أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي من مفاتيح الرزق (خطبة)

الخطبة الأولى:
الحمد لله الملك العظيم الرزاق، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أرجو بها النجاة يوم التلاقي، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُه ورسولُه، الذي حثَّ أمتَه على العمل وكسبِ الأرزاق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتَّبَع سنته إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته وشُكْرِه على نِعَمِه الكثيرة التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى، ولنعلمْ أنَّ الرِّزْقَ من النِّعم العظيمةِ التي أنعم اللهُ بها على عباده، وأنَّه مقسومٌ من رب العالمين، والرزاقُ هو اللهُ سبحانه؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 58]، وقد جعل اللهُ تعالى الرزقَ مُتفاوتًا بين الخَلْقِ لِحِكمٍ عظيمةٍ منها: ليخْدمَ بَعضُهم بعْضًا؛ كما قال عز وجل: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [الزخرف: 32]، يقول القرطبي في تفسيره: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؛ أي: أفقرنا قومًا وأغنينا قومًا، قال قتادة: تلقاه ضعيفَ القُوَّةِ، قليلَ الحيلةِ، عَييَ اللسانِ، وهو مبسوطٌ له، وتلقاه شديدَ الحيلةِ، بسيطَ اللسانِ، وهو مُقتَّرٌ عليه"[1].
ومن حِكَم تفاوت الرزق بين الخلق: قمْعُ البغي؛ كما قال سبحانه: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: 27]، يقول ابن كثير: "أي: لو أعطاهم فوقَ حاجتِهم من الرزق، لحملَهم ذلك على البغْي والطُّغيان من بعضهم على بعض، أشَرًا وبَطَرًا. وقال قتادة: كان يقالُ: خيرُ العيش ما لا يُلهيك ولا يُطغيك. وقوله: ﴿وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾؛ أي: ولكن يرزقُهم من الرزق ما يختارُه مما فيه صلاحُهم، وهو أعلم بذلك"[2].
ومن تلك الحِكَم أيضًا: الابتلاءُ والاختبار؛ كما قال عز وجل: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35]، يقول البغوي في تفسيره: ﴿وَنَبْلُوكُمْ﴾: نختبرُكم،﴿بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ﴾ بالشِّدَّة والرَّخاء، والصحة والسَّقَم، والغِنى والفَقْر، وقيل: بما تحبون وما تكرهون، ﴿فِتْنَةً﴾ ابتلاءً لننظرَ كيف شُكرُكُم فيما تُحبون، وصبرُكُم فيما تكرهون"[3]، ويقول الطبري في تأويل قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [العنكبوت: 62]: "يقول تعالى ذكرُه: اللهُ يُوسِّعُ من رزقه لمن يشاءُ من خَلْقِه، ويُضيِّقُ فيُقتِّرُ لمنْ يشاءُ منهم، يقول: فأرزاقُكم وقِسْمتُها بينكم أيها الناسُ بيدي، دونَ كُلِّ أحدٍ سواي، أبْسُطُ لمن شئتُ منها، وأقتِّرُ على من شِئت"[4]، ويقول ابنُ كثيرٍ في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: 36] "أي: يُعطي المالَ لمن يُحِبُّ ومن لا يُحِب، فيفقِرُ من يشاءُ ويُغني من يشاء، وله الحِكمةُ التامةُ البالغة، والحجةُ الدامغةُ القاطعة"[5].
عباد الله، ولقد هيَّأ اللهُ لعباده في هذا الكون أسبابَ الرزق ووسائلَه: فأرضٌ مبسوطةٌ فيها عواملُ العيش، وسماءٌ تَسكُبُ الغيثَ على الأرض فتُنبِتُ من كلِّ زوجٍ بهيج، قال تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا *وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [عبس: 24 - 32]، وخلَقَ لهم من الأنعام ما فيه طعامُهم وشرابُهم، ولباسُهم وركوبُهم، وسخَّرَ لهم وأرشدَهم إلى ثروات الأرضِ الطبيعية؛ قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: 71 - 73].
وخلَقَ لهم الأعضاءَ التي بها يكتسبون، والعقولَ التي بها يُصلِحونَ أمرَ معيشتِهم ويَسْعَدون، قال تعالى:﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: 78]، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، إنه تعالى جواد كريم، ملك بر رؤوف رحيم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المُجتبى، وعلى آله وأصحابه الأخيار الأوفياء؛ أما بعد:
فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته، ولنعلمْ أنه حينما حثَّ دينُنا الحنيفُ على طلب الرزق فإنه قد حَرَّمَ كلَّ طريقٍ مشبوهٍ لأخْذِ الرزق وتحصيلِه، فحرَّمَ السَّرِقةَ والسَّلبَ والنهبَ والغَصْبَ والغِشَّ والتدليسَ والكذبَ في البيع والشراءِ، وغيرَ ذلك من الأساليب المحظورة، وحَثَّ الإسلامُ على العمل وطلبِ الرزق وبذْلِ الأسباب مع كمالِ التوكلِ على الرزَّاق الكريم؛ لأنَّ الرزقَ يحتاجُ إلى بذْلِ الأسبابِ المشروعةِ، ولا يَنزِلُ على مُتكاسلٍ أو مُتواكل، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15]، ونهى الإسلامُ عن تكفُّفِ الناس وسؤالِهم والذُّلِ لهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ((والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَأَنْ يَأْخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَه، فيَحْتَطِبَ علَى ظَهْرِه خَيْرٌ له مِن أنْ يَأْتيَ رَجُلًا، فيَسْأَلَه، أعْطاهُ أوْ مَنَعَه))[6].
عباد الله، ومن مفاتيح الرزق:
1- تقوى الله تعالى؛ كما قال الله سبحانه: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 2، 3].
2- ومن مفاتيح الرزق: التَّوكُّلُ على اللهِ مع الأخْذِ بالأسباب المُمْكنةِ المشروعة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنَّكُمْ توكلتم على الله حق تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكم كما يَرْزُقُ الطيرَ تَغدو خِماصًا وتَروح بِطانًا))[7].
3- والدُّعاءُ من الأسباب العظيمة للرزق والخير، وهو بابٌ مفتوحٌ لِكُلِّ مَسألةٍ مشروعةٍ من أمور الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].
4- ومن مفاتيح الرزق: استغفارُ اللهِ تعالى استغفارًا صادقًا؛ قال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10- 12].
5- ومن مفاتيح الرزق: الاستقامة؛ قال تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: 16].
6- ومن الأسباب الجالبةِ للرزق: الزواجُ من أجْلِ العفافِ، قال تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: 32]
7- وشكرُ النِّعَمِ يحفظُ الرزقَ الموجودَ ويَجْلِبُ إليه المزيد بإذن الله؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
8- ومن أسبابِ الرزق ومفاتيحِهِ: الإحسانُ إلى الضعفاء والفقراء وبذلُ العونِ لهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل تُنصرونَ وتُرزقون إلا بِضُعفائكم))[8].
9- ومن أسباب زيادة الرزق: بِرُّ الوالدين وصِلةُ الرَّحِم، ففي الصحيحين عن أنسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ))[9].
10- ومن مفاتيح الرزق وأسبابه العظيمة: الصدقةُ والإنفاقُ في وجوه الخير؛ قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: 39].
فاتقوا الله – عباد الله – وصلوا وسلموا على محمدٍ رسولِ الله، فقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللهُ عليه بها عَشْرًا)).
[1] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1427هـ- 2006م، بيروت تحقيق د. عبدالله التركي وآخرين، 19/ 36-37.

[2] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 4/ 124.

[3] البغوي، معالم التنزيل، 5/ 318.

[4] الطبري، جامع البيان، 6/ 86.

[5] الرفاعي، تيسير العلي القدير، لاختصار تفسير ابن كثير، 3/ 538

[6] صحيح البخاري، رقم: 1470.

[7] أخرجه الترمذي (2344) واللفظ له، وابن ماجه (4164)، وأحمد (205).





[8] صحيح البخاري، رقم: 2896.

[9] أخرجه البخاري (2067)، ومسلم (2557) باختلاف يسير.


شبكة الالوكة





قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
المجاعات وإشكالية الرزق عند الملاحدة والمشككين امانى يسرى العقيدة الإسلامية
مفاتيح الرزق أم أمة الله صوتيات ومرئيات اسلامية
أسباب ضيق الرزق تجنبها لتنعم برزق وفير العدولة هدير المنتدي الاسلامي العام
خطبة الجمعة بين الإطالة والإقصار حياه الروح 5 المنتدي الاسلامي العام
أدعية لجلب الرزق , ادعية لزيادة الرزق, افضل ادعية لجلب الرزق العدولة هدير المنتدي الاسلامي العام


الساعة الآن 08:15 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل