السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فإن تعبيرات الوجه تتكلم بصوت أعمق من صوت اللسان وكأني بها تقول عن صاحبها:
إني أحبك، إني سعيد ومسرور برؤيتك، فالوجه هو عنوان الداعية،
والمرآة التي تعكس نفسيته وأعماقه؛ فإن كان متجهما أوحى بالضيق والتجهم،
وإن كان طلقا مبتسما أوحى بالبشر والخير.
والابتسامة هي انفراج أسارير عن انفعالات صادقة داخل النفس؛
تحرك الوجدان وتشرق على الوجه كوهج البرق،
حتى ليكاد الوجه يتحدث بنداء وهواتف تلتقطها القلوب فتنجذب الأرواح فتأتلف بسبب ذلك.
فالداعية لابد أن يتذوق طعم الابتسامة الصادقة، ويدرك أثرها العظيم،
فكلما أخلص فيها النية حفرت في الصخر وأنبتت في الصحراء،
وأظهرت خير أمة أخرجت للناس، وكانت من صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-
كما يقول أصحاب السير: أنه كان بسـّام المحيا، كيف لا يكون وهو القائل:
«تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
وهذه صدقة لا تكلفك دينارًا ولا درهمًا، وكنز لو عرفت كيفية استخدامه،
لأسرت القلوب، ولفتحت النفوس ثم سكبت من دواء الدعوة الراشدة
والإيمان ما غيرت به وجه الكون.
ومما ثبت أيضا في استحباب البشاشة وطلاقة الوجه عند اللقاء
ما رواه جابر بن سليم الْهُجَيْمِىُّ -رضي الله عنه- قال: قلت:
«يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَعَلِّمْنَا شَيْئاً يَنْفَعُنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ.
قَالَ: لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي
وَلَوْ أَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ ... » [رواه أحمد وصححه الألباني].
قوله -صلى الله عليه وسلم-: (مُنْبَسِطٌ)أي: منطلق بالسرور والانشراح،
قال حبيب بن ثابت: "من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو مقبل عليه بوجهه".
قال الإمام الغزالي -رحمه الله-:
"فيه -أي هذا الحديث- رد على كل عالم أو عابد عبس وجهه،
وقطب جبينه كأنه مستقذر للناس، أو غضبان عليهم، أو منزه عنهم،
ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب،
ولا في الخد حتى يصعر، ولا في الظهر حتى ينحني، ولا في الرقبة حتى تطاطأ،
ولا في الذيل حتى يضم، إنما الورع في القلب.
أما الذي تلقاه ببشر ويلقاك بعبوس؛ يمُن عليك بعلمه؛
فلا أكثر الله في المسلمين مثله، ولو كان الله يرضى بذلك
ما قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
[الشعراء:215 ]".
ورغم كل هذه المعاني والأهمية للابتسامة؛ فإن هناك ناس لا يبتسمون أبدا،
ولا تنفرج أساريرهم وهم يلقون غيرهم من الناس... إنهم شريرون أو في نفوسهم مرض،
وينابيع الخير مغلقة في نفوسهم وعليها الأقفال!!
والبعض يظن أن في التبسم إنزال من مكانته، ونقص من هيبته أمام الآخرين،
إن أمثال هؤلاء المرضى واهمون أشد الوهم بذلك؛
ينفرون أكثر مما هم يقربون، وخسارتهم أكبر من ربحهم،
واسمع لهذا الحديث الشريف؛ فعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال
: «مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلاَ رَآنِي إِلاَّ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي»
[متفق عليه].
والداعية عليه أن يتعود طلاقة الوجه ولو أن يدرِّب نفسه على ذلك،
وأن يعوِّد نفسه الابتسام كائناً ما كانت ظروفه ضاغطة أليمة.
إن نجاح الداعية يكمن في قدرته على تكييف نفسه،
وأن تكون له القوامة عليها وليس العكس،
وأن تكون لديه القدرة على التحكم بنفسه حيال الظروف التي يمر بها
، وأن يعطي لكل مقام مقالاً.
أعرف بعض الدعاة يخرجون على الناس
والابتسامة تعلو محياهم وقد دفنوا في الأعماق هموماً ومشاكل لا يعلم مداها إلا الله.
وأيضا قد قال -صلى الله عليه وسلم-: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ،
ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق » إسناده حسن
فالتجهم والعبوس يقيم الحواجز بينك وبين الآخرين؛
ولذلك عليك أن تتعلم كيف تسيطر على أفكارك ومشاعرك؛
ليكون عبوسك حينئذٍ مقصودا ومتحكما فيه، ويؤدي رسالة محددة في وقتها المناسب.
وليس المقصود بطلاقة الوجه جماله أو حسن تقاسيمه...
فقد يكون الوجه جميلا، وليس فيه أثر من الطلاقة، وقد يكون قبيحا ويفيض أنسا وبشرا.
فما عليك إلا أن تبتسم... ولا تحسب أنني أعني بالابتسامة
مجرد علامة ترتسم على الشفتين لا روح فيها ولا إخلاص،
كلا!! فهذه لا تنطلي على أحد،
وإنما أتكلم عن الابتسامة الحقيقية التي تأتي من أعماق نفسك،
تلك الابتسامة هي التي تنفذ إلى قلوب الآخرين ":
إشراقــــــــــة ...
تعبيرات الوجه أعمق وأدق من تعبيرات اللسان
لان الانسان ممكن يتحكم فى كلامه لكن من الصعب انه يتحكم فى تعبيرات وجهه
وان كان هناك البعض الذين يحترفون فى اظهار عكس مايشعرون به
ولكن الاغلبية تظهر على وجوههم ما لا تستطيع ان تبوح به ألسنتهم
فاحرصواعلى الابتسامة الصادقة الصافية التي تعكس ما في القلب من محبة وتآلف ولتحذر من الابتسامة المصطنعة التي تخفى وراءها الأحقاد .
يقول ابن القيم في أهمية البشاشة :
( إن الناس ينفرون من الكثيف ولو بلغ في الدين ما بلغ ، ولله ما يجلب اللطف والظرف من القلوب فليس الثقلاء بخواص الأولياء ، وما ثقل أحد على قلوب الصادقين المخلصين إلا من آفة هناك ، وإلا فهذه الطريق تكسو العبد حلاوة ولطافة وظرفا ، فترى الصادق فيها من أحبى الناس وألطفهم وقد زالت عنه ثقالة النفس وكدورة الطبع )
ويقول الإمام ابن عيينه :
( والبشاشة مصيدة المودة ، والبر شيء هين :وجه طليق وكلام لين )
دمتم في حفظ الله ورعايته ...
منقول للفائده ..