سورة الحجرات 49/114 ---------------------------------------------------
التعريف بالسورة سميت سورة الحجرات لأن الله تعالى ذكر فيها بيوت النبي وهي الحجرات التي كان يسكنها أمهات المؤمنين الطاهرات رضوان الله عليهن . التعريف بالسورة : 1) سورة مدنية . 2) من المثاني . 3) آياتها 18 . 4) ترتيبها التاسعة والأربعون . 5) نزلت بعد المجادلة . 6) بدأت السورة باسلوب النداء " يا أيها الذين آمنوا " نهت السورة المسلمين عن رفع أصواتهم فوق صوت النبي . 7) الجزء "26" الحزب "52" الربع "6،7" . محور مواضيع السورة : تتضمن السورة حقائق التربية الخالدة وأسس المدنية الفاضلة حتى سماها بعض المفسرين " سورة الأخلاق " .
--------------------------------------------------- سبب نزول السورة : 1) قال ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله فقال أبو بكر :أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر : أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي ،وقال عمر : ما أردت خلافك ؛ فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزل في ذلك قوله تعالى : ( يَا أيُّها الذينَ آمنوا لا تُقَدِّموا بينَ يدي اللهِ ورسولهِ ـ إلى قوله ـ وَلو أنَّهم صَبَروا حتَّى تخرجَ إليهم ) (رواه البخاري) . 2) نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر وكان جهوري الصوت وكان إذا كلم إنسانا جهر بصوته فربما كان يكلم رسول الله فيتأذّى بصوته فأنزل الله تعالى هذه الآية . 3) عن أنس : لما نزلت هذه الآية لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي قال ثابت بن قيس :أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت النبي وأنا من أهل النار فَذُكِرَ ذلك لرسول الله فقال : هو من أهل الجنة( رواه مسلم ) . 4) عن أبي بكر قال لما نزلت على النبي ( أن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ) قال أبو بكر : فآليت على نفسي أن لا أكلم رسول الله إلا كاخي السرار . --------------------------------------------------- معنى السورة
سورة الحجرات
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 1 ) يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا تقضوا أمرًا دون أمر الله ورسوله من شرائع دينكم فتبتدعوا, وخافوا الله في قولكم وفعلكم أن يخالَف أمر الله ورسوله, إن الله سميع لأقوالكم, عليم بنياتكم وأفعالكم. وفي هذا تحذير للمؤمنين أن يبتدعوا في الدين, أو يشرعوا ما لم يأذن به الله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ( 2 ) يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي عند مخاطبتكم له, ولا تجهروا بمناداته كما يجهر بعضكم لبعض, وميِّزوه في خطابه كما تميَّز عن غيره في اصطفائه لحمل رسالة ربه, ووجوب الإيمان به, ومحبته وطاعته والاقتداء به؛ خشية أن تبطل أعمالكم, وأنتم لا تشعرون, ولا تُحِسُّون بذلك. إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ( 3 ) إن الذين يَخْفِضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين اختبر الله قلوبهم, وأخلصها لتقواه, لهم من الله مغفرة لذنوبهم وثواب جزيل, وهو الجنة. إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ( 4 ) إن الذين ينادونك - أيها النبي- من وراء حجراتك بصوت مرتفع, أكثرهم ليس لهم من العقل ما يحملهم على حسن الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم, وتوقيره. وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 5 ) ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرًا لهم عند الله; لأن الله قد أمرهم بتوقيرك, والله غفور لما صدر عنهم جهلا منهم من الذنوب والإخلال بالآداب, رحيم بهم حيث لم يعاجلهم بالعقوبة. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ( 6 ) يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, إن جاءكم فاسق بخبر فتثبَّتوا من خبره قبل تصديقه ونقله حتى تعرفوا صحته؛ خشية أن تصيبوا قومًا برآء بجناية منكم, فتندموا على ذلك. وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ( 7 ) واعلموا أن بين أظهركم رسولَ الله فتأدبوا معه؛ فإنه أعلم منكم بما يصلح لكم, يريد بكم الخير, وقد تريدون لأنفسكم من الشر والمضرة ما لا يوافقكم الرسول عليه, لو يطيعكم في كثير من الأمر مما تختارونه لأدى ذلك إلى مشقتكم, ولكن الله حبب إليكم الإيمان وحسَّنه في قلوبكم, فآمنتم, وكرَّه إليكم الكفرَ بالله والخروجَ عن طاعته, ومعصيتَه, أولئك المتصفون بهذه الصفات هم الراشدون السالكون طريق الحق. فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( 8 ) وهذا الخير الذي حصل لهم فضل من الله عليهم ونعمة. والله عليم بمن يشكر نعمه, حكيم في تدبير أمور خلقه. وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ( 9 ) وإن طائفتان من أهل الإيمان اقتتلوا فأصلحوا - أيها المؤمنون- بينهما بدعوتهما إلى الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والرضا بحكمهما, فإن اعتدت إحدى الطائفتين وأبت الإجابة إلى ذلك, فقاتلوها حتى ترجع إلى حكم الله ورسوله, فإن رجعت فأصلحوا بينهما بالإنصاف, واعدلوا في حكمكم بأن لا تتجاوزوا في أحكامكم حكم الله وحكم رسوله, إن الله يحب العادلين في أحكامهم القاضين بين خلقه بالقسط. وفي الآية إثبات صفة المحبة لله على الحقيقة, كما يليق بجلاله سبحانه. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( 10 ) إنما المؤمنون إخوة في الدين, فأصلحوا بين أخويكم إذا اقتتلا وخافوا الله في جميع أموركم؛ رجاء أن تُرحموا. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( 11 ) يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشريعته لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين؛ عسى أن يكون المهزوء به منهم خيرًا من الهازئين, ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات; عسى أن يكون المهزوء به منهنَّ خيرًا من الهازئات, ولا يَعِبْ بعضكم بعضًا, ولا يَدْعُ بعضكم بعضًا بما يكره من الألقاب, بئس الصفة والاسم الفسوق, وهو السخرية واللمز والتنابز بالألقاب, بعد ما دخلتم في الإسلام وعقلتموه, ومن لم يتب من هذه السخرية واللمز والتنابز والفسوق فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب هذه المناهي. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ( 12 ) يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اجتنبوا كثيرًا من ظن السوء بالمؤمنين; إن بعض ذلك الظن إثم, ولا تُفَتِّشوا عن عورات المسلمين, ولا يقل بعضكم في بعضٍ بظهر الغيب ما يكره. أيحب أحدكم أكل لحم أخيه وهو ميت؟ فأنتم تكرهون ذلك, فاكرهوا اغتيابه. وخافوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه. إن الله تواب على عباده المؤمنين, رحيم بهم. يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ( 13 ) يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من أب واحد هو آدم, وأُم واحدة هي حواء، فلا تفاضل بينكم في النسب, وجعلناكم بالتناسل شعوبًا وقبائل متعددة؛ ليعرف بعضكم بعضًا, إن أكرمكم عند الله أشدكم اتقاءً له. إن الله عليم بالمتقين, خبير بهم. قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 14 ) قالت الأعراب ( وهم البدو ) : آمنا بالله ورسوله إيمانًا كاملا قل لهم - أيها النبي- : لا تدَّعوا لأنفسكم الإيمان الكامل, ولكن قولوا: أسلمنا, ولم يدخل بعدُ الإيمان في قلوبكم, وإن تطيعوا الله ورسوله لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئًا. إن الله غفور لمن تاب مِن ذنوبه, رحيم به. وفي الآية زجر لمن يُظهر الإيمان, ومتابعة السنة, وأعماله تشهد بخلاف ذلك. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ( 15 ) إنما المؤمنون الذين صدَّقوا بالله وبرسوله وعملوا بشرعه, ثم لم يرتابوا في إيمانهم, وبذلوا نفائس أموالهم وأرواحهم في الجهاد في سبيل الله وطاعته ورضوانه, أولئك هم الصادقون في إيمانهم. قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 16 ) قل - أيها النبي- لهؤلاء الأعراب: أتُخَبِّرون الله بدينكم وبما في ضمائركم, والله يعلم ما في السموات وما في الأرض؟ والله بكل شيء عليم, لا يخفى عليه ما في قلوبكم من الإيمان أو الكفر, والبر أو الفجور. يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 17 ) يَمُنُّ هؤلاء الأعراب عليك - أيها النبي- بإسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم لك, قل لهم: لا تَمُنُّوا عليَّ دخولكم في الإسلام ; فإنَّ نفع ذلك إنما يعود عليكم, ولله المنة عليكم فيه أنْ وفقكم للإيمان به وبرسوله, إن كنتم صادقين في إيمانكم. إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( 18 ) إن الله يعلم غيب السموات والأرض, لا يخفى عليه شيء من ذلك, والله بصير بأعمالكم وسيجازيكم عليها, إن خيرًا فخير, وإن شرًا فشر. --------------------------------------------------- إعراب سورة الحجرات الإعراب: (أيّها) منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب (الذين) موصول بدل من أيّ- أو عطف بيان عليه- في محلّ نصب (لا) ناهية جازمة (بين) ظرف منصوب متعلّق ب (تقدّموا).. جملة: (يأيّها الذين آمنوا) لا محلّ لها ابتدائيّة. وجملة: (آمنوا) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين). وجملة: (لا تقدّموا) لا محلّ لها جواب النداء. وجملة: (اتّقوا) لا محلّ لها معطوفة على جواب النداء. وجملة: (إنّ اللّه سميع) لا محلّ لها استئناف بيانيّ. البلاغة: 1- استعارة تمثيلية: في قوله تعالى: (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ). استعارة تمثيلية، للقطع بالحكم بلا اقتداء ومتابعة لمن يلزم متابعته، تصويرا لهجنته وشناعته بصورة المحسوس فيما نهوا عنه، كتقدم الخادم بين يدي سيده في سيره، حيث لا مصلحة فالمراد: لا تقطعوا أمرا وتجزموا به وتجترئوا على ارتكابه قبل أن يحكم اللّه تعالى ورسوله صلى اللّه عليه وسلم به ويأذنا فيه. 2- الحذف: في قوله تعالى: (لا تُقَدِّمُوا). حيث حذف مفعول تقدّموا، وذلك لأمرين: أحدهما: أن يحذف ليتناول كلّ ما يقع في النفس مما يقدم. والثاني: أن لا يقصد قصد مفعول ولا حذفه، ويتوجه بالنهي إلى نفس التقدمة، كأنه قيل: لا تقدموا على التلبس بهذا الفعل، ولا تجعلوه منكم بسبيل، كقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ). .إعراب الآيات (2- 3): الإعراب: (لا) ناهية جازمة (فوق) ظرف منصوب متعلّق ب (ترفعوا)، الواو عاطفة (لا) مثل الأولى (له) متعلّق بحال من فاعل تجهروا (بالقول) متعلّق ب (تجهروا)، (كجهر) متعلّق بمحذوف مفعول مطلق، (لبعض) متعلّق ب (جهر) (أن) حرف مصدريّ ونصب الواو حاليّة (لا) نافية. جملة: (يأيّها الذين) لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: (آمنوا) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين). وجملة: (لا ترفعوا) لا محلّ لها جواب النداء. وجملة: (لا تجهروا) لا محلّ لها معطوفة على جواب النداء. وجملة: (تحبط أعمالكم) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن). والمصدر المؤوّل (أن تحبط) في محلّ نصب مفعول لأجله بحذف مضاف أي خشية أن تحبط أعمالكم. وجملة: (أنتم لا تشعرون) في محلّ نصب حال. وجملة: (لا تشعرون) في محلّ رفع خبر المبتدأ (أنتم). 3- (عند) ظرف منصوب متعلّق ب (يغضّون)، (أولئك) مبتدأ خبره (الذين) (للتقوى) متعلّق ب (امتحن) بحذف مضاف
أي لظهور التقوى (لهم) متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ (مغفرة).. وجملة: (إنّ الذين يغضّون) لا محلّ لها تعليليّة. وجملة: (يغضّون) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين). وجملة: (أولئك الذين) في محلّ رفع خبر إنّ. وجملة: (امتحن اللّه) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) الثاني. وجملة: (لهم مغفرة) لا محلّ لها استئناف بياني. البلاغة: التكرير: في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا). إعادة النداء عليهم: استدعاء منهم لتجديد الاستبصار عند كلّ خطاب وارد، وتطرية الإنصات لكلّ حكم نازل، وتحريك لئلا يفتروا ويغفلوا عن تأملهم وما أخذوا به عند حضور مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الأدب الذي تعود المحافظة عليه بعظيم الجدوى في دينهم. الفوائد: - الأدب مع الكبير.. أمر اللّه المؤمنين في هذه الآية ألا يرفعوا صوتهم فوق صوت النبي صلى اللّه عليه وسلم، وأن يغضوا من أصواتهم عنده، لأن رفع الصوت مناف للحشمة والوقار والاحترام. وعند ما نزلت هذه الآية جلس ثابت بن قيس في بيته وقال: أنا من أهل النار. واحتبس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم فسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو ما شأن ثابت فقال: إنه لجاري، وما علمت له شكوى. قال: فأتاه سعد، فذكر له قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فقال ثابت: أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبي صلى اللّه عليه وسلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: هو من أهل الجنّة. وزاد في رواية: أما ترضى أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنّة؟ فقال: رضيت ببشرى اللّه ورسوله، لا أرفع صوتي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبدا، فأنزل اللّه إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فكنا ننظر إلى رجل من أهل الجنّة يمشي بين أيدينا، فلما كان يوم اليمامة، في حرب مسيلمة، مات شهيدا رضي اللّه عنه. .إعراب الآيات (4- 5):{إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}.
الإعراب:
(من وراء) متعلّق ب (ينادونك)، (لا) نافية الواو عاطفة (لو) حرف شرط غير جازم (حتّى) حرف غاية وجر (تخرج) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتّى (إليهم) متعلّق ب (تخرج)، اللام واقعة في جواب لو، واسم (كان) ضمير مستتر يعود على الصبر المفهوم من السياق الواو استئنافيّة..
والمصدر المؤوّل (أنّهم صبروا..) في محلّ رفع فاعل لفعل محذوف تقديره ثبت..
والمصدر المؤوّل (أن تخرج..) في محلّ جرّ ب (حتّى) متعلّق ب (صبروا).
جملة: (إنّ الذين ينادونك) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (ينادونك) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين).
وجملة: (أكثرهم لا يعقلون) في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: (لا يعقلون) في محلّ رفع خبر المبتدأ (أكثرهم).
وجملة: (لو) ثبت صبرهم لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (صبروا) في محلّ رفع خبر أنّ.
وجملة: (تخرج) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) المضمر.
وجملة: (كان خيرا) لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: (اللّه غفور) لا محلّ لها استئنافيّة.
الصرف:
(الحجرات)، جمع حجرة، اسم للبيت الذي يحجر عليه بحائط أو غيره، وزنه فعلة بضمّ فسكون بمعنى مفعولة.. ووزن حجرات فعلات بضمّتين.
البلاغة:
الكناية: في قوله تعالى: (مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ).
ففي ذكر الحجرات كناية عن خلوته عليه الصلاة والسلام بنسائه، لأنها معدة لها.
ولم يقل: حجرات نسائك، ولا حجراتك، توقيرا له صلى اللّه عليه وسلم وتحاشيا عما يوحشه عليه الصلاة والسلام. .إعراب الآيات (6- 8): {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)}.
الإعراب:
(جاءكم) ماض في محلّ جزم فعل الشرط (بنبإ) متعلّق بحال من فاعل جاءكم الفاء رابطة لجواب الشرط (أن) حرف مصدريّ ونصب (بجهالة) متعلّق بحال من فاعل تصيبوا، والباء للملابسة (تصبحوا) مضارع ناقص منصوب معطوف على (تصيبوا) بالفاء، (على ما) متعلّق بالخبر (نادمين).
والمصدر المؤوّل (أن تصيبوا...) في محلّ نصب مفعول لأجله بحذف مضاف أي خشية أن تصيبوا.
وجملة: (النداء) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (آمنوا) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين).
وجملة: (جاءكم) لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: (تبيّنوا) في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: (تصيبوا) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن).
وجملة: (تصبحوا) لا محلّ لها معطوفة على جملة تصيبوا.
وجملة: (فعلتم) لا محلّ لها صلة الموصول (ما) الاسميّ أو الحرفيّ.
7- الواو عاطفة (أنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- (فيكم) متعلّق بخبر أنّ (لو) حرف شرط غير جازم (في كثير) متعلّق ب (يطيع)، اللام رابطة لجواب لو الواو عاطفة في المواضع الخمسة (لكنّ) حرف استدراك ونصب (إليكم) متعلّق ب (حبّب) (في قلوبكم) متعلّق ب (زيّنه)، (إليكم) الثاني متعلّق ب (كرّه)، (هم) ضمير فصل..
والمصدر المؤوّل (أنّ فيكم رسول..) في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي اعلموا..
وجملة: (اعلموا) لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: (يطيعكم) لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: (عنتّم) لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: (لكنّ اللّه حبّب) لا محلّ لها معطوفة على جملة يطيعكم.
وجملة: (حبّب إليكم) في محلّ رفع خبر لكنّ.
وجملة: (زيّنه) في محلّ رفع معطوفة على جملة حبّب.
وجملة: (كرّه إليكم) في محلّ رفع معطوفة على جملة حبّب.
وجملة: (أولئك هم الراشدون) لا محلّ لها اعتراضيّة- أو استئناف بيانيّ 8- (فضلا) مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو اسم مصدر أي تفضّل فضلا، (من اللّه) متعلّق ب (فضلا)..
وجملة: تفضّل (فضلا) لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: (اللّه عليم) لا محلّ لها معطوفة على التعليليّة- أو استئنافيّة الصرف:
(7) العصيان: الاسم من (عصى، يعصي) باب ضرب، وزنه فعلان بكسر الفاء وسكون العين وهو ترك الطاعة.. أو هو مصدر الفعل.
البلاغة:
1- التنكير: في قوله تعالى: (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ).
ففي تنكير الفاسق والنبأ: شياع في الفساق والأنباء، كأنه قال: أيّ فاسق جاءكم بأيّ نبأ، فتوقفوا فيه، وتطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة، ولا تعتمدوا قول الناس لأنّ من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع فيه. وطبعا هذا الشياع والشمول لأن النكرة إذا وقعت في سياق الشرط تعم، كما إذا وقعت في سياق النفي.
2- التقديم: في قوله تعالى: (أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ).
حيث قدّم خبر أن على اسمها، وفائدة ذلك هو القصد إلى توبيخ بعض المؤمنين على ما استهجنه اللّه منهم من استتباع رأي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لآرائهم، فوجب تقديمه لانصباب الغرض إليه.
3- التعبير بالمضارع: في قوله تعالى: (لَوْ يُطِيعُكُمْ).
حيث عبّر بالمضارع دون الماضي، فقال: يطيعكم. ولم يقل: أطاعكم. وذلك للدلالة على أنّه كان في إرادتهم استمرار عمله على ما يستصوبونه. وأنّه كلما عنّ لهم رأي في أمر كان معمولا عليه، بدليل قوله: (في كثير من الأمر) كقولك:
فلان يقري الضيف ويحمي الحريم، تريد: أنه مما اعتاده ووجد منه مستمرّا.
4- الطباق: في قوله تعالى: (حبّب) و(كرّه).
هذا ضرب من الطباق، وقد ورد كثير منه في كتاب اللّه عز وجل.
الفوائد..
لا تتسرع وكن على بينة من الأمر. تدعونا هذه الآية إلى أن نتثبت من الأخبار، قبل أن نبني عليها أيّ تصرف، لأن التسرع كثيرا ما يؤدي إلى الندامة والخسران. نزلت هذه الآية في الوليد بن عقبة، بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى بني المصطلق، بعد غزوهم ليأتي بالصدقات، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فلما سمع به القوم تلقّوه تعظيما لأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، فهابهم ورجع، وذكر للنبي صلى اللّه عليه وسلم أن بني المصطلق قد ارتدوا وخرجوا لقتاله، فبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم خالد بن الوليد، فوصل إليهم خالد، وكمن فسمع أذان المغرب والعشاء، ورآهم أهل طاعة وبرّ، فجمع منهم الزكاة، وسألهم عن أمر خروجهم للوليد فقالوا: خرجنا لاستقباله، فأنزل اللّه عز وجل هذه الآية. .إعراب الآيات (9- 10): {وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)}.
الإعراب:
الواو استئنافيّة (طائفتان) فاعل لفعل محذوف يفسّره ما بعده أي اقتتلت طائفتان.. (من المؤمنين) متعلّق بنعت ل (طائفتان)، الفاء رابطة لجواب الشرط (بينهما) ظرف منصوب متعلّق ب (أصلحوا)، الفاء عاطفة (بغت) ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين في محلّ جزم فعل الشرط (على الأخرى) متعلّق ب (بغت)، الفاء رابطة لجواب الشرط (التي) موصول في محلّ نصب مفعول به، وهو نعت لمنعوت مقدّر أي الفئة التي.. (حتّى) حرف غاية وجرّ (تفيء) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتّى (إلى أمر) متعلّق ب (تفيء)..
والمصدر المؤوّل (أن تفيء..) في محلّ جرّ ب (حتّى) متعلّق ب (قاتلوا).
الفاء عاطفة (إن فاءت) مثل إن بغت (فأصلحوا بينهما) مثل الأولى (بالعدل) حال من فاعل أصلحوا.
جملة: اقتتلت (طائفتان) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (اقتتلوا) لا محلّ لها تفسيريّة.
وجملة: (أصلحوا) في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: (بغت إحداهما) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (قاتلوا) في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: (تبغي) لا محلّ لها صلة الموصول (التي).
وجملة: (تفيء) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) المضمر.
وجملة: (فاءت) لا محلّ لها معطوفة على جملة بغت...
وجملة: (أصلحوا) الثانية في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: (أقسطوا) في محلّ جزم معطوفة على جملة أصلحوا.
وجملة: (إنّ اللّه يحبّ) لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: (يحبّ) في محلّ رفع خبر إنّ.
10- (إنّما) كافّة ومكفوفة الفاء رابطة لجواب شرط مقدّر (أصلحوا بين) مثل الأولى، والواو في (ترحمون) نائب الفاعل.
وجملة: (المؤمنون إخوة) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (أصلحوا) الثالثة في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي إن اقتتلوا فأصلحوا...
وجملة: (اتّقوا) معطوفة على جملة أصلحوا الأخيرة.
وجملة: (لعلّكم ترحمون) لا محلّ لها استئناف بيانيّ- أو تعليليّة- وجملة: (ترحمون) في محلّ رفع خبر لعلّ.
الصرف:
(بغت)، فيه إعلال بالحذف لمناسبة التقاء الساكنين لام الكلمة وتاء التأنيث.
البلاغة:
1- التشبيه البليغ: في قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) حيث شبهوا بالأخوة من حيث انتسابهم إلى أصل واحد، وهو الإيمان الموجب للحياة الأبدية، ويجوز أن يكون هناك استعارة وتشبيه المشاركة في الإيمان، بالمشاركة في أصل التوالد، لأن كلا منهما أصل للبقاء، إذ التوالد منشأ الحياة، والإيمان منشأ البقاء الأبدي في الجنان.
2- التخصيص: في قوله تعالى: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ).
حيث خص الاثنان بالذكر دون الجمع، لأن أقل من يقع بينهم الشقاق اثنان، فإذا لزمت المصالحة بين الأقل كانت بين الأكثر ألزم، لأن الفساد في شقاق الجمع أكثر منه في شقاق الاثنين.
3- وضع الظاهر موضع المضمر: في قوله تعالى: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ).
حيث وضع الظاهر موضع الضمير مضافا للمأمورين، للمبالغة في تأكيد وجوب الإصلاح والتخصيص عليه.
الفوائد:
- حكم قتال البغاة..
قال العلماء: في هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان، لأن اللّه تعالى سماهم إخوة مؤمنين، مع كونهم باغين. ويدل عليه ما روي عن علي رضي اللّه عنه، وهو القدوة في قتال أهل البغي، وقد سئل عن أهل الجمل، أمشركون هم؟ فقال لا إنهم من الشرك فرّوا. فقيل: أمنافقون هم؟ فقال: لا إن المنافقين لا يذكرون اللّه إلا قليلا. قيل: فما حالهم؟ قال: إخوتنا بغوا علينا، والباغي في الشرع هو الخارج على الإمام العدل فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة، فامتنعوا عن طاعة الإمام العدل، ونصبوا لهم إماما، فالحكم فيهم، أن يبعث لهم الإمام، ويدعوهم إلى طاعته، فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم، وإن لم يذكروا مظلمة وأصروا على البغي، قاتلهم الإمام حتّى يفيئوا إلى طاعته. ثم الحكم في قتالهم: أن لا يتبع مدبرهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يذفف أي يجهز على جريحهم كما نادى بذلك منادي عليّ يوم الجمل. وما أتلفت إحدى الطائفتين على الأخرى، في حال القتال، من نفس ومال، فلا ضمان عليها. أما من لم تجتمع له هذه الشروط الثلاثة، بأن كانوا جماعة قليلين لا منعة لهم، أو لم يكن لهم تأويل، أو لم ينصبوا إماما، فلا يتعرض لهم إذا لم ينصبوا قتالا ولم يتعرضوا للمسلمين، فإن فعلوا ذلك أي نصبوا قتالا وتعرضوا للمسلمين فهم كقطاع الطريق في الحكم..إعراب الآية رقم (11):{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)}.
الإعراب:
(لا) ناهية جازمة (من قوم) متعلّق ب (يسخر)، (عسى) فعل ماض تامّ (أن) حرف مصدريّ ونصب (منهم) متعلّق ب (خيرا).
والمصدر المؤوّل (أن يكونوا..) في محلّ رفع فاعل عسى الواو عاطفة (لا) مثل الأولى (نساء) فاعل لفعل محذوف يفسره ما قبله أي: لا يسخر نساء.. (من نساء) متعلّق بالفعل المقدّر، (عسى أن يكنّ خيرا منهنّ) مثل عسى أن يكونوا خيرا منهم، و(يكنّ) مضارع ناقص مبنيّ على السكون في محلّ نصب..
والمصدر المؤوّل (أن يكنّ..) في محلّ رفع فاعل عسى الثاني.
الواو عاطفة في المواضع الثلاثة (لا) ناهية جازمة في الموضعين (بالألقاب) متعلّق ب (تنابزوا)، (الفسوق) خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره هو- وهو المخصوص بالذمّ-، (بعد) ظرف منصوب متعلّق ب (الفسوق)، (من) اسم شرط جازم مبتدأ (لم) للنفي فقط (يتب) مجزوم فعل الشرط الفاء رابطة لجواب الشرط (هم) ضمير فصل.
جملة: (النداء) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (آمنوا) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين).
وجملة: (لا يسخر قوم) لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: (عسى أن يكونوا) لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: (يكونوا) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن).
وجملة: لا يسخر (نساء) لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: (عسى أن يكنّ) لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: (يكنّ) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن).
وجملة: (لا تلمزوا) لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: (لا تنابزوا) لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: (بئس الاسم) لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: هو (الفسوق) في محلّ نصب حال من الاسم.
وجملة: (من لم يتب) لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: (لم يتب) في محلّ رفع خبر المبتدأ (من).
وجملة: (أولئك هم الظالمون) في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
الصرف:
(يكنّ)، فيه إعلال بالحذف لمناسبة البناء على السكون بدخول نون النسوة، أصله يكونن- بنون ساكنة بعدها نون مفتوحة- اجتمع ساكنان فحذفت الواو فأصبح يكنّ- بعد إدغام النونين- وزنه يفلن.
(تنابزوا)، حذف منه إحدى التاءين أصله تتنابزوا.
(الألقاب)، جمع لقب، اسم لما يسمّى به المرء- غير اسمه الأول- مشعرا برفعة أو ضعة، وزنه فعل بفتحتين ووزن ألقاب أفعال.
البلاغة:
سر الجمع: في قوله تعالى: (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) حيث لم يقل: رجل من رجل: ولا امرأة من امرأة، على التوحيد، إعلاما بإقدام غير واحد من رجالهم، وغير واحدة من نسائهم، على السخرية، واستفظاعا للشأن الذي كانوا عليه، لأن مشهد الساخر لا يكاد يخلو ممن يتلهي ويستضحك على قوله، ولا يأتي ما عليه من النهي والإنكار، فيكون شريك الساخر وتلوه في تحمل الوزر، وكذلك كلّ من يطرق سمعه فيستطيبه ويضحك به، فيؤدي ذلك- وإن أوجده واحد- إلى تكثر السخرة وانقلاب الواحد جماعة وقوما.
التنكير: في قوله تعالى: (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ).
حيث نكّر القوم والنساء، لأن كلّ جماعة منهية، على التفصيل في الجماعات، والتعرض بالنهي لكلّ جماعة على الخصوص، ومع التعريف تحصيل النهي، لكن لا على التفصيل بل على الشمول، والنهي على التفصيل أبلغ وأوقع.
الفوائد:
- مكارم الأخلاق..
هذه الآية نزلت في ثلاثة أسباب..
1- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) قال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، ذلك أنه كان في أذنه وقر، فكان إذا أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد سبقوه بالمجلس، أو سعوا له حتّى يجلس إلى جنبه فيسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم، وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر، فلما انصرف النبي صلى اللّه عليه وسلم فلم يجد مجلسا، قام قائما كما هو، فلما فرغ ثابت من الصلاة أقبل نحو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتخطى رقاب الناس، ثم يقول: تفسحوا، فجعلوا يتفسحون له، حتى انتهى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وبينه وبينه رجل، فقال: تفسح فقال له الرجل: أصبت مجلسا فاجلس، فجلس ثابت خلفه مغضبا، فلما انجلت الظلمة غمز ثابت الرجل فقال: من هذا. قال: أنا فلان، قال له ثابت: ابن فلانة، وذكر أما له كان يعير بها في الجاهلية، فنكس الرجل رأسه واستحيا، فأنزل اللّه هذه الآية.
وقال الضحاك: نزلت في وفد بني تميم، كانوا يستهزئون بأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الفقراء.
2- السبب الثاني قوله تعالى: (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ) روي عن أنس أنها نزلت في نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عيرن أم سلمة بالقصر. وعن ابن عباس أنها نزلت في صفية بنت حيي، قال لها بعض نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم: يهودية بنت يهوديين.
3- والسبب الثالث قوله تعالى: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ).
عن أبى جبيرة بن الضحاك هو أخو ثابت بن الضحاك الأنصاري قال: فينا نزلت هذه الآية، في بني سلمة، قدم علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول يا فلان فيقولون: مه يا رسول اللّه يغضب من هذا الاسم، فأنزل اللّه هذه الآية، وقال بعض العلماء: المراد بهذه الألقاب ما يكرهه المنادي، أو يفيد ذما له، فأما الألقاب التي صارت كالأعلام لأصحابها، كالأعمش والأعرج وما أشبه ذلك، فلا بأس بها إذا لم يكرهها المدعو بها، وأما الألقاب التي تكسب حمدا ومدحا، وتكون حقا وصدقا، فلا تكره. فمدار الأمر ذم المرء والنيل منه، فإن كان اللقب يفيد ذلك فهو حرام، وإلا فلا. .إعراب الآية رقم (12): {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)}.
الإعراب:
(يأيّها الذين آمنوا) مرّ إعرابها مفردات وجملا، (من الظنّ) متعلّق بنعت ل (كثيرا)، الواو عاطفة (لا) ناهية جازمة في الموضعين (تجسّسوا) مضارع مجزوم محذوف منه إحدى التاءين الهمزة للاستفهام الإنكاريّ (أن) حرف مصدريّ ونصب (ميتا) حال من أخيه منصوب الفاء رابطة لجواب شرط مقدّر، والواو في (كرهتموه) زائدة إشباع حركة الميم..
جملة: (اجتنبوا) لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: (إنّ بعض الظنّ إثم) لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: (لا تجسّسوا) لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: (لا يغتب بعضكم) لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: (يحبّ أحدكم) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (يأكل) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن).
والمصدر المؤوّل (أن يأكل..) في محلّ نصب مفعول به.
وجملة: (كرهتموه) في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا..
والجملة الاسميّة جواب شرط مقدّر أي إن لم تحبّوا ذلك فهذا كرهتموه.
وجملة: (اتّقوا اللّه) لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر أي فاكرهوا الظنّ والتجسّس والغيبة واتّقوا اللّه.
وجملة: (إنّ اللّه توّاب) لا محلّ لها استئنافيّة.
البلاغة:
1- التنكير: في قوله تعالى: (كَثِيراً).
حيث أن مجيئه نكره يفيد معنى البعضية، وإن في الظنون ما يجب أن يجتنب من تبيين لذلك ولا تعيين، لئلا يجترئ أحد على ظنّ إلا بعد نظر وتأمّل، وتمييز بين حقه وباطله، بأمارة بينة، مع استشعار للتقوى والحذر ولو عرّف لكان الأمر باجتناب الظنّ منوطا بما يكثر منه دون ما يقل. ووجب أن يكون كل ظنّ متصف بالكثرة مجتنبا، وما اتصف منه بالقلة مرخصا في تظننه.
2- الاستعارة التمثيلية: في قوله تعالى: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ).
في هذه الآية الكريمة تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفظع وجه وأفحشه.
وفيه مبالغات شتى، منها الاستفهام الذي معناه التقرير، ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة، ومنها إسناد الفعل إلى أحدكم والإشعار بأن أحدا من الأحدين لا يحب ذلك، ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان، حتى جعل الإنسان أخا، ومنها أنه لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعل ميتا.
الفوائد:
- تحريم الغيبة..
دلت هذه الآية على تحريم الغيبة.
فقد ورد عن أبي هريرة رضى اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أتدرون ما الغيبة. قلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قلت: وإن كان في أخي ما أقول. قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته.
عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: قلت للنبي صلى اللّه عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا، قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته. عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم ولحومهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم.
وقد نزلت هذه الآية في رجلين اغتابا رفيقهما، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا غزا أو سافر ضم الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين، يخدمهما ويأكل معهما. فكان سلمان مع رجلين يخدمهما، فغلبته عيناه، فلم يهيئ لهما طعاما، قالا: انطلق إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاطلب لنا منه طعاما، فجاء سلمان، فسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأمر أسامة أن يلتمس له طعاما، فلم يجد، فرجع إليهما، فقالا: بخل أسامة، فبعثاه إلى طائفة من الصحابة، فلم يجد شيئا، فلما رجع قالا: لو بعثناه الى بئر سميحة لغار ماؤها. ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة طعام أم لا، فلما جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لهما: مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما؟ قالا: يا رسول اللّه ما تناولنا يومنا هذا لحما، قال: ظللتما تأكلان من لحم سلمان وأسامة، فنزلت هذه الآية. .إعراب الآية رقم (13): {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)}.
الإعراب:
(يأيّها الناس) مثل يأيّها الذين..، والمتابعة هنا لفظيّة (من ذكر) متعلّق ب (خلقناكم)، (شعوبا) مفعول به ثان منصوب اللام للتعليل- أو لام العاقبة- (تعارفوا) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، وحذف منه إحدى التاءين..
والمصدر المؤوّل (أن تعارفوا..) في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (جعلناكم).
(عند) ظرف منصوب متعلّق ب (أكرمكم)..
جملة: (النداء) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (إنّا خلقناكم) لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: (خلقناكم) في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: (جعلناكم) في محلّ رفع معطوفة على جملة خلقناكم.
وجملة: (تعارفوا) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) المضمر.
وجملة: (إنّ أكرمكم أتقاكم) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (إنّ اللّه عليم) لا محلّ لها استئنافيّة.
الصرف:
(شعوبا)، جمع شعب، اسم جمع لمجموع الناس، قيل سمّي بذلك لتشعّب القبائل منه، وزنه فعل بفتح فسكون، ووزن شعوب فعول بضمّ الفاء.
(قبائل)، جمع قبيلة زنة فعيلة، اسم جمع لا مفرد له من لفظه، وهم بنو أب واحد.
(أكرمكم)، اسم تفضيل من الثلاثيّ كرم، وزنه أفعل.
(أتقاكم)، اسم تفضيل من الثلاثيّ وقى، وزنه أفعل وفيه إبدال الواو تاء جريا على الإبدال في الخماسيّ.. ثمّ بقي القلب، والأصل أوقى. أو هو من الثلاثيّ تقى يتقي باب ضرب تقى- بضمّ التاء- وتقاء- بكسرها- وتقية.. بمعنى اتّقى، فالإبدال حاصل من الأصل بدءا من الثلاثيّ أو لا إبدال أصلا، انظر مزيد شرح وتفصيل في الآية (13) من سورة مريم في كلمة (تقيّ)..إعراب الآيات (14- 15):{قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)}.
الإعراب:
الواو عاطفة (لكن) للاستدراك لا عمل له الواو حاليّة (يدخل) مضارع مجزوم ب (لمّا)، وحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين (في قلوبكم) متعلّق ب (يدخل)، الواو عاطفة- أو استئنافيّة- (لا) نافية (يلتكم) مضارع مجزوم جواب الشرط (من أعمالكم) متعلّق ب (يلتكم)، (شيئا) مفعول به ثان منصوب..
جملة: (قالت الأعراب) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (آمنا) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (قل) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (لم تؤمنوا) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (قولوا) في محلّ نصب معطوفة على جملة لم تؤمنو.
وجملة: (أسلمنا) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (لمّا يدخل الإيمان) في محلّ نصب حال.
وجملة: (تطيعوا) في محلّ نصب معطوفة على جملة لم تؤمنوا.
وجملة: (لا يلتكم) لا محلّ لها جواب الشرط غير مقترنة بالفاء.
وجملة: (إنّ اللّه غفور) لا محلّ لها تعليليّة.
15- (إنّما) كافّة ومكفوفة (الذين) موصول في محلّ رفع خبر المبتدأ (المؤمنون)، (باللّه) متعلّق ب (آمنوا)، (بأموالهم) متعلّق ب (جاهدوا)، (في سبيل) متعلّق ب (جاهدوا)، (هم) ضمير فصل.
وجملة: (المؤمنون الذين) لا محلّ لها استئناف بياني.
وجملة: (آمنوا) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين).
وجملة: (لم يرتابوا) لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة: (جاهدوا) لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة: (أولئك الصادقون) لا محلّ لها استئناف مقرّر لمضمون ما سبق.
الصرف:
(يلتكم)، فيه إعلال بالحذف لمناسبة الجزم، فهو مضارع المعتلّ المثال، ولته بمعنى نقصه، وزنه يعلكم بفتح فكسر فسكون.
البلاغة:
فن الاستدراك: في قوله تعالى: (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) حيث استغنى بالجملة التي هي لم (تؤمنوا) عن أن يقال: لا تقولوا آمنا، لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مؤدّاه النهي عن القول بالإيمان، ثم وصلت بها الجملة المصدّرة بكلمة الاستدراك محمولة على المعنى، ولم يقل: ولكن أسلمتم، ليكون خارجا مخرج الزعم والدعوى، كما كان قولهم (آمنا) كذلك، ولو قيل: ولكن أسلمتم، لكان خروجه في معرض التسليم لهم والاعتداد بقولهم وهو غير معتدّ به.
الفوائد:
- (لما) النافية الجازمة..
وهي تختص بالمضارع، فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضيا، كلم، إلا أنها تفارقها في خمسة أمور:
1- أنها لا تقترن بأداة شرط فلا يقال: إن لما تقم، وفي التنزيل (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا).
2- إن منفيّها مستمر النفي إلى الحال كقول الممزق العبدي:
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ** وإلا فأدركني ولما أمزّق ومنفي لم يحتمل الاتصال نحو قوله وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا. ولهذا جاز أن تقول: لم يكن ثم كان، ولم يجز لما يكن ثم كان، بل تقول: لما يكن وقد يكون.
3- أن منفي لما لا يكون إلا قريبا من الحال، ولا يشترط ذلك في منفي لم.
تقول: لم يكن زيد في العام الماضي مقيما.
4- أن منفي لما متوقع ثبوته، بخلاف منفي لم، ألا ترى أن معنى (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) أنهم لم يذوقوه إلى الآن، وأن ذوقهم له متوقع قال الزمخشري، في قوله تعالى: (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ): لما كان في معنى (لما) التوقع دلّ على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد، ولهذا أجازوا (لم يقض ما لا يكون) ومنعوه في (لما) وهذا الفرق بالنسبة إلى المستقبل، فأما بالنسبة إلى الماضي فهما سيان في نفي المتوقع وغيره، ومثال المتوقع أن تقول: مالي قمت ولم تقم، أو ولما تقم. ومثال غير المتوقع أن تقول ابتداء: لم تقم، أو لما تقم.
5- أن منفي (لما) جائز الحذف كقول ذي الرمة:
فجئت قبورهم بدءا ولما ** فناديت القبور فلم يجبنه أي ولما أكن بدءا قبل ذلك، أي سيدا. ولا يجوز: وصلت إلى بغداد ولم تريد ولم أدخلها.
وعلة هذه الأحكام كلها أن لم لنفي (فعل) ولما لنفي قد فعل. .إعراب الآية رقم (16): .إعراب الآية رقم (17): {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (17)}.
الإعراب:
(عليك) متعلّق ب (يمنّون)، (أن) حرف مصدريّ.
والمصدر المؤوّل (أن أسلموا) في محلّ نصب مفعول به عامله يمنّون.
(لا) ناهية جازمة (عليّ) متعلّق ب (تمنّوا)، (بل) للإضراب الانتقاليّ (عليكم) متعلّق ب (يمنّ)، (أن) مثل الأول، (للإيمان) متعلّق ب (هداكم)، (كنتم) ماض في محلّ جزم فعل الشرط..
والمصدر المؤوّل (أن هداكم..) في محلّ نصب مفعول به عامله يمنّ.
جملة: (يمنّون) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (أسلموا) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن).
وجملة: (قل) لا محلّ لها استئناف بياني.
وجملة: (لا تمنّوا) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (اللّه يمنّ) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (يمنّ عليكم) في محلّ رفع خبر المبتدأ (اللّه).
وجملة: (هداكم) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفي (أن) الثاني.
وجملة: (كنتم صادقين) لا محلّ لها استئنافيّة.. وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله أي فاللّه يمنّ عليكم.. أو فاللّه المانّ عليكم. .إعراب الآية رقم (18): {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18)}.
الإعراب:
الواو عاطفة في الموضعين (ما) حرف مصدريّ..
والمصدر المؤوّل (ما تعملون) في محلّ جرّ بالباء متعلّق بالخبر (بصير).
جملة: (إنّ اللّه يعلم) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (يعلم) في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: (اللّه بصير) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (تعملون) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (ما). بحث من عملي
أسباب النزول مقدمة الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري رحمه الله
التفسير الميسر موسوعةالإعراب
--------------------------------------------------- تلاوة السورة الشيخ مشاري العفاسي