سُنَّة عدم الانتصار للنفس،لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ
نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ.
لو انتصر الإنسان لنفسه في كل موقفٍ تعدَّى عليه فيه أحدٌ لَقَطَّع كلَّ علاقاته مع الناس!ولتوضيح الموضوع نرفق هذه الفتوى
_فالله تعالى خَلَقَ الناسَ بأفهام مختلفة، ولكل واحد منهم مصالحه الخاصة التي يحب أن يُدافع عنها،
_وهذا التباين بين الناس يخلق صراعات كثيرة بينهم، وعلى الإنسان الحكيم أن يتجاوز -قدر ما يستطيع- عن التعدِّيات المستمرَّة عليه، وهذا التجاوز ليس من باب الضعف كما يتخيَّل بعض الناس؛ إنما هو في الواقع قوَّة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم
قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ»البخاري.
لهذا كان من سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم ألا ينتصر لنفسه أبدًا دلالة على روحه القوية، وشِدَّته في السيطرة على نفسه، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ:
«.. وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الله، فَيَنْتَقِمَ لِلهِ بِهَا»البخاري.
فهنا فَرَّقَت عائشة رضي الله عنها بين الأخطاء التي قام بها الناس في حقِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كإنسان، والأخطاء التي فعلوها في حقِّ الله تعالى، فما كان في حقِّه هو تجاوز عنه، وما كان في حقِّ الله عاقب عليه، ومن هنا نفهم مواقفه -صلى الله عليه وسلم- الجليلة؛ التي تُفَسِّر طبيعة هذه السُّنَّة؛
وذلك مثل ما صحَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ:
«كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ الله الَّذِي عِنْدَكَ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ»البخاري
وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ»البخاري.
فتجاوُز الرسول صلى الله عليه وسلم في هذين الموقفين هو تجاوزٌ عن تعدٍّ صريح في حقِّه، ولو ردَّ الاعتداء بمثله ما لامه أحدٌ؛ ولكنه يُبْرِز أخلاق الإسلام، وفي الوقت نفسه يكسب صداقات جديدة، فوق أنه يُثْبِت قوَّة روحه، وشِدَّة نفسه، وهذا لا يكون إلا في مؤمن، فلنتأسَّ بهذه السُّنَّة الراقية.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}[النور: 54].
الانتصار للنفس جائز والعفو أفضل
أنا أعمل مع نصراني، وقد طردني من العمل عنده، وأهانني أمام العمال، وقال لي إنه سيوسعني ضربا عندما كان غاضبا بسبب عامل أبلغه كذبة، وحتى الآن لم يدفع راتبي الشهري بسبب عدم ملكه المال الكافي حتى الآن. وأنا لم أرد أن أوكزه خوفا من أن أقتله، واستعذت من الشيطان وابتعدت عنه وتركته في حاله. أنتظر رأيكم الشرعي في ما فعلت؟
الإجابــــــــــــــــــــــــــــــــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت في التحري ومعرفة حكم الشرع فيما تعمله، واعلم أن العفو والسماح عن المسيء خلق فاضل حث عليه الشرع، ويشرع أن يعامل به الكفار، ولا سيما إذا كان يؤمل أن يهتدوا ويتأثروا بأخلاق الإسلام، فقد أمر الله نبيه بالصفح عن الكفار فقال: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {المائدة:13}، وقال تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ {الأعراف:199}.
فإن استصعب على المسلم أن يقابل الإساءة بالإحسان، وأن يعفو عن ظالمه، ويعرض عن سفهه، فله أن يقتص لنفسه بقدر مظلمته، دون تعد ولا بغي، فيسب الظالم مقابل سبه ولا يجوز قتله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المستبان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم. رواه مسلم.
ففي هذا الحديث جواز الانتصار بشرط تحقيق المثلية وعدم التعدي.
قال النووي: معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له. وفي هذا جواز الانتصار، ولا خلاف في جوازه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}. وقال تعالى: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}. ومع هذا فالصبر والعفو أفضل؛ قال الله تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}. ولحديث: ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا. واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام، كما قال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه ما لم يكن كذبا أو قذفا أو سبا لأسلافه. فمن صور المباح أن ينتصر بـ: يا ظالم، يا أحمق، أو جافي، أو نحو ذلك، لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف. اهـ. وقد سبق لنا تفصيل ذلك في الفتويين: 114087، 30075 .
والله أعلم.
التوقيع لا يظهر للزوار ..
قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
حكم وأقوال واقتباسات عن الانتصار | اماني 2011 | حكم واقـوال | 3 | 31-10-2012 05:21 PM |
جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع