أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي حديث: لتتبعن سنن من كان قبلكم




حديث: لتتبعن سنن من كان قبلكم



عن أبي سعيد رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ))؛ قلنا: يا رسول الله؛ اليهودُ والنَّصارى[1]؟ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((فَمَن؟!))؛ رواه الشيخان[2].



المفردات:


السَّنن: بفتح السين، السبيل والمنهاج، وقد يضم فيكون جمع سُنَّة، وهي الطريقة والسيرة.



الجُحْر: بضم الجيم، كلُّ شيء تحتفره الهوام والسِّباع لأنفسهم، ونقل شارح القاموس عن فقهاء اللغة أنه كان خاصًّا بالضَّب، ثم توسَّعوا فيه واستعملوه لغيره.


الضَّب: دُوَيْبة تُشبه الحِرذون، وهي أنواع؛ فمنها ما هو قدر الحرذون، ومنها أكبر منه، ومنه دون العنز، وهو أعظمها، ونقل الدَّميري في "حياة الحيوان" أن الضَّبَّ، والوَرَل، والحَرْباء، وشحمة الأرض، والوزغ، كلها متناسبة في الخَلْق.



من دلائل نبوَّته صلى الله عليه وسلم:


من دلائل نبوَّته صلوات الله وسلامه عليه، أن يخبرَ ببعض ما كان، وما هو كائنٌ إلى يوم القيامة؛ فإنَّ ذلك من أنباء الغيب التي يُوحيها الله تعالى إليه، ما كان يعلمها هو ولا قومه مِن قبْلُ.


ومِن هذا القبيل - وهو في صحيح السُنَّة غير قليل - أنَّ أمته - إلا مَنْ عَصَمَ الله - ستركب رؤوسَها، وتتَّبع أهواءَها، وتسيرُ سيرةَ أهل الكتاب من قبلها - حذو القُذَّة بالقذة[3]، والنعل بالنعل - لا تغادر شيئًا من معاصيها وبدعها، وزيفها وانحرافها، إلا وقعتْ فيه، وآثرته على تعليم دينها، وآداب شرعها.


وهذا هو سرُّ التمثيل بالشِّبر والذراع، وتخصيص الجُحْر بالضب؛ فهم لحرصهم على اقتفاء آثار القرون الخالية، والاقتداء بهم في كلِّ كبيرةٍ وصغيرةٍ، لَيأخُذُنَّ بأخذهم[4]، ولَيدخلنَّ في مَداخلهم، وإن بلغت من الضِّيق والالتواء والرداءة مبلغ جُحْر الضَّب.



ابتلاء هذه الأمة بما ابتُليتْ به الأمم السابقة:


وإذا لم يكن بُدٌّ من قضاء الله تعالى، وصدق نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فلا عَجَبَ أنْ تُبتلى هذه الأمة بما ابُتليت به الأُمم قبلها، من التفرُّق والتخاذل، والمجَادَلة والتحاسُد، والغلو في اتِّباع الآباء والكبراء، وحبِّ الدنيا.. إلى غير ذلك مما يُضْعف الدين ويُذهب باليقين، ويُمهِّد للشرِّ الذي يستطير بين يدي الساعة، و((لا تقوم الساعة إلا على شِرار الخَلْق))[5].






نَبَتَ هذا كله وأخذ ينمو ويَتَرَعْرَع في أعقاب القرون الثلاثة الأولى حينما اتَّسعتْ رقعة الفتح، ونَمَتْ الوشائج بالأمم المغلوبة، ثم فُتن العامة بالدنيا وزُخرفها، وفرَّ الخاصَّة - إلا قليلًا - بدينهم من الفتن، وعجزوا عن أن يقاوموا الدنيا وعُبَّادها، والأهواء وأشياعها، ورضُوا من الغنيمة بالسلامة، وليس هنا مجالٌ لمؤاخذة مُقَصِّر على تفريطه، أو متغالٍ على إفراطه..



شجرة ذات أنواط:


أخرج مالك والنسائي وغيرهما عن أبي واقد الليثيِّ رضي الله عنه أنه قال: خَرَجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حُنين - ونحن حديثو عهد بكفر، وللمشركين سِدْرة يعكفون عندها، ويُنوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذاتُ أنواط - فمررنا بسِدْرة، فقلنا: يا رسولَ الله، اجْعَل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الله أكبر، إنَّها السُّنن، قلتم - والذي نفسي بيده - كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف: 138]، لتركبنَّ سَنَن من كان قبلكم))[6].



سبب ورود الحديث:


ونرى مَحْملًا قريبًا أن تكون هذه القصةُ السببَ الأول في سياقة هذا الحديث، فيكون من قبيل تحذيره صلوات الله وسلامه عليه لأمته في أواخر حياته أن يقعوا فيما وقع فيه الأمم من قبل، كما حذَّرهم في مرضه الذي تُوُفِّي فيه أن يتَّخذوا كما اتَّخَذَ اليهودُ والنَّصارى قبورَ الأنبياء مساجد.



ما فائدة التحذير من أمر مُتحقِّق؟!


وإذا كان ركوبُ الأمَّة المحمديَّة سَنَنَ مَنْ قبلها، أمرًا لا مناص منه، ولا معدى عنه، حتى عُدَّ ذلك بحقٍّ من المعجزات ودلائل النبوَّة، فما الحيلة في قضاءٍ نافذ، وأمرٍ مقدور؟! ثمَّ ما فائدة التحذير ممَّا حَدَّث صلى الله عليه وسلم أنه كائن لا مَحَالة؟!


جديرٌ بنا أن نقتبسَ الإجابة عن هذا السؤال من صاحب "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفةِ أصحاب الجحيم"، فإنه لم يدع في هذا المقام لمُسْتزيد زيادة.


قال: "إنَّ الكتاب والسُّنَّة قد دَلَّا على أنه لا يزال في هذه الأمة طائفة مُسْتمسكين بالحقِّ إلى قيام الساعة[7]، وأنَّ الله لا يزال يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم فيه بطاعته[8]، وأنهم لا يجتمعون على ضلالة[9].


ففي التحذير من التقليد وركوب السَّنن تكثيرٌ لهذه الطائفة الظاهرة المنصورة، وتثبيتٌ لها، وتقويةٌ لإيمانها.


ثمَّ لو قُدِّر أنَّ أحدًا لا يترك التشبُّه بهم، والدخول في أهوائهم، لكان في هذا التحذير إيمانٌ بما جاء به الصَّادق المَصْدوق صلوات الله وسلامه عليه.


ألا ترى إلى ما يرويه مسلم من قوله: ((من رأى منكم منكرًا فَلْيغيِّره بيده، فإنْ لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان))[10]، وفي لفظ: ((ليس وراءَ ذلك من الإيمان حبَّة خردل))[11]، والإيمان بما كرهه الله خيرٌ، وإن لم يقترن بالعمل.


ومن هنا كان حقًّا على العالِم بالمنكر أن يُنكره، ولو تورَّط فيه وابتُليَ به، على أنَّ العالم بالذنب قد يستغفر الله، ولو أصرَّ على ما فعل، أو يأتي بحَسَنات تمحوه، أو تُخَفِّفه، أو تُضْعف همَّته في طلبه.


وكم بين العالم والجاهل من دَرَجات وفَضْل، والحمدُ لله إذ منَّ على هذه الأمة بأنها مهما اختلفت وتخاذلت، فلا يزال طائفةٌ منها ظاهرين على الحق لا يضرُّهم مَنْ خالفهم حتى يأتيَ أمر الله"[12].


وفي هذا كما أشرنا أوَّلَ الشرحِ إيماءٌ إلى أنه صلوات الله وسلامه عليه لا يقصد كل الأمة، وإنما يقصد سوادها الأعم الأغلب، اعتمادًا على ما تواتر عنه، من استثناء هذه الفئة النادرة، والنادر - كما يقولون - لا حكم له.



بلاءُ التقليد وسوءُ مغبَّته:


وفي الحديث إشارةٌ إلى بلاء التقليد، وسوء مغبَّته، وكم جرَّ التقليد على الأمم - لا سيِّما المسلمين - من وَيْلات وَنَكَبات، في أنفسهم ودينهم وقوميَّتهم، حتى كادوا ينماعون في غيرهم، كما ينماع الملح أو الحبر.


الحكمة من النهي عن التشبُّه بالغير:
ولحكمة بالغة نُهينا عن التشبُّه بغيرنا، ولو في ظاهر الأمر والمباح منه؛ لأنَّ المشاركة في الهدي الظاهر تُورث تناسبًا وتشاكلًا بين المتشابهين، يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال، وترى هذا مُشَاهَدًا جليًّا فيمن يتجمَّل بلباس أهل العلم، ومن يتزيَّا بزي الجند مثلًا، فإنَّ كلًّا منهما - ولا محالة - واجد في نفسه ميلًا إلى مَنْ يقلِّده، لا يزال ينمو ويقوى حتى يصير طبعًا وعادة.


ومن هنا ندرك بعض ما ينطوي عليه من أسرارٍ وحكم قوله صلى الله عليه وسلم: ((من تشبَّه بقوم فهو منهم))، وإذا كان هذا في السَّمْت المباح والأمر الظاهر، فكيف بالتشبُّه في الفسق والضَّلال وذرائع الكفر، والعياذُ بالله عزَّ وجل؟!



مضارُّ التقليد الأعمى وسوءاته:


شهد بمضارِّ التقليد وسوءاته علماء الأخلاق والاجتماع، وعلماء النفس والتربية قديمًا وحديثًا، وحرصوا على ألا تتردَّى في الهاوية أممُهم، حتى لَتجد الأمة القوية العريقة مُسْتَمسكة بتقاليدها وعاداتها، عاضَّةً عليها بالنواجذ، لا تفرِّط فيها قيدَ أنملة.


ومن سخفِ العقل، وكثافة الجهل، ما نرى من غُلوِّ هؤلاء المقلِّدين، وحرصهم على بعض عادات وتقاليد، اطَّرحها ذووها؛ لِمَا رأوا فيها من فسادٍ لا صلاح معه.


ولو لم يكن من مَضَارِّ التقليد إلا شعور المُقلِّد بضعفه، ثم بكمال المُقلَّد وعظمته، لكفى بذلك إثمًا وعارًا.
وما أحكمَ ما يقول ابن خلدون في "مقدمته": "إنَّ النفس - أبدًا - تعتقدُ الكمالَ فيمن غَلَبها، وانقادت إليه…، ولذلك ترى المغلوبَ يتشبَّه أبدًا بالغالب، في مَلْبَسِهِ، ومركبه وسلاحه، في اتِّخاذها وأشكالها، بل في سائر أحواله، وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم، كيف تجدهم مُتشبِّهين بهم دائمًا، وما ذلك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم"[13].


على أننا لا ننكر من التقليد ما كان بصيرًا، يَهدي إلى الرُّشد، ويعين على بناء الأمة، وينهضُ بها إلى مَدَارج الرِّفعة والعزَّة، فإن لذلك آثاره الحميدة، وغاياته المجيدة، والإسلام لا يمنع من هذا ولا يقف في طريقه، وكيف، وهو ينادي بالسَّبْق إلى كلِّ فضيلة، والعمل على تحقيق كلِّ خير ومصلحة؟


فإنْ كان ولا بد من تقليد، فليكن في جدِّ الحياة دون هزلها وعبثها، وفي شريف الأمور دون خسيسها ودنيئها؛ ((فإنَّ الله تعالى يحبُّ معالي الأمور وأشرافها، ويكره رُذَالها وسَفْسَافَها)).

[*] مجلة الأزهر، العدد الخامس، المجلد السادس عشر، سنة (1364).

[1] بالرفع والنصب؛ أي: أهم اليهود والنصارى؟ أو تعني اليهود والنصارى؟ وقوله: ((فمن))؟ استفهام إنكار يعني ليس المراد غيرهم؛ (طه).
[2] رواه البخاري (3456) في كتاب الأنبياء، ومسلم (2669) في كتاب العلم.
[3] أي مثل ريشة السَّهم، تقدَّر على قدر صاحبها وتقطع، والعبارتان تضربان مثلًا للشيئين يستويان ولا يتفاوتان، وقد وَرَدتا في روايات هذا الحديث (طه).
[4] أخذ أخذه وبأخذه، فعل فعله واستار بسيرته، والهمزة مفتوحة، وقيل: مثلثة (طه).
[5] اقتباسٌ من حديثٍ أخرجه مسلم (2949) في الفتن عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس))، وأخرجه مسلم أيضًا في الإمارة (1924) من قول عبدالله بن عمرو بن العاص بلفظ: ((لا تقوم الساعة إلا على شرار الخَلْق)).
[6] رواه بهذا اللفظ أحمد 5: 217 الميمنيَّة (21897) الرسالة، والترمذي (2180)، وابن حبان (6702) كلهم من حديث أبي واقد الليثي، وهو حديث صحيح على شرط الشيخين، انظر: التعليق على المسند 36: 226.
[7] روى البخاري (3640) (3642)، ومسلم (1037) (1921) (3641) من حديث جابر بن عبدالله قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة مِن أمتي يقاتلون على الحقِّ ظاهرين إلى يوم القيامة)).
[8] روى أحمد في المسند 4: 200 (17787)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 9: 61، وابن ماجه في "المقدمة" (8)، وابن حبان في "صحيحه" (326) من حديث أبي عِنَبةَ الخولاني يقول: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يزال الله يغرس في هذا الدين بغرس يستعملهم في طاعته))، وهو حديث حسن، انظر: التعليق على المسند 29: 325.
[9] روى أحمد في "المسند" 6: 396 (27224)، والطبراني في الكبير (2171) من حديث أبي بَصْرة الغفاري، وهو حديث صحيح لغيره، والترمذي (2167) من حديث ابن عمر، وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولفظه عند الترمذي من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لا يجمع أمتي، أو قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذ إلى النار)).
[10] رواه مسلم (49).
[11] رواه مسلم (50).
[12] اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لابن تيمية 1: 171 - 172.
[13] مقدِّمة ابن خلدون، ص137، الفصل الثالث والعشرون من الباب الثاني في أن المغلوب مُولعٌ أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيِّه وَنِحْلته وسائر أحواله وعوائِدِه.


الشيخ طه محمد الساكت
شبكة الالوكة الشرعيه




حديث: لتتبعن سنن من كان قبلكم




#2

افتراضي رد: حديث: لتتبعن سنن من كان قبلكم


رد: حديث: لتتبعن سنن من كان قبلكم

إظهار التوقيع
توقيع : حياه الروح 5


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
60 سؤالا في أحكام الحيض والنفاس للشيخ بن عثيمين رحمه الله شوشو السكرة فتاوي وفقه المرأة المسلمة
فتاوى الحج والعمرة الجنة الدائمة والشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله أم أمة الله فتاوي وفقه المرأة المسلمة
أحاديث مشهورة لا تصح أسانيدها لخير البرية lolo_lola احاديث ضعيفة او خاطئة
أحاديث رمضانية مشهورة لكنها ضعيفة أو موضوعة,17 حديث موضوعين ومكذوبين عن رمضان جنا حبيبة ماما عدلات في رمضان


الساعة الآن 02:47 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل