أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي وعظة إيمانية تربوية (وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ)

ضربَ اللهُ تعالى مثلًا صراطًا مستقيمًا ، وعلى جنْبَتَيِ الصراطِ سورانِ ، فيهما أبوابٌ مُفَتَّحَةُ ، وعلَى الأبوابِ ستورٌ مُرْخَاةٌ ، وعلى بابِ الصراطِ داعِ يقولُ : يا أيُّها الناسُ ! ادخلوا الصراطَ جميعًا ولَا تَتَعَوَّجوا ، وداعٍ يدعُو مِنْ فَوْقِ الصراطِ ، فإذا أرادَ الإِنسانُ أنْ يفتحَ شيئًا مِنْ تِلْكَ الأبْوابِ قال : وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ ، فإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ ، فالصراطُ الإسلامُ ، والسُّورانِ حدودُ اللهِ ، والأبوابُ الْمُفَتَّحَةُ محارِمُ اللهِ تعالى ، وذلِكَ الدَّاعِي على رأسِ الصراطِ كتابُ اللهِ ، والداعي مِنْ فوقٍ واعظُ اللهِ في قلْبِ كُلِّ مسلِمٍ


الراوي : النواس بن سمعان الأنصاري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 3887 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه الترمذي (2859)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11233)، وأحمد (17634)



وعظة إيمانية تربوية بعنوان:


(وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ)


وَيْحَك: كلمة زجر، تُقال لمن وقع في هَلَكَةٍ لا يستحقها.

والمعنى: أن هناك أبوابًا كثيرةً من الشر والفتن، والشهوات والشُّبُهات تُعرَض أمامك ليلَ نهارَ، فإذا عَرَضَ لك باب منها، تذكَّر هذه النصيحة وهذه الوصية: ((وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ؛ فإنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ)).

‏وهي جزء من حديث نبوي عظيم، ينبغي التذكير به، وأن يتخذه المرء شعارًا دائمًا في التعامل مع فتن الشهوات والشبهات، التي عمَّت وطمَّت في هذا الزمان.

‏لأن خطورة ومشكلة الفتن هي في الخطوات الأولى، وفتح الباب المؤدي إليها، والذي من وَلَجَهُ ربما يَتُوه ويتخبَّط، ويسقط في بئر لا قرار لها، أو بحر هائج إذا نزل فيه من لا يُحْسِن العوم، خَطَفَتْهُ الأمواجُ وصار من الْمُغْرَقين.

‏فضلًا عن أن الممنوع عند البشر دائمًا مرغوب، فلو أنك وضعت لافتة أمام منزل من المنازل المهجورة والمناطق المحظورة: "لا تفتح الباب"، لَدَفَعَ الفضولُ الكثيرَ للدخول، وكأنهم يرَونها ويقرؤونها: "افتح الباب".

‏ولو تأملت، ونظرت لواقع الناس في هذا الزمان، فستجد أبوابًا من الفتن، وطوفانًا من الشهوات يصب علينا ليلَ نهارَ، ما بين شاشات وقنوات، وهواتف ومواقع وشبكات، فضلًا عما آل إليه المجتمع من تهاون واستسهال، واختلاط بين الرجال والنساء، حتى صارت المعصية قريبة وسهلة جدًّا، بل إنها داخل جيبك.

‏وتجاه هذا الواقع اختلفت وتنوعت ردود أفعال الناس، حتى الملتزمين منهم:
فمنهم من عمِل بهذه الوصية النبوية، فلم يفتح ما طرأ أمامه من أبواب، ولا يزال ثابتًا على العهد لم يتغير ولم يتبدل، قابضًا على الجمر، مستمسكًا بدينه، متحصنًا بأسوار العفاف، تتحطم أمواج الشهوات على صخرة إيمانه، ولِمَ لا وهو يجدد إيمانه، ويتعاهده يومًا بعد يوم؟

ومنهم من استسهل واسترسل، وأرخى لنفسه العِنان في مواقعة الحرام، وولغ في مستنقع الشهوات، فبعد أن كان يتحفظ من النظرة الحرام، والكلمة الحرام، صار مدمنًا لمطالعة تلك المشاهد الفاضحة، والشهوات المحرمة.

وهذا التوجيه النبوي ربما يحتاجه المرء حتى في التعامل مع الأبواب المحسوسة؛ فالخبراء الأمنيون في توجيهاتهم لرواد الفنادق وغيرها يقولون:
1- افحص العين السحرية في باب غرفتك الفندقية، وإذا لاحظت أنها تالفة أو تم التلاعب بها، فاطلب الانتقال إلى غرفة أخرى.

2- وإذا سمعت طرقًا على الباب، ونظرت من العين السحرية ولم تَرَ أحدًا، فلا تفتح باب غرفتك، واتصل على الفور بموظف الاستقبال.

((وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ؛ فإنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ)).

ومن هذا المنطلق، ولأجل زيادة الحصانة لأهل الإيمان، وانتشال من واقعوا الحرام؛ كان عنوان هذه الموعظة الإيمانية: ((ويحك لا تفتحه))، هي بمثابة جُرْعات تحصينية، أو قُلْ: تطعيم للثابتين، فإن هذه الجرعات التي يفعلها أهل الطب لا يلزم أن يكون من يتعاطها مريضًا، لكنها من باب التحصين، وأخرى علاجية لمن أُصيب وتلوَّث بشيء من هذه الشهوات المحرمة، مع ذكر نماذج وصور وقصص لهؤلاء وهؤلاء.

‏ تعالَوا لنبدأ ...

روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي، وصححه الألباني، عن النواس بن سمعان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ضرب الله تعالى مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جَنَبَتِيِ الصراط سوران، فيهما أبواب مُفتَّحة، وعلى الأبواب سُتُور مُرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: يا أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعًا ولا تَعُوجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ؛ فإنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ - وهذا هو الخطر - قال: فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله تعالى، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق واعظُ الله في قلب كل مسلم)).

ومن هذا الحديث كان عنوان هذه الموعظة: ((وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ؛ فإنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ))، وصية من الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم، الحريص على المؤمنين في كل زمان ومكان، يقدِّم لنا هذه الوصية: ((وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ؛ فإنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ))؛ لتكون صالحة لكل زمان ومكان، وتتأكد في هذا الزمان الذي أصبح فيه الوصول إلى المعصية سهلًا وميسورًا، وبأسهل ما يكون.

‏فهذا الشاب الذي يمسك جهازه يبحث عن بعض الأخبار والمتابعات التي يحتاجها، فلربما عرَض له شيء من الحرام لكنه غير واضح، وغير ظاهر، فيحتاج للمسة واحدة، فتأتيه هذه الوصية النبوية: ((وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ؛ فإنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ)).

‏وهكذا في كل باب من أبواب الحرام بينك وبينه سِتْرٌ وحجاب، تأتيك هذه الوصية لتقول لك: ((وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ؛ فإنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ)).

‏فكم من أناس ربما ارتدوا عن الدين وكفروا والعياذ بالله بسبب نظرة واحدة، نظرة واحدة تؤدي بالإنسان إلى الكفر؟ نقول: نعم، كما ستسمع.

فكيف تكون النتيجة لهذه الوصية إذا تم امتثالها، وإذا لم تُمتثَل؟ تعالَوا مع هاتين القصتين؛ ليظهر لنا ما نقول.

فتاة صغيرة، بل قُلْ: زهرة صغيرة، يبتسم المستقبل أمامها، تقطع الطريق يوميًّا ذهابًا وإيابًا من وإلى مدرستها، وكانت تلك الفتاة تُظهِر جمالها وشعرها، وبالطبع لم تكن تلك الفتاة بمنأى عن أعين الذئاب البشرية الشاردة؛ لأن المرأة أو الفتاة تعطي صورة لمن أمامها من خلال ثيابها وملابسها، فإن التزمت الحدود الشرعية، فستجد من أمامها يحترم ذلك منها، وإن قصرت في هذه الحدود، وأظهرت ما أمرها الشرع بستره وتغطيته، وَجَدَتْ أثرَ ذلك أيضًا على من أمامها، فهذه الفتاة كانت بذلك مطمعًا لمن أمامها، ولم يَطُلِ الوقت حتى سقط رقم هاتف أحدهم في يدها، ألقى بعض الشباب بورقة فيها رقم هاتفه، فلم تتردد أبدًا في التقاطها - هذه مخالفة النصيحة: ((وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ؛ فإنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ)) - فكان المطلوب منها ألَّا تلتقط هذه الورقة، والمطلوب من هذا الشاب ألَّا ينظر إلى هذه العَورات المكشوفة.

وانظر وتأمل في خطوات الشيطان، فبعد أن التقطت هذه الورقة اتصلت به، وتعرفت عليه، فإذا هو شاب عَزَبٌ، رمى حول صيده الثمين شِباكه، وأخذ يغريها بكلامه المعسول، وبدأت العلاقة الآثِمَة تنمو وتكبُر بينهما يومًا بعد يوم، حتى ألحَّ عليها أن يراها، وبعد طول تردد، وافقت المسكينة، وليتها لم تفعل، في مخالفة صريحة للوصية النبوية: ((وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ؛ فإنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ))، سوَّل لها الشيطان أنه مجرد لقاء وتعارف فقط، وليتها لم تفعل؛ فقد سقطت فريسةً سهلة في المصيدة، وبعد أن استدرجها الذئب البشري إلى منزله، لم يتوانَ لحظةً واحدة في ذبح عفَّتِها بسكين الغدر، وفضَّ بكارتها، ومرت الأيام وهي حُبلى بثمرة وشؤم المعصية، تنتظر ساعة المخاض لتلد جنينًا مشوَّهًا ملوَّثًا بدم العار، وفجأة تكتشف الأم الجريمة، فتصرخ من هول المفاجأة: كيف لابنتها العذراء ذات الأربعة عشر عامًا أن تحمِلَ وتَلِدَ؟ وكيف سيكون وضع هذه الأسرة بين الأقارب والجيران؟ ثم أسرعت الأم إلى الأب لتخبره ليتدارك الأمر، ولكن هيهات فالحمامة قد ذُبِحت وسال دمها، وهذا يظهر لك جليًّا أثر مخالفة هذه النصيحة: ((وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ؛ فإنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ)).

وفي المقابل: تعالَوا لنرى ونسمع قصةً أخرى من قصص العفاف، وتأملوا معي في هذه القصة، وكيف يكون الإصرار على التزام هذه النصيحة، وعدم فتح الباب حتى وإن أحاطت به الفتن والشهوات، وهذه القصة ذكرها القاضي التنوخي رحمه الله في كتابه (الفرج بعد الشدة) قال: "إن رجلًا من الجند خطف امرأةً من الطريق، وأراد الاعتداء عليها، فعرض له بعض الجيران وأرادوا منعه، فقاتلهم هو وغلمانه حتى تفرقوا، وأخذ المرأة بالقوة وأدخلها داره، وأغلق الأبواب، ثم راودها عن نفسها، فامتنعت المرأة، فأكرهها، فقاومته، فأصر على ما يريد، ولحِقها منه عناء شديد، فلما أن أراد أن يفعل ما حرم الله، وجلس منها ما يجلس الرجل من زوجته، لم تستسلم، وقالت له: يا هذا، اصبر حتى تغلق الباب الذي نسيت أن تغلقه، فقال: أي باب هو؟ قالت: الباب الذي بينك وبين الله، إنه الآن يراك، فتأثَّر الرجل الفاجر بهذه الكلمات، فقام عنها، ثم قال: اذهبي قد فرج الله عنكِ، وخرجت المرأة ولم يتعرض لها".

‏فهذه المرأة فعلت ما في وسعها؛ لأنها تعي هذه النصيحة، وتعي خطورة اقتحام هذا الباب: ((وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ؛ فإنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ))، وعلى الله تعالى المعونة، فنجَّاها الله تعالى بإخلاصها وعِفَّتِها.

ولذلك جمعت لكم عَشْرَ وسائل تعيننا بإذن الله تعالى على الاعتصام والتعفُّف، أذكِّر بها نفسي وإخواني، وهي وسائل عملية ليست نظرية، فمن صدق في الأخذ بها، عافاه الله عز وجل من هذه الفتن، خاصة فتنة النساء والشهوات، والصور المحرمة، التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها أخطر الفتن على الرجال على الإطلاق: ((ما تركت بعدي فتنةً أضرَّ على الرجال من النساء))؛ يعني: لا توجد فتنة أضر على الرجال من فتنة النساء.

فإذا كان الأمر كذلك، فينبغي للمرء أن يأخذ بأسباب الحماية منها، حتى ولو كان عفيفًا فيحتاج إلى الحصانة التي تحصِّنه من ذلك، وهي أيضًا بمثابة أطواق نجاة نُلقيها لمن وقعوا في هذا المستنقع، نأخذ بأيديهم إلى الله سبحانه وتعالى.

