كلمات علي اعتاب الامتحانات
الأيام أيام اختبارات وامتحانات آخر العام في أكثر بلدان العالم العربي الإسلامي، ونرى كثيراً من إخواننا وأبنائنا يتساءلون: من أين نبدأ في المذاكرة، من اختيار المكان المناسب للمذاكرة أم من تقسيم الأوقات أم ماذا؟!
رغم أهمية التنظيم وحُسن اختيار المكان والوقت، وتهيئة الأجواء والحالة النفسية للمذاكرة؛ إلا أن كثيراً من الطلاب يتخذون كل الاحتياطات اللازمة للتفوق والنجاح، ويطبقون أفضل معايير التميز، إلا أن المحصلة لا تكون على القدر المطلوب؛ أو يبتليه الله بالرسوب في مادة من مناهجه المقررة! فيصيبه التعجب والاندهاش مما حدث؛ وإنني هنا سأخبركم ما يفعل، ولكنني هنا لست بكاتب ولكن ناقل لحوار دار بين إثنين من الإخوة في الله - وليس النسب - بين طالب أخذ بكل السُّبل للمذاكرة ولكنه وجد نفسه عاجزاً أمام كتابه، فلا يستطيع قراءة معلومة ولا يستطع ذهنه استيعاب مسألة، ولا تقدر ذاكرته على حفظ معلومة، وهنا كان همسُ الأخوة الصادقة.
وجد "عبدالرحمن" أخاه "عبد الملك" في غم لا يراه إلا من كان خليلاً مخلصاً له.
تبعدهما المسافات ولكنها رابطة ليست كأي رابطة، إنها الأخوة الحقة.
إليكم حديثهما.. حديث قلبٍ لقلبِ أخيه بلغة تنبض بأخوة إيمانية حقة!
عبدالرحمن: خيراً يا أخي، ما بك؟
عبد الملك: لا أستطيع فتح كتاب، ولم أنته من كتاب واحد حتى، والامتحان اقترب.. بقيت أيام، وجدول الامتحانات صعب!
عبدالرحمن: ولماذا لا تستطيع فتح كتاب؟
عبد الملك: أمامي الكتاب الآن لكن لا أستطيع المذاكرة!
عبدالرحمن: بماذا ينشغل ذهنك؟
عبد الملك: بأي شيء، أستعجل التخرج وأعد الأيام، وهذا يسبب توتراً ذهنياً لي، وعندي خوف من الرسوب، وهذا يسبب عندي طاقة سلبية تظهر في هروبي من المذاكرة بدون أن أشعر!
عبدالرحمن: طيب، صل على النبي.
عبد الملك: عليه الصلاة والسلام.
عبدالرحمن: بدايةً؛ لا بد أن تكون على دراية وفهم ما هو دورك، وما الذي بيدك وما الذي ليس من شأنك، أنت مأمور شرعاً بالنتائج أم بالأسباب؟
عبد الملك: بالأسباب.
عبدالرحمن: حسناً؛ إذا الإنسان تبعَ هواجسه هل سينفعه ذلك في شيء؟!
عبدالملك: لا.
عبدالرحمن: انظر يا أخي.
عبد الملك: ما يحدث لي الآن هو هو ما حدث لسابقي!
عبدالرحمن: عليك بالأسباب واستعن بالله؛ فمن منا يضمن أن يطلع عليه الصبح؟!
عبد الملك: نفس المواقف والأحداث تتكرر.
عبدالرحمن: ما الذي يتكرر..
عبد الملك: كل شيء؛ إحساسي بالعجز والخوف من الرسوب، وعدم مذاكرتي وإهمالي ومعصيتي لله وتصرفاتي وانشغالي.. وهكذا!
عبدالرحمن: هذه نقاط متعددة وليست شيئًا واحداً.
عبد الملك: لا أفهم!
عبدالرحمن: الإحساس بالعجز والخوف لا بد أن يُدفع بالإيمان بالله، ولا بد أن يُدفع بعدم الاسترسال وراء الشيطان في التفكير، ويُدفع باللجوء إلى الله والاستعانة به؛ عدم المذاكرة أيضاً يُدفع بما يناسبه؛ تتوضأ وتصلي ركعتين تظهر فيهما لربك حاجتك وفاقتك وتطلب منه العون والمدد، ثم تقرأ صفحة من القرآن ثم تذاكر، وتجعل لك نية صالحة في هذا الأمر.
عبد الملك: فعلتُ هذا؛ توضأتُ، وقرأت ما تيسر من القرآن، وتوضأت مرة أخرى، ومنذ أربع ساعات ولم أُنجز شيئًا، والنية موجودة!!
عبدالرحمن: اقضِ بعض الوقت في الاستغفار، لعل هناك ذنباً يمنع عنك الفتح الرباني.
عبد الملك: كثير، ذنوب بلا عدد!
عبدالرحمن: الاستغفار يفتح الأبواب المغلقة، ولعل هذه رسالة ربانية لتقف مع نفسك وقفة العبد المنيب المخبت، صدقني إذا خسر الإنسان ربه فماذا تفيده كل الدنيا، بأموالها وشهاداتها؟!
أخي اصدق بينك وبين ربك؛ واجعلها توبة صادقة نصوحاً، والوقت الآن الثلث الأخير من الليل، وقت تنزُّل الرحمن، والكريم لا يرد صادقاً أبداً؛ أخي صَدقني؛ الدنيا أهون من أن يحزن عليها العبد؛ فليكن حزنك على علاقتك بربك، ووالله ستأتيك الدنيا وهي راغمة.
