وصل الشعر
لما خلق الله سبحانه وتعالى الانسان وصوره جعله في احسن صورة واتمها، وفضله على جميع المخلوقات، ولم يجعله بحاجة الى التزيين والتجميل، وهذا بحسب ما يقتضيه طبعه البشري؛ حيث ان الانس جبلوا على حب الحسن والتجمل، كما ان الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز دعا عباده الى التزين باللباس الحسن، والاهتمام بالهندام والمظهر، بل هذا كان محصورا بما يوافق ما اباحه الله، ولا يخالفه الى التجمل بما فيه تحريم وانتهاك محظور، كالاسراف والتبذير، او التزين بما حرم من الزينة، صرح تعالى: (يا بني ادم خذوا زينتكم نحو كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين).[١]
التزين بما جمل من الثياب في الاسلام مشروع للرجال والنساء ضمن ضوابط وحدود حددها الله لكل منهما، فلباس المراة يتغاير في حكمه وكيفته عن لباس الرجل، اذ يباح للرجل ما لا يباح للمراة، والعكس، اما الشعر فان له في الاسلام جملة من الاحكام الخاصة؛ منها ان دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الاعتناء به والاهتمام بمظهره وشكله للرجال من اثناء تسريحه واكرامه دون مبالغة، ومن هذا ما روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – انه قال: (من كان له شعر فليكرمه)،[٢] ومما اشتهر في تلك الايام وفي ذلك الزمن على نحو عام ما يسمى بلبس الباروكة التي توضع على الدماغ على انها جزء منه، فما حكم لبس الباروكة شرعا؟ وهل ورد في الشرع الكريم من النصوص ما يوميء اليها صراحة او ضمنا؟
المقصود بالباروكة
يقترن اوضح الباروكة بما يعلم شرعا بوصل الشعر؛ حيث انهما في الحصيلة سواء، فوصل الشعر يقصد اضافة شيء من الشعر او ما يشابهه الى شعر الراس، وهو نفسه ما يعني من الباروكة التي توضع على راس الرجل او المراة، وفيما يلي معنى وصل الشعر لغة واصطلاحا ثم تصريح المقصود بالباروكة تشييد على ذلك:[٣][٤]
- الوصل لغة: مصدر وصل يبلغ وصلا، والوصل بين طرفين: يقصد الربط بينهما، ووصل الشيء بالشيء: اذا ضمهما الى بعضهما، وجمعهما معا، وعكسه: فصلهما، اما الشعر فمعناه في اللغة: انه مجموعة من الزوايد التي تبدو على جلد الانسان وغيره على شكل خيوط، وجمعها اشعار، وتجمع ايضا على شعور.[٥]
- وصل الشعر اصطلاحا يعني: ان يبلغ ادمي شعره او شعر غيره بشعر اخر، فاما ان يكون هذا الشعر صناعيا على هيية الشعر الاصلي، او يكون شعرا طبيعيا ماخوذا من شعر ادمي غيره.[٦]
- الباروكة هي: (شعر اصطناعي يوضع فوق الدماغ للزينة كما يستعمل في التمثيل وفي مناسبات خاصة).[٧]
حكم لبس الباروكة
بناء على ما مر في توضيح مفهوم الباروكة يتضح ان المرغوب بها وبوصل الشعر هو نفسه شرعا؛ حيث لم يرد للفقهاء راي منفصل للبس الباروكة شرعا انما جاء تصريح حكمها مصحوبا بحكم وصل الشعر لاقترانهما في المعنى والغاية فان ما يشار اليه في ذلك المقر هو حكم وصل الشعر ويراد منه الباروكة لما بينت التعليم بالمدرسة من التوافق بينهما، وفيما يلي تصريح حكم لبس الباروكة – وصل الشعر – نحو الفقهاء.
حكم وصل الشعر
من حيث حكم وصل الشعر في اصله فان ما ذهب اليه الفقهاء هو تحريم هذا اتفاقا، وفي ذلك الحين استدل علماء الفقه على تحريم وصل الشعر لما ورد فيه من الاحاديث نبوية، وما تقتضيه الشريعة الاسلامية عموما من احكام وامور تفصيلية،[٨] في حين تباينت اراءهم فيما اذا كان هنالك داع او غرض للوصل، كان تبلغ الزوجة شعرها او تلبس الباروكة لتتزين لزوجها، واختلفوا ايضا في حال قد كانت الباروكة ماخوذة من شعر ليس لادمي، كان تكون مصنوعة من الصوف او النايلون او غير ذلك، وفيما يلي اوضح بعض الادلة التي تويد ما ذهب اليه الفقهاء في حرمة وصل الشعر عموما، ثم يتم التعقيب على هذا ببيان اراء الفقهاء فيما اذا كان هنالك داع للوصل، او كان الشعر المستعمل في الوصل – الباروكة ليس من شعر الادمي:[٣][٤]
- ما رواه ابو هريرة – رضي الله عنه – ان النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة).[٩]
- حديث اسماء فتاة ابي بكر -رضي الله عنها- حيث روي عنها انها قالت: (سالت امراة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، ان ابنتي اصابتها الحصبة، فامرق شعرها، واني زوجتها، افاصل فيه؟ فقال: لعن الله الواصلة والمستوصلة).[١٠]
- ما روي في صحيح البخاري من جديد معاوية بن ابي سفيان – رضي الله عنهما – حيث جاء فيه: (قدم معاوية المدينة، اخر قدمة قدمها، فخطبنا، فاخرج كبة من شعر، قال: ما كنت ارى احدا يفعل ذلك غير اليهود، ان النبي -صلى الله عليه وسلم- سماه الزور؛ يقصد الواصلة في الشعر).[١١]
وصل الشعر بشعر ادمي
اتفق الفقهاء في الغالب على تحريم وصل الشعر ان كان موصولا بشعر ادمي، وفي ذلك الحين صرح بذلك الراي من الفقهاء الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، ويستوي في هذا ان كان داع الوصل والدافع له التجمل والتزين، او تنقيح الهيية الخارجية العام نتيجة لـ بعض العيوب، لما استقر من الاحاديث والادلة التي توميء الى النهي الصريح الوارد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – الامر الذي يدل على تحريم وصل الشعر ان كان من شعر ادمي، ولان الانتفاع بشعر الادمي محرم بكل اجزايه، ولان شعر الادمي مكرم في اصله، ولا فرق في هذا ان كان الشعر الذي يستعمل في الوصل هو من شعره الواصل او شعر محارمه كالزوج والاخ وغير ذلك.[١٢]
وصل الشعر بغير شعر الادمي
ان كان الشعر المستعمل في وصل الشعر ماخوذا من شيء غير كونه شعر ادمي، كان يكون ماخوذا من مواد اخرى كالصوف وشعر الماعز والابل وغير هذا فقد اختلف الفقهاء في تلك الوضعية في حكم وصل الشعر، وبيان اقوالهم على النحو الاتي:[١٢][٣]
- اباحة الوصل ان كان بغير شعر الادمي: ذهب الى ذلك القول فقهاء الحنفية والليث بن سعد؛ حيث يشاهدون جواز وصل الشعر ما لم يكن ماخوذا من شعر ادمي؛ كالصوف او شعر الماعز او وبر الابل او الخرق، حيث ان هذا لا يعد من التزوير.
- حرمة وصل الشعر حتى ان كان بشعر غير ادمي: صرح بهذا فقهاء المالكية واهل الظاهر، وفي ذلك الحين استدل القايلون بهذا بعموم النهي الوارد في الاحاديث النبوية سالفة الذكر والذي يوميء الى تحريم وصل الشعر مطلقا، دون تقييد ان كان الوصل بشعر ادمي او غيره، ولان الوصل يعد من التدليس والخداع، وفيه تحويل لخلق الله، فلا يجوز نحو اصحاب ذلك القول مطلقا وصل الشعر بشعر ادمي، او شعر حيوان كالصوف والوبر وغير ذلك، ولكن فقهاء المالكية قد استثنوا من هذا وصل الشعر بالخرق او الخيوط المصنوعة من الحرير؛ حيث انها ليست شعرا، ولا تشبه الشعر فلا يعد وصل الشعر بها وصلا، انما هي من الزينة ليس اكثر.
- التفصيل بين كون الشعر الموصول به طاهر او نجس: فرق الشافعية في حكم وصل الشعر ان كان المستعمل في الوصل شعر غير ادمي، فان كان الشعر الموصول منه الشعر نجسا في اصله حرم الوصل به لنجاسته، اما ان كان الشعر الموصول منه طاهرا فيفرق ايضا ان قد كانت التي ترغب في الوصل متزوجة او غير متزوجة؛ فان قد كانت متزوجة جاز هذا لها ان اذن لها الزوج بالوصل، فان قد كانت غير متزوجة حرم عليها الوصل لعدم الاحتياج له، اما وصل الشعر بشيء مصنوع كالحرير الملون فلا باس به كونه لا يشبه الشعر ولعدم النهي عن استعماله.
- التفريق بين كون الموصول به شعرا او غير شعر: صرح بهذا فقهاء الحنابلة؛ حيث يشاهدون ان الوصل يحرم ان كان بشعر ادمي او غير ادمي، كان يستعمل في الوصل شعر الماعز، او شعر البهايم، وهذا للنهي الوارد في النصوص النبوية عن وصل الشعر بشعر، حتى لو كان شعر غير ادمي، فان كان الوصل بغير شعر، كالصوف، او الحرير او الخرق، فيجوز وصل الشعر لحاجة، كربط الشعر او شده، اما ان كان الوصل بها لغير احتياج فقد نقل عن الحنابلة في هذا قولان هما: الحرمة، والكراهة، ويرى ابن قدامة من الحنابلة ان الراجح عندهم كراهية هذا لا حرمته.
حكم وصل الشعر بما يسمى الباروكة
بعد تصريح اراء الفقهاء في حكم وصل الشعر بشعر الادمي او شعر غير الادمي، وبيان اقوالهم في حكم وصل الشعر بشيء لا يشبه الشعر كالصوف والحرير تتوصل التعليم بالمدرسة الى ان لبس الباروكة المصنوعة من مواد غير حيوانية كافة فيه نحو الفقهاء، فمنهم من صرح بحرمة هذا لوجود التدليس فيه، ومنهم من صرح بجوازه لعدم تماثله بالشعر، ولكن العلة في الباروكة تتحد مع علة حرمة الوصل التي هي التدليس والخداع.[٣]