باب فضل الجوع وخشونة العيش
عن أبي هُرَيْرَةَ- رضي اللَّه عنه -قال: لَقدْ رَأَيْتُ سبْعينَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، ما مِنْهُم رَجلٌ عَلَيهِ رِدَاء، إِمَّا إِزارٌ وإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ ربطُوا في أَعْنَاقِهم مِنهَا ما يَبْلُغُ نِصفَ السَّاقيْنِ، وَمِنهَا ما يَبلُغُ الكَعْبَينِ، فيجمعُهُ بِيَدِهِ كَراهِيَةَ أَن تُرَى عَوْرَتُهُ. رواه البخاري.
عن عائشةَ- رضي اللَّه عنها -قالت: كَانَ فِرَاشُ رسول اللَّه ﷺ مِن أدَمٍ حشْوُهُ لِيف. رواه البخاري.
513 عن ابن عمر- رضي اللَّه عنهما -قال: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رسولِ اللَّه ﷺ إِذْ جاءَ رَجُلٌ مِن الأَنْصارِ، فسلَّم علَيهِ، ثُمَّ أَدبرَ الأَنْصَارِيُّ، فقال رسول اللَّه ﷺ: (يَا أَخَا الأَنْصَارِ، كَيْفَ أَخِي سعْدُ بنُ عُبادةَ؟) فقال: صَالحٌ، فقال رسول اللَّه ﷺ: (مَنْ يعُودُهُ مِنْكُمْ؟) فَقام وقُمْنا مَعَهُ، ونَحْنُ بضْعَةَ عشَر ما علَينَا نِعالٌ وَلا خِفَافٌ، وَلا قَلانِسُ، ولا قُمُصٌ نمشي في تلكَ السِّبَاخِ، حَتَّى جِئْنَاهُ، فاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حوله حتَّى دنَا رسولُ اللّهِ ﷺ وَأَصْحابُهُ الَّذِين مَعهُ. رواه مسلم.
الشــــــــــــــرح
يقول: لقد رأيت سبعين من أهل الصُّفَّة، ما منهم رجل عليه رداء، يعني: مع الإزار، ومعلوم أن الإزار هو ما يلبس في أسافل البدن، والرداء ما يوضع في أعلاه، بمعنى أنه لا يجد قطعتين من القماش، يلبسهما في أعلى بدنه وفي أسفله، إنما هي قطعة واحدة، إما إزار ثم يَعْرى أعلاه، ليس عليه شيء من الفقر، وإما كساء، بمعنى: أنها قطعة واحدة يربطها في عنقه، وتصل إلى أنصاف ساقيه، قطعة واحدة، وإذا جلس جمعها بيديه كراهية أن ترى عورته (1).
هكذا كانت حياتهم وثيابهم.
وجاء من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان فراش رسول الله ﷺ من أُدْم حشوه ليف) (2).
قولها: (من أُدْم) الأدْم: هو الجلد المدبوغ، هذا فراش النبي صل الله عليه وسلم.
(حشوه من ليف)، وهو ما يؤخذ من النخيل، وهو ليس بالناعم، وليس ذلك بفراش المرفهين، وإنما هو شيء لربما يتأذى منه البدن، فهذا فراش أفضل وأطهر الخلق- صل الله عليه وآله وسلم.
وجاء من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما -قال: كنا جلوسًا مع رسول الله ﷺ إذ جاء رجل من الأنصار، فسلم عليه، ثم أدبر الأنصاري، فقال رسول الله ﷺ: (يا أخا الأنصار، كيف أخي سعد بن عبادة؟) فقال: صالح، هو كان مريضًا، فسأل عنه النبي ﷺ وهذا يدل على كمال شفقته، وكمال تواضعه- عليه الصلاة والسلام -يسأل عن أصحابه ويتفقدهم، وكان الجواب أن قال الرجل: صالح، وهذا جواب يصلح أن يجيب به من سئل عن مريض كيف هو؟ فيقول: صالح، فقال رسول الله ﷺ: (من يعوده منكم؟) يعني: من يزوره معي؟ وهذا يستدل به من يقول: إن عيادة المريض ليست من واجبات الأعيان تجب على كل أحد، وإنما هي من فروض الكفايات، إذا زاره البعض لم يجب على الباقين، مع أنه وردت نصوص وأحاديث واضحة وصريحة في أن من حق المسلم على المسلم العيادة، وعلى كل حال الجمهور يقولون: إنها ليست واجبة على الأعيان، وهذا مما استدلوا به على ذلك.
قال: (من يعوده منكم؟) فقام وقمنا معه، ونحن بضعة عشر، يعني: ما بين العقدين يقال له بضع، بضعة عشر يعني: أنهم لربما يكون عددهم خمسة عشر، أربعة عشر، ستة عشر، أو نحو هذا، يقول: فقام وقمنا معه، ونحن بضعة عشر، ما علينا نعال ولا خفاف، ولا قلانس، ولا قُمُص، نمشي في تلك السِّباخ، السباخ هي الأرض التي لا تنبت، حتى جئناه، فاستأخر قومُه مِن حوله، يعني: ليدنو منه النبي ﷺ، يقول: فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله ﷺ وأصحابه الذين معه (3).
وظاهر هذا الحديث قام وقمنا معه وذكر صفتهم، يقول: ما علينا نعال، ولا خفاف، ولا قلانس، ولا قُمُص نمشي في تلك السباخ أن النبي ﷺ هكذا كان أيضًا معهم، أنه مشى معهم من غير نعل ولا خف، وإنما ذهبوا حفاة، فهذا كله يدل على تقللهم من الدنيا، وأنها لم تكن بأكبر همهم، ولم يكن لهم حرص على جمعها وتحصيلها، ولم تكن المظاهر هي الأمور التي يعولون عليها ويترفعون بها، وإنما كانوا يعولون على معالي الأمور، والعمل الصالح، والزلفى والتقرب إلى الله- جل جلاله -فهذا هو الذي عليه المعوَّل، وهو الذي يصل به الإنسان ويبلغ ويرتفع عند الله- تبارك وتعالى -فقيمة الإنسان إنما تكون بهذا الاعتبار، لا بالثياب، ولا بالمراكب ولا بأي شيء-أعزكم الله -من النعال التي يلبسها، وإن كان الإنسان يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا، فإذا وجد فإنه يلبس من غير إسراف ولا تباهٍ ولا تفاخر، ومن غير كبر على الناس، ولا مخيلة، فهذا هو الهدي، القصد في هذه الأمور وإذا لم يجد فإنه لا تذهب نفسه عليها حسرات، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.الحمد لله رب العالمين
أحاديث رياض الصالحين
(1) - أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب نوم الرجال في المسجد، (1/96)، برقم: (442).
(2) - أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب: كيف كان عيش النبي- صلى الله عليه وسلم -وأصحابه، وتخليهم من الدنيا، (8/97)، برقم: (6456)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه واليسير في اللباس والفراش وغيرهما، وجواز لبس الثوب الشعر، وما فيه أعلام، (3/1650)، برقم: (2082)، بلفظ: (إنما كان فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم -الذي ينام عليه أدمًا حشوه ليف).
(3) - أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب في عيادة المرضى، (2/637)، برقم: (925).
التوقيع لا يظهر للزوار ..
التوقيع لا يظهر للزوار ..
قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
أحاديث صحيحة عن فضل مجالس الذكر | لافالانتينا | السنة النبوية الشريفة | 7 | 15-09-2018 03:52 PM |
جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع