هجرة الرسول من مكة إلى المدينة
______________________________________
خاتم الأنبياء والمرسلين
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، ويرجع نسبه إلى عدنان، فهو من أشرف السلالات وأكرمها، ومن قبيلة قريش أشرف القبائل وأشهرها، أمّه آمنة بنت وهب، توفي والده وهو جنين في بطن أمه، وعندما بلغ من العمر بضع سنين توفيت والدته أيضاً، فتولّى أمر رعايته جده عبد المطلب.
عندما بلغ ثماني سنين توفّي جده، فانتقل لرعاية عمّه أبي طالب، وبعد ذلك أصبح يرافقه في تجارته، ثم اشتهر بتجارته الرابحة وبصدقه وأمانته، فبلغ خبره السيدة خديجة فعرضت عليه تولّي أمر تجارتها فقبل، ثم تزوّجها وأنجبت له البنين والبنات، وعند بلوغه أربعين سنةً بدأ الوحي يتنزّل عليه من لدن الله عزّ وجل؛ حيث بعثه الله نبياً ورحمةً للعالمين.
______________________________________
الدعوة المحمدية وموقف الكفار منها
بدأت دعوة رسول الله -محمد صلى الله عليه وسلم- سراً؛ حيث دعا أهله وأقرب الناس إليه لدخول الإسلام وتوحيد الله وعبادته، فكان من أوائل من دخل الإسلام من الرّجال أبو بكرٍ الصدّيق -رضي الله عنه-، ذلك الصحابيّ الجليل الذي صدّق برسالة نبينا الكريم، كما صدّقه بكل ما يلفظ به من قول.
بعد بضع سنين أجهر الرّسول الكريم بدعوته، فاستشاط الكفار غضباً، فكذّبوه وردّوا عليه دعوته، وناصبوه العداء، فآذوه وآذوا صحبه ومن آمن برسالته وأنزلوا بهم أشد العذاب، فكان أبو بكرٍ الصاحب الوفيّ والصديق الصدّيق، فدافع عن رسولنا دفاع الحبيب لمحبوبه، فعلم الله ما في قلبه من صدقٍ وإيمان فاختاره من بين الخلق أجمعين ليصحبه في هجرته من مكة إلى المدينة، ولمّا بلغ بالمؤمنين العذاب الشديد أذِن الله لرسوله بالهجرة.
______________________________________
هجرة الرسول من مكة إلى المدينة
اجتمعت قريش يوماً لتبحث بأمر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين معه، فانتهى بهم الأمر إلى قتله، واختاروا من كل قبيلة شاباً قويّاً ليتفرّق دمه بين القبائل وكي يصعب الثأر له، فنزل جبريل -عليه السلام- على سيد المرسلين وأمره بعدم المبيت في بيته هذه الليلة، فذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت أبي بكرٍ الصديق، وأخبره بأنّ الله قد أذن له بالهجرة، فقال له أبو بكرٍ: الصحبة يا رسول الله، فجهّز أبو بكر راحلتين وأخذ كلّ ما يملك من المال، وأمر رسول الله عليّاً بالمبيت في فراشه تلك الليلة ليتوهّم المشركون أنّ رسول الله نائمٌ في فراشه، وعند حلول الظّلام تجمّع الحاقدون عند بيت رسول الله ومعهم سيوفهم الحادة، عندها خرج رسول الله من بيته وحثا التراب على رؤوس أعدائه واخترقهم دون أن يشعروا به ومضى في رعاية الله وحفظه.
في الصباح استيقظ المجرمون من غفلتهم وعلموا أنّ علياً من كان نائماً في فراش الرسول، فعلمت قريشٌ بالخبر فجنّ جنونها، فراقبت الطرق، وأعلنت عن جائزةٍ ثمينةٍ لمن يأتي بمحمدٍ وصاحبه، وفي هذه الأثناء اتّجه رسول الله مع صاحبه إلى غار ثور ومكثا فيه بضع ليالٍ، وخلال هذه الأيام كان عبد الله بن أبي بكرٍ يأتي لهما بالأخبار، وكانت عائشة وأسماء تأتيان بالطعام، وكان راعي أغنام أبي بكرٍ يأتي باللبن وكذلك كان يمرّ بالغنم ليلاً على آثار أقدام عبد الله ليمحو الأثر، واستأجر رسول الله عبد الله بن أريقط ليدلّه على الطريق، وكان كافراً ولكن خبيراً عالماً بالطرق.
انتشر الكفار بحثاً عن الرسول حتى وصل بعضهم إلى مكان وجوده، فنظر أحدهم إلى داخل الغار ولكنّ الله أعمى بصره فلم يرَ شيئاً، فخاف أبو بكرٍ أن يراهما أحد، فقال له الرسول الكريم: يا أبا بكرٍ ما ظنّك باثنين الله ثالثهما، وبعد ثلاثة أيامٍ؛ حيث خفّ الطلب واللحاق بهما خرج رسول الله وصاحبه وعبد الله بن أريقط، في الطريق يراهم سراقة بن مالك فيلحق بهما ليلقي القبض عليهما ويفوز بالجائزة، ولكن الله تعالى جعل أقدام فرسه تغوص في الرمال مرّة تلو الأخرى حتى طلب من رسول الله النجاة ويكفُّ عن اللحاق بهما، فكان له ذلك، فرجع أدراجه وأصبح كلما مرّ به أحد من المشركين يقول له لم أر أحداً في هذا الطريق.
مرّ رسول الله بامرأةٍ يقال لها أم معبدٍ، فطلب منها الطعام، فقالت له: إنّ شياهها هزيلةٌ ولا يوجد فيها اللّبن، فطلب رسول الله منها إحدى الشياه الهزيلة فمسح بيده الشريفة على ضرعها فتفجّرت العروق باللبن، فشرب رسول الله وسقى المرأة وصاحبه ثم ارتحل، وعندما أصبح على مشارف المدينة سمع الأنصار بخبر قدومه، فخرجوا لاستقباله بالأناشيد والتكبير فرحين بقدومه.
______________________________________
الهجرة النبوية المشرفة
شكلت هجرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام منعطفاً في غاية الأهمية في تاريخ الدعوة الإسلامية، فقد كانت الهجرة النبوية محطة أدت إلى إحداث تغييراتٍ كبيرة في حال المسلمين حيث قويت شوكتهم، وأسّست نواة دولتهم الأولى على منهج الكتاب والسنة، ولأهمية هذه المناسبة اتخذ تاريخها فيما بعد يوماً للتأريخ الهجري.
______________________________________
مراحل الهجرة النبوية
مرّت هجرة النبي عليه الصلاة والسلام من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بعدّة مراحل وهي:
مرحلة التخطيط
حين علم النبي الكريم بإذن الله له بالهجرة بعد أن أعلمه جبريل بذلك بدأ عليه الصلاة والسلام يخطط لأمر الهجرة تخطيطاً محكماً حتى لا تعلم قريش بها، فخرج من بيته في وقت الظهيرة متوجهاً إلى بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وعندما وصل إليه أعلم عليه الصلاة والسلام أبو بكر بأنّه سوف يهاجر من مكة، وأنّه سوف يكون صاحبه في هجرته، فلم يتمالك أبو بكر نفسه من الفرح، فبكى بكاءً شديداً، وقد أمر النبي الكريم ابن عمه علي رضي الله عنه أن ينام في فراشه حتى يظن المشركون أنّه ما يزال في بيته.
______________________________________
مرحلة الإعداد
في هذه المرحلة قام النبي عليه الصلاة والسلام وأبو بكر الصديق بالتجهيز للإنطلاق في رحلة الهجرة، وقد أعد أبو بكر للهجرة راحلتين، كما حمل معه خمسة آلاف دينار كانت ماله كله رضي الله عنه.
______________________________________
مرحلة التنظيم
في هذه المرحلة قام النبي عليه الصلاة والسلام بتنظيم أمر رحلة الهجرة من خلال توزيع المهام على عددٍ من الرجال والنساء، فقام باستئجار أحد الأدلة وهو عبد الله بن أريقط ليقوم بمهمة استكشاف الطريق، كما كلّف الصحابي عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه بمهمة تقصي أخبار المشركين وإعلام النبي بها، فكان يخرج من أوّل الليل حاملاً أخبار قريش إلى النبي، ثمّ يعود قبل أن يطلع الفجر، كما كلّف عامر بن فهيرة مولى أبي بكر بمهمة رعي الأغنام فوق أثر الأقدام حتى لا يستدلّ المشركون به على مكان رسول الله، وكانت أسماء رضي الله عنه تقوم بمهمة التزويد والإمداد بالطعام.
______________________________________
مرحلة التنفيذ
خرج النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه من خوخة في بيت أبي بكر، ثم توجها باتجاه الجنوب إلى اليمن على غير الطريق المعتاد، سالكين طريق البحر الأحمر، ثم وصلوا إلى غار ثور حيث اتفقوا على أن يظلوا فيه ثلاثة أيام، ثم يأتيهم عامر بن فهيرة بالناقتين بعد انتهاء تلك الأيام لينطلقا بعدها لاستكمال رحلتهما، وقد وصلا إلى قباء في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، وبقي النبي الكريم بها أربعة عشر يوماً بنى خلالها مسجد قباء، ثم ارتحل حتى وصل إلى المدينة المنورة.