أطفالنا والقنوات الفضائية،تحذير: أفلام الكرتون تدمر حياة أطفالنا الأفلام الكرتونية وخطورتها على مستقبل أطفالنا
كثر الحديث مؤخراً عن تأثير قنوات الأطفال الفضائية في إصابتهم بأمراض نفسية، ولم يخل طرح القضية من مبالغات لا تنبني على أساس علمي تجريبي، سواء من اتهم الفضائيات بالمسؤولية المباشرة، أو برأها من ذلك، وسنحاول الخروج من تأثير كلا التفسيرين أملاً بطرح علمي غير متحيز لأيهما.
ثمة عناصر لا بد من توافرها لأي باحث يريد الوصول إلى الصواب في هذا الأمر:
أولاً: دراسة أثر المثول أمام الشاشة مثولاً مجرداً دون اتهامات مسبقة ودون تفعيل نظرية المؤامرة ودراسة التأثير الإيجابي والسلبي لهذه القنوات.
ثانياً: دراسة الأثر المتفاوت على مختلف الأعمار في سن الطفولة المتقدمة وسن المراهقة.
ثالثاً: دراسة التأثير على المهارات الفردية والتحصيل الدراسي والانتباه والوعي الإدراكي.
ومن المفترض أن تخضع لهذه الدراسة أعداد كافية من الأطفال من عينات مختلفة تضم مختلف أنماط البيئة العربية بمختلف شعوبها.
إن مثل هذه الدراسة وهذه المواصفات سالفة الذكر لم تتحقق في دراسة نفسية شاملة، برغم خطورة الأمر وتفشي الظواهر التي يُعتقد أنها من آثاره، وحتى يمن الله علينا بمن يقوم بهذه الدراسة الوافية، لا نملك سوى الاحتراز لأبنائنا بما توفر من بيانات مبدئية، ونماذج واضحة، فالعملية التربوية لن تتوقف إلى حين إجراء الدراسات المتعمقة.
على من تقع المسؤولية؟.
تتداخل ثلاث دوائر من المسؤولية عما يتم تقديمه إعلامياً لأبنائنا:
• خط الدفاع الأول عن أطفالنا والرسالة الإعلامية الموجهة هو الحكومات التي تقع على عاتقها مسؤوليات تطهير وتنقية وفلترة المواد الإعلامية وشبكات الإنترنت من المشاهد التي تفسد المجتمع، بمن فيه الأطفال.
• خط الدفاع الثاني هو المجتمع الذي يسد خلل الحكومات ويطالب بما يراه صحيحاً ويتواصى أفراده بالحق والخير، وينبري من أفراده من يضع الحلول للأزمات.
• خط الدفاع الأخير والمسؤولية القريبة المباشرة هي مسؤولية الأسرة التي تراقب سلوك الطفل وتحدد ما يناسبه وما لا يناسبه، والأسرة تملك سلطة المنع المباشر والفوري بمحاولة إيجاد البدائل المسلية للأطفال ولا يكون هذا مطلباً مفروضاً على هذه الأسرة أو تلك ولكنه متعلق بالقدرة المادية لهذه الأسرة.
وفي هذا المقام نتحدث عن خط الدفاع الأخير، فهو ما نملك التحدث عنه لما له من فاعلية وتأثير، ومن الممكن أن يجبر كسر الخطين الأول والثاني.
الطفل في مأمن من أي تغيرات سلوكية سيئة ما دام في أحضان أسرة تتمتع بغطاء عاطفي يستظل به جميع أفرادها، من خلال ذلك يمكننا الإشارة إلى إمكانية وجود هذا الغطاء بشكل فعلي في الموروث الثقافي والاجتماعي.
العاطفة مدخل الفضائيات إلى الطفل:
في حالة عدم وجود الغطاء العاطفي الأسري واحتواء مشاعر الطفل المتقلبة تتجه حاجات الأطفال في سن التعلم (من عمر 18 شهراً حتى 7 سنوات) للبحث عن إشباع عاطفي من نوع ما لتعويض هذا الذي تتسبب في فقده هذه الأنواع من الأسر المشار إليها.
والطفل في هذه الحالة لا ينتقي نوعاً محدداً من هذا الإشباع ولا يفرق بين غثه وثمينه بل يتجه إلى الاغتراف من بحر العواطف دون التمييز بين غثه وثمينه، ولا الإيجابي منه أو السلبي، وذلك لأنه ليس لديه مهارة الاختيار التي أفقده إياها بالفعل هاذان النوعان من الأسر.
لا بد أن يحصل الطفل على الكفاية والإشباع العاطفي داخل الأسرة حتى لا يلتمس ذلك الإشباع خارج نطاق الأسرة، خاصة عندما يكون الطفل بنتاً، لأنها بحاجة إلى جرعة مضاعفة من العاطفة والمشاعر الحانية من الأب قبل الأم.
ونظراً لكون الطفل يكون متعطشاً للعاطفة مقبلاً على ملء الفراغ العاطفي الناتج عن غفلة وانشغال الوالدين، مدفوعاً بالحاجات النفسية، فإنه يقبل بشغف على مشاهدة نوعية معينة من مسلسلات الكارتون.
المربون الجدد:
الولاء العاطفي الذي يبديه الطفل لـ«المربين الجدد» يفسر عجز المربين أحياناً عن مقاومة السلوكيات أو الألفاظ التي اكتسبها الطفل من التلفاز، فهذه المقاومة قد تدفعه إلى التمسك بالمكتسبات الجديدة، ما يشكل خرقاً أخلاقياً في المنظومة التربوية، فثمة مربون آخرون دخلوا على خط المنافسة لينازعونا فلذات أكبادنا.
المربون الجدد يمتلكون من أدوات التأثير ما تعجز الأسرة عن ملاحقته (إثارة، مغامرة، تسلية) حتى إن الوالدان يجدان نفسيهما أمام الطفل في موقع المدافع عن نفسه بلا سلاح.
وحينئذٍ يتحول الطفل إلى فريسة سهلة لا يمكنها مجرد الرفض أو الانصراف، لأنها وقعت أسيرة لأدوات يفتقدها المربون الأساسيون.
من هنا يتوجب على الدولة وأصحاب القرار التدخل لجعل المربين الجدد على قدر المسؤولية، فيقوم على وضع الخطط البرامجية لفضائيات الأطفال أساتذة وخبراء التربية، لتتحول تلك القنوات إلى أدوات لبناء الإنسان.
إشكالية الفرق بين الإيذاء والحماية:
لا يمكن لعاقل أن يقبل الإيذاء لنفسه أو غيره، وكذلك رفض الحماية من الأذى، فهو أمر غير معقول مطلقاً والسؤال هو كيف يمكن قبول الإيذاء ومقاومة الحماية؟ لا يتأتى ذلك إلا في إطار المؤامرة والوقوع تحت طائلة الخداع البارع فهو الذي يسوغ الضار ويقاوم بالطبع سبل الحماية منه. ربما ينطبق ذلك على بعض القنوات التي تبث ساعات طويلة لأطفالنا كل يوم، لاسيما القنوات الأمريكية والغربية المعربة فالطفل قد يقبل كل ما فيها برغم منافاة كثير منها للآداب الإسلامية والتقاليد العربية (قبول الإيذاء).
وعندما تمنع الطفل من مشاهدة مثل هذه القنوات أو بعض حلقاتها يغضب وينفعل (رفض الحماية).
ودور الأسرة هو الحماية مع إقناع الطفل ومحاولة نزول المربي إلى مستوى تفكير الطفل ليدرك الأمر على الحقيقة.
ضوابط الحماية:
لا شك أن هناك قنوات للأطفال تربي وتغرس في الطفل قيم نبيلة، برغم ملاحظات متعددة على أساليب العرض والتكرار المستمر، ومع افتراض وجود القنوات التربوية المهنية، لا بد من تقنين فترات جلوس الطفل أمامها.
فعلى سبيل المثال لا توجد حلقة تعليمية في العالم تزيد عن 45 دقيقة، وهذا أمر مدروس علمياً ومتفق عليه لأن طاقة التركيز والتلقي المتواصل لدى العقل البشري لا تستوعب أكثر من ذلك، وعليه فلا يمكن السماح للطفل بالجلوس لساعات أمام الشاشات بطريقة متواصلة، فيعتاد الكسل والخمول، ويصاب بالبدانة. والبديل هو ممارسة نوع من الألعاب الرياضية المحببة إليه، ولو تطلب الأمر اشتراكاً في نادٍ يكون له فيه صحبة طيبة نافعة.
التأثير السلوكي والانفعالي:
في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى بعض البيانات الإحصائية التي أوردها مركز الأهرام للدراسات، وإن كانت غير مدققة على أعداد وافية من العينات للأطفال والأسر، لكنها لا تخلو من الحقيقة بنسب متفاوتة، وهذه البيانات قد تتفاوت في بعض الأوساط الاجتماعية، وفي أوساط أخرى تكون قريبة من الواقع الاجتماعي.
تشير البيانات إلى أن عدداً من الآباء يرون أن تأثير الفضائيات على أبنائهم يصل إلى 42% بشكل عام من خلال رصد بعض البيانات الإحصائية في نقاط محددة:
• التأثير في النطاق النفسي للطفل 32%.
• فقدان الأجواء الأسرية 50%.
• التقليد وأسلوب المحاكاة 55%.
• التأثر السلوكي 38%.
• التأثر اللغوي بالألفاظ المتكررة بأفلام الكارتون يصل إلى 55%.بالنظر لهذه البيانات نجد أن نسب التأثير عالية جداً، ومستوى التأثير يتحكم في مستوى الخطر، هذه النسب تنازع الأسرة طفلها بشكل واضح في مرحلة عمرية خطرة فترة من سن 18 شهراً حتى 7 سنوات، ومجرد وجود الشريك أمر غير مقبول فما بالنا بأنه شريك خطر.
من هنا يتوجب على الأسرة إيجاد البديل المناسب لحماية الطفل الذي يسهم بوضوح في بناء شخصية الطفل الذي هو وحدة بناء المجتمع.
المسلسلات العائلية:
البعض يمارس على عائلاتنا خدعة يطلق عليها المسلسلات العائلية، بوصف أنه يمكن لجميع أفراد العائلة الاجتماع لمشاهدتها، وبالنظر في ذلك الوصف نجد أن الكثير من تلك المسلسلات - خصوصاً المدبلجة منها - لا ينطبق عليها الوصف المذكور البتة، فلا يكاد يخلو معظمها من قصص حب بين مراهقين ومراهقات من جنسيات وثقافات وأعراف بعيدة عن البيئة العربية تماماً.
والسؤال هنا: هل يصح أن يتحلق الكبار مع أطفالهم أمام تلك المسلسلات؟
على رب الأسرة أن يعلم هذه الحقائق العلمية:
من الحاجات النفسية للإنسان الحاجة إلى الحب والعاطفة والقبول من الآخرين، فإذا كان الواقع المعاش فيه نوع من الخوف والإحباط فإن الفرد يلجأ تلقائياً إلى «الحيل الدفاعية»، لإشباع حاجاته إشباعاً وهمياً، ما يساعد على خفض مستويات التوتر والإحباط الناتج عن العجز الفعلي عن الإشباع.
وفي تلك الأثناء يجد الطفل أو المراهق نفسه أسيراً لأحلام اليقظة ساعات طويلة، يعيش مع بطل المسلسل مستمتعاً بحالة الهروب من الواقع ولو عن طريق الخيال.
وفي الختام يجدر التنويه إلى تجربة عملية قام بها الزميل الدكتور محمد المومني استشاري التوحد وصعوبات التعلم، بالولايات المتحدة، حيث قام بتنحية العلاج بالعقاقير وأدخل عوضاً عنه علاجاً سلوكياً مع تعديلٍ للعادات الغذائية
يتلخص في الآتي:
• تقليل عدد ساعات مراجعيه من أطفال صعوبات التعلم من مشاهدة التلفاز مع توصية الأسرة بنوعية المواد التي يشاهدونها، ومنع تماماً قنوات الأغاني المتكررة على وتيرة واحدة، وكذلك استعمال الأجهزة اللوحية والحاسوب وكافة الألعاب الإلكترونية.
حدد الدكتور المومني لكل ما سبق نصف ساعة يومياً لمدة خمسة أيام أسبوعياً، مع إعطاء يومين إجازة أسبوعياً دون أي شاشات.
• تعديل العادات الغذائية: منع المأكولات التي تحتوي على مواد حافظة ومنع الوجبات السريعة بشكل كامل.
النتيجة: تحسن نحو ١٥% من الأطفال بشكل تام قبل الشروع في أي علاج بالعقاقير لمجرد مراجعة نظامهم الحياتي وتعديل نشاطاتهم اليومية والغذائية.
