ليلةُ القَدرِ، فَضلُها، وما يُشرَع فيها، ووقتُها فضلُ ليلةِ القَدرِ ما يُشرَعُ في ليلةِ القَدرِ. القيامُ.
الاعتكاف. الدُّعاء. العَمَلُ الصَّالِحُ. وقتُ ليلةِ القَدرِ وعلامَتُها. وقتُ ليلةِ القَدْرِ.
هل ليلةُ القَدْرِ تتنقَّلُ أم هي ثابتةٌ؟. بقاءُ ليلةِ القَدْرِ. علامةُ ليلةِ القَدْرِ.
المطلب الأول: ليلةُ القَدرِ، فَضلُها، وما يُشرَع فيها، ووقتُها
الفرع الأول: فضلُ ليلةِ القَدرِ
(وفي سبَبِ تَسمِيَتِها بليلةِ القَدرِ عِدَّةُ أقوالٍ؛
أهمها: أنَّها سُمِّيَتْ بلَيلةِ القَدرِ، مِنَ القَدْرِ وهو الشَّرفُ. وقيل: لأنَّه يُقَدَّرُ فيها ما يكون في تلك السَّنَة. وقيل: لأنَّ للقيامِ فيها قدْرًا عظيمًا. ينظر: المغني لابن قدامة ، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين
• أُنزِلَ فيها القُرآنُ:
قال تعالى: إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1].
• يقَدِّرُ اللهُ سبحانه وتعالى فيها كُلَّ ما هو كائنٌ في السَّنَةِ:
قال تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان: 4-5].
ففي تلك الليلةِ يُقَدِّرُ اللهُ سبحانه مقاديرَ الخلائِقِ على مدارِ العامِ
(هو تقديرٌ ثانٍ؛ إذ إنَّ الله تعالى قد قدَّر كلَّ شيء قَبل أن يخلُق الخلائق بخمسين ألفَ سَنةٍ. ) ،
ويُكتَبُ فيها الأحياءُ والأمواتُ، والنَّاجون والهالكونَ، والسُّعداءُ والأشقياءُ، والعزيزُ والذَّليلُ، وكلُّ ما أراده اللهُ سبحانه وتعالى في السَّنةِ المُقبلةِ، يُكتَبُ في ليلةِ القَدرِ هذه ( (تفسير ابن جرير، تفسير ابن كثير)
• أنَّها ليلةٌ مُبارَكة:
قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان: 3].
• العبادةُ فيها تَفضُلُ العبادةَ في ألفِ شَهرٍ:
قال تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 3].
فالعبادةُ فيها أفضَلُ عند اللهِ مِن عبادة ألفِ شَهرٍ، ليس فيها ليلةُ القَدرِ.
وألفُ شَهرٍ تَعدِلُ: ثلاثًا وثمانينَ سَنَةً وأربعةَ أشهُرٍ (تفسير ابن كثير) .
• ينزِلُ فيها جبريلُ والملائكةُ بالخَيرِ والبَرَكةِ:
قال تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ [القدر: 4].
فتنزِلُ الملائكةُ فيها إلى الأرضِ بالخَيرِ والبَرَكة والرَّحمةِ والمَغفرةِ.
• ليلةُ القَدرِ سَلامٌ:
قال تعالى: سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر: 5]
فهي ليلةٌ خاليةٌ مِنَ الشَّرِّ والأذى، وتكثُرُ فيها الطَّاعةُ وأعمالُ الخَيرِ والبِرِّ، وتكثُرُ فيها السَّلامةُ مِنَ العذابِ؛ فهي سلامٌ كُلُّها.
الفرع الثاني: ما يُشرَعُ في ليلةِ القَدرِ
•المسألة الأولى: القيامُ
يُشرَعُ في هذه الليلةِ الشَّريفةِ قيامُ لَيلِها بالصَّلاةِ.
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((ومن قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقَدَّمَ مِن ذَنبِه)) رواه البخاري ومسلم .
•المسألة الثانية: الاعتكاف
يُشرَعُ في ليلةِ القَدرِ الاعتكافُ؛ فقد كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعتَكِفُ في العَشْرِ الأواخِرِ؛ التماسًا لِلَيلةِ القَدْرِ.
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من كان اعتكَفَ معي، فلْيعتكِفِ العَشرَ الأواخِرَ، وقد أُريتُ هذه الليلةَ ثم أُنسِيتُها، وقد رأيتُني أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ مِن صَبيحَتِها فالتَمِسوها في العَشرِ الأواخِرِ، والتَمِسوها في كُلِّ وِترٍ))
رواه البخاري واللفظ له ومسلم .
•المسألة الثالثة: الدُّعاء
يُشرَعُ الدُّعاءُ فيها والتقَرُّبُ به إلى اللهِ تبارك وتعالى.
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القَدرِ، ما أقولُ فيها؟ قال: قُولي: اللَّهُمَّ، إنِكَّ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فاعْفُ عَنِّي))صحيح الترمذى.
•المسألة الرابعة: العَمَلُ الصَّالِحُ
قال الله تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 3].
قال كثيرٌ مِنَ المُفَسِّرينَ: أي: العَمَلُ فيها خيرٌ مِنَ العَمَلِ في ألفِ شَهرٍ، ليس فيها ليلةُ القَدْرِ؛ ففي تلك الليلةِ يُقسَمُ الخيرُ الكثيرُ الذي لا يُوجَدُ مِثلُه في ألفِ شَهرٍ..تفسير القرطبي .
المطلب الثاني: وقتُ ليلةِ القَدرِ وعلامَتُها
•الفرع الأول: وقتُ ليلةِ القَدْرِ
ليلةُ القَدْرِ في العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ، وهي في الأوتارِ أقرَبُ مِنَ الأشفاعِ، وهو مذهبُ الشَّافِعيَّة ، والحَنابِلة ، وقولٌ للمالكيَّة واختاره ابنُ تيميَّةَ والصنعانيُّ ، وابنُ باز ، وابنُ عُثيمين .
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((تَحَرَّوْا ليلةَ القَدْرِ في الوِترِ مِنَ العَشرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ)) البخاري ومسلم
2- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((التَمِسُوها في العَشرِ الأواخِرِ مِن رمضانَ، ليلةُ القَدْرِ في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبقى))البخاري .
3- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، ((أنَّ رجالًا مِن أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُرُوا ليلةَ القَدْرِ في المنامِ في السَّبعِ الأواخِرِ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أرى رُؤيَاكم قد تواطَأَتْ في السَّبعِ الأواخِرِ، فمن كان مُتَحَرِّيَها فلْيتحَرَّها في السَّبعِ الأواخِرِ))رواه البخاري ومسلم . .
4- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((رأى رجلٌ أنَّ ليلةَ القَدْرِ ليلةَ سَبعٍ وعشرينَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أرى رُؤياكم في العَشْرِ الأواخِرِ، فاطلُبوها في الوِترِ منها)) رواه البخاري ومسلم .
•الفرع الثاني: هل ليلةُ القَدْرِ تتنقَّلُ أم هي ثابتةٌ؟
لا تختَصُّ ليلةُ القَدرِ بليلةٍ مُعَيَّنةٍ في جميعِ الأعوامِ، بل تتنقَّلُ في ليالي العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّة ، والحَنابِلة ، وقولٌ عند المالكيِّة وهو قَولُ أكثَرِ أهلِ العلم .
الأدِلَّة مِن السُّنَّةِ:
1- عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((كنتُ أجاوِرُ هذه العَشْرَ، ثم قد بدا لي أن أجاوِرَ هذه العَشْرَ الأواخِر، فمن كان اعتَكَفَ معي فلْيَثْبُتْ في مُعتَكَفِه، وقد أُرِيتُ هذه الليلةَ، ثم أُنْسِيتُها ، فابتَغُوها في العَشْرِ الأواخِرِ، وابتَغُوها في كلِّ وِترٍ، وقد رأيتُني أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ، فاستهَلَّتِ السَّماءُ في تلك الليلةِ فأمطَرَت، فوَكَف المسجِدُ في مُصَلَّى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ إحدى وعشرينَ، فبَصُرَتْ عيني رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونَظَرْتُ إليه انصَرَفَ مِنَ الصُّبْحِ ووجهُه ممتلئٌ طينًا وماءً))
رواه البخاري واللفظ له ومسلم . .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ أُنَيسٍ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((أُرِيتُ ليلةَ القَدْرِ ثمَّ أُنْسِيتُها، وأُراني صُبْحَها أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ، قال: فمُطِرْنَا ليلةَ ثلاثٍ وعِشرينَ، فصلَّى بنا رسولُ الله، فانصرَفَ، وإنَّ أثَرَ الماءِ والطِّينِ على جَبهَتِه وأنفِه)) مسلم .
•الفرع الثالث: بقاءُ ليلةِ القَدْرِ
ليلةُ القدْرِ موجودةٌ لم تُرفَعْ، وباقيةٌ إلى يومِ القِيامة.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((تَحرَّوا لَيلةَ القدْرِ في الوِتْر من العَشرِ الأواخِرِ مِن رَمضانَ)) رواه البخاري ومسلم . .
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ في شرح مسلم .•الفرع الرابع: علامةُ ليلةِ القَدْرِ
من علاماتِ ليلةِ القَدرِ أنَّ الشَّمسَ تطلُعُ في صبيحَتِها صافيةً، ليس لها شُعاعٌ.
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال:
((... أخبَرَنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّها تطلُعُ يومَئذٍ لا شُعاعَ لها)) مسلم
وفي لفظٍ آخَرَ لِمُسلمٍ عن أبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه:
((وأمارَتُها أن تطلُعَ الشَّمسُ في صبيحةِ يَومِها بيضاءَ لا شُعاعَ لها)) مسلم.
الدرر السنية بترتيبي
التوقيع لا يظهر للزوار ..
جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع