قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38]
يقول ابن كثير رحمه الله: إن الله تعالى يخبر أنه يدفع عن عباده الذين توكَّلُوا عليه، وأنابوا إليه شرَّ الأشرار، وكيْدَ الفُجَّار، ويحفظهم، ويكلؤهم، وينصرهم؛ كما قال تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38]؛ أي: لا يحب من عباده من اتَّصف بهذا، وهي الخيانة في العهود والمواثيق[1].
ويقول السعدي رحمه الله: إن هذه الآية فيها إخبار من الله ووعد وبشارة للذين آمنوا بأن الله يدفع عنهم كل مكروه، ويدفع عنهم بسبب إيمانهم كل شرٍّ من شرور الكُفَّار وشرور وسوسة الشيطان، وشرور أنفسهم وسيئات أعمالهم، ويحمل عنهم عند نزول المكاره ما لا يتحمَّلُون، فيُخفِّف عنهم غاية التخفيف، وكل مؤمن له من هذه المدافعة والفضيلة بحسب إيمانه، فمستقل ومستكثر.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38]؛ أي: خائن في أمانته التي حمَّلَه الله إيَّاها، فيبخس حقوق الله تعالى، ويخونها ويخون الخلق، ثم هو كفور لنعم الله، يوالي الله عليه الإحسان ويتوالى منه الكفر والعصيان، فهذا لا يحبُّه الله؛ بل يبغضه ويمقته، وسيُجازيه على كفره وخيانته[2].
المضامين التربوية:
تتضمن الآية الكريمة جملةً من التوجيهات التربوية التي تُكسب الإنسانَ المسلم الاستقرارَ والاطمئنان النفسي في خضمِّ هذه الحياة التي أصبحت تموج بالكثير من الفتن والمنغِّصات والعياذ بالله تعالى.
وقبل التطرق إلى هذه المضامين تَحسُنُ الإشارة إلى الإجابة عن السؤال الذي يطرَح نفسه هنا؛ وهو: ما الإيمان؟ والإيمان في اللغة يعني: التصديق[3]، وفي الاصطلاح: هو قولٌ وعمل، أو قول وعملٌ ونيَّة، أو قولٌ وعمل ونية، واتِّباع السنة، أو قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، ويقول ابن تيمية رحمه الله: كل هذا صحيح[4].
ومن المضامين التربوية في الآية الكريمة، ما يلي:
أولًا: رتَّب الله تعالى على الإيمان الخير الوافر، والنعيم العظيم، ومن لم يتَّصف به فاته خيرٌ كثيرٌ، وحُرِمَ نعمًا عظيمة، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله مجموعةً من خصال الخير التي أعدَّها الله تعالى للمؤمنين، فمن هذه الخصال، ما يلي:
1- حصول الأجر العظيم؛ قال تعالى: ﴿ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 146].
2- استغفار حملة العرش لهم؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [غافر: 7].
3- موالاة الله تعالى لهم، ولا يُذَلُّ مَنْ والاه الله؛ قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [البقرة: 257].
4- أمر الله تعالى ملائكته بتثبيتهم؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الأنفال: 12].
5- إن لهم الدرجات عند ربِّهم والمغفرة والرزق الكريم؛ قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 4].
6- حصول العزة؛ قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8].
7- حصول الرِّفعة في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].
8- إعطاؤهم كفلين من رحمته، وإعطاؤهم نورًا يمشون به ومغفرة ذنوبهم؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28].
9- الود الذي يجعله سبحانه لهم وهو أنه يُحبهم؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54].
10- أمانهم من الخوف يوم يشتدُّ الخوف؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [المائدة: 69].
11- إن القرآن الكريم هدى لهم وشفاءٌ؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت: 44].
والمقصود أن الإيمان سببٌ رئيسٌ لجلب كلِّ خيرٍ؛ بل إن كل خيرٍ في الدنيا والآخرة سببه الإيمان، فكيف يهون على العبد أن يرتكب شيئًا يُخرجه من دائرة الإيمان ويحول بينه وبينه؟ ولكن لا يَخرج من دائرة عموم المسلمين، فإن استمرَّ على الذنوب، وأصرَّ عليها، خيف عليه أن يرين على قلبه، فيُخرجه عن الإسلام بالكلية[5].
وعلى المسلم الفطن أن يحرصَ كلَّ الحرص على أن يكون من المؤمنين الصادقين؛ حتى يفوز بكل هذه الفضائل السابقة وغيرها؛ بل من حاز واحدةً منها حصل له خيرٌ كثيرٌ، وأن يعمل على مجاهدة نفسه وقَمْع شهواته ونزواته؛ ليحصل له شرفُ الإيمان، وما أعظمه من شرف! كما يجب أن يعمل جاهدًا في كل ما يُنمِّي إيمانه ويُقوِّيه بالإكثار من الأعمال الصالحة وخصوصًا قراءة القرآن الكريم وتدبُّر آياته والتفكُّر في خلق الله تعالى، ودراسة أسمائه وصفاته.
ثانيًا: لا بد أن يقترن الإيمان بالعمل الصالح، وقد جاءت آيات قرآنية عديدة مؤكدة إيَّاه؛ منها: قوله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، وقوله سبحانه: ﴿ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر: 40].
إن اقتران العمل الصالح بالإيمان ينتج عنه فوائدُ عظيمة أشار إليها القرآن الكريم في العديد من الآيات الكريمات تصل إلى أكثر من خمسين آية، ومن تلك الآيات:
قوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ ﴾ [البقرة: 25]، وقوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 57]، وقوله سبحانه: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 9]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ [البينة: 7].
وبهذا تتَّضح أهمية العمل الصالح المقرون بالإيمان في حياة المسلم، وما يجنيه صاحبه من ثمار يانعة وخير عظيم في الدنيا والآخرة.
ثالثًا: إن عَرَضَ الدنيا بكل ما فيها زائل مهما كثُرت إغراءاتُه، وتنوَّعت مشاربُه، فهو لا يساوي عند الله تعالى شيئًا، ولا مقدار جناح بعوضة، أما الإيمان فما أدراك ما الإيمان! فبه ترتفع مقادير الرجال، فهو الأهم، وهو عند الله تعالى الأعظم، ومن أكرمه الله سبحانه بالإيمان، فهو في خير عظيم؛ لأن الله تعالى لا يعطي الإيمان إلَّا لمن يحبُّه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل قَسم بينكم أخلاقكم كما قُسمت بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي المال مَنْ يحبُّ ومَـنْ لا يحبُّ، ولا يُعطي الإيمان إلَّا مَنْ يحبُّ، فإذا أحبَّ اللهُ عبدًا أعطاه الإيمان"[6].
إن حب الله تعالى يأتي بكثرة الأعمال الصالحة التي هي أعظم ثمار الإيمان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قال: مَنْ عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ ممَّا افترضْتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أُحِبُّه، فإذا أحبَبْتُه كنتُ سَمْعَه الذي يسمع به، وبَصَرَه الذي يُبصِر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن قبض نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته[7]".
رابعًا: كم هي حاجة أمَّتنا اليوم إلى الإيمان الصادق المقرون بالعمل الصالح بعد أن رأينا رأي العين ما حلَّ ببعض مجتمعاتنا مِن نكبات وأزمات وتشتُّت وفُرقة، كلُّ ذلك أدَّى بها إلى الضعف والتأخُّر عن ركب الحضارة واللحاق بالدول المتقدمة.
إنه لكي يحصل لنا دفاعُ الله تعالى عنا وتغيير حالنا إلى حال أفضل مما نحن فيه، فلا بد من الإيمان الصادق؛ الإيمان الذي يجعل المسلم شُعْلةً من النشاط، ولا همَّ له إلَّا العمل الجاد المثمر ابتغاء مرضاة الله والدار الآخرة، ولا يسأل ولا يستعين إلا بالله سبحانه، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليُصيبه.
إن هذه المضامين الإيمانية وردت ضمن وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عباس رضي الله عنهما، فقال: "كنت خلفت رسـول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: ((يا غلام، إني أُعلِّمُكَ كلماتٍ، احفظِ الله يحفظْكَ، احفظِ الله تجِدْهُ تجاهك، إذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ بالله، واعلم أن الأُمَّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلَّا بشيءٍ قد كتبَه الله لكَ، ولو اجتمعوا على أن يضرُّوكَ بشيءٍ لم يضرُّوكَ إلا بشيءٍ قد كتبَه اللهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحُف"[8].
خامسًا: الخيانة سلوك مذموم ممقوت منهيٌّ عنه شرعًا، وتَمجُّه العقول والفطر الصحيحة؛ لما يترتَّب عليها من مفاسد وشرور عظيمة على الفرد والمجتمع، فيكفي أنها صفة المنافق، وما أقبحها من صفة! فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّثَ كـذب، وإذا وَعَـدَ أخْلَفَ، وإذا ائتُمِنَ خان))[9].
وهذه الخصلة من عِظَمِ خطرها وشدة مفاسدها، أنها تؤدِّي إلى عدم محبَّة الله تعالى، ويكفي ذلك خطورة؛ لأن المتصف بها قد ينال بسببها عقوبة من الله تعالى تجعله شقيًّا في الدنيا والآخرة والعياذ بالله، فما على الإنسان المسلم العاقل الموفَّق إلا الابتعاد عن هذه الصفة الشنيعة الممقوتة، والحرص على الالتزام بالأخلاق الإسلامية الفاضلة من محبَّةٍ وصدق وأمانة، ووئام وصفاء قلبٍ.
سادسًا: إن كفر النعمة وجحودها صفة مذمومة؛ لأنها تقابل الإحسان بالإساءة، والخير بالشر، ويعظُم خطرها إذا كانت في حق الله تعالى الذي أكرم وخلق ورزق وأنعـم، فنِعَمُه على الإنسان لا تُعَدُّ ولا تُحصى؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18]؛ ولذلك فإن الله تعالى لا يحبُّ من اتَّصَف بكفران النعمة؛ قال تعالى: ﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ﴾ [عبس: 17]، والمعنى: اعجبوا من كفر الإنسان لجميع ما ذكرنا بعد هذا، وقيل: ما أكفره بالله ونعمِه مع معرفته بكثرةِ إحسانه إليه![10].
إن الواجب على المسلم حينئذٍ بذل أقصى الجهد في شكر الله تعالى أولًا على نِعَمِه وآلائه العديدة التي يسرح ويمرح وينعم بها ليلًا ونهارًا، ولن يُوفي حق شكر الله تعالى مهما بلغ، ثم تقديم الشكر للناس على أفضالهم وخدماتهم التي أسدوها له، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لا يشكُر الناسَ لا يشكُر الله))[11]، وجاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" [12]،[13].
ولا شك أن من وفَّقه الله تعالى لشكره قولًا وفعلًا نال وعد الله تعالى بالزيادة؛ إذ قال سبحانه: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، ﴿ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122].
سابعًا: من أهم ما ينبغي على المربِّين التركيز عليه اليوم بيان وتوضيح العوامل التي تقوِّي الإيمان وتنمِّيه في نفس الإنسان المسلم، وأبرز هذه العوامل الحرص على أداء الطاعات واجتناب المعاصي، وغرس ذلك في الناشئة منذ نعومة أظفارهم؛ أي: ابتداءً من الأسرة المحضن الأول للإنسان، ثم مرورًا بالمدرسة والمجتمع بكافة مؤسساته التربوية.
ومن العوامل أيضًا المقوية للإيمان: التفكُّر والنظر الدائم في ملكوت السماوات والأرض، ومجالسة ومصاحبة الأخيار، والتفقُّه في الدين، ومعرفة أحوال السلف الصالح، وما كانوا فيه من صلاح ووَرَع وزُهْد، وجهاد في الله تعالى.
وإذا تمكَّن الإيمانُ من قلب المؤمن كان الإيمان له بمثابة الحصن والسياج الواقي ضد المعاصي والنوازل والفتن.
كل ذلك وغيره من العوامل المقوِّية للإيمان نحن في مَسيس الحاجة إليه اليوم، لعل الله تعالى بفضله ومنِّه، يقوِّي به إيماننا ويدافع عنا؛ لتصلح بعد ذلك أحوالُنا، ويُعاد للأمة الإسلامية هيبتُها وعِزُّها ومجدُها.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج3، ص 225.
[2] السعدي؛ تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 488.
[3] انظر: ابن منظور؛ لسان العرب، (مادة: أمن)، ج13، ص 21.
[4] انظر: ابن تيمية، الفتاوى، ج7، ص 170.
[5] ابن القيم؛ الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ج 1، ص 48.
[6] الطبراني؛ المعجم الكبير، حديث رقم 8990، ج9، ص 203، الألباني؛ السلسلة الصحيحة، حديث رقم 2714، ج 6، ص 213.
[7] البخاري؛ صحيح البخاري، باب: التواضع، حديث رقم 6137، ج 5، ص 2384.
[8] الترمذي؛ سنن الترمذي، باب: قول النبي: ((يا حنظلة، ساعة وساعة))، حديث رقم 2516، ج 4، ص 667، وصحَّحَه الألباني في تعليقه.
[9] مسلم، صحيح مسلم، باب: بيان خصال المنافق، حديث رقم 59، ج 1، ص 78.
[10] انظر: الطبري؛ تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن)، ج 30، ص 54.
[11] الترمذي؛ سنن الترمذي، باب: ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك، حديث رقم 1954، ج 4، ص 339، وصحَّحه الألباني في تعليقه.
[12] أبو داود، سنن أبي داود، باب: عطية من سأل بالله، حديث رقم 1672، ج 2، ص 128.
[13] الألباني؛ صحيح أبي داود، باب: عَطِيَّةِ مَنْ سأل بالله، حديث رقم 1469، ج 5، ص 363.
د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
شبكة الألوكة