أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل



https://3dlat.com/showthread.php?t=387580
897 1
#1

افتراضي ما هي السماء



ما هي السماء


ما هي السماء
ما هي السماء

سيعجب أكثر القراء ويقولون: ارفع رأسك في النهار ترَ فوقك بحرًا أزرق، ما لأوله بداية، ولا لآخره نهاية، فإن كان الليل صار ملاءة سوداء، لا يدرك البصر طرفيها، قد طُرِّزت بلآلئ مضيئة، تلمع مثل النجوم، هذه هي السماء، فهل يجهل أحد السماء حتى يسأل ما هي السماء.

ما هذا السقف الأزرق إلا الهواء،
_ولما أطلق الروس أول مركبة اخترقته زُلزلت عقول كنا نحسبها أثبت من الجبال، وخفَّت أحلام كانت أثقل من الرواسي، وكاد أقوام يكفرون بعد إيمانهم، فحسبوا- جهلًا منهم- أنهم شاركوا الله في ملكه بما وصلوا إليه من العلم، وأنهم سيروا في الفضاء قمرًا آخر مثل القمر.

_كنت أذيع يومئذ أحاديث دائمة من إذاعة دمشق، فقلت معلقًا على هذا الخبر:
إنما مثلكم ومثل قمركم كجماعة من النمل كانت في قريتها في يوم عاصف، فحملت نملة منها قطعة من القش، ثم أفلتتها فحملتها الريح مسافة عشرة أمتار، فظنت النملة أنها صارت من الآلهة.

_ولا إله إلا الله، وجاء بعد ذلك من يكتب أن العلم انتصر على الطبيعة وقهرها، فأذعت حديثًا آخر قلت فيه: إنَّ القشة ما طارت إلا بالقانون الطبيعي الذي طبع الله الكون عليه، وما يستطيع أحد أن يقهر الطبيعة، وإن قال ذلك سفاهة وجهلًا.

وقد نبَّهنا الله إلى ذلك في القرآن، ولكن مَن يتنبَّه؟!

_ألم تقرءوا خبر {الذي حاجَّ إبراهيم في ربِّه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحي وأميت} ،

_أي أنه يأتي برجل حُكم عليه بالقتل، فيعفو عنه فيحييه، ويعمد إلى آخر فيقتله فيميته، على أنَّه ما أحيا ولا أمات إلا بالسنن التي سنَّها الله، والقوانين الطبيعية التي طبع الله الكون عليها،

_فلما طلب إبراهيم شيئًا يخرج على هذه القوانين، فقال له: {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب}

_ماذا كان جوابه {فبهت الذي كفر}!!!

ولقد قلت منذ سنين في بعض أحاديثي على مائدة الإفطار في رمضان:

_إنَّ لكل عصر وثنية، وإنَّ وثنية هذا العصر هي المبالغة في تقدير العلم وتقديسه، وجعله ندًّا للدين.
_وما العلم؟
العلوم الطبيعية عند أهلها هي:
الوصول إلى معرفة قانون الله بالمشاهدة، ثم بالتجربة، ثم بالمعرفة.

_مراحل لابد منها، نيوتن مثلًا شاهد شيئًا يسقط، فراقبه ولاحظه وفكر فيه، ثم فرض فرضية وجاء بنظرية، ثم أراد أن يختبر صحة هذه النظرية من بطلانها، وصوابها من خطئها، فعمد إلى التجربة،
_فإذا اتحدت الظروف، ولو اختلفت البلدان، ثم كانت النتيجة واحدة- فذلك القانون الطبيعي .

_وإذا قلت (الطبيعي) فلست أعني هذه المقالة الحمقاء التي كان يقول بها السفهاء والسخفاء
_من أن الطبيعة هي التي خلقت، وهي التي صنعت، وهي التي عملت!!!!
بل أعني بقول (الطبيعي) أنَّه ليس من عمل البشر، وإلا فما الطبيعة؟ إنَّ لفظة فعيلة بمعنى مفعولة، أي أشياء مطبوعة، وكل مطبوع لا بد له من طابع، وقد بطلت الآن هذه المقالة، وانصرف العلماء الكبار عنها، وعادوا إلى إدراك الحقيقة الكبرى، وهي الإيمان بأنَّ لهذا الكون خالقًا حكيمًا قادرًا سميعًا بصيرًا، واقرءوا إن شئتم كتاب (العلم يدعو إلى الإيمان) وكتاب (الطب محراب الإيمان) والكتب الكثيرة التي أُلِّفت في موضوعه ومعناه.

هذا هو العلم، ثم إنَّنا لم نُؤتَ منه إلا قليلًا، عرفنا قانون الجاذبية، ولكن ما هي الجاذبية؟ ما ماهيتها؟ وعرفنا الكهرباء وقوانينها وظواهرها، وجعلناها علمًا يُدرس في المدارس والجامعات، وألَّفنا فيها كتبًا ومجلدات، ولكن هل عرف أحد ماهية الكهرباء ... {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} إنَّ البشر إنَّما يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا، أمَّا الحقائق والماهيات فلم يصل إليها علمهم...

إنَّ الأرض ذرة صغيرة، فما الذي عرفناه من خبر هذا الفضاء؟ عرفنا بعلومنا ما يعرفه أطفال يلعبون على شاطئ البحر المحيط، جمعوا قليلًا من الأصداف الملونة، ووضعوا أيديهم على ما في البحر...

وهذه القوانين الطبيعية هل تنفذ هي نفسها في العوالم البعيدة عنا، التي لا نعرف إلا لمحة عنها، أم هي قاصرة على عالمنا الأرضي وما يقاربه؟
لذا رجعت أفكر في خلق السموات والأرض فلم أجد عند البشر علمًا منه، إنَّ الله ما أطلعهم إلا على طرف من أطراف هذا الفضاء ...

ما هي السماء


فما السماء؟
السماء في لغة العرب كل ما علاك فأظلك، أما المقرر في العلم فهو أن الشمس والقمر يسبحان في الفضاء، وهذا أمر قد صرح به القرآن فقال: {وكل في فلك يسبحون} وأن الشمس والقمر على بعدها عنا يصل نورها إلينا في نحو ثمان دقائق؛ لأنَّ النور يقطع في مسيرة ثلاثمائة ألف كيل (كيلو متر) في الثانية، أي أنها تبعد عنا ثمان دقائق بالزمن الضوئي، والقمر يبعد عنا ثانية وثلث الثانية بهذا الزمن، فلو أننا استطعنا أن نصنع مركبة تسير بسرعة الضوء (وهي أقصى سرعة ممكنة، فإن زادت السرعة على ذلك ذهب الجسم، كما يقول آينشتاين، وتحول طاقة) لبلغنا القمر في ثانية وثلث الثانية، ولوصلنا إلى الشمس في ثمان دقائق.

وأنَّ هذه الأجرام التي تظهر لنا نقطة في الفضاء في الليلة الظلماء (وقد لا تظهر لنا أبدًا) منها ما يبعد عنا ألف ألف (أي مليونًا) من السنين بالزمن الضوئي، ومنها ما يبعد عنا مائة مليون وألف مليون سنة وأكثر، فاحسبوا كم ثمان دقائق في هذه المدة التي تبلغ ألف مليون؛ لتتصوروا كم هي أبعد من الشمس.

أما كبرها فنحن نعلم أن القمر أصغر من أرضنا، والأرض لا تعدُّ شيئًا إلى جنب الشمس، ومن النجوم العملاقة ما لو أن الشمس ألقيت فيه هي وسياراتها، لكانت بالنسبة إليه كحبة رمل أُلقيت في بوادي نجد، أو كقطرة ماء قطرت في البحر المحيط.
وهذه النجوم والأجرام على ضخامتها كثيرة لا تحصى، يزيد عددها على ملايين الملايين، وتسير بسرعة مهولة، ومع ذلك لا تصطدم إلا إذا اصطدمت ست نحلات تطير وحدها حول الأرض؛ لأن الفضاء واسع واسع كسعة جو الأرض بالنسبة إلى النحلات، كما يقول مؤلف كتاب (النجوم في مسالكها).
فأين مكان السماء من هذا الفضاء؟
الله خبَّرنا أنَّ السماء ليست حدودًا وهمية، بل هي جرم حقيقي؛ لأنَّه سماها بناء، وقال: {بنيناها} {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها} ... وقال: {الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها} ووصفها بأنها سقف لهذا العالم، فقال: {وجعلنا السماء سقفا} . وقال: {والسقف المرفوع} وجعل لها أبوابًا تُفتح وتُغلق، فقال: {ففتحنا أبواب السماء} . و {لا تفتح لهم أبواب السماء} ونفى أن يكون فيها منافذ غير هذه الأبواب، فقال: {وما لها من فروج} وأن السماء تفتح يوم القيامة، {وفتحت السماء} وأنها تنشق، {فإذا السماء انشقت} وتنفطر وتكشط، وبينت النصوص أنَّ السموات سبع {فسواهن سبع سموات} ... وأن الله قد جعلها طباقا قال: {سبع سموات طباقًا} .

فليست السموات خطوطًا وهمية هي مدارات الكواكب ،كما ذهب إلى ذلك جماعة من الفضلاء، أخطؤوا وما أصابوا، وليست السماء حاجزًا متصورًا، بل هي كما وصفها ربنا بناء، إنها مادة محيطة بهذا الفضاء وما فيه، ولها أبواب تفتح وتغلق، وعليها حرس، وإذا جاء الموعد تطوى السماء كطي السجل للكتب .

ثم إنَّ الله عزَّ وجلَّ بعد أن وصف السماء بأنها بناء، وأنها سقف مرفوع أكمل الصورة، فجعل لهذا السقف مصابيح، فقال: {وزينا السماء الدنيا بمصابيح} ، وصرَّح بأنَّ هذه المصابيح هي الكواكب. {بزينة الكواكب} فدلَّ على أنَّ الكواكب تحت السماء الدنيا؛ لأن المصابيح لا تكون إلا تحت السقف.

والذي تبين لي من هذا كلِّه؛ من نصوص الكتاب المبين، ومن مقررات علماء الفلك أنَّ الشمس وتوابعها (وهن الأرض وأخواتها)، وهذه النجوم والأجرام التي لا يحصي عددها- تسبح في فضاء عظيم، وهذا الفضاء تحيط به كله كرة هائلة، وهذه الكرة هي السماء الدنيا، وهذا العالم بأرضه وشمسه وأجرامه جميعًا في وسطها.

ولهذه الكرة سمك، الله أعلم بمقداره، قال تعالى: {رفع سمكها فسواها} وهي في فضاء لعله مثل هذا الفضاء أو أصغر أو أكبر، وحوله كرة أخرى لها سمك هي السماء الثانية ثم فضاء ثم كرة ... وهكذا إلى السماء السابعة، وبغير هذه الصورة لا تكون السموات طباقًا، لا تكون طباقًا إلا إن انطبقت كلُّ نقطة فيها على التي تقابلها من الأخرى.

وبعد السماء السابعة مخلوقات يستحيل على العقل أن يتخيلها أو يتصورها، منها الكرسي {وسع كرسيه السموات والأرض} ثم العرش {وهو رب العرش العظيم} وسدرة المنتهى، وما عبر الله عنه بما لم تره إلا عين بشرية واحدة أكرم الله صاحبها، فأراه هذه الآية الكبرى ليلة المعراج، هي عين نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذه كلها عظمة المخلوق فما بالكم بعظمة الخالق، لا إله إلا هو تعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا...
ما هي السماء


وإذا كان علماء الفلك يقولون بأنَّ من النجوم والمجرات ما يسير الضوء الصادر عنه في الفضاء من أول الزمان، ولم يصل إلينا إلى الآن، فمعنى ذلك أننا لو اخترعنا مركبة فضائية تسير بسرعة الضوء، ولو ركبنا فيها يوم وُلد نوح، وسرنا من ذلك الوقت إلى اليوم- لا نكون قد قطعنا من طريق السماء الدنيا إلا كما تقطع النملة التي تمشي دقيقة واحدة من هنا إلى أميركا.

وأنا حين أنتهي إلى هذه الصورة، وأرى أن عالمنا كله بأجرامه وفضائه محبوس في وسط الكرة الصغرى التي هي السماء الدنيا أجد ذهني ينتقل إلى الجنين المحبوس في بطن أمه هذا الجنين لو استطعت أن تسأله، واستطاع أن يجيبك، وقلت له: ما هي الدنيا؟ لقال لك: الدنيا هي هذا البطن وهذه الأغشية. فلو خبرته أن ها هنا دنيا أكبر، عالمًا فيه برٌّ وبحر وسهل وجبل ومدن كبار، وأن دارًا واحدة من دور هذه المدن أكبر من دنياه هو بملايين المرات- لم يستطع أن يفهم ما تقول أو أن يتصوره، وكذلك نحن حين نسمع أنَّ الجنة عرضها كعرض السموات والأرض، وأن قصرًا واحدًا من قصورها أكبر من هذه الأرض كلها.

إنَّ نسبة ملك الله إلى هذا الفضاء الذي فيه الكواكب والنجوم والمجرات كنسبة هذا الفضاء إلى بطن الأم بل هو أكبر، فسبحان الله! لا إله إلا الله، وما أحمق من لا يؤمن بالله.

والله الذي خلق هذه المخلوقات التي يعجز العقل عن تصور مدى كبرها، خلق أخرى يعجز عن تخيل مدى صغرها، ففي الذرة التي لا تراها العين شبه هذه الفضاء، فيها قريب مما فيه من الأجرام الدقيقة التي تمشي على نظام قدَّره رب العالمين، يدور بعضها من حول بعض، تتقارب وتتباعد، وتختلف وتأتلف، على قانون محكم وضعه رب العالمين، وفي الخلية الحية وما كشفوه فيها من المورِّثات التي تنقل بعض الطبائع والسمات من الآباء إلى الأبناء آية أخرى.
وفي كل شيء له آية ولكن الناس في غفلة عن ذكر الله {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه} {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله}.
----------------------------------------------------------------------
اختيار موقع الدرر السنية :
علي الطنطاوي (ت 1420هـ - 1999 م)
نشر عام (1987م)




المصدر: فصول في الثقافة والأدب للشيخ علي الطنطاوي، جمع وترتيب مجاهد مأمون - دار المنارة، ط1، 2007هـ (ص 126) بتصرف
ما هي السماء



إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله
#2

افتراضي رد: ما هي السماء

جزاكي الله خيرا


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
ترتيب أوائل المخلوقات المذكورة في الشرع وكيف تعرج الملائكة إلى السماء زهره التحرير المنتدي الاسلامي العام
تشقق السماء يوم القيامة.الدلائل على انشقاق السماء يوم القيامة.الانشقاق بين اللغة والشرع ام مالك وميرنا العقيدة الإسلامية
تشقق السماء يوم القيامة ضــي القمــر المنتدي الاسلامي العام
السماء والسموات فى القرآن, الدلالات للسماء والسموات فى القرآن ريموووو المنتدي الاسلامي العام
اوقات تفتح فيها ابواب السماء هبه شلبي المنتدي الاسلامي العام


الساعة الآن 10:14 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل