الحمد لله الذي يحب العدل ويكره الظلم .
والصلاة والسلام على من جاء بالعدل وحث عليه بقوله وعمله .
أما بعد ، فإن الناظرَ في بعضِ أحوالِ المجتمع ليتعجب من غياب العدل عند بعض الناس .
بل وإنك لترى صورَ الظلم بشكل قد لايصدقه عقل لولا أن القصصَ واقعية ، نسمعها من القضاة في المحاكم ومن ضباط الشرطة .
وتصلني استشارات فيها بيان لشيء من الظلم الذي يقعُ على بعضِ الناس ، لهذا أحببتُ التذكيرَ بوجوبِ العدلِ وتحريمِ الظلم .
أيها الناس ..
إن الظلمَ من الأخلاقِ المذمومة .
وقد تحدثَ القرآنُ عنه كثيراً ، وتكاثرت النصوصُ من السنةِ في التحذيرِ منه .
والظلمُ مأخوذٌ من تجاوز الحد ، وهو وضع الشيء في غير موضعه .
وله صورٌ في واقعنا ، وابدأُ بالظلمِ داخلَ البيوت ..
فمن ذلك :
ظلمُ الرجلِ لزوجته وحرمانها من النفقة الواجبةِ عليه ، أو أذيتها بالكلام أو بالأفعال ، أو حرمانها من أولادها بعد الطلاق .
ومنها : ظلمُ الرجلِ لزوجته الثانية أو الأولى حينما يتزوج بأخرى ، وربما منعها من حقها في الزيارةِ أو النفقة .
ومن ذلك : ظلم الآباء لبناتهم بحرمانهم من الزواجِ لأجل أخذ رواتبهم .
أو حرمانِ ابنته من حقِ الاختيارِ للزوجِ المتقدمِ لها ، وإجبارها على شخصٍ معين لايرضاهُ إلا الأب .
ولايبالي برأي ابنته مما يجعلها ترى أن هذا الزواج نوعٌ من الظلمِ لها ، وربما تسببَ في تدميرِ نفسيتِها ومستقبلِها ، فلماذا هذا الظلم ؟
ومن ذلك : ظلمُ بعضِ الآباءِ في حرمانِ أولاده من رؤيةِ أمهم بعد طلاقهِ لها .
ومن صور الظلم : أن تدعي المرأةُ على زوجها بمالم يفعل ، وربما اشتكت لوالدها .
ثم يستمرُ والدُها على ظلمِ الزوج ، وقد يرفضون كل بوادرِ الصلح ، وقد ينشرون عنه هذا الظلمَ أمامَ أولاده ومجتمعه .
ومن صورِ الظلم : منعُ أحدِ الورثةِ من الميراث ، وبعضهم قد يمنعُ البنات ، أو يتصرف في حقهم بدونِ علمهم ، وقد يحرمونَ الزوجةَ الثانيةَ من الميراث ، وخاصةً إذا كانت من جنسيةٍ أخرى .
وقد جاءت الشريعةُ ببيانٍ واضحٍ في تفصيل حقوق الورثة ، فبأي حق يقومُ بعضُ الناسِ بالتصرفِ في حقوقهم بالظلمِ والعدوان ؟
عباد الله ..
اعلموا أن من صورِ الظلم ، حرمانُ العامل من الراتبِ أو تأخيره عنه ، أو تكليفهِ بعمل آخر لم يكن موجوداً في العقد بينكما ، وربما كان ذلك العملُ شاقاً عليه .
زارني أحد العُمّال وقال : منذُ سنة وأنا لم أستلم راتبي من الشركة التي أعملُ فيها .
بالله عليكم أليسَ هذا من الظلم ؟
أليس لهذا العمل حقٌ في أخذِ الأجرةِ على عمله ؟
أليس له أسرةٌ تنتظره أن يرسلَ لها شيء من ذلك المال ؟
إني أحذر من يؤخرُ راتبَ العامل بقول النبي صلى الله عليه وسلم :
يقول الله تعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : .. ورجلٌ استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره . رواه البخاري .
ومن صورِ الظلم ، أن يُطالبَ موظفٌ معينٌ بعملٍ كثير ، ويُخففُ عن موظفين آخرين لأجل صلتهم بالمدير .
ومن صورِ الظلم ، أن تتهم غيرك بشيء لم يعمله ، سواءً من أقاربك أو جيرانك أو غيرهم ، وقد يحلفُ الظالمُ على ذلك ، كلُّ ذلك لإجلِ عداوةٍ سابقة .
وماعلم هذا أن الظلمَ ظلماتٌ يوم القيامة ، وأن من حلفَ بالله كاذباً فقد وقع في اليمينِ الغموسِ التي تغمسُ بصاحبها في جهنم إلا أن يتوب .
ومن صور الظلم أن تجحد الحق الذي عليك ، وخاصةً الحقوق المالية .
وأعرفُ قصةً وقعت لبعض الزملاء ، أعطى صاحبه مال ولم يوثق ذلك كتابياً .
ثم جحده ذلك الصديق ، وترافعا للمحكمة ، وأمره القاضي بالحلف .
يقول صاحبي : فقامَ ذلك الرجل بالحلف على أنه لم يستلم مني شيء .
فشعرتُ بالخيبةِ وذهبَ مالي الذي تجاوز النصفَ مليون .
وأقولُ في هذا ، كان الواجبُ أن يوثق ذلك الدين ، كما قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدينِ إلى أجلٍ مُسمّى فاكتبوه ) .
وأقولُ للحالفِ بالله كذباً ، تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم :
" من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين كاذبة ، لقي الله وهو عليه غضبان ". رواه البخاري .
وفي الحديث الآخر : من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة .
فقال رجل : وإن كان شيئاً يسيراً يارسول الله ؟
قال : " وإن قضيبا من أراك ". أي مسواك . رواه مسلم .
ومن صور الظلم ، التعدي على أراضي الغير .
والغالبُ أن يحدث هذا في بعض المجتمعات التي ليس عندهم توثيقٌ رسمي لحقوقهم ، والكارثةُ الكبرى أن يكون هذا الظلمُ من الأقارب .
وكم من شخصٍِ تعدّى على أرضِ غيره متعمداً ، وربما حلف على ذاك ، وقد يأتي بشهود الزور .
وإني أذكّر من فعل ذلك بهذا الحديث : عن أبي سلمة أنه كانت بينه وبين أناس خصومة ، فذكر ذلك لعائشة رضي الله عنها .
فقالت : يا أبا سلمة ، اجتنب الأرض ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من ظلمَ قيد شبر من الأرض طوّقه من سبع أرضين . رواه البخاري .
قيل في معنى الحديث : أنه يعاقبُ بالخسف إلى سبعِ أرضين أي فتكونُ كل أرضٍ في تلك الحالة طوقاً في عنقه .
وهذا يؤيده الحديث الآخر : " خُسفَ به يوم القيامة إلى سبع أرضين " .
ومن صور الظلم ، التأخيرُ في سداد الديون ، مع القدرة على السداد .
قال صلى الله عليه وسلم : مطل الغني ظلم . رواه البخاري .
اللهم لاتجعلنا من الظالمين يارب العالمين ..
---
الحمد لله ..
عباد الله ..
ألا فليتذكر كلَّ من ظلم قولَ الله تعالى ( ألا لعنة الله على الظالمين ) .
وليعلمُ الظالمُ أن دعوةَ المظلومِ مستجابة .
قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ ( واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) . رواه البخاري .
وفي الحديث القدسي ( يقول تعالى في المظلوم ، وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ) .
أيها الظالم انتبه فقد قال صلى الله عليه وسلم : اتقوا الظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة . رواه البخاري .
قيل في معنى الحديث : هو على ظاهره فيكون ظلماتٌ على صاحبه لا يهتدي يومَ القيامةِ بسبب ظلمهِ في الدنيا .
كما أن المؤمن يسعى بنور إيمانهِ يوم القيامة .
ويحتملُ أن يرادَ بالظلمات هنا الشدائد التي ستكون يوم القيامة .
وختاماً ، أقول لكل من يعرفُ من ظلم ، انصح أخاك ، ولاتتفرج عليه وهو يظلم .
واعلم أن هذا من نصرتك له كما في الحديث : انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً .
قالوا : يا رسول الله ، هذا ننصره مظلوماً ، فكيف ننصره ظالماً ؟ قال : تأخذ فوق يديه . أي تمنعه من الظلم . رواه البخاري .
اللهم اجعلنا من أهل العدل مع كل الناس وفي كل شيء .
اللهم جنبنا الظلم في كل شيء .
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لايهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لايصرف عنا سيئها إلا أنت .
اللهم انصر من نصر الدين ، واخذل من خذل الدين .
اللهم وفقنا لطاعتك وباعد بيننا وبين معاصيك .
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .