ماذا افعل ؟؟ابني يسرق النقود من البيت
ابني الوحيد يبلغ من العمر 10 سنوات، ولا أبخل عليه بشيء، والكل يحبه، ووالده يلعب معه دائماً، ومنذ فتره لاحظت أن بعض النقود تنقص من البيت، وعندما ضغطت عليه اعترف أنه الذي أخذها ولن يفعل ذلك مرة أخرى، ولكنه يكررها ويكذب كثيراً، وأنا لا أستطيع أن أخبر والده لأنه في عقابه صعب جداً، فمرة ضربه على كذبه حتى كسرت ذراعه؛ لذلك لا أخبره، وطفلي يعرف ذلك، ويقول لي آخر مرة، ولكنه يكررها، ولا أعرف السبب فأنا أجيب طلباته كلها المسموح بها بالله عليكم أخبروني ماذا أفعل في مصيبتي هذه؟ لأن والده لو اكتشف هذا ممكن يقتله، وأنا أعني ما أقول؛ لأنني أعلم الناس بزوجي، فهو عندما يغضب لا يعرف من أمامه!
أخبروني ماذا أفعل كي يتوقف عن أخذ الفلوس (سرقتها)؟ كلمته أكثر من مرة ولكن لا فائدة فماذا أفعل؟
الإجابـــــــــــــــــــــــة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنك معذورة تمام العذر في هذا الخوف الشديد على ابنك بعد ظهور هذه التصرفات منه، فأنت بين نارين: بين هذه التصرفات التي صدرت من ولدك والتي وصلت إلى حد أن يتناول المال من بيتكم بغير إذنكم ويتصرف فيه، بل ويتكرر ذلك منه، وهذا ليس المهم فيه أن يكون كثيراً أو قليلاً إلا أن الفعل نفسه هو الخطر، وأنت بين خوفك من أن يسمع والده بهذا الأمر فيوقع به عقوبة شديدة قد تؤدي إلى ضرره المحقق كما أشرت وهذا قد يقع لبعض الناس، فإن بعضهم إذا أصابهم شيء من الغضب أغلق عليه، ولم يعد يدري ماذا يصدر من أفعال، فلربما ضر ولده بل ضر نفسه، وهذا كثير يقع للناس؛ فإن للغضب سلطان على الإنسان قد يخرجه عن حد التصرف السليم - كما هو معلوم في هذا الشأن – فقد أحسنت بعدم إخبار والده خاصةً بعد تلك التجربة عندما كسر ذراع الولد عندما عاقبه والده عقاباً شديداً، فالذي ينبغي أن تقومي به الآن هو هذه الخطوات التي - بإذن الله جل وعلا – ستجدين أثرها وثمرتها؛ فأول خطوة هي:
1- الفزع إلى الله، فهذا الولد من ذريتك وهو قطعة من كبدك، فلابد إذن أن تلجئي إلى الله لجوء الأم الملهوفة التي ليس لها ملجأ إلا الله جل وعلا، فألحّي على ربك أن يصلحه وأن يهديه وأن يشرح صدره، وها هو دعاء إبراهيم الخليل لأولاده بأن يجعلهم من الصالحين وبأن يجنبهم الشرك بالله، وأن يجعلهم مقيمين الصلاة؛ ولذلك حكى الله تعالى ذلك عنه بقوله: (( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ))[إبراهيم:35]، وقال في دعائه الخاشع المخبت المنيب أيضاً: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}. وقال أيضاً في نفس الدعاء: (( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ))[إبراهيم:40].
فتأملي هذا الحرص العظيم كيف يدعو لذريته ويحرص على صلاحهم فسأل الله لهم صلاح الدين والدنيا معاً، وكذلك دعاء عباد الرحمن الذين أثنى الله عليهم فقال جل وعلا: (( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ))[الفرقان:74]، وكذلك دعاء العبد الصالح الذي حكى الله تعالى من دعائه قوله: (( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ))[الأحقاف:15]. فصل صلاة الحاجة وتضرعي إلى الله أن يهديه وأن يشرح صدره.
2- أن تأخذي ولدك بالأسلوب المقنع، فخذيه الآن وقبل أن يعيد كرته وأجلسيه إلى جانبك بينك وبينه دون أن يكون والده حاضراً ودون أن يتناهى إلى سمعه أي شيء؛ فقولي له: يا حبيبي يا بني، ألست أنت ابني؟ ألست تعلم أني أحبك أكثر من نفسي؟ ألست تعلم أن أباك يتعب ويشقى لأجل أن يوفر لنا لقمة العيش ولأجل أن تكون سعيداً مسروراً؟! فسيقول: نعم نعم .. فقولي له: إذن يا بني أريدك أن تكون أنت الولد المؤمن، لست ولداً..أنت شاب أنت رجل؛ فكيف تمد يدك على مال أهلك؟ هل أنا مقصرة معك؟ هل إذا سألتني بعض الأمور التي تحتاجها منعتك إيَّاها؟ فلابد إذن أن تكون أنت الولد المؤمن، هل تدري أن الله جل وعلا قد حرم السرقة وجعلها من الذنوب العظيمة وأن الله جل وعلا يعاقب من يسرق أموال الناس وكل من يأخذها بغير حق فإن الله لا يرضى عنه فكيف إذا أضفنا إلى ذلك أن تغضب والدتك؟! وكيف إذا عرفت أن والدك لو علم فإنه سوف يعاقبك عقاباً شديداً؟! وها أنا أخبئ هذا الأمر عن والدك حتى لا يعلم. فسيقول: نعم. فقولي له: إذن أريد أن تعدني وعداً صادقاً ألا تقوم بهذا الفعل، وهذا الأمر.
قد تقولين: إنني بالفعل قد قمت به، والمطلوب هنا استخدام الأسلوب الحسن الممزوج بشيء من الترهيب الذي لا يصل إلى حد الذعر الشديد بحيث أن الولد قد يخاف خوفاً يجعله يؤذي نفسه أو يصدر منه بعض التصرفات التي لا تحمد، فالمطلوب إذن الموازنة بين الإرشاد والتوجيه وبين التخويف المبطن الذي لا يصل إلى حد الذعر والرعب، لاسيما إن مزجت ذلك بتذكيره بالله عز وجل وتذكيره بأن هذا سيجعله مكروهاً وأن قلبك قد يتغير عليه إذا فعل ذلك بحيث يفقد حبك وينقص قدره في قلبك.. فبمثل هذا الأسلوب تستطيعين أن تؤثري عليه.
3- أن تهتمي بتقوية إيمانه، فهذا الولد – وإن كان صغيراً في السن – إلا أنه يدرك معاني القربة ويدرك معاني الثواب ومعاني العقاب، فلابد أن تحثيه على الصلاة وأن تحثيه على أدائها في أوقاتها؛ كما أمرنا - صلوات الله وسلامه عليه – أن نعلم أولادنا لسبع وأن نؤدبهم عليها وهم أبناء عشر بل وأن نضربهم إذا اقتضى الأمر ولم تفلح معهم النصيحة والإرشاد والتوجيه.
والمقصود بالضرب – كما هو معلوم – هو الضرب المؤدب الذي لا يكسر عظماً ولا يؤذي لحماً، وإنما يقصد به التأديب الذي يكون نافعاً في الولد؛ لأن بعض الأولاد قد لا ينفع معهم أسلوب النصيحة والإرشاد والتوجيه، فيحتاجون إلى نوع من التأديب، وهذا قد شرعه الله رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه – الذي لا ينطق عن الهوى، وهو من الأساليب التربوية وإن أنكرها بعض الناس إلا أنه يصار إليها عند الضرورة وعند الحاجة فليست هي الأصل..
إذا علم فإن الخطوة الرابعة هي:
4- ألا تبالغي في إعطاء ولدك طلباته لئلا يسرق، فمثلاً ليس من شرطك الآن أن تعطيه كل ما يطلبه خوفاً من أن يمد يده؛ فإن هذا الأسلوب لن ينفع، بل إنه حتى لو أعطيتِه المال فإنه قد يستمر في السرقة لأنه يصرفه على أنحاء شتى، وها هنا أمر مهم وهو أن يدرك ماذا يشتري بهذا المال، فهل يشتري به مثلاً الحلوى له ولزملائه أم أنه قد يستخدمها في شراء بعض الصور أو بعض الأشياء الضارة كالتدخين والسجائر مثلاً؟ فلابد إذن من أن تفتشي متاعه بدون علم منه، بحيث إذا خرج فتشتي حقيبته المنزلية وخزانته الخاصة، وعندما يدخل البيت وهو قادم من خارجه فعليك أن تتنبهي لرائحته، فكل هذا مطلوب حتى تعرفي ما هو عليه من الأخلاق والصفات، وها هنا أمر خطوة خامسة عظيمة وهي:
5- أن تعرفي من يصاحب، فإن كان صاحبه أكبر من سنه فهذا من الخطر العظيم وقد يكون هذا هو السبب في أنه يأخذ المال ليعطيه إياه، فإن كثيراً من الأصدقاء إذا كانوا أكبر من سن ولدك بثلاث سنين أو أربع سنين قد يستغلونه في هذه الناحية، فلابد إذن أن تعرفي من يخالط ولدك؛ لأن المخالطة لها دور عظيم، وهذا يحتاج منك أن تجعليه يخالط الأولاد الصالحين من الأسر الفاضلة أصحاب التربية وأصحاب العناية بالأخلاق،
والخطوة السادسة وهي:
6- أن تتفقديه في المدرسة بأن تسألي عنه معلميه وأن تتفقدي أخلاقه، وأن تطلبي من المعلمة أن تشرح لك طبيعة الأخلاق التي هو عليها في الصف الدراسي، فهذا أمر لابد من العناية به ولابد أن تقومي به من حينٍ إلى حين؛ لأن هذه التصرفات التي تصدر منه قد تكون مؤشراً على بعض التصرفات الأخرى السيئة التي لا تعلمينها.
والخطوة السابعة هي:
7- بيان حقيقة المال وأهميته بحيث تعلمين ولدك الادخار، فمثلاً فليكن له حصَّالة يجمع فيها النقود بحيث تعلمينه أنه كلما ادخر شيئاً من المال كلما كافأته على ذلك بأن تعطيه المزيد، فهذا يعلمه على عدم الصرف وتعوده أيضاً على حفظ ماله. مضافاً إلى ذلك أن تعلميه على الصدقة حتى تتهذب أخلاقه، فمثلاً تعطيه جنيها؛ فقولي له: ادفع منه شيئاً للفقير وها نحن سنأخذك اليوم للنزهة فإذا مررنا بفقير فأعطيه مثلاً ربع هذا المبلغ الذي لديك، ليتعود على الإحسان ويتعود على الخير فتنمو في نفسه الفضيلة.
والمقصود أن متابعة أمر ولدك مع إرشاده وتوجيهه ومع تخويفه بالقدر المعتدل ومع تأديبه إذا اقتضى الأمر من جهدك هو الحل الذي يجمع لك الخير - بإذن الله عز وجل – مضافاً إلى ذلك متابعة أصحابه ومتابعة تصرفاته وأحواله الخاصة بالنظر في متاعه كما أشرنا.. فهذه خطوات يمكن القيام بها، ونود أن تعيدي الكتابة إلى الشبكة الإسلامية بعد ثلاثة أسابيع لتقديم مزيد من الإرشاد لك مع ذكر النتائج التي توصلت إليها في هذا الشأن، مع التكرم بالإشارة إلى رقم هذه الاستشارة، والله يتولاك برحمته ويرعاك بكرمه.
ونسأل الله عز وجل لكم التوفيق والسداد وأن يشرح صدوركم وأن ييسر أموركم.
وبالله التوفيق. المراجع اسلام ويب أ/ الهنداوي