د. طه حسنين
"نسمع كثيراً الأطفال وهم يقلدون بعض شخصيات أفلام الكرتون وأحيانا يتحدثون ببعض كلماتهم، من وجهة نظرك هل توجد خطورة في مشاهدة الأطفال للكرتون؟ وهل هناك ضرورة للمتابعة؟".. كانت هذه تغريدة للإعلامية السعودية تهاني عطيف، فما هي المخاطر التي تتسبب بها أفلام الكرتون على شخصية الطفل وعقله وسلوكه؟.
"تكمن خطورة أفلام الكرتون الخاصة بالأطفال، أنها تقدم مبرراً أخلاقياً لفعل العنف فيصبح الطفل أسيراً لشخصية البطل الذي يأخذ حقه بأي طريقة"، يقول باسل النيرب، وهو صانع محتوى، على صفحته في موقع "تويتر"، ويضيف في تغريدة أخرى، أنه :"يغيب عن ذهن الكثير من الأهالي أن العنف في الكرتون من أشد المؤثرات على الأطفال فهو منتشر في كل برامج الأطفال على القنوات الفضائية"، بدوره ينبه عقيل المسك في تغريدة على حسابه في "تويتر" إلى الكلمات التي تشكل خطرا على ذهن الطفل، قائلاً :"الكثير من المفردات الدالة على العنف والشدّة كما هي موجودة في بعض أفلام الكرتون، هذه المفردات تشكل خطورة على أذهان أطفالنا".
الخطورة لا تقتصر على تقليد الأطفال للعنف في أفلام الكرتون، بل تمتد إلى تأثيرها على صحتهم العقلية والنفسية، حيث تشير تغريدة مطر الشمري إلى وجود دراسات تربط بين إصابة الأطفال بمرض التوحد وبين مشاهدة التلفزيون وأفلام الكرتون، ويضيف أنه :"عندما يكون الطفل مدمن على مشاهدة أفلام الكرتون، يكون الأهل مبسوطين علشان يفتكون من إزعاج الأطفال"، وهنا يدعو عايد المفضلي الآباء إلى مشاهدة أفلام الكرتون قبل أبنائه، لاختيار ما يناسبهم، مضيفاً :"أفلام الكرتون في كثير من القنوات، ذات سلوك وتربية وتوجيه خطر على دين الطفل".
ويشير تقرير صادر عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، إلى أن أفلام الكرتون تسيطر على قلوب وعقول الأطفال بشكل كبير ومخيف للغاية، مؤكداً أن الأفلام الكرتونية اليوم لم تعد كالسابق تحمل هدف معين وواضح، بسبب بعدها حاليا عن الوقع واقحام الخيال بشكل كبير، الأمر يمس نشأة الطفل بل وتؤثر على معتقداته الدينية".
الكثير من الإخصائيين النفسيين والاجتماعيين لا يتوقفون فقط عند مخاطر أفلام الكرتون وإنما يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك ينادون بضرورة منع الأطفال من مشاهدة التلفزيون وكافة الأجهزة الإلكترونية طيلة العامين الأولين من العمر، فيما يبقى على الأسر أن تحدد بعد ذلك المدة ونوع ما يشاهد الطفل من عمر السنتين على أن لا تتجاوز فترة المشاهدة مدة الساعة، وهو ما يؤكده الأستاذ الدكتور محمد بركة، أستاذ أمراض التخاطب بكلية الطب في جامعة عين شمس، والذي يشير إلى أن مشاهدة الطفل للتلفزيون في قبل عامين يؤدي إلى صعوبات في النطق عند الأطفال مرجعا ذلك إلى أن الجهاز العصبي في تلك المرحلة لم يكتمل بعد.
وتضع الدكتورة نبيلة متولي مجموعة من الخطوات لحماية الأطفال من مخاطر أفلام الكرتون تتضمن مشاهدة الأفلام في ظل وجود الأهل ومراقبتهم وتصحيح أي مفاهيم خاطئة وتحديد وقت محدد للمشاهدة لا يزيد عن ساعة في اليوم وإشغال الطفل وتنمية مواهبه الأخرى لإشغاله عن مشاهدة تلك الأفلام، كتنمية حب القراءة وممارسة الرياضة وإشراكه في الألعاب التي تنمي الذكاء، إضافة إلى تشجيعه على اكتساب أصدقاء من سنه للعمل على زيادة التواصل مع الآخرين وأخيراً الحرص على اختيار أفلام الكرتون التي تتسم ببعض الواقعية وتحتوي على بعض المواد التثقيفية.
