بقلم: الشيخ محمد راتب النابلسي
نقطة دقيقة في الرزق قد لا نلتفت إليها ، سماها بعض العلماء : الرزق السلبي ، والرزق الإيجابي ، فالرزق السلبي ربنا جل جلاله قد يحفظك من نفقات كثيرة لا طائل لها ، إذا وفر عليك بعض النفقات فكأنه رزقك رزقاً ليس ملحوظاً لديك، فحينما تنفق المال في الطعام والشراب والكساء لا تنفقه في إتلاف ما فسد ، ولا في إصلاح ما اختل ، فهذا رزق سلبي.
لو أن الله عز وجل فتح على الإنسان النفقات قد لا يحتملها ، وقد ينوء ظهره بحملها ، وقد يعجز عن دفعها ، وقد يبيع بيته من أجل سدادها، فهناك عاهات وعاهات ..
الإنسان عنده رزق إيجابي، وعنده رزق سلبي، فإذا منّ الله على عبده بالعافية التامة، عاش عمراً مديداً بلا أمراض وبيلة، بلا أمراض عضالة، بلا أمراض تجعل حياة الإنسان جحيماً، بلا أمراض تكلف مئات الألوف بل بعض الملايين من المال، كفشل كلوي، وخثره بالدماغ، وشلل، وتشمع كبد، أمراض لا تعد ولا تحصى، وأيّ مرضٍ من هذه الأمراض يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق.
حينما تؤمن وتستقيم يعافي الله بدنك، وتكون قد وفَّرت مبالغ طائلة ينبغي أن تدفعها شئت أم أبيت، قضايا الطب، والعمليات الجراحية، والتصوير، والمرنان، لا اختيار لك فيها، يقول لك: تحتاج قسطرة، تكلفتها أربعون ألفَ ليرة، مع استند 125، ثلاثة أوعية مغلقة، تحتاج حوالي 400 ألف ليرة، لا خيار لك.
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا)
هناك رزق سلبي، أن يعافيك الله، أن يعافيك، ويعافي أهلك معك، وأولادك، فقد تجد أسرة تنعم بالصحة التامة، في بيت متواضع، لكن فيه طمأنينة، فيه حب، فيه ود، الأكل متواضع، لكن فيه محبة، فانتبه للرزق السلبي.
حدثني رجل أن ابنه لم يزل في العاشرة من عمره أجرى له تسع عمليات جراحية، كلفته مبالغ طائلة ، فحينما يهبك الله غلاماً سليماً صحيحاً معافى ، فهذا رزق سلبي.. حينما لا تشكو شيئاً في جسدك هذا رزق سلبي.
حينما يحفظ الله مالك هذا رزق سلبي ، فيجب أن تشكر الله مرتين ، أن رزقك مالاً ، وأن حفظك من نفقات أنت في غنى عندها .
كل بلاء يدفعه الله عنّا يُترجم لمال ورزق بقي في صندوقنا ولم يخرج منه ، وبالتالي فهو كسبٌ سلبي ….
بارك الله لنا في أرزاقنا إيجابية وسلبية ، ورزقنا الفهم عنه والرضى بماقسم لنا .