السؤال : هل كلمة نفس في القرآن من المتشابهات اللفظية ، أي التي لها أكثر من معنى ؟ وماهي معاني كلمة نفس في القرآن ؟ ولماذا عبر القرآن في كثير من الآيات عن معنى الإنسان بلفظ (نفس) ؟ وما الفرق في القرآن بين كلمة نفس وهي نكرة ، وكلمة النفس وهي معرفة بالألف واللام ، وكلمة نفس وهي مضافة إلى ضمير مثل : أنفسكم ، أنفسهم ، لنفسه ؟ وماهي الدلالة المعنوية لحرفي الجر اللام ، ومن ، إذا دخلت على كلمة النفس في القرآن مثل : لأنفسكم ، من أنفسهم ؟
الجواب :
الحمد لله
لفظ النفس ورد في القرآن مائتين وخمسًا وتسعين مرة، باختلاف تصاريفه .
وهو من الألفاظ التي تحمل عدة معان، فليست من المتشابهات كما ذكرت، وإنما من الألفاظ المشتركة، ويبحث عنه في كتب (الوجوه والنظائر) .
أما معانيها في القرآن، فمنها ما ذكره الإمام ابن الجوزي:
" وذكر بعض المفسرين أن النفس في القرآن على ثمانية أوجه:
أحدها: آدم.
ومنه قوله تعالى في سورة النساء: (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) ، وفي الأنعام: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) .
والثاني: الأم.
ومنه قوله تعالى في النور: (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا) ، أي: بأمهاتهم. والمراد بالآية عائشة رضي الله عنها.
والثالث: الجماعة.
ومنه قوله تعالى في آل عمران: (إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، وفي براءة: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ).
والرابع: الأهل.
ومنه قوله تعالى في البقرة: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ) ، قيل: إنه أمر الأب الذي لم يعبد العجل أن يقتل ابنه العابد، والأخ الذي لم يعبد أن يقتل (أخاه) العابد.
والخامس: أهل الدين.
ومنه قوله تعالى في النور: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) ، أي: على أهل دينكم. وفي الحجرات: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ).
والسادس: الإنسان.
ومنه قوله تعالى في المائدة: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ، أي: الإنسان بالإنسان.
والسابع: البعض.
ومنه قوله تعالى في البقرة: (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) ، أي: يقتل بعضكم بعضا.
والثامن: النفس بعينها.
ومنه قوله تعالى في سورة النساء: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) "، انتهى من "نزهة الأعين النواظر" (597) .
" وللنفس مراتب، وتخضع للتغيير والتبديل من حالة الى حالة كما حقق القرآن ذلك في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد/11.
وتمر النفس الانسانية بمراحل تتصف فيها بصفات ثلاث هي:
1- النفس اللوامة: قال تعالى: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)، القيامة/ 1-2 .
وهي نفس تفعل الخير وتحبه وتعمل المعصية وتكرهها، نفس تعيش في داخلها صراعا بين الخير والشر .
2- النفس الأمارة: حيث تميل النفس الى السوء وحب العصيان، والغفلة عن الطاعة والعبادة، ويطلق عليها النفس الأمارة بالسوء .
وربما تتمادى هذه النفس حتى تقع في الخسران الأبدي، قال تعالى: (إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الشورى/45.
3- النفس المطمئنة: نفس راضية استسلمت لخالقها برضا وقناعة، لا تفعل إلا ما تبين لها صلاحه، نفس تحقق لها الورع والإخلاص، وسمت عن الدنيا وشهواتها، واشتغلت عنها بعمارة الآخرة الباقية الخالدة المحددة في قوله تعالى: ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) السجدة/17، نفس استحقت الذكر والتمجيد في قوله تعالى: ( يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) الفجر /27-30.
وقد أقسم الحق سبحانه أقساما سبعة في مطلع سورة الشمس على أن المفلح من زكى نفسه والخاسر من دساها فقال: (الشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس/1-10.
والمقصود بالتزكية هنا، طهارة النفس أو تطهيرها وتنظيفها، مخالفا للدس الذي هو كناية عن الإغراق في الوسخ والأوحال ".
ونحيلك للكتب التالية، لاستكمال الموضوع:
1- "آفات النفس كما يصورها القرآن الكريم" (دراسة موضوعية)، نعيمة البرش .
2- "تربية النفس الإنسانية في ظل القرآن الكريم" أحمد المقري .
3- "هوى النفس" دراسة قرآنية موضوعية، محسن الخالدي .