيَانَ عَنِ
الْمُغِيرَةِ وَالْأَعْمَشِ ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : لَوْ قَرَأْتُهَا ( فَاسْعَوْا ) لَسَعَيْتُ حَتَّى يَسْقُطَ رِدَائِي ، وَكَانَ يَقْرَؤُهَا : ( فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )
قَالَ : ثَنَا
مِهْرَانُ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَرَأَهَا ( فَامْضُوا )
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
مِهْرَانُ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
أَبِي حَيَّانَ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ (
فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) قَالَ : السَّعْيُ : الْعَمَلُ .
حَدَّثَنِي
يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : (
إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) قَالَ : إِذَا سَمِعْتُمُ الدَّاعِيَ الْأَوَّلَ ، فَأَجِيبُوا إِلَى ذَلِكَ وَأَسْرِعُوا وَلَا تُبْطِئُوا; قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَانٌ إِلَّا أَذَانَانِ : أَذَانٌ حِينَ يَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَأَذَانٌ حِينَ يُقَامُ الصَّلَاةُ; قَالَ : وَهَذَا الْآخَرُ شَيْءٌ أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدُ; قَالَ : لَا يَحِلُّ لَهُ الْبَيْعُ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ إِذَا قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَرَأَ : (
فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) قَالَ : وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ يَذَرُونَ شَيْئًا غَيْرَهُ ، حَرَّمَ الْبَيْعَ ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فِيهِ إِذَا فَرَغُوا مِنَ الصَّلَاةِ ، قَالَ : وَالسَّعْيُ أَنْ يُسْرِعَ إِلَيْهَا ، أَنْ يُقْبِلَ إِلَيْهَا .
حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ : إِنَّ فِي حَرْفِ
ابْنِ مَسْعُودٍ ( إِذَا نُودِيَ لِلْصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )
حُدِّثْتُ عَنِ
الْحُسَيْنِ ، قَالَ : سَمِعْتُ
أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ : ثَنَا
عُبَيْدٌ ، قَالَ : سَمِعْتُ
الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ : (
فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) السَّعْيُ : هُوَ الْعَمَلُ ، قَالَ اللَّهُ : (
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) .
وَقَوْلُهُ : (
وَذَرُوا الْبَيْعَ ) يَقُولُ : وَدَعُوا الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ .
وَكَانَ
الضَّحَّاكُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ يَمَانٍ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
جُوَيْبِرٍ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ ، قَالَ : إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ حَرُمَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ .
[ ص: 384 ]
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
مِهْرَانُ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
جُوَيْبِرٍ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ (
إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) قَالَ : إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ حَرُمَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ .
حَدَّثَنَا
مِهْرَانُ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ ، قَالَ : كَانَ قَوْمٌ يَجْلِسُونَ فِي
بَقِيعِ الزُّبَيْرِ ، فَيَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَلَا يَقُومُونَ ، فَنَزَلَتْ : (
إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) وَأَمَّا الذِّكْرُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالسَّعْيِ إِلَيْهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّهُ مَوْعِظَةُ الْإِمَامِ فِي خُطْبَتِهِ ، فِيمَا قِيلَ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
مِهْرَانُ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
جَابِرٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ (
إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) قَالَ : الْعَزْمَةُ عِنْدَ الذِّكْرِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ .
حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ ، قَالَ : ثَنَا
عَبْدَانُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
مَنْصُورٌ رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ الْكُوفَةِ ، عَنْ
مُوسَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ
سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ : (
إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) فَهِيَ مَوْعِظَةُ الْإِمَامِ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ بَعْدُ .
وَقَوْلُهُ : (
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) يَقُولُ : سَعْيُكُمْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَتَرْكُ الْبَيْعِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَصَالِحَ أَنْفُسِكُمْ وَمَضَارَّهَا .
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ : ( مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ : ( الْجُمُعَةِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْجِيمِ ، خَلَا
الْأَعْمَشَ فَإِنَّهُ قَرَأَهَا بِإِسْكَانِ الْمِيمِ .
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ( 11 ) )
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَإِذَا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ عِيرَ تِجَارَةٍ أَوْ لَهْوًا ( انْفَضُّوا إِلَيْهَا ) يَعْنِي أَسْرَعُوا إِلَى التِّجَارَةِ (
وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ) يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَتَرَكُوكَ يَا
مُحَمَّدُ قَائِمًا عَلَى الْمِنْبَرِ; وَذَلِكَ أَنَّ التِّجَارَةَ الَّتِي رَأَوْهَا فَانْفَضَّ الْقَوْمُ إِلَيْهَا ، وَتَرَكُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا كَانَتْ زَيْتًا قَدِمَ بِهِ
دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ مِنَ
الشَّامِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
مِهْرَانُ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ ، قَالَ :
قَدِمَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ بِتِجَارَةِ زَيْتٍ مِنَ الشَّامِ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامُوا إِلَيْهِ بِالْبَقِيعِ خَشُوا أَنْ يُسْبَقُوا إِلَيْهِ ، قَالَ : فَنَزَلَتْ ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ) .
حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ يَمَانٍ ، قَالَ : ثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنِ
السُّدِّيِّ ، عَنْ
قُرَّةَ (
إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) قَالَ :
جَاءَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ بِتِجَارَةٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَتَرَكُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجُوا إِلَيْهِ ، فَنَزَلَتْ ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ) حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ .
حَدَّثَنِي
أَبُو حَصِينٌ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ ، قَالَ : ثَنَا
عَبْثَرٌ ، قَالَ : ثَنَا
حُصَيْنٌ ، عَنْ
سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : "كُنَّا مَعَ [ ص: 387 ] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجُمُعَةِ ، فَمَرَّتْ عِيرٌ تَحْمِلُ الطَّعَامَ ، قَالَ : فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَنَزَلَتْ آيَةُ الْجُمُعَةِ " .
حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، قَالَ : قَالَ
الْحَسَنُ : إِنَّ
أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَصَابَهُمْ جُوعٌ وَغَلَاءُ سِعْرٍ ، فَقَدِمَتْ عِيرٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَسَمِعُوا بِهَا ، فَخَرَجُوا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
حَدَّثَنِي
يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ : (
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ) قَالَ : جَاءَتْ تِجَارَةٌ فَانْصَرَفُوا إِلَيْهَا ، وَتَرَكُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا وَإِذَا رَأَوْا لَهْوًا وَلَعِبًا (
قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) .
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا
عِيسَى; وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحَسَنُ ، قَالَ : ثَنَا
وَرْقَاءُ جَمِيعًا عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ : (
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا ) قَالَ : رِجَالٌ كَانُوا يَقُومُونَ إِلَى نَوَاضِحِهِمْ وَإِلَى السَّفْرِ يَبْتَغُونَ التِّجَارَةَ .
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ : "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَجَعَلُوا يَتَسَلَّلُونَ وَيَقُومُونَ حَتَّى بَقِيَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ ، فَقَالَ : كَمْ أَنْتُمْ؟ فَعَدُّوا أَنْفُسَهُمْ فَإِذَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَامْرَأَةٌ; ثُمَّ قَامَ فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ فَجَعَلَ يَخْطُبُهُمْ; قَالَ سُفْيَانُ : وَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِهِ وَيَعِظُهُمْ وَيُذَكِّرُهُمْ ، فَجَعَلُوا يَتَسَلَّلُونَ وَيَقُومُونَ حَتَّى بَقِيَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ ، فَقَالَ : كَمْ أَنْتُمْ ، فَعَدُّوا أَنْفُسَهُمْ ، فَإِذَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَامْرَأَةٌ; ثُمَّ قَامَ فِي الْجُمُعَةِ الثَّالِثَةِ فَجَعَلُوا يَتَسَلَّلُونَ وَيَقُومُونَ حَتَّى بَقِيَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ ، فَقَالَ كَمْ أَنْتُمْ؟ فَعَدُّوا أَنْفُسَهُمْ ، فَإِذَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَامْرَأَةٌ ، فَقَالَ : "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوِ اتَّبَعَ آخِرُكُمْ أَوَّلَكُمْ لَالْتَهَبَ عَلَيْكُمُ الْوَادِي نَارًا" ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ) .
[ ص: 388 ]
حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، فِي قَوْلِهِ : (
انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ) قَالَ :
لَوِ اتَّبَعَ آخِرُهُمْ أَوَّلَهُمْ لَالْتَهَبَ عَلَيْهِمُ الْوَادِي نَارًا .
قَالَ : ثَنَا
ابْنُ ثَوْرٍ ، قَالَ
مَعْمَرٌ ، قَالَ
قَتَادَةُ : لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَامْرَأَةٌ مَعَهُمْ .
حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ الرَّازِيُّ ، قَالَ : ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ، قَالَ : ثَنَا
هُشَيْمٌ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
حُصَيْنٌ ، عَنْ
سَالِمٍ وَأَبِي سُفْيَانَ ، عَنْ جَابِرٍ ، فِي قَوْلِهِ : ( وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ) قَالَ : قَدِمَتْ عِيرٌ فَانْفَضُّوا إِلَيْهَا ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .
حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيُّ ، قَالَ : ثَنَا
جَرِيرٌ ، عَنْ
حُصَيْنٍ ، عَنْ
سَالِمٍ ، عَنْ جَابِرٍ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ ، فَانْفَتَلَ النَّاسُ إِلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْجُمُعَةِ ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ) وَأَمَّا اللَّهْوُ ، فَإِنَّهُ اخْتُلِفَ مِنْ أَيِّ أَجْنَاسِ اللَّهْوِ كَانَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : كَانَ كَبَرًا وَمَزَامِيرَ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ ، قَالَ : ثَنَا
يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : ثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ، عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ كَانَ الْجَوَارِي إِذَا نَكَحُوا كَانُوا يَمُرُّونَ بِالْكَبَرِ وَالْمَزَامِيرِ وَيَتْرُكُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَيَنْفَضُّونَ إِلَيْهَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ (
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا )
وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ طَبْلًا .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا
عِيسَى; وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحَسَنُ ، قَالَ : ثَنَا
وَرْقَاءُ جَمِيعًا عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ : اللَّهْوُ : الطَّبْلُ .
حَدَّثَنِي
الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا
الْأَشْيَبُ ، قَالَ : ثَنَا
وَرْقَاءُ ، قَالَ : ذَكَرَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ أَنَّ اللَّهْوَ هُوَ الطَّبْلُ .
وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ : الْخَبَرُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْ
جَابِرٍ ، لِأَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ أَمْرَ الْقَوْمِ وَمَشَاهِدَهُمْ .
وَقَوْلُ : (
قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ) يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ يَا
مُحَمَّدُ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الثَّوَابِ ، لِمَنْ جَلَسَ مُسْتَمِعًا خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْعِظَتَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا ، خَيْرٌ لَهُ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ الَّتِي يَنْفَضُّونَ إِلَيْهَا (
وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) يَقُولُ : وَاللَّهُ خَيْرُ رَازِقٍ ، فَإِلَيْهِ فَارْغَبُوا فِي طَلَبِ أَرْزَاقِكُمْ ، وَإِيَّاهُ فَاسْأَلُوا أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْكُمْ مِنْ فَضْلِهِ دُونَ غَيْرِهِ .
آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