وقفةٌ مع المثل ( إنَّ البُغاثَ بِأرضِنا يَسْتَنْسِرُ )
وقفةٌ مع المثل ( إنَّ البُغاثَ بِأرضِنا يَسْتَنْسِرُ ) ---------------------------------------------------------
ان الحمد لله نحمدة ونستعينة ونستغفرة
اما بعد فانة لايخفى على احد اهمية العلم والعلماء في كتاب الله وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – ولكن حينما نسمع بعض الناس يقولوا ان فلانا عالم من العلماء
وان فلان اعلم اهل الارض .
الحقيقة التي أشعر بـها من قرارة نفسي أنني حينما أسمع مثل هذا الكلام أتذكر الـمثل القـديم المعروف عند الأدباء ، ألا وهو
( إن الـبُغاث بأرضنا يَسْتَنْسِرُ )
( إن الـبُغاث بأرضنا يَسْـتَنْسِرُ )
قد يخفى على بعض الناس المقصود من هذا الكلام أو من هذا المثل ، البُغاث :
هو طائر صغير لا قيمة لـه ، فيصبـح هذا الطـير الصغـير ، نسـراً عند الناس ،
فصدق هذا المـثل على كثيرٍ ممن يـدْعُونَ بحق وبصواب ، أو بخطأٍ وباطلٍ إلى الإسلام .
لكن الله يعلم أنه خَلَتِ الأرض – الأرض الإسلامية كلها –
إلا من أفرادٍ قليلين جـداً جداً ممن يصح أن يقال فيهم :
فلان عالم ،
كما جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن الله لا ينـتزع العلم انْتِزاعا من صدور العلماء ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء حـتى إذا لم يـبقي عالماً – هذا هو الشاهد - حتى إذا لم يـبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهَّالاً فَسُئِلوا فأفـتوا بغير علمٍ فضلوا وأضـلوا ) .
إذا أراد الله أن يقبض العلـم ،
لا ينـتزعه انـتزاعاً من صدور العلماء ، بحيث أنه يصبح العالم كما لو كان لم يتعلم بالمرة ، لا ،
ليسـت هذه من سنة الله عز وجل، في عباده ،
وبخاصة عباده الصالحين –
أن يَذْهَبَ من صدورهم بالعلم الذي اكتسبوه ، إرضاءً لوجه الله عز وجل –
فالله عز وجل حكمٌ عدلٌ لا ينـتزع العلم من صدور العلماء حقاً ،
ولكنه جرت سنة الله عز وجل في خلقه ، أن يقبض العلم بقبض العلماء إليه ،
كما فعل بسيد العلماء والأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ،
حتى إذا لم يُـبْقِِ عالماً ، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ،
فَسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا،
ليس معنى هذا :
أن الله عز وجل يُخْلي الأرض ، من عالمٍ تقوم به حجة الله على عباده، ولكن معنى هذا :
أنه كلما تأخر الزمن كلما قَلَّ العلم ، وكلما تأخر ازداد قلةً ونقصاناً حتى لا يَـبْقى على وجه الأرض من يقول : الله ، الله .
هذا الحديث وهو حديث صحيح – :
( لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله ، الله )
( من يقول : الله الله )
وكثيراً من أمثال هؤلاء المشار إليهم في آخر الحديث المذكور ، قَبْض الله العلـم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يـبقي عـالماً اتخـذ الناس رؤوسا جُهّالاً ، من هـؤلاء الـرّؤوس ، مــن يفـسر القـرآن والـسنـة بِـتَـفـاسـيـر مُخالفــة لما كان عليه العلماء – لا أقول : سلفاً فقط بل وخلفاً أيضاً – .
فإنـهم يـحـتجون بـهـذا الحديث : ( الله ، الله )
على جواز بل على استحباب ذكر الله عز وجل باللفظ المفرد ( الله ، الله ) ... إلى آخره ، لكي لا يغتر مُغْتَر ما أو يـجهل جاهلٌ ما حينما يسمع هذا الحديث بمثل ذلك الـتأويل وهذا التـفسير بـاطلٌ :-
أولاً :
من حيث أنه جاء بيانه في رواية أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وثانياً :
لأن هذا التفسير لو كان صحيحاً لجرى عليه عمل سلفنا الصالح رضي الله عنهم ، فإذْ لم يفعلوا دل إعراضهم عن الفعل بهذا التفسير على بطلان هذا التفسير .
فكيف بكم إذا انضم إلى هذا الرواية الأخرى - وهذا بيت القصيد كما يقال - أن الإمام أحمد رحمه الله روى هذا الحديث في مسنده بالسند الصحيح بلفظ :
( لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول : لا إله إلا الله )
إذن هذا هو المقصود بلفظة الجلالة المكرر ، المكررة في الرواية الأولى ، الشاهد :
أن الأرض اليوم مع الأسف الشديد خَلَتْ من العلماء الذيـن كانوا يملئون الأرض الرحبة الواسعة بعلمهم وينشرونه بين صفوف أمتــهم فأصبحوا اليوم كما قيل :
وقد كانوا إذا عدوا قليلاً فصاروا اليوم أقل من القليلِ
فنحن نرجو من الله عز وجل أن يـجعلنا من طلاب العلم الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( من سلك طريقاً يلتمس به علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة )
رواه مسلم
وهذا يفتح باب الكلام على هذا العلم
الذي يُذْكَرُ في القرآن كـثيراً وكـثيراً جـداً ، كَمِثْلِ قوله تعالى :
)هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون(
وقوله عز وجل :
)يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات
( ما هو هذا العلم الذي أثنى الله عز وجل على أهله والمتلبـسين به وعلى من سلك سبيلهم ؟
الجواب
كما قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تلميذ شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله – :
العلم قـال الله قال رسوله
قال الصحابة ليس بالـتَّمْويه
ما العلم نَصْبَكَ للخلاف سفاهة
بين الـرسول وبين رأي فقيه
كـلاّ ولا جَحْـد الصفات ونفيها .
حذراً من التشبيه والتمثيل
فالعلم إذن نأخذ من هذه الكلمة ومن هذا الشعر الذي نادراً ما نسمعه في كلام الشعراء لأن شعر العلماء هو غير شعر الشعراء ، فهذا رجل عالم ، ويُحْسِنُ الشعر أيضاً ، فهو يقول : العلم :