أخي؛ كن مع الله ولا تبالِ، أعلنها نصوحاً بينك وبين ربك، اطلب منه العون على ملازمة ما يحب، واجتناب ما لا يحب، أظهر له حاجتك وفاقتك واحتياجك، ووالله لن يردك عن بابه، إن الكريم يرسل لعبده الذي يحبه الرسالةَ تلو الرسالة ليعود ويؤوب، فهلا تكون هي الليلة؟!
وهلا تجعلها هي الساعة؟! وهلا؟!
أخي صدقني؛ كن مع ربك والزم ما يحب تسعد في الدنيا والآخرة، والإيمان ليس كلاماً ولا صوراً، لكنه حقيقة ما يكون في القلب، ففتش عن قلبك واطلب من الله له الحياة .. "الحياة الكاملة".
كلنا نخطئ ونعصي، كلنا نذنب.
عبد الملك: غفر الله لي ولك!
عبدالرحمن: وكلنا في حاجة المجاهدة أنفسنا والاستعانة بربنا حتى ننجو، لا يستطيع الإنسان الابتعاد عما لا يرضي الله إلا بمعونة من الله، كما أنه لا يستطيع الثبات على أمر الله إلا بمعونة وفضل من الله، فنحن بالله، وبدون معيته وعونه لا شيء أبداً، اجعلها الليلة ليلة سعادتك من كثرة بكائك بين يدي ربك، عاهده على الثبات على العهد، اطلب منه العون والمدد، والله لتكونن أسعد من في الدنيا حين يتقبلك ربك؛ فالدراسة وغيرها في حياتك بيد ربك، وعقلك وصفاء ذهنك بيد ربك، والله يذكرك لتعود اليه، فهلَّا وعيتَ الرسالة؟! واستجبت لها الاستجابة التي تستحق؟!
والله لو كان الأمر في شيء من الدنيا كنتُ ساعدتك فيه بكل استطاعتي، لكن هذا ربك وأنت عبده، الأقرب اليك، الأرحم بك، الأعلم بما يصلحك، وليس بينك وبينه واسطة وحجاب، ناجِه واحكِ له واصدقه التوبة؛ فلتكن الليلة أسعد لياليك في الدنيا، قم وانتفض، اغتسل، وقف بين يدي ربك، واستعن بالله ولا يضعفنك الشيطان، وأبشر بالخير، فإنه يسوق لك ربُك الخيرَ سَوقاً، استعن بالله ولا تعجز!
عبد الملك: ونعم بالله.
عبدالرحمن: توكل على الله، وقم بين يديه ولا تُضِع الوقت.. فأنت أولى بالفرح به، وطمأنينة قلبك به، والأنس بربك.
عبد الملك: أسأل الله أن يبارك فيك وأن يبارك فيمن أحبك وأسأله أن ينصرك باتباع شرعه والدفاع عن دينه وكتابه والثبات على لا إله إلا الله، وأن يدخل على قلبك الفرح والسرور في الدنيا والآخرة وأن يربط على قلبك ويثبتك فتكون من المنصورين المفلحين، وأن يبارك في صلتي بك ويجعلني لك أخاً معيناً على الحق وعلى لا إله إلا الله وأن يجمعني بك في الدنيا على خير وفي الآخرة في الفردوس الأعلى.
عبدالرحمن: اللهم آمين؛ أحبك في الله أخي، ويعز على أن أراك هكذا؛ فأنت أهل للخير وحمل هم أمتك ونصرة دينك.
عبد الملك: أحبك الذي أحببتني فيه؛ وغفر الله لي فأنا للأسف خاذل، إن لم يوفقني الله!
عبدالرحمن: توكل على الله ويكفي حديثنا ما قلناه، وقم بينك وبين ربك، حل كل المشكلات.
عبد الملك: بإذن الله.. ادع لي واستغفر لي واسأل لي من الله الغفران والتقوى..
.. أستأذنك.
عبدالرحمن: في رعاية الله ومعيته.
عبد الملك: وإياكم.
عبدالرحمن: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبد الملك: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
****
انتهى الخليل من نصح خليله.. ولكن نصيحته تحتاج أن تُكتب بماء الذهب فليقرأها كل من رأى في نفسه حاجة لنصيحة مخلصة، فإنني أراها نصيحة فقيه لأمر الدنيا، مُبصر بما يصيب القلوب من أسقام، وعالم بعلاجها!
إنها همسات أو كلمات قلائل، ربما يعرف مثلهن بعضٌ من القراء، ولكن عندما تأتي الكلمات نابضة بصدقِ الإخاء، تشع بنور الإيمان، وتهتف بأن الطريق يبدأ من هاهنا، من التقوى، عندها ستحرص يقينا على البحث عن خليل وصديق؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم إلى من يُخالل"، ونُقل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه "صديقك من صَدَقَك لا من صَدَّقك"، وفي الأمثال الشعبية المصرية يقولون "الصاحب سَاحب".
فها هو أمامنا يأخذ بيد أخيه نحو الخير، ويرده إلى بداية الطريق الصحيحة حتى لا تزل قدماه ولا يتيه عقله.
وأختم بحديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ. فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحاً طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة".
ولا تنسوا إقران الله عز وجل للتقوى بالعلم، فقد قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
وفقني الله وإياكم ونفع بي وبكم ورزقني الإخلاص والقبول والعلم النافع والعمل الصالح الخالص لوجهه الكريم في الدنيا والآخرة.
====================
الالوكة