أَلا طالَما خانَ الزَمانُ وَبَدَّلا
قصيدةأبو العتاهية
من شعراء العصر العباسي
أَلا طالَما خانَ الزَمانُ وَبَدَّلا
وَقَسَّرَ آمالَ الأَنامِ وَطَوَّلا
أَرى الناسَ في الدُنيا مُعافاً وَمُبتَلى
وَمازالَ حُكمُ اللَهِ في الأَرضِ مُرسَلا
مَضى في جَميعِ الناسِ سابِقُ عِلمِهِ
وَفَصَّلَهُ مِن حَيثُ شاءَ وَوَصَّلا
وَلَسنا عَلى حُلو القَضاءِ وَمُرِّهِ
نَرى حَكَماً فينا مِنَ اللَهِ أَعدَلا
بِلا خَلقَهُ بِالخَيرِ وَالشَرِّ فِتنَةً
لِيَرغَبَ فيما في يَدَيهِ وَيَسأَلا
وَلَم يَبغِ إِلّا أَن نَبوءَ بِفَضلِهِ
عَلَينا وَإِلّا أَن نَتوبَ فَيَقبَلا
هُوَ الأَحَدُ القَيومُ مِن بَعدِ خَلقِهِ
وَما زالَ في دَيمومَةِ الخَلقِ أَوَّلا
وَما خَلَقَ الإِنسانُ إِلّا لِغايَةٍ
وَلَم يَترُكِ الإِنسانَ في الأَرضِ مُهمَلا
كَفى عِبرَةً أَنّي وَأَنَّكَ يا أَخي
نُسَرَّفُ تَصريفاً لَطيفاً وَنُبتَلى
كَأَنّا وَقَد صِرنا حَديثاً لِغَيرِنا
يُخاضُ كَما خُضنا الحَديثَ بِمَن خَلا
تَوَهَّمتُ قَوماً قَد خَلَوا فَكَأَنَّهُم
بِاجمَعِهِم كانوا خَيالاً تَخَيَّلا
وَلَستُ بِأَبقى مِنهُمُ في دِيارِهِم
وَلَكِنَّ لي فيها كِتاباً مُؤَجَّلا
وَما الناسُ إِلّا مَيِّتٌ وَابنُ مَيِّتٍ
تَأَجَّلَ حَيٌّ مِنهُمُ أَو تَعَجَّلا
فَلا تَحسَبَنَّ اللَهَ يَخلُفُ وَعدَهُ
بِما كانَ أَوصى المُرسَلينَ وَأَرسَلا
هُوَ المَوتُ يا ابنَ المَوتِ وَالبَعثُ بَعدَهُ
فَمِن بَينِ مَبعوثٍ مُخِفّاً وَمُثقِلا
وَمِن بَينِ مَسحوبٍ عَلى حُرِّ وَجهِهِ
وَمِن بَينِ مَن يَأتي أَغَرَّ مُحَجَّلا
عَشِقنا مِنَ اللَذاتِ كُلَّ مُحَرَّمٍ
فَأُفٍّ عَلَينا ما أَغَرَّ وَأَجهَلا
لَقَد كانَ أَقوامٌ مِنَ الناسِ قَبلَنا
يَعافونَ مِنهُنَّ الحَلالَ المُحَلَّلا
رَكَنّا إِلى الدُنيا فَطالَ رُكونُنا
وَلَسنا نَرَ الدُنيا عَلى ذاكَ مَنزِلا
فَلِلَّهِ دارٌ ما أَحَثَّ رَحيلُها
وَما أَعرَضَ الآمالَ فيها وَأَطوَلا
أَبى المَرءُ إِلّا أَن يَطولَ اغتِرارُهُ
وَتَأبى بِهِ الحالاتُ إِلّا تَنَقُّلا
إِذا أَمَّلَ الإِنسانُ أَمراً فَنالَهُ
سَما يَبتَغي فَوقَ الَّذي كانَ أَمَّلا
وَكَم مِن ذَليلٍ عَزَّ مِن بَعدِ ذِلَّةٍ
وَكَم مِن رَفيعٍ كانَ قَد صارَ أَسفَلا
وَلَم أَرَ إِلّا مُسلِماً في وَفاتِهِ
وَإِن أَكثَرَ الباكي عَلَيهِ وَأَعوَلا
وَكَم مِن عَظيمِ الشَأنِ في قَعرِ حُفرَةٍ
تَلَحَّفَ فيها بِالثَرى وَتَسَربَلا
أَيا صاحِبَ الدُنيا وَثِقتَ بِمَنزِلٍ
تَرى المَوتَ فيهِ بِالعِبادِ مُوَكَّلا
تُنافِسُ في الدُنيا لِتَبلُغَ عِزَّها
وَلَستَ تَنالُ العِزَّ حَتّى تَذَلَّلا
إِذا اصطَحَبَ الأَقوامُ كانَ أَذَلُّهُم
لِأَصحابِهِ نَفساً أَبَرَّ وَأَفضَلا
وَما الفَضلُ في أَن يُؤثِرَ المَرءُ نَفسَهُ
وَلَكِنَّ فَضلَ المَرءِ أَن يَتَفَضَّلا