السؤال : ما صحة هذا الإعجـاز العددي في سورة الكوثر ؟ فسورة الكوثر هي أقصر سور القرآن ، وعدد كلمات هذه السورة 10 كلمات ، الآية الأولى تضّمنت من الحروف الهجائية 10 أحرف ، والآية الثانية تضّمنت من الحروف الهجائية 10 أحرف ، والآية الثالثة تضّمنت من الحروف الهجائية 10 أحرف ، أكثر الحروف تكراًرا في السورة هو الألف وتكّرر فيها 10 مّرات ، الحروف التي ورد كل منها مّرة واحدة في سورة الكوثر عددها 10 ، جميع آيات السورةُ ختمت بحرف الّراء ، وترتيبه الهجائي رقم 10 ، وسور القرآن التي تنتهي بحرف الّراء عددها 10 سور آخرها الكوثر ، فما هي حقيقة الرقم 10 داخل السورة ؟ إنه اليوم العاشر من ذي الحجة فقوله تعالى : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ، وهو يوم النحر ،ى سبحان الله كل هذا في أقصر سورة في القرآن الكريم ، مكونة من سطر ، فما بالكم بالسور الأكبر ، وصدق الله إذ يقول : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) البقرة/23 ، سقانا الله وإياكم من نهر الكوثر شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا.
الجواب :
الحمد لله
أولًا: يمكننا أن نجمل القول في شأن ما يذكر حول "الإعجاز العددي" في القرآن الكريم ، في نقاط ، أهمها :
1- أن البحث في العدد وأسراره له سلف من فعل الصحابة والأئمة، وهو - وإن كان قليلًا - إلا أنه لم يكن متكلفًا، ودلالة الآيات عليه ظاهرة .
2- ظهر التكلف فيما سمي متأخرًا بالإعجاز العددي، وبدا هذا التكلف عند من تزعم هذا الأمر، واتخذته بعض الفرق الباطنية ذريعة وسندًا لآرائهم وضلالاتهم .
3- افتقر هذا النوع من الدراسات إلى المنهجية العلمية، ووقع الخبط والخلط فيه ظاهرًا بين من يدعون البحث فيه، ولا أدل على ذلك من تخطئة بعضهم بعضًا ، في قضايا كثيرة ، لعل من أشهرها : قضية الحادي عشر من سبتمبر، وعلاقة سورة التوبة بها !.
4- لم ينتبه من تكلم في الإعجاز عمومًا إلى كون القرآن كتاب هداية، بالمقام الأول ، والحكم الأعظم منه. وإن شئت فارجع إلى كتاب الشيخ مساعد الطيار في الإعجاز ففيه إشارات نفيسة .
5- الإعجاز العددي ليس من متين العلم، وإنما هو من باب اللطائف والملح ، التي تذكر ، إن كان له وجه قريب ، واحتمال سائغ ، وليس ينبني عليها شيء ، أي شيء ، من أصل في الدين ، أو فرع ، سواء ثبتت ، أو لم تثبت.
وأخيرًا، "بدراسة كثير من الكتب التي اهتمت بهذا اللون، فيمكننا أن نقرر أن هذه الفكرة تقوم باعتماد شروط توجيهية حينًا، وانتقائية حينًا آخر، من أجل إثبات صحة وجهة نظر بشكل يسوق القارئ إلى النتائج المحددة سلفًا .
وقد أدت هذه الشروط التوجيهية أحيانًا إلى الخروج على ما هو ثابت بإجماع الأمة، كمخالفة الرسم العثماني للمصاحف، وإلى اعتماد رسم بعض الكلمات ، كما وردت في أحد المصاحف ، دون الأخذ بعين الاعتبار رسمها في المصاحف الأخرى .
وأدت كذلك إلى مخالفة مبادئ اللغة العربية ، من حيث تحديد مرادفات الكلمات وأضدادها، إلى آخر التخبط والاختلاف الذي جر إليه زعم وجود الإعجاز العددي بهذه الصورة المعاصرة، ولذا ننصح بالابتعاد عنه" .
وينظر ما سبق حول هذه القضية في جواب السؤال رقم : (69741) .
ثانيًا:
بخصوص ما ذكرت، فإنه قد وقع الخلط والخبط فيه، وظهر المنهج الانتقائي في هذه المسألة، ليؤيد زعم هؤلاء .
ومما ظهر في هذا الذي عرضته ، يقال :
1- لِمَ حذف هذا القائل ، المكرر في العد، وهل يقع الإعجاز في عد غير المكرر فقط ؟
2- لِم لَمْ يفرق بين الهمزة والألف في العد ؟
فعدد حروف الآية الأولى ، مع حذف المكرر (11) أحد عشر حرفًا (الهمزة - الألف - ن - ع - و - ي - ك - ل - و - ث - ر).
وانظر في مسألة الهمزة: "مسائل في الرسم والنطق" د. غانم الحمد(ص56).
3- زعم العاد أن ترتيب الراء هو العاشر في حروف الهجاء، ليس هكذا مطلقا ؛ فإن الترتيب القديم (الأبجدي) يقع فيه حرف الراء رقم (20)، وهو: (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت).
وأما على الترتيب الألفبائي الحديث، فإن حرف الراء يقع العاشر .
فلم اعتبر الإعجاز في العد الحديث ، دون القديم ؟!
4- نعم، قد يقال إن من اللطائف أن عدد الكلمات الظاهرة في السورة عشر كلمات، وهذا يوافق اليوم العاشر من شهر الحج، وهذا من لطائف الآية .
لكنه أن يبنى على ذلك قصورا وعلالي ، ويضخم القول فيه بتكلف واعتساف : فهذا هو أحد أخطر مزالق هذا الاتجاه . وليس من متين العلم ، ولا محقق القول .
والله أعلم .