حياة المجتمع
المبحث الثالث
الأفلام الكرتونية وخطورتها على مستقبل أطفالنا
تعد مهمة تربية النشء والاهتمام بهم وإعداد عقولهم وتأهيلها؛ لتحمل تبعة الاستخلاف في الأرض هي مهمة من أشق وأسمى المهمات على الأرض.
فالفرد هو اللبنة الأساس في أي بناء مجتمعي، وإن لم يحظ بالقدر الكافي من الإعداد والعناية فسوف تكون النتيجة مجتمعاً يحظى بخلل وافر وأمراض داخلية، تنذر بانهياره أمام أول عقبة يمكن أن يتعرض لها.
والأسرة هي المحضن الأول والمدرسة الأولى لهذا الإنسان الفرد، وإن لم تكن على وعي كامل بخطورة مهمتها فسوف نحظى كذلك بجيل هشٍّ يفتقد إلى الانتماء الأسري أولا، ثم الانتماء المجتمعي بعد ذلك، لتليه سلسلة من التنازلات عن الدين والوطن والهوية.
والأسرة إن لم تكن على دراية كاملة بعملية التربية وأصولها وجوانبها ومصادر التلقي فتلك كارثة تعاني منها مجتمعاتنا المسلمة اليوم، وما نراه من ظاهرة الانحلال الأخلاقي وظاهرة الانتماء الغربي بمفاسده لا محاسنه قد انتشرت في بلادنا. كل ذلك إن هو إلا حصاد لفترة زمنية انشغلت فيها الأسرة -وفي القلب منها "الأم"- عن مهمتها الأساسية ودورها الرئيس في عملية التربية والتوجيه منذ اللحظة الأولى لوجود الأبناء.
سأل أحدهم الفيلسوف الإسلامي "مالك بن نبي" ابنتي لها من العمر ثمانية أشهر، فمتى أبدأ في تأديبها وتعليمها؟ فأجابه: لقد فاتك من تربيتها ثمانية أشهر يا سيدي!
ومعنى هذا أن عملية التربية تبدأ منذ اللحظة الأولى للميلاد، بل لو أننا تتبعنا مسألة التربية في ديننا لوجدنا أن الإسلام أولاها عناية واهتماماً كبيرين!
فهي تبدأ قبل الزواج وذلك باختيار الزوجة الصالحة التي تصلح لأن تكون "أماً" ناجحة تهتم برعاية شؤون أسرتها، وتقدر أهميتها، وتمثل لها أولوية أولى، إن لم تكن أولوية واحدة في مرحلة من مراحل تربية الأبناء خاصة في سنواتهم الأولى.
وانشغال الأم بالعمل خارج البيت لتعود مرهقة بعد يوم عمل شاق بالخارج لتكمله بالبيت، في حالة من الإصرار على انتهاك حق الطفل في التواجد داخل حصن عين الأم ووعيها الكامل، نجدها وهي تبحث عن مصادر بديلة تشغل بها طفلها الذي ينهكها بتساؤلاته وحركاته ومتطلباته، وليس أفضل بالنسبة للأبوين على السواء من قنوات الأطفال التي غزت بيوتنا بشكل مروع، تحمل بين طياتها كل وسائل الغزو الفكري لصغارنا، تقدمه في قالب قصصي جاذب، وألوان مبهرة، وحركات تذهل الطفل وتشده، وإذا به يقضي الساعات في حالة من المتابعة الدقيقة، والتحوقل حول الذات مع التلفاز، يتلقى منه عقيدته وسلوكياته وثقافته بكل العنف المستورد، خاصة أن معظم تلك الأفلام الكرتونية المعروضة في هذه القنوات هي أفلام مستوردة وليست صناعة محلية، أنتجتها ثقافة الغرب وقد يكون المطلوب منها –بالضبط- هو ما يوجهونه بشكل مباشر من رسائل تغرس فيهم الخرافة والعنف والتقليل من شأن المسلمين، بل والتقليل من شأن الذات الإلهية!
وقد رأيت بنفسي أفلاماً تجيب بشكل مباشر عن الخالق بأنه مجموعة آلهة، كل منها تقوم على شأن من شؤون الكون، كذلك بعد مشاهدة دقيقة -لأكثر فيلم أطفال أجنبي مشاهدةً في البلاد العربية، وهو سلسلة "هاري بوتر"- وجدت من المخالفات العقائدية ما تؤدي للكفر، في الوقت الذي يشاهده أبناؤنا بلهفة ومتابعة تفوق تصورنا في مثابرتهم على مشاهدة فيلم يتعدى الساعتين في عدة أجزاء متتابعة، يحوّل العالم لسحرة وعوام، ولا وجود لإله خالق مدبر للكون، وإنما الأمر في يد من يقدر على التحكم بالآخر من البشر بنوعيهم، كما قسمهم الفيلم في مشاهد مبهرة تجذب الجميع، وذلك في عدم وجود البديل الملائم وإفلاس عربي حقيقي أمام تلك الهجمة الثقافية التي تستهدف صغارنا في غيبة منا.
والطفل ما هو إلا صفحة بيضاء يسطر الأبوين -أو غيرهما- فيها ما شاؤوا من قيم. قال رسول الله صلى الله علىه وسلم: (ما من مولودٍ إلاَّ يولد على الفطرة؛ فأبواه يهوِّدانه وينصِّرانه ويمجِّسانه، كما تُنتَج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسُّون فيها من جدعاء؟) (رواه مسلم).
أثر الأفلام على الأطفال
وفي بحث خطير قامت به الباحثة السعودية فاطمة أحمد خليل أبو ظريفة لقياس أثر الأفلام الكرتونية على الطفل المسلم، وركز البحث في بدايته على عدة نقاط هي:
1- مدى كثافة مشاهدة الأطفال للرسوم المتحركة، والتعرف على أي القنوات أكثر جذبًا لهم لمشاهدة الأفلام من خلالها.
2- معرفة مدى تأثير أفلام الرسوم المتحركة الأجنبية على المحصول اللغوي للطفل، وقدرته على التعبير وحصوله على المعلومات والثقافات المختلفة.
3- معرفة أي الأفلام أكثر جذبًا للطفل.
4- مدى تأثير أفلام الرسوم المتحركة الأجنبية على عقيدة الطفل المسلم، وإيمانه بالله واليوم الآخر، ومفهوم الحلال والحرام.
5- التعرف على مدى تأثير سمات الشخصيات في أفلام الرسوم المتحركة على انفعالات الطفل المسلم.
6- معرفة مدى تأثير القيم التي تحتويها أفلام الرسوم المتحركة الأجنبية على سلوك الطفل المسلم.
7- معرفة أهمية الشكل الفني لأفلام الرسوم المتحركة الأجنبية في خدمة مضمون الفيلم، والقيم التي تحتويها.
8- معرفة إن كان هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين المعدلات العامة لاستجابات الأطفال حسب النوع، والمعلمين والمعلمات والأمهات والآباء حسب النوع.
وقامت الباحثة باختيار ثلاث قنوات عربية للأطفال معنية بالأفلام الكرتونية، وهي:
-القناة الأولى لتلفزيون المملكة العربية السعودية قناة spacetoon.
-قناة البحرين spacetoon.
-فيلم عن مكتبة الفيديو.
وقد أسفر البحث عن عدة وقائع ومضامين، هي:
أولاً- نتائج الدراسة الميدانية:
(1) يشاهد جميع أطفال العينة أفلام الرسوم المتحركة، وتستحوذ على اهتمامهم.
(2) يفضل الأطفال مشاهدة أفلام الرسوم المتحركة من خلال القنوات الفضائية ثم من خلال الفيديو.
(3) تؤثر أفلام الرسوم المتحركة على المحصول اللغوي للطفل وقدرته على التعبير بدرجة متوسطة.
(4) تؤثر أفلام الرسوم المتحركة على ثقافة الطفل ومعلوماته بدرجة متوسطة.
(5) يفضل الأطفال الرسوم المتحركة الأجنبية التي تتحدث باللغة العربية، وأن تكون قصتها خيالية.
(6) تؤثر أفلام الرسوم المتحركة بما تحتويه من عقائد غريبة على عقيدة الطفل المسلم
وعلى مفهومه للحلال والحرام.
(7) تؤثر السمات التي تتصف بها شخصيات أفلام الرسوم المتحركة الأجنبية على انفعالات الطفل.
(8) يرى الآباء أن القيم التي تحتويها أفلام الرسوم المتحركة الأجنبية لها تأثير على سلوك الطفل بدرجة عالية.
(9) توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين استجابة الذكور والإناث لصالح الإناث بالنسبة للأطفال، بينما لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين استجابة الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات.
نتائج تحليل المضمون:
(أ) يعمل الشكل الفني لأفلام الرسوم المتحركة على جذب الأطفال لمشاهدتها، حيث يشمل الشكل الفني "لغة الفيلم، وقصته، واللقطات، وحجمها والشكل الدرامي، وسمات شخصيات الفيلم".
(ب) تحتوي أفلام الرسوم المتحركة الأجنبية على عقائد غريبة، تعمل على تشكيك الطفل بإيمانه بالله ومفهوم الحلال والحرام، حيث بلغ مجموع المخالفات الدينية في أفلام التلفزيون نسبة (4.96%) بينما الموافقات الدينية في أفلام التلفزيون بنسبة (6. 3%).
وفي أفلام الفيديو كانت نسبة المخالفات (7.92%)، بينما نسبة الموافقات (3.7%).
(ج) تشتمل أفلام الرسوم المتحركة الأجنبية على قيم سلبية هي أكثر تنوعًا وكمًّا من القيم الإيجابية، حيث إن القيم السلبية في أفلام التلفزيون كانت نسبة (3.75%) بينما القيم الإيجابية في أفلام التلفزيون كانت نسبة (7. 24%). والقيم السلبية في أفلام الفيديو كانت (7. 66%)، والقيم الإيجابية في أفلام الفيديو كانت نسبة (3.33%).
(د) تحتوي أفلام الرسوم المتحركة الأجنبية على معلومات وثقافات بنسبة ضئيلة وغير دقيقة في صحتها وتوثيقها؛ حيث كان عدد المعلومات في أفلام التلفزيون (42) معلومة، بينما في فيلم الفيديو كان تكرارها (4) مرات فقط. وهذا تعبير قليل جدًّا بالنسبة للفترة الزمنية التي تخص الفيلم.
وتعطينا تلك الدراسة مؤشراً خطيراً، وهو أن أولادنا ومستقبل أمتنا ليس في أيد أمينة، وأنه على الأسرة المسلمة وأخاطب فيها ضمير الآباء والأمهات، فهم المعنيون بالدرجة الأولى بتلك الصرخة، عسى أن ينتبهوا لخطورة ما يغرسون بالإهمال في التربية في تلك الفترة، وأن يعلموا جيداً، أنه ليس بالشراب والملبس والطعام وحدها يحيا الإنسان، وأن المسؤولية جسيمة والتبعة خطيرة إن لم ننتبه لذلك المنزلق الذي وقعنا فيها منذ سنوات، وها نحن ذا نحصد جيلاً يقف عاجزاً عن تلبية متطلبات ذاته فضلاً عن النهوض بأمة.
"بصائر تربوية".
وفقكم الله لتربية ابنائكم كما يحب ويرضى
بحث من عملي
التوقيع لا يظهر للزوار ..
قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
أطفالنا وحب الرسول ﷺ ،معنى حب الرسولﷺ لماذا يجب أن نحب الرسولﷺ ؟كيف نعلم أ | أم أمة الله | العناية بالطفل | 0 | 19-09-2019 06:58 PM |
(القنوات الفضائية والشياطين الإنسيةفى رمضان) | أم أمة الله | السنة النبوية الشريفة | 10 | 08-06-2015 07:20 PM |
طاقم "روسى-أمريكى" ينطلق للفضاء على متن المحطة الفضائية الدولية | جويريه | اهم الاخبار - اخبار يومية | 2 | 28-03-2014 03:36 PM |
أفضل برنامج tv 10لمشاهدة القنوات الفضائية عبر الانترنت | مرمر احمد | الكمبيوتر والانترنت | 4 | 01-02-2014 03:13 PM |
كيف نحمى أطفالنا من المجتمع المحيط | ريموووو | العناية بالطفل | 5 | 26-12-2012 10:37 PM |
جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع