نصائح تساعد على التربية،قبسات من التربية النبويةالتوجيهات
الأسرية التي تساعد على التربية.
اللجنة العلمية في مكتب الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في جنوب بريدة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونثني عليه الخير كله، ونُصلي ونُسلِّم على خير خلقه وآله وصحبه.
أمَّا بعدُ:
فمرحبًا بكم إخوتي الأكارم، وحيَّاكم الله مع موضوع يتعلق بالتوجيهات الأسرية التي تساعد على التربية.
إن نعمة الأولاد نعمة عظيمة؛ إذ إنه يُرجى أن يكون لوالديهم مثل ما تعمل هذه الذرية من الخير، ويرجى برُّهم ودعاؤهم وعطاؤهم، ولكن ربما أن هذه المنافع وأمثالها تحتاج إلى رصيد من التربية عليها، حتى يتسلسل هؤلاء الأولاد بهذا البر والعطاء والنفع الدنيوي والأخروي بإذن الله تعالى، وقد ورد في الحديث: (رحِم الله والدًا أعان ولدَه على برِّه)، فعند حرصك على ذلك تشملك تلك الدعوة النبوية العظيمة، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: (إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه أحفِظ أم ضيَّع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)، ويختلف هؤلاء الأبناء في أخلاقهم وسلوكهم حسنًا وسوءًا، ولكن على الآباء والأمهات ملاحظة ذلك وتصحيح السلبيات، وتنمية الإيجابيات؛ حتى تكون تلك الذرية نشأت على أمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وسأذكر في هذه الحلقة خمسًا وعشرين نصيحة تساعد على تربية أبنائنا وبناتنا، لعلها تسهم في تصحيح المسار السلبي وتنمية المسار الإيجابي، وهي على النحو التالي:
الأولى من النصائح:
عليك بإحياء القيم الإيجابية لديهم؛ كتوقير الكبير واحترام الصغير، ومحبة الداعين إلى الخير، وسلامة الألفاظ ونحوها، مما يكون سببًا في وجود الصيغة الإيجابية الطيبة لديهم، وهذا قد يتكامل مع ملاحظة مواقفنا معهم في الذهاب والإياب، فكل موقف لهم معنا هو درسٌ لهم في إحياء هذه القيم، فاستثمار هذه المواقف معهم بالتوجيه هو من أضرُبِ التربية المهمة.
الثانية من النصائح:
اصطحب أولادَك معك إلى مجالس الرجال المناسبة لهم؛ ليتعلموا أحاديثهم وآدابهم، فإن الكبار هم القدوة لهؤلاء الصغار، مع تصحيح ما قد يقعون فيه من ملاحظات، فإن هذا بمثابة الدروس لهم في تربيتهم.
الثالثة:
حاوِل أن تجعل كثيرًا من جهدك في الابن الأكبر؛ لأنه سيشاطرك المسؤولية والتربية على إخوانه وأخواته، فله نصيبٌ من التربية؛ مما يجعله هو المربي الثاني.
الرابعة:
لا تجعل أولادك يعاملونك بسياسة التستر عنك؛ لأنك بذلك تَخفى عليك عِللُهم وأخطاؤهم؛ مما يجعل تصحيحك لها أمرًا صعبًا، ولكنك في المقابل تتغافل عما يمكن التغافل عنه.
الخامسة:
أنت أيها الأب وأنت أيتها الأم كلاكما قدوة فاحذَرا أن يشاهد أو يسمع الولد منكما ما يسوء، فإن ذلك سلبية عظيمة في مسار التربية.
السادسة:
لا تجعل أولادك يعتادون الترف وكثرة الزينة في غير محلِّها، فالأيام حبالى والأوقات تتغيَّر، فقد تتغير أحوالهم بسبب تغيُّر طبيعتهم المترفة، فاسلُك طريق الوسط، فإنه صالح لكل زمان ومكان.
السابعة:
إذا خالف ابنك وابنتك بشيء فلا تَنزعج وتغضب، ولكن انظر بعين الحكمة، فالحوار حل ناجح وناجع؛ لأن المقصود تصحيح المسار وليس عقوبة المخالف، فإذا صُحِّح المسار لم تتكرر المخالفة، وأما مع الانزعاج وربما التأديب بالضرب والغضب ونحوهما، فإن الخصام مشقة والقسوة نفور.
الثامنة:
إذا كان ابنك في بلد آخر، فحاول مراسلته وديًّا ودوريًّا بالوصايا النافعة، فإنه سيتلقاها مستبشرًا بها وحريصًا عليها.
التاسعة:
لا تسأَم في العمل مع تربيتهم، فهم غرسك الذي سيبقى لك، وهم جزء منك، وإن نزلوا فكن بعيد النظر في تربيتك.
العاشرة:أطِب مطعمك ومطعم أولادك، فهو سبيل قويم ومعين كبير على حُسن أحوالهم وصلاحهم وإصلاحهم، واجعَل طيب المطعم سجيَّة لهم يستحضرونها في كل حين، فكل جسم نبت من سُحت فالنار أولى به.
الحادية عشرة:
حاول قدر الإمكان ألا تُطيل المكث والغياب عن البيت والأسرة لتتواصل التربية، فهم بحاجتك لأنك قدوتهم والتربية تحتاج إلى اللقاءات المتقاربة.
الثانية عشرة:
الالتجاء إلى الله تعالى أن يصلح قلوبهم وأعمالهم، وتشجيعهم أيضًا على الدعاء لأنفسهم، وبيان أهمية ذلك لهم، ولهذا كان إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يقول في دعائه: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، فكم دعونا بهذا الدعاء وأمثاله لأولادنا! وقد قابلت رجلًا رزقه الله صلاحًا وإصلاحاً في نفسه وزوجته وذريته، فتحاورنا عن الأسباب بعد توفيق الله تعالى، فقال أعظم سبب عندي بعد التوفيق أنني لا أغفل عن الدعاء لهم في كل ساعة إجابة، وقد رأيت آثارَ ذلك ولله الحمد.
الثالثة عشرة:
كن رفيقًا معهم في معاملتك قولًا وعملًا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (فمن يُحرَم الرفق، يُحرَم الخيرَ كلَّه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف).
إن هذه الأحاديث الثلاثة عظيمة في تقعيد تلك القاعدة التربوية، وهي الرفق وعدم الغضب والعجلة في التوجيه، فإنك ترى من المراهق تصرفات تعجبك وأخرى تغضبك، فشجِّعه في الأولى ووجِّهه في الثانية.
الرابعة عشرة:
ابذل جهدك المبارك في سبيل تثقيفهم في أمور دينهم وأخلاقهم من الناحيتين النظرية والعملية، فالأولى من خلال محادثتك معهم، وبيان ما تحمله من علمٍ وثقافة، أعطِهم مما أعطاك الله شيئًا فشيئًا، حتى تستقيم أمورهم، وأما الناحية العملية فحاول متابعتهم في دراستهم وتحصيلهم العلمي، وابحَثْ عن واقعهم التربوي، وحاول جاهدًا تسجيلهم في حلقات تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة ولله الحمد، وحبِّب إليهم الاطلاع والقراءة، وجميل أن تجعل في متناولهم كتيبات ولو كانت صغيرة، وتسميها كتاب الأسبوع، ففي كل أسبوع كتيب ولو كان صغيرًا، فهم سيقرؤون في السنة على تلك الطريقة قرابة خمسين كتابًا، فمن خلالها بإذن الله تعالى سيتحسن سلوكهم، وتترقَّى ثقافتهم، فإنك في هذين الأمرين النظري والعملي ستحصد نتاج عملك صلاحًا وإصلاحًا في قلوبهم وأحوالهم بإذن الله تعالى.
الخامسة عشرة:
لا تُضق ذرعًا بالأخطاء إذا حصلت منهم، فهي وإن كانت سلبية في ذاتها إلا أنها فرصة للتصحيح والتسديد، فغضبك خلال خطئهم - وهو مجرد عن التوجيه - هو ضرب من أضرب السلبية، لكن امزج هذا ببيان السلوك الصحيح، فهو ينتظر منك التوجيه، ولا تسأم ولا تَمَل، فهؤلاء أبناؤك وقُرة عينك، فكل كثير تبذله تجاههم لا تَستكثره، فهو سينعكس إيجابًا عليهم.
السادسة عشرة:
لا تكن معهم جادًّا في جميع أحوالك، ولكن ساعة وساعة، فوجِّه بجدية وامرَح مرحًا في مكانه، وابتسِم وتصابى أحيانًا للطفل، وأظهِر لهم هذا جميعًا؛ حتى يفهموا منك جميع أوجه التربية؛ لتستقر محبتك في قلوبهم، وليقبلوا توجيهاتك.
السابعة عشرة:
استعمل معهم ثقافة الشكر عند الإنجاز مهما قل، فإن هذا الشكر يولد إنجازًا آخرً، ويعتادون معك ومع غيرك ثقافة الشكر، ويكون سجية لك ولهم.
الثامنة عشرة:
لا تعاتبهم أمام الآخرين أو تحتقرهم أمامهم، فإن هذه بصمة سلبية لا ينساها أبدًا، وتنقش في قلبه بُغضَ توجيهك أحيانًا، ولكن اجعل هذا العتاب في موطن آخر بينك وبينهم.
التاسعة عشرة:
هل الضرب هو حل للمشكلات والأخطاء؟ الجواب لا، ولكن إن قلنا بوجوده، فهو في آخر الحلول وعلى أقل الدرجات؛ لأن المقصود التأديب وليس التعذيب، فعليك بتفاديه ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.
العشرون: كلفهم بالمسؤوليات؛ حتى ينشؤوا على مستوى تلك المسؤولية، ويعرفوا المداخل والمخارج، ولا يكون أحدهم أخرقَ لا يعرف كيف يتصرف في المواقف.
الحادية والعشرون: لا تفضِّل بعضهم على بعض، فإنهم إن يشعروا بذلك تحصل في قلوبهم الحزازات عليك وفيما بينهم، ولكن إن كنت مفضلًا أحدًا على أحد، فلا بد من مبرر للتفضيل، والأصل في هذا العدل بينهم في كل شيء.
الثانية والعشرون: استشِرهم في كثير من الأمور، حتى لو كنت تملك رأيًا سديدًا، فإن هذا ينمي عندهم حسَّ المسؤولية والقوامة والرجولة، وربما استفدت منهم رأيًا آخرَ يناسبك.
الثالثة والعشرون: إن في السنة النبوية من المواقف التربوية ما لا يحصى كثرةً، فاحرص على الاطلاع عليها، محاولًا تطبيقها على ذريَّتك، فهي أسلمُ وأحكمُ النظريات على الإطلاق لتجمع العلم والعمل جميعًا.
الرابعة والعشرون: تذكَّر يوم أن كنت شابَّا صغيرًا: ما واقعك؟ وما أخطاؤك؟ وكيف كنتَ؟ فخُذ من تلك الحال درسًا لهذه الحالة الراهنة مصححًا ومتمِّمًا ومسددًا، فهذه أخي الكريم مجموعة نصائح لعلها تكون من الزاد التربوي لي ولك أيها الأب ولك أيتها الأم في تربيتنا لأولادنا، أسأل الله تبارك وتعالى لنا جميعًا صلاح النية والذرية، وأن يجعلهم قرة عينٍ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قبسات من التربية النبوية
محمد بن سالم بن علي جابر
1- أخرج البخاريُّ في كتاب العِلْم، عن ابن عبَّاس - رضِي الله عنْهما - قال: ضمَّني رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وقال: ((اللَّهُمَّ علِّمْه الكتاب)).
فهذا أسلوب نبويٌّ في التَّربية والدَّعوة والتَّعليم، ما أروعَه! إنَّه أسلوب التودُّد، والملاطفة، والدُّعاء، إنَّه تواضع وتربية على التَّواضع، ودعوة إليْه بالقدوة الحسنة، إنَّه تعليم منه بسلوكِه إلى الأسلوب الأمثل في تأليف القلوب، فبهذا المعنى ينبغي أن يهتمَّ المربِّي والداعية.
2- أخرج البخاري في كتاب العلم أيضًا، عن ابن مسعود - رضِي الله عنه - قال: "كان النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يتخوَّلُنا بالموعِظة في الأيَّام؛ كراهة السآمة عليْنا".
هذا أسلوب نبويٌّ آخَر في الدَّعوة والتربية، وسط بين الإفْراط والتَّفريط؛ ذلك أنَّه يُراعي الظُّروف النفسيَّة للسَّامعين، فيتحدَّث حين يكون للحديث قابليَّة أفضل، واستعداد أحسن؛ لتلقِّي كلِمات المتكلم وفَهْمِها واستيعابها، كما أنَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يراعي سنَّة التدرُّج الطَّبيعي في التَّربية، ويطلب الإقْناع الرَّاسخ الثَّابت، ولو جاء بطيئًا.
3- أخرج البخاري في كتاب العلم أيضًا، عن عبدالله بن عبَّاس - رضِي الله عنْهما -: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - "بعثَ بكتابِه رجُلاً، وأمره أن يدْفَعه إلى عظيم البحْرَين، فدفعه عظيمُ البحرَيْن إلى كِسْرى..."؛ الحديث.
فنجِد هنا من الأساليب النبويَّة في التَّربية والتَّعليم: استِخْدامَ الرَّسائل، وجَميع الوسائل المتاحة المشْروعة، فإذا تهيَّأت أسباب أُخْرى للدَّعوة، فينبغي أن يأْخُذَ بها الدَّاعية، سواء أَكانتْ إذاعة مسْموعة، أم مرئيَّة، أم شريطًا مسجَّلاً، أم كتابًا، أم صحيفة، أم مُكالمة هاتفيَّة، أم غير ذلك.
4- أخْرج البُخاريُّ عن أنس بن مالِك - رضِي الله عنْه - قال: "كتبَ النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم – كتابًا - أو أراد أن يكتب - فقيل له: إنَّهم لا يقرؤون كتابًا إلاَّ مختومًا، فاتَّخذ خاتمًا من فضَّة نقشُه: محمَّد رسول الله".
يُستفاد من الحديث: أسلوبٌ نبويٌّ في الدَّعوة والتَّربية، ألا وهو التعرُّف على حال المدْعُوِّين والمربِّين؛ لمراعاة أسباب استجابتِهم.
5- أخْرج البخاري عن معاوية - رضِي الله عنْه - قال: سمعتُ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول:
((مَن يُرِد الله به خيرًا يفقِّهه في الدِّين...))؛ الحديث.
ففي الحديث تربيةٌ على الفِقْه في الدِّين، ودعْوة إليْه، فما أحْرى المسلمَ أن يقِف عند معنى هذه التَّربية، وهذه الدَّعوة! والدَّاعيةُ إلى الإسلام هو أوْلى المسلمين بالفِقْه في الدين؛ حتَّى يدْعو إليْه على بصيرة.
6- عن عُمَر بن أبي سلمة - رضِي الله عنْهُما - قال: قال لي رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -:
((يا غُلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينِك، وكُلْ ممَّا يَليك))؛[1] متَّفق عليه.
تربية الصِّغار على الآداب الفاضلة، والأخْلاق الحسنة - ومنْها أدب الطَّعام - مع اللطف واللين في ذلك؛ حتَّى يصبحوا أفرادًا صالحين في المجْتمع والأمَّة.
7- عن أبِي هُرَيْرة - رضِي الله عنْه -: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((أتَدْرون ما الغِيبة؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذِكْرك أخاك بِما يكره))[2]؛ الحديث.
استِخْدام أسلوب الحِوار في التَّربية؛ لغرض إثارة عواطف المربِّي وانفعالاتِه في سبيل تَحقيق سلوكٍ طيب، أو الابتِعاد عن سلوك شرير.
8- عن عبدالله بن عُمر - رضِي الله عنْهُما - قال: سَمعت رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((انطلقَ ثلاثةُ نفر ممَّن كان قبلكم، حتَّى أواهم المبيت إلى غارٍ فدخلوه..))[3]؛ الحديث.
استِخْدام أسلوب القصص في التَّربية؛ لتنبيه ذهْن المربي أو تَحريك عواطفه نَحو أمر من الأمور المهمَّة، أو غير ذلك، وفي هذه القصَّة بيان أهميَّة إخلاص العمل الصَّالح لله، والتوسُّل به إلى الله لتفريج الكُرُبات.
9- عن أبي هُرَيْرة - رضِي الله عنْه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((ما اجتمع قومٌ في بيْتٍ من بُيوت الله يتْلون كِتاب الله، ويتدارسونَه بيْنَهم، إلاَّ نزلت عليْهِم السَّكينة ...))[4]، الحديث.
في الحديثِ إشارةٌ إلى الوظيفة التَّربويَّة للمسجِد، حيثُ يربَّى المسلمون فيه على الفضيلة، وحبِّ العلم،
ومعرفة ما لَهم وما عليْهِم ... إلخ.
10- قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((صلُّوا كما رأيْتُموني أصلِّي))[5]، وقال: ((خذوا عني مناسِكَكم))[6].
لأنَّ حبَّ التَّقليد غريزةٌ تَكْمُن في نفوس البشَر جميعًا؛ فعلى المربِّي القُدْوة استغلال هذه النَّاحية في النَّاس، فيربيهم بأفعاله، ويلْفِت نظرهم إلى الاقتداء به.
11- عن ابن عمر - رضِي الله عنهما - عنِ النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((لا تتركوا النَّار في بيوتِكم حين تنامون))[7]؛ متَّفق عليه.
تربية النَّاس - وبخاصَّة الصِّغار - على اتِّباع إرشادات الأمْن والسَّلامة، ومن ذلك تعْويدهم على إطْفاء النَّار عند النَّوم في بيوتِهم.
12- عن عبدالله بن عُمَر: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سابَقَ بين الخيل التي أُضْمِرت من الحفياء وأمدُها ثنية الوداع، وسابقَ بين الخيل التي لم تُضْمر من الثَّنية إلى مسجد بني زريق"[8].
اهتِمام التَّربية الإسلاميَّة بتنمية الجِسْم، وتربية الجوارح، بواسطة الرِّياضات المباحة؛ كالسِّباق والسِّباحة وركوب الخيل، وتوجَّه هذه الطَّاقات الجسميَّة نحو خير الإنسان والمجتمَع، وتُحَذَّر من البطْش والاعتِداء.
13- عن جابر - رضِي الله عنْه -: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - مرَّ بالسُّوق والنَّاس كَنَفَتيْه، فمرَّ بِجدْي أسكَّ ميِّت فتناوله، فأخذ بأُذُنه، ثم قال: ((أيُّكم يحبُّ أن يكون هذا له بدِرْهم؟))، فقالوا: ما نُحبُّ أنَّه لنا بشيء، وما نصنع به؟! ثم قال: ((أتُحبُّون أنَّه لكم؟)) قالوا: والله لو كان حيًّا كان عيبًا أنَّه أسكُّ، فكيف وهو ميت؟! فقال: ((فوالله، لَلدُّنيا أهون على الله من هذا عليْكُم))[9].
يظْهر في هذا الحديث عدَّة أساليب نبويَّة تربويَّة، هي:
♦ أسلوب الحوار الخطابي التنبيهي.
♦ استخدام ذوات الأشْياء لتكون هي الوسائل الحسِّيَّة المعِينة على الفهم والوضوح.
♦ ضَرْب المثل، حيث مثَّل لهم الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - هوانَ الدُّنيا على الله بِهوان هذا الجدْي عندهم.
14- عن عبدالله بن زيد بن عاصم قال: لمَّا أفاء الله على رسولِه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يوم حُنَيْن، قسم في النَّاس في المؤلَّفة قلوبُهم، ولَم يُعْطِ الأنصار شيئًا، فكأنَّهم وجدوا؛ إذْ لَم يُصِبْهم ما أصاب النَّاس، فخطبهم فقال: ((... أتَرْضَون أن يذهب النَّاس بالشَّاة والبعير، وتذهبون بالنَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إلى رحالكم؟ لولا الهِجْرةُ، لكنتُ امرأً من الأنصار، الأنصار شِعار والنَّاس دثار))[10]؛ الحديث.
مراعاة المربِّي للحالة النفسيَّة لدى طلاَّبه وأتباعه، وتطْيِيبه لخواطرِهم إذا وجدوا عليْه بالكلمة الطَّيبة، والثَّناء الحسن بما هم أهلُه.
15- قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إذا مات ابنُ آدمَ، انقطع عملُه إلاَّ من ثلاث: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدْعو له))[11].
في الحديث دلالة واضحة على أهمِّيَّة تربية الأب لأبنائِه وبناتِه، وأنَّه لا تقرُّ عينُه بِهِم في الدُّنيا فقط؛ بل إنَّ خيرَهم يصِل إليْه حتَّى بعد موته؛ وذلك بدعائِهم له؛ ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ [الفرقان: 74].
16- عن النعمان بن بشير - رضِي الله عنْهُما -: أنَّ أباه أتى به رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فقال: إني نَحلتُ ابني هذا غلامًا كان لي، فقال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((أفعلتَ هذا بولدِك كلِّهم؟)) قال: لا، قال: ((اتَّقوا الله واعْدِلوا في أولادِكم))، فرجع أبي، فردَّ تلك الصدقة؛ متَّفق عليه.
ينبغي للمربِّي - وبخاصَّة الأب - أن يلتزم العدْل في تعامُلِه مع مَن يربِّيهم، فلا يقرِّب بعضَهم دون بعض، أو يعطي قسمًا دون قسم، وإن دعت الحاجة إلى شيءٍ من ذلك - كما جاء في قصَّة الأنصار - فمن الحكمة أن يطيِّب خاطر البقيَّة بالكلِمة الحسنة والثَّناء الجميل، ونَحو ذلك.
17- عن أبِي هُرَيْرة - رضِي الله عنْه -: أنَّ الأقرعَ بن حابسٍ أبْصر النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يُقَبِّل الحسن فقال: إنَّ لي عشرةً من الولد، ما قبَّلتُ واحدًا منهم، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إنَّه مَن لا يرحَم لا يُرحم))؛ متَّفق عليه.
ينبغي للأبِ المربِّي أن يفيض لطفًا وحنانًا على أولادِه؛ حتَّى يَأْنسوا به ويسمعوا له، ويحذَر من القسْوة الشَّديدة عليْهِم؛ لأنَّها تسبِّب النَّظرة والوحْشة، وإن كانت القسْوة المعتدِلة قد تكون مطلوبةً - بل لازمةً - في بعض الأحيان؛ كما قال الشَّاعر:
فَقَسَا لِيَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ حَازِمًا فَلْيَقْسُ أَحْيَانًا عَلَى مَنْ يَرْحَمُ18- عن أبي أُمامة: أنَّ غلامًا شابًّا أتى النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فقال: يا نبيَّ الله، أتأذَنُ لي في الزِّنا؟ فصاح النَّاس به، فقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((قرِّبوه، ادْن))، فدنا حتَّى جلس بين يديْه، فقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((أتُحبُّه لأمِّك؟)) قال: لا، قال: ((كذلِك النَّاس لا يحبُّونه لأمَّهاتِهم، أتحبُّه لابنتِك؟)) قال: لا، قال: ((كذلِك النَّاس لا يحبُّونه لبناتِهم، أتُحبُّه لأختك؟)) قال: لا، قال: ((كذلِك النَّاس لا يحبُّونه لأخواتِهم)) ثُمَّ ذكر له العمَّة والخالة، وهو يقول في كلِّ واحدة: لا، جعلني الله فِداك، فوضع رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يدَه على صدْرِه، وقال: ((اللَّهُمَّ طهِّر قلْبَه، واغْفِر ذنبَه، وحصِّن فرْجَه))، فقام من بين يدَيْ رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وليس شيء أبْغض إليْه من الزِّنا؛ رواه أحمد.
المتأمِّل في هذا الحديث يَخرج بعدَّة فوائدَ تربويَّةٍ، منها:
♦ إدْخال الأمن والطُّمأنينة في نفس المربَّى إذا حدث ما يخيفه؛ حتَّى يصير مهيَّأً للاستِجابة؛ وذلك من قولِه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - له: ((ادن)) بعد أن صاح به النَّاس.
♦ استِخدام أسلوب الحوار العقْلي؛ لإقناع المخاطَب بأمرٍ ما.
♦ تلطُّف المربِّي ودعاؤه لمن يربِّيهم.
نفعنا الله بما علِمْنا، وعلَّمنا ما ينفعُنا، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحابته، والتَّابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين ، وآخِرُ دعْوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــ
[1] البخاري (9/ 458)، مسلم (2022).
[2] مسلم (2589).
[3] البخاري (4/ 340)، مسلم (2743).
[4] مسلم (2699).
[5] البخاري: (ك10 / ب 18).
[6] أحمد: (3/ 337، 338)، مسلم: (ك 15/ حديث 310).
[7] البخاري: (11/ 71)، مسلم (2015).
[8] فتح الباري.
[9] مسلم (2957).
[10] البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف.
[11] مسلم (2589).
بحث من عملي
التوقيع لا يظهر للزوار ..
قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
كيف وصلت إلينا السنة النبوية الشريفة؟ ومتى تم تجميعها؟ | حنين الروح123 | السنة النبوية الشريفة | 2 | 10-11-2018 02:22 AM |
"التنسيق" يعيد فتح باب التقدم لاختبار القدرات الاثنين والثلاثاء | نسائم الرحمة | منتدى عدلات التعليمي | 6 | 09-11-2018 02:01 AM |
تغريدات الشيخ موسى بن راشد العازمي عن السِّيرَةِ النَّبَويِّة | طُمُوحي الجنّة | السنة النبوية الشريفة | 22 | 20-09-2018 10:47 AM |
التربية الخاصة مفهوم التربية الخاصة،اهداف التربية الخاصة،مبادئ التربية الخاصة | ربي رضاك والجنة | ذوي الاحتياجات الخاصة | 2 | 10-05-2017 03:56 AM |
ننشر الكليات المتاحة لطلاب “القسم الأدبى” بالثانوية العامة | سارة سرسور | المرحلة الجامعية | 9 | 01-08-2015 04:31 PM |
جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع