أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي تفسير سورة الروم للسعدى من الآية 60 :33




تفسير سورة الروم للسعدى من الآية 60 :33

۞حتى لاتكوني هاجرة للقرآن الكريم اقرئي هذا الورد اليسير
تفسير سورة الروم للسعدى من الآية 60 :33

تفسير سورة الروم للسعدى من الآية 60 :33

بِسْـــــمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيــــمِ


وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ( 33 ) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ( 34 ) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ( 35 ) .
( وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ ) مرض أو خوف من هلاك ونحوه. ( دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ) ونسوا ما كانوا به يشركون في تلك الحال لعلمهم أنه لا يكشف الضر إلا اللّه.
( ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً ) شفاهم من مرضهم وآمنهم من خوفهم، ( إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) ينقضون تلك الإنابة التي صدرت منهم ويشركون به من لا دفع عنهم ولا أغنى، ولا أفقر ولا أغنى، وكل هذا كفر بما آتاهم اللّه ومَنَّ به عليهم حيث أنجاهم، وأنقذهم من الشدة وأزال عنهم المشقة، فهلا قابلوا هذه النعمة الجليلة بالشكر والدوام على الإخلاص له في جميع الأحوال؟.
( أَمْ أَنزلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا ) أي: حجة ظاهرة ( فَهُوَ ) أي: ذلك السلطان، ( يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ) ويقول لهم: اثبتوا على شرككم واستمروا على شككم فإن ما أنتم عليه هو الحق وما دعتكم الرسل إليه باطل.
فهل ذلك السلطان موجود عندهم حتى يوجب لهم شدة التمسك بالشرك؟ أم البراهين العقلية والسمعية والكتب السماوية والرسل الكرام وسادات الأنام، قد نهوا أشد النهي عن ذلك وحذروا من سلوك طرقه الموصلة إليه وحكموا بفساد عقل ودين من ارتكبه؟.
فشرك هؤلاء بغير حجة ولا برهان وإنما هو أهواء النفوس، ونزغات الشيطان.
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ( 36 ) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( 37 ) .
يخبر تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حالي الرخاء والشدة أنهم إذا أذاقهم اللّه منه رحمة من صحة وغنى ونصر ونحو ذلك فرحوا بذلك فرح بطر، لا فرح شكر وتبجح بنعمة اللّه.
( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ) أي: حال تسوؤهم وذلك ( بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) من المعاصي. ( إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ) ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه. وهذا جهل منهم وعدم معرفة.
( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ) فالقنوط بعد ما علم أن الخير والشر من اللّه والرزق سعته وضيقه من تقديره ضائع ليس له محل. فلا تنظر أيها العاقل لمجرد الأسباب بل اجعل نظرك لمسببها ولهذا قال: ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) فهم الذين يعتبرون بسط اللّه لمن يشاء وقبضه، ويعرفون بذلك حكمة اللّه ورحمته وجوده وجذب القلوب لسؤاله في جميع مطالب الرزق.
فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( 38 ) وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ( 39 ) .
أي: فأعط القريب منك - على حسب قربه وحاجته- حقه الذي أوجبه الشارع أو حض عليه من النفقة الواجبة والصدقة والهدية والبر والسلام والإكرام والعفو عن زلته والمسامحة عن هفوته. وكذلك [ آت ] المسكين الذي أسكنه الفقر والحاجة ما تزيل به حاجته وتدفع به ضرورته من إطعامه وسقيه وكسوته.
( وَابْنَ السَّبِيلِ ) الغريب المنقطع به في غير بلده الذي في مظنة شدة الحاجة، لأنه لا مال معه ولا كسب قد دبر نفسه به [ في ] سفره، بخلاف الذي في بلده، فإنه وإن لم يكن له مال ولكن لا بد - في الغالب- أن يكون في حرفة أو صناعة ونحوها تسد حاجته، ولهذا جعل اللّه في الزكاة حصة للمسكين وابن السبيل. ( ذَلِكَ ) أي: إيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل ( خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ ) بذلك العمل ( وَجْه اللَّهِ ) أي: خير غزير وثواب كثير لأنه من أفضل الأعمال الصالحة والنفع المتعدي الذي وافق محله المقرون به الإخلاص.
فإن لم يرد به وجه اللّه لم يكن خيرا لِلْمُعْطِي وإن كان خيرا ونفعا لِلْمُعْطى كما قال تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ مفهومها أن هذه المثبتات خير لنفعها المتعدي ولكن من يفعل ذلك ابتغاء مرضاة اللّه فسوف نؤتيه أجرا عظيما.
وقوله: ( وَأُولَئِكَ ) الذين عملوا هذه الأعمال وغيرها لوجه اللّه ( هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الفائزون بثواب اللّه الناجون من عقابه.
ولما ذكر العمل الذي يقصد به وجهه [ من النفقات ] ذكر العمل الذي يقصد به مقصد دنيوي فقال: ( وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُو فِي أَمْوَالِ النَّاسِ ) أي: ما أعطيتم من أموالكم الزائدة عن حوائجكم وقصدكم بذلك أن يربو أي: يزيد في أموالكم بأن تعطوها لمن تطمعون أن يعاوضكم عنها بأكثر منها، فهذا العمل لا يربو أجره عند اللّه لكونه معدوم الشرط الذي هو الإخلاص. ومثل ذلك العمل الذي يراد به الزيادة في الجاه والرياء عند الناس فهذا كله لا يربو عند اللّه.
( وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ ) أي: مال يطهركم من الأخلاق الرذيلة ويطهر أموالكم من البخل بها ويزيد في دفع حاجة الْمُعْطَى. ( تُرِيدُونَ ) بذلك ( وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) أي: المضاعف لهم الأجر الذين تربو نفقاتهم عند اللّه ويربيها اللّه لهم حتى تكون شيئا كثيرا.
ودل قوله: ( وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ ) أن الصدقة مع اضطرار من يتعلق بالمنفق أو مع دَيْنٍ عليه لم يقضه ويقدم عليه الصدقة أن ذلك ليس بزكاة يؤجر عليه العبد ويرد تصرفه شرعا كما قال تعالى في الذي يمدح: الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى فليس مجرد إيتاء المال خيرا حتى يكون بهذه الصفة وهو: أن يكون على وجه يتزكى به المؤتي.
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ( 40 ) .
يخبر تعالى أنه وحده المنفرد بخلقكم ورزقكم وإماتتكم وإحيائكم، وأنه ليس أحد من الشركاء التي يدعوهم المشركون من يشارك اللّه في شيء من هذه الأشياء.
فكيف يشركون بمن انفرد بهذه الأمور من ليس له تصرف فيها بوجه من الوجوه؟!
فسبحانه وتعالى وتقدس وتنزه وعلا عن شركهم، فلا يضره ذلك وإنما وبالهم عليهم.
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 41 ) .
أي: استعلن الفساد في البر والبحر أي: فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها.
هذه المذكورة ( لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ) أي: ليعلموا أنه المجازي على الأعمال فعجل لهم نموذجا من جزاء أعمالهم في الدنيا ( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم. فسبحان من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة.

قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ( 42 ) .
والأمر بالسير في الأرض يدخل فيه السير بالأبدان والسير في القلوب للنظر والتأمل بعواقب المتقدمين.
( كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ) تجدون عاقبتهم شر العواقب ومآلهم شر مآل، عذاب استأصلهم وذم ولعن من خلق اللّه يتبعهم وخزي متواصل، فاحذروا أن تفعلوا فعالهم يُحْذَى بكم حذوهم فإن عدل اللّه وحكمته في كل زمان ومكان.
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ( 43 ) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ( 44 ) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ( 45 ) .
أي: أقبل بقلبك وتوجه بوجهك واسع ببدنك لإقامة الدين القيم المستقيم، فنفذ أوامره ونواهيه بجد واجتهاد وقم بوظائفه الظاهرة والباطنة. وبادر زمانك وحياتك وشبابك، ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ) وهو يوم القيامة الذي إذا جاء لا يمكن رده ولا يرجأ العاملون أن يستأنفوا العمل بل فرغ من الأعمال لم يبق إلا جزاء العمال. ( يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ) أي: يتفرقون عن ذلك اليوم ويصدرون أشتاتا متفاوتين لِيُرَوْا أعمالهم.
( مَنْ كَفَرَ ) منهم ( فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ) ويعاقب هو بنفسه لا تزر وازرة وزر أخرى، ( وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا ) من الحقوق التي للّه أو التي للعباد الواجبة والمستحبة، ( فَلأنْفُسِهِمْ ) لا لغيرهم ( يَمْهَدُونَ ) أي: يهيئون ولأنفسهم يعمرون آخرتهم ويستعدون للفوز بمنازلها وغرفاتها، ومع ذلك جزاؤهم ليس مقصورا على أعمالهم بل يجزيهم اللّه من فضله الممدود وكرمه غير المحدود ما لا تبلغه أعمالهم. وذلك لأنه أحبهم وإذا أحب اللّه عبدا صب عليه الإحسان صبا، وأجزل له العطايا الفاخرة وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة.
وهذا بخلاف الكافرين فإن اللّه لما أبغضهم ومقتهم عاقبهم وعذبهم ولم يزدهم كما زاد من قبلهم فلهذا قال: ( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ )
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( 46 ) .
أي: ومن الأدلة الدالة على رحمته وبعثه الموتى وأنه الإله المعبود والملك المحمود، ( أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ ) أمام المطر ( مُبَشِّرَاتٍ ) بإثارتها للسحاب ثم جمعها فتبشر بذلك النفوس قبل نزوله.
( وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ) فينزل عليكم من رحمته مطرا تحيا به البلاد والعباد، وتذوقون من رحمته ما تعرفون أن رحمته هي المنقذة للعباد والجالبة لأرزاقهم، فتشتاقون إلى الإكثار من الأعمال الصالحة الفاتحة لخزائن الرحمة.
( وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ ) في البحر ( بِأَمْرِهِ ) القدري ( وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ) بالتصرف في معايشكم ومصالحكم.
( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) من سخر لكم الأسباب وسير لكم الأمور. فهذا المقصود من النعم أن تقابل بشكر اللّه تعالى ليزيدكم اللّه منها ويبقيها عليكم.
وأما مقابلة النعم بالكفر والمعاصي فهذه حال من بدَّل نعمة اللّه كفرا ونعمته محنة وهو معرض لها للزوال والانتقال منه إلى غيره.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ( 47 ) .
أي: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ ) في الأمم السابقين ( رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ ) حين جحدوا توحيد اللّه وكذبوا بالحق فجاءتهم رسلهم يدعونهم إلى التوحيد والإخلاص والتصديق بالحق وبطلان ما هم عليه من الكفر والضلال، وجاءوهم بالبينات والأدلة على ذلك فلم يؤمنوا ولم يزولوا عن غيهم، ( فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ) ونصرنا المؤمنين أتباع الرسل. ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) أي: أوجبنا ذلك على أنفسنا وجعلناه من جملة الحقوق المتعينة ووعدناهم به فلا بد من وقوعه.
فأنتم أيها المكذبون لمحمد صلى اللّه عليه وسلم إن بقيتم على تكذيبكم حلَّت بكم العقوبة ونصرناه عليكم.
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ( 48 ) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ( 49 ) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 50 ) .
يخبر تعالى عن كمال قدرته وتمام نعمته أنه ( يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا ) من الأرض، ( فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ ) أي: يمده ويوسعه ( كَيْفَ يَشَاءُ ) أي: على أي حالة أرادها من ذلك ثم ( يَجْعَلُهُ ) أي: ذلك السحاب الواسع ( كِسَفًا ) أي: سحابا ثخينا قد طبق بعضه فوق بعض.
( فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ ) أي: السحاب نقطا صغارا متفرقة، لا تنزل جميعا فتفسد ما أتت عليه.
( فَإِذَا أَصَابَ بِهِ ) بذلك المطر ( مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) يبشر بعضهم بعضا بنزوله وذلك لشدة حاجتهم وضرورتهم إليه فلهذا قال: ( وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ) أي: آيسين قانطين لتأخر وقت مجيئه، أي: فلما نزل في تلك الحال صار له موقع عظيم [ عندهم ] وفرح واستبشار.
( فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج كريم.
( إِنَّ ذَلِكَ ) الذي أحيا الأرض بعد موتها ( لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فقدرته تعالى لا يتعاصى عليها شيء وإن تعاصى على قدر خلقه ودق عن أفهامهم وحارت فيه عقولهم.

وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ( 51 ) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ( 52 ) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ( 53 ) .
يخبر تعالى عن حالة الخلق وأنهم مع هذه النعم عليهم بإحياء الأرض بعد موتها ونشر رحمة اللّه تعالى لو أرسلنا على هذا النبات الناشئ عن المطر وعلى زروعهم ريحا مضرة متلفة أو منقصة، ( فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا ) قد تداعى إلى التلف ( لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ) فينسون النعم الماضية ويبادرون إلى الكفر.
وهؤلاء لا ينفع فيهم وعظ ولا زجر ( فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ ) وبالأولى ( إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) فإن الموانع قد توفرت فيهم عن الانقياد والسماع النافع كتوفر هذه الموانع المذكورة عن سماع الصوت الحسي.
( وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ ) لأنهم لا يقبلون الإبصار بسبب عماهم فليس منهم قابلية له.
( إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ) فهؤلاء الذين ينفع فيهم إسماع الهدى المؤمنون بآياتنا بقلوبهم المنقادون لأوامرنا المسلمون لنا، لأن معهم الداعي القوي لقبول النصائح والمواعظ وهو استعدادهم للإيمان بكل آية من آيات اللّه واستعدادهم لتنفيذ ما يقدرون عليه من أوامر اللّه ونواهيه.
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ( 54 ) .
يخبر تعالى عن سعة علمه وعظيم اقتداره وكمال حكمته، ابتدأ خلق الآدميين من ضعف وهو الأطوار الأول من خلقه من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى أن صار حيوانا في الأرحام إلى أن ولد، وهو في سن الطفولية وهو إذ ذاك في غاية الضعف وعدم القوة والقدرة. ثم ما زال اللّه يزيد في قوته شيئا فشيئا حتى بلغ سن الشباب واستوت قوته وكملت قواه الظاهرة والباطنة، ثم انتقل من هذا الطور ورجع إلى الضعف والشيبة والهرم.
( يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ) بحسب حكمته. ومن حكمته أن يري العبد ضعفه وأن قوته محفوفة بضعفين وأنه ليس له من نفسه إلا النقص، ولولا تقوية اللّه له لما وصل إلى قوة وقدرة ولو استمرت قوته في الزيادة لطغى وبغى وعتا.
وليعلم العباد كمال قدرة اللّه التي لا تزال مستمرة يخلق بها الأشياء، ويدبر بها الأمور ولا يلحقها إعياء ولا ضعف ولا نقص بوجه من الوجوه.
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ( 55 ) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ( 56 ) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ( 57 ) .
يخبر تعالى عن يوم القيامة وسرعة مجيئه وأنه إذا قامت الساعة ( يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ) باللّه أنهم ( مَا لَبِثُوا ) في الدنيا إلا ( سَاعَة ) وذلك اعتذار منهم لعله ينفعهم العذر واستقصار لمدة الدنيا.
ولما كان قولهم كذبا لا حقيقة له قال تعالى: ( كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ) أي: ما زالوا - وهم في الدنيا- يؤفكون عن الحقائق ويأتفكون الكذب، ففي الدنيا كذَّبوا الحق الذي جاءتهم به المرسلون، وفي الآخرة أنكروا الأمر المحسوس وهو اللبث الطويل في الدنيا، فهذا خلقهم القبيح والعبد يبعث على ما مات عليه.
( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ ) أي: مَنَّ اللّه عليهم بهما وصارا وصفا لهم العلم بالحق والإيمان المستلزم إيثار الحق، وإذا كانوا عالمين بالحق مؤثرين له لزم أن يكون قولهم مطابقا للواقع مناسبا لأحوالهم.
فلهذا قالوا الحق: ( لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ) أي: في قضائه وقدره، الذي كتبه اللّه عليكم وفي حكمه ( إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ) أي: عمرتم عُمْرًا يتذكر فيه المتذكر ويتدبر فيه المتدبر ويعتبر فيه المعتبر حتى صار البعث ووصلتم إلى هذه الحال.
( فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) فلذلك أنكرتموه في الدنيا وأنكرتم إقامتكم في الدنيا وقتا تتمكنون فيه من الإنابة والتوبة، فلم يزل الجهل شعاركم وآثاره من التكذيب والخسار دثاركم.
( فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ ) فإن كذبوا وزعموا أنهم ما قامت عليهم الحجة أو ما تمكنوا من الإيمان ظهر كذبهم بشهادة أهل العلم والإيمان، وشهادة جلودهم وأيديهم وأرجلهم، وإن طلبوا الإعذار وأنهم يردون ولا يعودون لما نُهوا عنه لم يُمَكَّنُوا فإنه فات وقت الإعذار فلا تقبل معذرتهم، ( وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) أي: يزال عتبهم والعتاب عنهم.
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ ( 58 ) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ( 59 ) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ( 60 ) .
أي: ( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا ) لأجل عنايتنا ورحمتنا ولطفنا وحسن تعليمنا ( لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ) تتضح به الحقائق وتعرف به الأمور وتنقطع به الحجة. وهذا عام في الأمثال التي يضربها اللّه في تقريب الأمور المعقولة بالمحسوسة. وفي الإخبار بما سيكون وجلاء حقيقته [ حتى ] كأنه وقع.
ومنه في هذا الموضع ذكر اللّه تعالى ما يكون يوم القيامة وحالة المجرمين فيه وشدة أسفهم وأنه لا يقبل منهم عذر ولا عتاب.
ولكن أبى الظالمون الكافرون إلا معاندة الحق الواضح ولهذا قال: ( وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ ) أي: أي آية تدل على صحة ما جئت به ( لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ ) أي: قالوا للحق: إنه باطل. وهذا من كفرهم وجراءتهم وطَبْعِ اللّه على قلوبهم وجهلهم المفرط ولهذا قال: ( كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) فلا يدخلها خير ولا تدرك الأشياء على حقيقتها بل ترى الحق باطلا والباطل حقا.
( فَاصْبِرْ ) على ما أمرت به وعلى دعوتهم إلى اللّه، ولو رأيت منهم إعراضا فلا يصدنك ذلك.
( إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) أي: لا شك فيه وهذا مما يعين على الصبر فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع بل سيجده كاملا هان عليه ما يلقاه من المكاره ويسر عليه كل عسير واستقل من عمله كل كثير.
( وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ) أي: قد ضعف إيمانهم وقل يقينهم فخفت لذلك أحلامهم وقل صبرهم، فإياك أن يستخفك هؤلاء فإنك إن لم تجعلهم منك على بال وتحذر منهم وإلا استخفوك وحملوك على عدم الثبات على الأوامر والنواهي، والنفس تساعدهم على هذا وتطلب التشبه والموافقة وهذا مما يدل على أن كل مؤمن موقن رزين العقل يسهل عليه الصبر، وكل ضعيف اليقين ضعيف [ العقل ] خفيفه.
فالأول بمنزلة اللب والآخر بمنزلة القشور فاللّه المستعان.






تفسير سورة الروم كاملة




تفسير السعدي


تفسير سورة الروم للسعدى من الآية 60 :33






إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
تفسير سورة القصص امانى يسرى القرآن الكريم
القران الكريم كاملاً بصوت السديس .mp3 - استماع وتحميل Admin القرآن الكريم
*تفسير سورة النســـاء كاملة* أم أمة الله القرآن الكريم
تحميل القرآن الكريم كاملاً للقارئ عمر القزابرى | رواية ورش | . حبيبة أبوها القرآن الكريم


الساعة الآن 04:50 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل