جوهر الصقلي
هو جوهر بن عبد الله، أصله أرمني و يعرف بالكاتب. كان عبداً عند الخليفة الفاطمي المنصور، أبو الخليفة المعز. ولاه المعز لدين الله الفاطمي علي جيش عظيم ليفتح مصر و يضمها للخلافة الفاطمية.
دخل جوهر مصر في 18 شعبان 358 هج، و بني القاهرة لتكون مقر حكم الفاطميين، و بني قصراً للخليفة الفاطمي و حاشيته.
نشر جوهر المذهب الشيعي في مصر فأمر بذكر الأئمة الشيعة التسعة عشر في الخطبة، و أمر المؤذنين بحي علي خير العمل.
____________________
عُرف عنه العدل و الإحسان فكان يجلس كل يوم سبت مع الوزير بن الفرات و القاضي لسمع شكاوي الناس، و اجتهد في بناء القاهرة و أتم جامع الأزهر الذي كان يعرف بالمسجد الجامع سنة 361 هج
____________________
بعد أن استتب له الأمر في مصر، أرسل جوهر يدعو مولاه المعز لدين الله الفاطمي ليحضر إلي مصر، فجاء المعز سنة 362 هج و نزل في القصر الكبير، و أصبحت القاهرة حاضرة الخلافة الفاطمية.
عزل الخليفة المعز جوهر الصقلي خوفاً علي سلطته، و لكن ابنه العزيز استدعاه مرة أخري ليعيد إليه دمشق التي استولي عليها أفتكين و تحالف مع القرامطة. استطاع جوهر الصقلي أن يهزم جيوش القرامطة و أفتكين عند الرملة و يعيد دمشق للخلافة الفاطمية.
توفي جوهر الصقلي سنة 371 هج في مصر.
____________________
منذ أن أقام الفاطميون دولتهم في المغرب ورسخت أقدامهم فيها وهم يتطلعون إلى فتح مصر، وتكررت محاولاتهم لتحقيق هذا الحلم منذ سنة (301هـ= 913م) غير أنها لم تلق نجاحًا، وكلما أخفقت محاولة أردفوها بأخرى دون ملل أو يأس، حتى إذا تولى المعز لدين الله الفاطمي أمر الدولة عزم على فتح مصر أقدم على عمل ما يعينه على ذلك، فأصلح الطرق المؤدية إليها وحفر الآبار، وأقام الاستراحات لجنده على مسافات منتظمة، ثم اختار لأداء هذه المهمة واحدًا من أكفأ قادته وأمهرهم، وهو جوهر الصقلي، الذي نجح فيما فشل فيه غيره، وصنع لنفسه مجدًا لا يبليه الدهر؛ ففتح مصر، وأقام عاصمة هي القاهرة، وأنشأ مسجدًا هو الجامع الأزهر.
____________________
وهذا القائد النابه أصله من صقلية، ولد بها سنة (312هـ= 924م) ولا يذكر التاريخ شيئًا عن حياته الأولى، ثم انتقل إلى القيروان والتحق بخدمة الخليفة المعز لدين الفاطمي، فلما توسم فيه الذكاء والفطنة عني بتثقيفه وتعليمه وتدريبه في مجالات مختلفة، فلم يخيب ظنه، وأظهر نبوغًا فيما أسند إليه من أعمال، فكافأه الخليفة الذي يعرف قدر الرجال بما يستحق، وأسند إليه القيام بالأعمال الكبيرة حتى صار كاتبه في سنة (341هـ=952م)، ثم ولاه قيادة حملته لفتح بلاد المغرب سنة (347هـ= 958م)؛ فنجح في مهمته واستولى على مدينة “فاس” سنة (349هـ= 960م) وبلغ ساحل المحيط الأطلسي، ولم يكتف بالفتح والغزو بل استطاع أن ينشر الأمن والسلام فيما فتح وأن يوطد أركان الدولة في هذه النواحي.
____________________
غزو مصر
ولما عزم المعز لدين الله على الاستيلاء على مصر، وكان قد استعد لذلك لم يجد خيرًا من قائده المحنك جوهر الصقلي ليقوم بهذه المهمة، وجعل تحت قيادته مائة ألف أو ما يزيد من الجنود والفرسان، بالإضافة إلى السفن البحرية. وخرج المعز لدين الله الفاطمي في وداع جيشه الكبير في (14 من ربيع الأول 358هـ= 4 من فبراير 969م) فبلغ برقة بليبيا.
استأنف الجيش المسير حتى وصل إلى الإسكندرية؛ فدخلها دون مقاومة، ومنع جوهر الصقلي جنوده من التعرض لأهلها، وأمرهم بالتزام الهدوء والنظام، مستهدفًا من ذلك التقرب من المصريين والتودد إليهم، وكانت مصر في هذه الفترة تمر بمرحلة عصيبة؛ فالأزمة الاقتصادية تعصف بها، والخلافة العباسية التي تتبعها عاجزة عن حمايتها بعد أن أصبحت بغداد أسيرة لنفوذ البويهيين الشيعة، ودعاة الفاطميين يبثون دعوتهم في مصر ويبشرون أتباعهم بقدوم سادتهم، وجاءت وفاة كافور الإخشيد سنة (357هـ= 968م) -وكانت بيده مقاليد مصر- لتزيل آخر عقبة في طريق الفاطميين إلى غايتهم المأمولة.
____________________
الطريق إلى الفسطاط
ولما علم أهل الفسطاط بقدوم الفاطميين اختاروا واحدًا من كبار العلويين بمصر هو “أبو جعفر مسلم” على رأس وفد، ليفاوض القائد الفاتح ويطلب الصلح والأمان، فالتقى الوفد به عند قرية “أتروحة” على مقربة من الإسكندرية في (18 من رجب 358هـ= 18 من يونيو 969م) فأجاب جوهر طلب الوفد، وكتب عهدًا تعهد فيه بأن يطلق للمصريين حرية العقيدة على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، وأن ينشر العدل والطمأنينة في النفوس، وأن يقوم بما تحتاجه البلاد من ضروب الإصلاح.
غير أن أنصار الإخشيديين رفضوا عهد الأمان وعزموا على القتال، إلا أنهم لم يثبتوا في المعركة التي دارت بينهم وبين جوهر في “الجيزة” في (16 من شعبان 358هـ= 5 من يوليو 969م)، واضطر أهالي الفسطاط إلى تجديد طلب الأمان من جوهر بعد هزيمة الإخشيديين، فقبل جوهر الصقلي التماسهم، وأذاع على الجند بيانًا حرّم فيه أن يقوموا بأعمال العنف والنهب؛ فهدأت النفوس واطمأن الناس وعاد الأمن إلى نصابه، وفي اليوم التالي دخل جوهر عاصمة البلاد إيذانًا ببدء مرحلة جديدة في تاريخ مصر والشام.
____________________
تخطيط لمدينة الفسطاط القديمة
وما كاد يستقر الأمر لجوهر الصقلي حتى بدأ في إنشاء عاصمة جديدة لدولته الفتية، ووضع أساسًا لها في الشمال الشرقي للفسطاط، فبنى سورًا خارجيًا من الطوب اللبن يحيط بمساحة تبلع 340 فدانًا، جعل سبعين منها للقصر الكبير مقر الحكم والسلطان، وخمسة وثلاثين فدانًا للبستان، ومثلها للميادين، وتوزعت المساحة المتبقية -وقدرها مائتا فدان- على القبائل الشيعية والفرقة العسكرية، حيث اختارت كل منها مكانًا خاصًا بها عرفت به مثل زويلة، وكان ذلك نواة لعاصمة الدولة الفاطمية في المشرق، التي سميت في بادئ الأمر بالمنصورية، ثم عرفت بعد ذلك بالقاهرة.
ثم شرع الصقلي في نشر المذهب الشيعي في مصر، فألغى الخطبة للخليفة العباسي، وألغى لباس السواد شعار العباسيين، وزاد في الأذان عبارة “حي على خير العمل”، وأمر بالجهر بالبسملة في قراءة القرآن في الصلاة، وزيادة القنوت في الركعة الثانية من صلاة الجمعة، وأن يقال في خطبة الجمعة: “اللهم صل على محمد المصطفى، وعلى علي المرتضى، وفاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول، الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا”، وكان هذا إيذانا بترك المذهب السني في مصر. وتأكيدًا لهذا قام جوهر بإنشاء الجامع الأزهر الذي بدأ العمل فيه في (24 من جمادى الأولى 359هـ= 4 من إبريل 970م).
____________________
سياسة التمكين
وسعى جوهر لدعم الفاطميين في مصر وتثبيت نفوذهم، مستعينًا بسياسة هادئة، فعمل على تمكينهم من الجهاز الإداري والسيطرة على الوظائف الكبيرة في الدولة، فلم يدع عملا إلا جعل فيه مغربيًا، وفي الوقت نفسه بدأ في اتخاذ عدة إصلاحات لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي كانت تمر بها البلاد، وتخفيف حدة المجاعة التي أصابتها بسبب نقص الحبوب، وأمده المعز لدين الله بالسفن المحملة بالغلال، ووضع نظامًا دقيقًا لجمع الضرائب يقوم على العدل والإنصاف، وأثمرت هذه السياسة عن استقرار واضح للفاطميين في البلاد.
ثم تطلع جوهر إلى تأمين حدود مصر الشمالية بعد أن اطمأن إلى جبهته الداخلية المتماسكة، فنجح في ضم الشام بعد جهود مضنية، وكانت السيطرة على الشام تمثل هدفًا إستراتيجيًا لكل نظام يتولى الحكم في مصر، كما نجح في رد غارات القرامطة الذين حاولوا الاستيلاء على القاهرة، وألحق بهم هزيمة ساحقة سنة (361هـ= 971م) في منطقة عين شمس.
____________________
الخليفة الفاطمي في القاهرة
ولما رأى جوهر الصقلي أن الوقت قد حان لحضور المعز لدين الله لتولي الأمور في مصر كتب إليه يدعوه إلى الحضور؛ فخرج المعز من “المنصورية” عاصمته في بلاد المغرب، وكانت تتصل بالقيروان، فوصل القاهرة في (7 من رمضان 362هـ= 11 من يونيو 972م)، وأقام في القصر الذي بناه جوهر، وخرج في اليوم الثاني لاستقبال مهنئيه.
وعقب وصول الخليفة الفاطمي عزل جوهر الصقلي عن دواوين مصر، واختفى جوهر عن الحياة، فلم يعهد إليه الخليفة بمهام جديدة، حتى إذا ظهر خطر القرامطة في بلاد الشام وباتوا خطرًا محدقًا بالدولة استعان المعز لدين الله بقائده النابه جوهر في سنة (364هـ= 974م) لدفع هذا الخطر، ثم عاد إلى الاختفاء ثانية.
____________________
الأيام الأخيرة
وظل جوهر الصقلي بعيدًا عن تولي المناصب حتى وفاة المعز لدين الله وتولي ابنه العزيز بالله الفاطمي، إلى أن عاد الخطر القرمطي في الظهور من جديد في الشام، ولم يجد الخليفة العزيز بدًا من الاستعانة به مرة أخرى؛ اعترافًا بكفاءته وقدرته، فتولى قيادة القوات الفاطمية التي زحفت إلى بلاد الشام، حتى إذا تحقق النصر وزال خطر القرامطة عاد من جديد إلى الاختفاء، ولزم بيته حتى توفي في (20 من ذي القعدة 381هـ= 28 من يناير 992م) بعد أن حكم مصر أربع سنوات نيابة عن الخليفة الفاطمي في مصر، وهي تعد من أهم فترات التاريخ الفاطمي في مصر؛ حيث نجح بسياسته الهادئة وحسن إدارته من إحداث التغييرات المذهبية والإدارية التي هيأت الاستقرار للدولة الجديدة، وعبّرت عن مظاهر سيادتها.