۞حتى لا تكوني هاجرة للقرآن الكريم اقرئي هذا الورد اليسر الأعراف85:95
۞حتى لا تكوني هاجرة للقرآن الكريم اقرئي هذا الورد اليسر
الأعراف85:95
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ( 85 - 93 ) إلى آخر القصة .
أي: ( و ) أرسلنا إلى القبيلة المعروفة بمدين ( أَخَاهُمْ ) في النسب ( شُعَيْبًا ) يدعوهم إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، ويأمرهم بإيفاء المكيال والميزان، وأن لا يبخسوا الناس أشياءهم، وأن لا يعثوا في الأرض مفسدين، بالإكثار من عمل المعاصي، ولهذا قال: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فإن ترك المعاصي امتثالا لأمر اللّه وتقربا إليه خير، وأنفع للعبد من ارتكابها الموجب لسخط الجبار، وعذاب النار.
وَلا تَقْعُدُوا للناس بِكُلِّ صِرَاطٍ أي: طريق من الطرق التي يكثر سلوكها، تحذرون الناس منها و تُوعِدُونَ من سلكها وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ من أراد الاهتداء به وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا أي: تبغون سبيل اللّه تكون معوجة، وتميلونها اتباعا لأهوائكم، وقد كان الواجب عليكم وعلى غيركم الاحترام والتعظيم للسبيل التي نصبها اللّه لعباده ليسلكوها إلى مرضاته ودار كرامته، ورحمهم بها أعظم رحمة، وتصدون لنصرتها والدعوة إليها والذب عنها، لا أن تكونوا أنتم قطاع طريقها، الصادين الناس عنها، فإن هذا كفر لنعمة اللّه ومحادة للّه، وجعل أقوم الطرق وأعدلها مائلة، وتشنعون على من سلكها.
وَاذْكُرُوا نعمة اللّه عليكم إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ أي: نماكم بما أنعم عليكم من الزوجات والنسل، والصحة، وأنه ما ابتلاكم بوباء أو أمراض من الأمراض المقللة لكم، ولا سلط عليكم عدوا يجتاحكم ولا فرقكم في الأرض، بل أنعم عليكم باجتماعكم، وإدرار الأرزاق وكثرة النسل.
وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ فإنكم لا تجدون في جموعهم إلا الشتات، ولا في ربوعهم إلا الوحشة والانبتات ولم يورثوا ذكرا حسنا، بل أتبعوا في هذه الدنيا لعنة، ويوم القيامة أشد خزيا وفضيحة.
وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا وهم الجمهور منهم. فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ فينصر المحق، ويوقع العقوبة على المبطل.
( قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ) أي: الرؤساء والأشراف الذين تكبروا عن الحق، ( لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ) ولما كان المستضعفون ليسوا كلهم مؤمنين، قالوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ أي: أهو صادق أم كاذب؟.
فقال المستضعفون: إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ من توحيد اللّه والخبر عنه وأمره ونهيه.
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ حملهم الكبر أن لا ينقادوا للحق الذي انقاد له الضعفاء.
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ التي توعدهم إن مسوها بسوء أن يصيبهم عذاب أليم، وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ أي: قسوا عنه، واستكبروا عن أمره الذي من عتا عنه أذاقه العذاب الشديد. لا جرم أحل اللّه بهم من النكال ما لم يحل بغيرهم وَقَالُوا مع هذه الأفعال متجرئين على اللّه، معجزين له، غير مبالين بما فعلوا، بل مفتخرين بها: يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا - إن كنت من الصادقين - من العذاب فقال: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ .
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ على ركبهم، قد أبادهم اللّه، وقطع دابرهم.
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ صالح عليه السلام حين أحل اللّه بهم العذاب، وَقَالَ مخاطبا لهم توبيخا وعتابا بعدما أهلكهم اللّه: يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ أي: جميع ما أرسلني اللّه به إليكم، قد أبلغتكم به وحرصت على هدايتكم، واجتهدت في سلوككم الصراط المستقيم والدين القويم. وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ بل رددتم قول النصحاء، وأطعتم كل شيطان رجيم.
واعلم أن كثيرا من المفسرين يذكرون في هذه القصة أن الناقة قد خرجت من صخرة صماء ملساء اقترحوها على صالح وأنها تمخضت تمخض الحامل فخرجت الناقة وهم ينظرون وأن لها فصيلا حين عقروها رغى ثلاث رغيات وانفلق له الجبل ودخل فيه وأن صالحا عليه السلام قال لهم: آية نزول العذاب بكم، أن تصبحوا في اليوم الأول من الأيام الثلاثة ووجوهكم مصفرة، واليوم الثاني: محمرة، والثالث: مسودة، فكان كما قال.
وكل هذا من الإسرائيليات التي لا ينبغي نقلها في تفسير كتاب اللّه، وليس في القرآن ما يدل على شيء منها بوجه من الوجوه، بل لو كانت صحيحة لذكرها اللّه تعالى، لأن فيها من العجائب والعبر والآيات ما لا يهمله تعالى ويدع ذكره، حتى يأتي من طريق من لا يوثق بنقله، بل القرآن يكذب بعض هذه المذكورات، فإن صالحا قال لهم: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ أي: تنعموا وتلذذوا بهذا الوقت القصير جدا، فإنه ليس لكم من المتاع واللذة سوى هذا، وأي لذة وتمتع لمن وعدهم نبيهم وقوع العذاب، وذكر لهم وقوع مقدماته، فوقعت يوما فيوما، على وجه يعمهم ويشملهم [ احمرار وجوههم، واصفرارها واسودادها من العذاب ]
هل هذا إلا مناقض للقرآن، ومضاد له؟. فالقرآن فيه الكفاية والهداية عن ما سواه.
نعم لو صح شيء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مما لا يناقض كتاب اللّه، فعلى الرأس والعين، وهو مما أمر القرآن باتباعه ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) وقد تقدم أنه لا يجوز تفسير كتاب اللّه بالأخبار الإسرائيلية، ولو على تجويز الرواية عنهم بالأمور التي لا يجزم بكذبها، فإن معاني كتاب اللّه يقينية، وتلك أمور لا تصدق ولا تكذب، فلا يمكن اتفاقهما.
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ( 80 - 84 ) إلى آخر القصة .
أي: ( و ) اذكر عبدنا ( لُوطًا ) عليه الصلاة والسلام، إذ أرسلناه إلى قومه يأمرهم بعبادة اللّه وحده، وينهاهم عن الفاحشة التي ما سبقهم بها أحد من العالمين، فقال: ( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ) أي: الخصلة التي بلغت - في العظم والشناعة - إلى أن استغرقت أنواع الفحش، ( مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ) فكونها فاحشة من أشنع الأشياء، وكونهم ابتدعوها وابتكروها، وسنوها لمن بعدهم، من أشنع ما يكون أيضا.
ثم بينها بقوله: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ أي: كيف تذرون النساء اللاتي خلقهن اللّه لكم، وفيهن المستمتع الموافق للشهوة والفطرة، وتقبلون على أدبار الرجال، التي هي غاية ما يكون في الشناعة والخبث، ومحل تخرج منه الأنتان والأخباث، التي يستحيي من ذكرها فضلا عن ملامستها وقربها، بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ أي: متجاوزون لما حده اللّه متجرئون على محارمه.
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ( 85 - 93 ) إلى آخر القصة .
أي: ( و ) أرسلنا إلى القبيلة المعروفة بمدين ( أَخَاهُمْ ) في النسب ( شُعَيْبًا ) يدعوهم إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، ويأمرهم بإيفاء المكيال والميزان، وأن لا يبخسوا الناس أشياءهم، وأن لا يعثوا في الأرض مفسدين، بالإكثار من عمل المعاصي، ولهذا قال: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فإن ترك المعاصي امتثالا لأمر اللّه وتقربا إليه خير، وأنفع للعبد من ارتكابها الموجب لسخط الجبار، وعذاب النار.
وَلا تَقْعُدُوا للناس بِكُلِّ صِرَاطٍ أي: طريق من الطرق التي يكثر سلوكها، تحذرون الناس منها و تُوعِدُونَ من سلكها وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ من أراد الاهتداء به وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا أي: تبغون سبيل اللّه تكون معوجة، وتميلونها اتباعا لأهوائكم، وقد كان الواجب عليكم وعلى غيركم الاحترام والتعظيم للسبيل التي نصبها اللّه لعباده ليسلكوها إلى مرضاته ودار كرامته، ورحمهم بها أعظم رحمة، وتصدون لنصرتها والدعوة إليها والذب عنها، لا أن تكونوا أنتم قطاع طريقها، الصادين الناس عنها، فإن هذا كفر لنعمة اللّه ومحادة للّه، وجعل أقوم الطرق وأعدلها مائلة، وتشنعون على من سلكها.
وَاذْكُرُوا نعمة اللّه عليكم إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ أي: نماكم بما أنعم عليكم من الزوجات والنسل، والصحة، وأنه ما ابتلاكم بوباء أو أمراض من الأمراض المقللة لكم، ولا سلط عليكم عدوا يجتاحكم ولا فرقكم في الأرض، بل أنعم عليكم باجتماعكم، وإدرار الأرزاق وكثرة النسل.
وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ فإنكم لا تجدون في جموعهم إلا الشتات، ولا في ربوعهم إلا الوحشة والانبتات ولم يورثوا ذكرا حسنا، بل أتبعوا في هذه الدنيا لعنة، ويوم القيامة أشد خزيا وفضيحة.
وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا وهم الجمهور منهم. فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ فينصر المحق، ويوقع العقوبة على المبطل.
قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ وهم الأشراف والكبراء منهم الذين اتبعوا أهواءهم ولهوا بلذاتهم، فلما أتاهم الحق ورأوه غير موافق لأهوائهم الرديئة، ردوه واستكبروا عنه، فقالوا لنبيهم شعيب ومن معه من المؤمنين المستضعفين: لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا استعملوا قوتهم السبعية، في مقابلة الحق، ولم يراعوا دينا ولا ذمة ولا حقا، وإنما راعوا واتبعوا أهواءهم وعقولهم السفيهة التي دلتهم على هذا القول الفاسد، فقالوا: إما أن ترجع أنت ومن معك إلى ديننا أو لنخرجنكم من قريتنا.
فـ ( شعيب ) عليه الصلاة والسلام كان يدعوهم طامعا في إيمانهم، والآن لم يسلم من شرهم، حتى توعدوه إن لم يتابعهم - بالجلاء عن وطنه، الذي هو ومن معه أحق به منهم.
فـ قَالَ لهم شعيب عليه الصلاة والسلام متعجبا من قولهم: أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ أي: أنتابعكم على دينكم وملتكم الباطلة، ولو كنا كارهين لها لعلمنا ببطلانها، فإنما يدعى إليها من له نوع رغبة فيها، أما من يعلن بالنهي عنها، والتشنيع على من اتبعها فكيف يدعى إليها؟
قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا أي: اشهدوا علينا أننا إن عدنا إليها بعد ما نجانا اللّه منها وأنقذنا من شرها، أننا كاذبون مفترون على اللّه الكذب، فإننا نعلم أنه لا أعظم افتراء ممن جعل للّه شريكا، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يتخذ ولدا ولا صاحبة، ولا شريكا في الملك.
وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا أي: يمتنع على مثلنا أن نعود فيها، فإن هذا من المحال، فآيسهم عليه الصلاة والسلام من كونه يوافقهم من وجوه متعددة، من جهة أنهم كارهون لها مبغضون لما هم عليه من الشرك. ومن جهة أنه جعل ما هم عليه كذبا، وأشهدهم أنه إن اتبعهم ومن معه فإنهم كاذبون.
ومنها: اعترافهم بمنة اللّه عليهم إذ أنقذهم اللّه منها.
ومنها: أن عودهم فيها - بعد ما هداهم اللّه - من المحالات، بالنظر إلى حالتهم الراهنة، وما في قلوبهم من تعظيم اللّه تعالى والاعتراف له بالعبودية، وأنه الإله وحده الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له، وأن آلهة المشركين أبطل الباطل، وأمحل المحال.
وحيث إن اللّه منَّ عليهم بعقول يعرفون بها الحق والباطل، والهدى والضلال.
وأما من حيث النظر إلى مشيئة اللّه وإرادته النافذة في خلقه، التي لا خروج لأحد عنها، ولو تواترت الأسباب وتوافقت القوى، فإنهم لا يحكمون على أنفسهم أنهم سيفعلون شيئا أو يتركونه، ولهذا استثنى وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا أي: فلا يمكننا ولا غيرنا، الخروج عن مشيئته التابعة لعلمه وحكمته، وقد وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا فيعلم ما يصلح للعباد وما يدبرهم عليه. عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا أي: اعتمدنا أنه سيثبتنا على الصراط المستقيم، وأن يعصمنا من جميع طرق الجحيم، فإن من توكل على اللّه، كفاه، ويسر له أمر دينه ودنياه.
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ أي: انصر المظلوم، وصاحب الحق، على الظالم المعاند للحق وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ وفتحه تعالى لعباده نوعان: فتح العلم، بتبيين الحق من الباطل، والهدى من الضلال، ومن هو من المستقيمين على الصراط، ممن هو منحرف عنه.
والنوع الثاني: فتحه بالجزاء وإيقاع العقوبة على الظالمين، والنجاة والإكرام للصالحين، فسألوا اللّه أن يفتح بينهم وبين قومهم بالحق والعدل، وأن يريهم من آياته وعبره ما يكون فاصلا بين الفريقين.
وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ محذرين عن اتباع شعيب، لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ هذا ما سولت لهم أنفسهم أن الخسارة والشقاء في اتباع الرشد والهدى، ولم يدروا أن الخسارة كل الخسارة في لزوم ما هم عليه من الضلال والإضلال، وقد علموا ذلك حين وقع بهم النكال.
قال تعالى ناعيا حالهم الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أي: كأنهم ما أقاموا في ديارهم، وكأنهم ما تمتعوا في عرصاتها، ولا تفيئوا في ظلالها، ولا غنوا في مسارح أنهارها، ولا أكلوا من ثمار أشجارها، حين فاجأهم العذاب، فنقلهم من مورد اللهو واللعب واللذات، إلى مستقر الحزن والشقاء والعقاب والدركات ولهذا قال: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ أي: الخسار محصور فيهم، لأنهم خسروا دينهم وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين، لا من قالوا لهم: ( لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ) .
فحين هلكوا تولى عنهم نبيهم شعيب عليه الصلاة والسلام وَقَالَ معاتبا وموبخا ومخاطبا بعد موتهم: يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي أي: أوصلتها إليكم، وبينتها حتى بلغت منكم أقصى ما يمكن أن تصل إليه، وخالطت أفئدتكم وَنَصَحْتُ لَكُمْ فلم تقبلوا نصحي، ولا انقدتم لإرشادي، بل فسقتم وطغيتم.
فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ أي: فكيف أحزن على قوم لا خير فيهم، أتاهم الخير فردوه ولم يقبلوه ولا يليق بهم إلا الشر، فهؤلاء غير حقيقين أن يحزن عليهم، بل يفرح بإهلاكهم ومحقهم. فعياذا بك اللهم من الخزي والفضيحة، وأي: شقاء وعقوبة أبلغ من أن يصلوا إلى حالة يتبرأ منهم أنصح الخلق لهم؟.
يقول تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ ) يدعوهم إلى عبادة اللّه، وينهاهم عن ما هم فيه من الشر، فلم ينقادوا له: إلا ابتلاهم الله ( بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ) أي: بالفقر والمرض وأنواع البلايا ( لَعَلَّهُمْ ) إذا أصابتهم، أخضعت نفوسهم فتضرعوا إلى الله واستكانوا للحق.
( ثُمَّ ) إذا لم يفد فيهم، واستمر استكبارهم، وازداد طغيانهم.
( بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ ) فَأدَرَّ عليهم الأرزاق، وعافى أبدانهم، ورفع عنهم البلاء ( حَتَّى عَفَوْا ) أي: كثروا، وكثرت أرزاقهم وانبسطوا في نعمة اللّه وفضله، ونسوا ما مر عليهم من البلاء. ( وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ ) أي: هذه عادة جارية لم تزل موجودة في الأولين واللاحقين، تارة يكونون في سراء وتارة في ضراء، وتارة في فرح، ومرة في ترح، على حسب تقلبات الزمان وتداول الأيام، وحسبوا أنها ليست للموعظة والتذكير، ولا للاستدراج والنكير حتى إذا اغتبطوا، وفرحوا بما أوتوا، وكانت الدنيا، أسر ما كانت إليهم، أخذناهم بالعذاب ( بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) أي: لا يخطر لهم الهلاك على بال، وظنوا أنهم قادرون على ما آتاهم اللّه، وأنهم غير زائلين ولا منتقلين عنه.