الله تعالى خلقنا ليرحمنا هذا هو الهدف الإلهي الكبير:
في الدنيا إذا آمنت بالله يمتعك إلى حين ويؤتي كل ذي فضل فضله، حتى في الدنيا فيها سعادة، وفيها سرور لمن أطاع الله عز وجل:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ( 147)﴾
(سورة النساء)
خلقنا ليرحمنا هذا هو الهدف الإلهي الكبير، ولكن العذاب الذي يعذبنا الله به من صنع أيدينا، من معاصينا، من ضلالنا، من انحرافنا، من طغياننا، مِن بُعْدِنا، ومن تقصيرنا، حتى الهمُّ يهتم له الإنسان إنه انعكاس لأعماله الزائغة.
بعضهم قال: هذه البسملة ينبغي أن تدور مع الإنسان في كل نواحي حياته، وفي كل نشاطاته، إذا قام ليتوضأ، إذا دخل البيت، إذا قام ليأكل، إذا قام ليشرب، قمت لتأكل فقلت بسم الله الرحمن الرحيم، النبي أمرنا بالوضوء قبل الطعام، ووضوء الطعام ليس وضوءاً كاملاً، غسل اليدين والفم فقط: (( وبركة الطعام الوضوء قبله، والوضوء بعده.))
[أبو داود والترمذي عن سلمان]
أجمع العلماء على أن وضوء الطعام غير وضوء الصلاة، وضوء الطعام غسل اليدين والفم، كنت في الطريق، غبار، صافحت إنساناً، أمسكت بحذائك، يعني هذه اليد أمسكت بأشياء كثيرة، بركة الطعام الوضوء قبله، فلو قمت إلى الطعام فقلت: بسم الله الرحمن الرحيم، قف اذهب واغسل يديك وفمك، هذا معنى ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾
تسمية الفاتحة بعدة أسماء:
قال تعالى:
﴿ الحمد لله رب العالمين(2) ﴾
(سورة الفاتحة)
الآن نبدأ بالفاتحة، الفاتحة سماها النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة، لقوله: (( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.))
[متفق عليه عن عبادة بن الصامت]
شيء آخر سُميت الفاتحة بسورة الحمد لأنها مصدرة بالحمد لله رب العالمين، وسميت فاتحة الكتاب لأن القرآن الكريم افتتح بها، وسميت أم الكتاب، وأم الشيء أصله، ربنا عز وجل قال: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ (7) ﴾
(سورة آل عمران آية 7 )
آيات الفاتحة كلها آيات محكمات، الفاتحة سماها النبي عليه الصلاة والسلام أم الكتاب، وسُميت أم القرآن، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((الحمد لله أم القران وأم الكتاب والسبع المثاني.))
[الترمذي عن أبي هريرة]
سميت الشفاء، لأنه عليه الصلاة والسلام قال: (( في فاتحة الكتاب شفاء من كل داء.))
[البيهقي عن عبد الله بن جابر]
سُميت الأساس، أساس الكتاب القرآن، يعني أساس الكتب السماوية القرآن، وأساس القرآن الفاتحة، وسُميت الوافية، وسميت الكافية، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (( أم القرآن عوض عن غيرها، وليس غيرها عوضاً عنها.))
[الحاكم عن عبادة بن الصامت]
وقد ورد في تفسير القرطبي: " إن جميع القرآن فيها ".
أذكر حديثاً روى عن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ أنّ الله أنزل مئة كتاب وأربعة كتب، جمع سرّها في الأربعة، وجمع سرّ الأربعة في القرآن، وجمع سرّ القرآن في الفاتحة، وجمع سرّ الفاتحة في هاتين الكلمتين: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها.))
[مسلم عن أنس بن مالك]
الحمد على النعمة أفضل من النعمة نفسها:
سأتلو عليكم حديثاً شريفاً يبعث في أنفسكم الطمأنينة هو:
(( الحمدُ على النعمة أمانٌ لزوالها.))
[الديلمي عن عمر]
أية نعمة تحمد الله عليها لن تزول، ولن تضيع، وأن تقول الحمد لله على النعمة أمان من زوالها، وهناك حديث دقيق جداً يقول الحسن: " ما من نعمة إلا والحمد لله أفضل منها." كيف ؟
يعني إذا أعطاك الله نعمة الصحة، وكنت شديداً عتيداً قوياً نشيطاً كالحصان، لا بد من سنوات تمضي وتمضي حتى يأتي الأجل، ويموت الإنسان فأين هذه النعمة ؟ زالت، لكنك إذا حمدت الله عليها، وارتقت نفسك في مدارج الحمد، وسَمَتْ سعدت بحمدك إلى الأبد، إذاً الحمد على النعمة أفضل من النعمة نفسها قال الحسن: "ما من نعمة إلا والحمد لله أفضل منها ".
لو أنك وهبت زوجةً صالحة، فأعانتك على متاعب الحياة، وحصنتك، وسكنت إليها، فلا بد من ساعة تفارقها، أو تفارقك، إما أن تفارقها أولاً، وإما أن تفارقك أولاً، لكنك إذا حمدت الله على نعمة الزوجة الصالحة فإنّ هذا الحمد تسعد بثوابه إلى أبد الآبدين.
الحمد لله على النعمة أمان من زوالها:
لذلك لقي أحدُهم شريحاً القاضي، فقال: يا شريح كيف حالك في بيتك ؟ قال: منذ عشرين سنة لم أجد ما ينغص حياتي، أو يعكر صفائي، قال: وكيف ذلك ؟ قال: خطبت امرأة من أسرةً صالحة، فلما خلوت بها، صليت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلمت وجدتها تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، وتشكر بشكري، فلما دنوت منها قالت: على رسلك يا أبا أمية، إني امرأة غريبة، لا أعرف ما تحب، ولا ما تكره، فقل لي ما تحب حتى آتيه، وما تكره حتى أجتنبه، ويا أبا أمية لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله، فاتقِ الله فيّ، وامتثل قوله تعالى:
﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) ﴾
(سورة البقرة)
قال: ثم قعدتْ، يعني هذه الزوجة الصالحة تنتظر ردّ زوجها، ذكرت هذه القصة للإفادة مما فيها من عِبر، فالقاضي شريح، حينما دخل على زوجته الصالحة صلى ركعتين صلاة الشكر، إذاً الحمد على النعمة آمان من زوالها، أية نعمة، نعمة الصحة لن تزول، يمتعك الله بسمعك، وبصرك، وعقلك، وقوتك ما أحياك، هل تغض الطرف عن محارم الله هذه العين لن تُفجع بها، هل تمسك أذنك عن سماع أي صوت لا يرضي الله، هذه الأذن لن تفجع بها، هل ينطق لسانك بالحق، ولا ينطق بالباطل، هذا اللسان لن تُفجع به، هذه الذاكرة، تستخدمها لماذا ؟ بالحق أم بالباطل ؟ إن استخدمتها في حفظ كتاب الله، وحفظ أحكام الله، وحفظ الأحاديث الشريفة، فإن الله سبحانه وتعالى لن يفجعك بها، وهذه اليد، وهذه القوة وغير ذلك من النعم، فالحمد لله على النعمة أمان من زوالها.
كلمة الحمد لله أفضل عند الله من الدنيا وما فيها:
قال عليه الصلاة والسلام:
(( ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ))
[ابن ماجة عن أنس بن مالك]
العبد ماذا أعطي ؟ هذه الكلمة، كلمة الحمد لله، هذه الكلمة التي أعطاها العبد لربه أفضل عند الله مما أخذ، لو أخذ بيتاً ثمنه خمسة ملايين، وقال: يا رب لك الحمد، فكلمة الحمد لله أفضل عند الله من هذا البيت، لأن هذا البيت مصيره إلى الخراب، لكن هذا الحمد يسعد به الإنسان إلى الأبد، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (( لو أن الدنيا كلها بحذافيرها بيد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله لكانت الحمد لله أفضل من ذلك كله.))
[الديلمي وابن عساكر وابن النجار عن أنس]
الدنيا بحذافيرها يعني بيوتها الفخمة، وبساتينها النضرة، ومالها الوفير، ونساءها الجميلات، ومراكبها الفخمة، كلمة الحمد لله يعني أنك تعرف الله، وإذا عرفته عرفت كل شيء وإذا فتّه فاتك كل شيء، لو أن الدنيا بحذافيرها بيدك وقلت: الحمد لله، فكلمة الحمد لله أفضل عند الله من الدنيا وما فيها.
لذلك العلماء حاروا أيهما أفضل، الحمد لله، أم لا إله إلا الله ؟ هناك أقوال تقول: إن الحمد لله أفضل، وبعضهم قال: لا إله إلا الله أفضل، لكن كلمة الحمد لله هي الحمد الأولى في كتاب الله تبارك: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) ﴾
(سورة الفاتحة)
أما الحمد، لمَ لم يقل الله عز وجل حمداً لله رب العالمين، بل قال سبحانه: الحمد لله ؟ قالوا: هذه الألف واللام لاستغراق الحمد كله، يعني الحمد كله بحذافيره كله، وجزؤه ـ مهما كان حجمه ـ صغيره وكبيره لله عز وجل.
أرحم الخلق بالخلق النبي عليه الصلاة والسلام:
لا يوجد جهة أخرى تستحق الحمد إلا الله، أبداً، أصغِ سمعك إلى قول ربنا عز وجل:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) ﴾
(سورة آل عمران)
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أرحم الخلق بالخلق، لو جمعت رحمة أمهات الأرض منذ آدم إلى يوم القيامة لا تعادل رحمة النبي بأمته، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) ﴾
(سورة التوبة)
(( أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر... ))
[أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي عن أنس]
أما أرحم الخلق بالخلق النبي عليه الصلاة والسلام، يعني أرحم بك من نفسك، ومع ذلك قال الله عز وجل: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) ﴾
(سورة آل عمران)
الرحمة كلها من الله والنبي عليه الصلاة والسلام أوتي طرفاً منها:
قال ربنا عز وجل:
﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (58) ﴾
(سورة الكهف)
ما الفرق بين "رحمة" المُنكَرة في آية آل عمران، و"الرحمة" المُعرَّفة في آية سورة الكهف ؟ قال هذه الرحمة الثانية، هذه ليست أل التعريف، إنما للاستغراق، يعني الرحمة كلها من الله، والنبي عليه الصلاة والسلام أوتي طرفاً منها.
الآن الحمد كله لله، ذكرت قصة قبل شهر أو أكثر أن الحَجَّاج أمر بضرب أعناق عشرة رجال، فأذن المغرب، وبقي رجل لم تضرب عنقه، فقال لأحد وزرائه: خذه إلى بيتك وائت به غداً، هذا الرجل في الطريق قال له: والله لم أخرج على طاعة الأمير، وما آذيتُ أحداً من المسلمين، فهل تأذن لي أن أذهب لأهلي فأوصي قبل أن أموت وأرى أولادي، واكتب وصيتي، فضحك هذا الوزير وقال: أو مجنون أنا ! فقال: عهداً لله إن أطلقتني لأعودَنَّ إلى بيتك قبل الفجر، فما زال هذا الرجل يقنعه حتى سمح له، فلما سمح له شعر بضيق لا يُحتمل، قال: نمتُ أطول ليلة في حياتي، لأنه سيموت مكانه غداً ـ مكان الرجل ـ إن لم يرجع، ما إن أذن الفجر حتى طُرق الباب، وجاء هذا الرجل الذي عاهده على أن يعود، جاء ليموت، فلما كان الغد ذهب به إلى الحجاج فقال له: سأنبئك بما حصل البارحة، فلما أنبأه قال له الحجاج: أتحب أن أهبه لك، قال: نعم، قال: إذاً هو لك، يعني ما دام عنده هذا الوفاء عَفَوْنا عنه، فلما خرج قال له: يا هذا اذهب لوجهك، فهذا الذي عُفي عنه لم يتكلم، ولم ينظر إليه، ولم يشكره، ولم يقل كلمة، إلا أنه توجه إلى السماء، وقال: الحمد لله.
هذا الذي سعى بإطلاق سراحه وتخليصه من الموت المحتم تألم ! لو أنه شكرني، قال: ثم جاءه بعد ثلاثة أيام و قال: أحمدك على عملك، ولكنك حين قلت لي: اذهب لوجهك كرهت أن أحمد مع الله أحداً.
الحمد لله رب العالمين أساس معرفة العبد بربه:
الإنسان أحياناً يلوح له شبح مصيبة، كأن يصاب بورم لم يعرف أهو خبيث أم غير خبيث ؟ أجرى تحليلاً، فإذا هو ورم طبيعي، أول شيء عليه أن يقول: الحمد لله رب العالمين، ولا تحمد مع الله أحداً.
هناك التهاب في السحايا على وشك الوفاة مع الابن الأصغر، فنجا من الموت بتوفيق الله وقدرته، لا تقل: واللهِ إنّ الطبيب لا يفهم، قال لي: اجرِ تحليلاً في وقت مبكر قل: الحمد لله رب العالمين، فلذلك الحمد لله رب العالمين أساس معرفة العبد بربه، هناك حديث دقيق جداً، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده.))
[عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عمرو]
قال بعضهم: الحمد حالة نفسية، والشكر سلوك، فليس هناك سلوك شاكر إلا على أساس حالة حمد، فإذا لم يكن عند الإنسان حالة حمد فسلوكه باطل، وهو في حالة نفاق ومداهنة: (( الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده.))
[عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عمرو]
الحمد أولاً والشكر ثانياً، قال تعالى: ﴿ اعْمَلُوا آَلَ داود شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) ﴾
(سورة سبأ)
الشكر عمل، ﴿ اعْمَلُوا آَلَ داود شُكْراً ﴾
أما الحمد فهو حالة نفسية، أحياناً يقدم لك إنسان خدمة تحس أنك ممتن من أعماقك منه، تعبر عن الامتنان أحياناً بخدمة، أحياناً بكلمة طيبة، أحياناً بقولك جزاك الله عني كل خير، ولكن هذا الكلام أو هذه الخدمة أساسها حالة نفسية شعرت بها هذا هو الحمد.
نعمة الرضا أكمل نعمة:
أنت في الصلاة تصلي الفرض، الفروض فقط في اليوم سبعة عشر ركعة، ومثلها سنن، يعني تقول: الحمد لله في الصلاة حوالي أربعين مرة، هل أنت في مستوى هذه الآية ؟ يعني راض عن الله عز وجل، راض عن صحتك، عن دخلك، عن ضيقك، عن عملك، راضٍ وأنت من أصحاب الدخل المحدود، أم ترى نفسك دائماً أنك محروم، إذا كان دخل الرجل محدوداً مثلاً يقضي عمره كله غير راضٍ، بينما يجد بائع فلافل دخله خمسة آلاف وهو أميّ، يقول صاحب الدخل المحدود: أنا حائز على شهادة ليسانس، ودخلي فقط ألف ومائتان بالشهر تقريباً، فهو دائماً غير راضٍ، أما إذا كان مؤمناً وقال: الحمد لله رب العالمين، فليس عنده حرمان أبداً، إن نعمة الرضا أكمل نعمة، لو جاءك مئة مليون في الشهر وأنت على ضلال فالنهاية إلى جهنم، أما المؤمن فكلمة الحمد لله رب العالمين تدل على أنه راضٍ عن الله عز وجل: يا رب هل أنت راضٍ عني ؟ قال: يا عبدي هل أنت راض عني حتى أرضى عنك.
هل أنت راض عن الله عز وجل ؟ هل تقول الحمد لله من أعماقك، من أعماق أعماقك ؟ أراضٍ، وليس عندك إلا بنات فقط، وليس عندك ولا ذكر واحد، فهل أنت راضٍ ؟ هل رأيت حكمة الله عز وجل أنه يحبك على هذا، ليس عندك أولاد إطلاقاً، بل عقيم راض عن الله عز وجل، عندك زوجة سيئة الخلق، فهل أنت راض بها ؟ هل ترى أن الله شاءت حكمته أن تكون كذلك ؟ لك عمل محدود دخله، أنت في مرض عضال مزمن بشكل مستمر تعاني من بعض الأمراض هل تقول الحمد لله رب العالمين ؟ هذه البطولة.
ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتق الله البطل
والحمد لله رب العالمين
يتبع