‏وهذه الأسباب مستنبَطة من قصة يوسف عليه السلام؛ فقد قصَّ الله تعالى علينا هذه القصة لنأخذ منها الدروس والعِبَرَ، ولكي لا يكون لأحدٍ عذرٌ في الوقوع في الشهوات المحرمة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 23 - 25].

‏ فنستخلص من هذه الآياتِ الكريمة الوسائلَ الْمُعِينة للنجاة من فتن الشهوات:
1- أولى هذه الوسائل: أن تعلم أنك مبتلًى، وداخل دائرة الفتنة:
فهذا نبي من الأنبياء تعرَّض لهذه الفتنة، وكذلك أنت أيها الملتزم، لا سيما في هذا الزمان، الذي انتشرت فيه صور النساء؛ حتى لا تكاد تشتري سلعة إلا وتجد عليها صورة امرأة، ولا تطالع جريدة، أو قناة فضائية إلا وتجد صور النساء.


‏ولذلك الرسالة لكل ملتزم، مهما كنت، ومهما كانت درجتك ومكانتك العلمية، فأنت عُرْضَةٌ للفتنة، سواء كنت شيخًا، أو كنت إمامًا، أو كنت عالمًا، كنتَ ما كنت، فأنت عرضة للفتنة والابتلاء والاختبار، وأنت عرضة للمراودة، وقد تكون في صورة مقطع أو صورة عبر قناة فضائية، أو عبر وسائل التواصل المختلفة؛ يقول ابن القيم رحمه الله ما معناه: "إن الإنسان قد يُصاب بالعُجب والغرور لكثرة أعماله، فيبتليه الله تعالى بهذه الفتنة؛ لتكسِرَ هذا الغرور والعُجب".

2- الوسيلة الثانية: يُبتلَى الرجل على قَدْرِ دينه، فاثبُت يا عبدالله، مهما كانت الفتنة شديدة.
وتأمل طبيعة الفتنة التي حصلت ليوسف عليه السلام: كان غريبًا، وهو مع ذلك عزب، وهو في بيت المرأة المراوِدة، وهي جميلة، وهي ذات منصب، وقد توعَّدته بالعقوبة وهدَّدته، وكذلك غلَّقت الأبواب، وغاب الرقيب، بل الأدهى من ذلك أنها هي الداعية هي الطالبة، وهذا عزيز في المرأة، فالمرأة طبعها الحياء حتى مع زوجها، ومع ذلك كله قال: ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ ﴾ [يوسف: 23]، اعتصم بالله تعالى، فنجَّاه الله.

3- الوسيلة الثالثة: يا أيها المتجرئ على الشهوات المحرمة، احذر فوات الفلاح.
وفوات الفلاح: هو لمن فتح الباب ووَلَجَ، لمن فتح الباب ووَلَغَ في الشهوات، فأين هذا من الآيات؟ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف: 23].

‏فهذا الذي يتجرأ على الحرمات وينتهك الحدود؛ نقول له: ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف: 23]، فكل من قارف هذه الشهوات المحرمة، فهو ظالم، ولن يفلح أبدًا.

4- الوسيلة الرابعة: حقِّق العبودية تنجُ: قال الله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ﴾ [يوسف: 24]، ما هو السبب؟ ﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24]، لم يقل: من النبيين أو المرسلين، فكلما قَوِيَ جانب العبودية في القلب، كان البعد عن المعصية، والنجاة من الحرام.

5- الوسيلة الخامسة: عليك بالفرار إذا ما حُوصِرتَ من الفتن والشهوات.

وهذا المشهد موجود في القصة: ﴿ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ ﴾ [يوسف: 25]، هو يجري للهرب، وهي تجري تريد الفاحشة، تأمل إلى جرأتها.

‏وفي قصة فتنة الدجال، وهي أعظم فتنة تواجهها البشرية؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سمِع بالدجال فَلْيَنَأَ عنه، فوالله إن الرجل لَيأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به من الشُّبُهات، أو لِما يبعث به من الشبهات)).

‏فأعظم درس يستفاد من هذه القصة: الهروب من مكان المعصية، وهو التطبيق العملي للنصيحة النبوية: ((وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ؛ فإنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ)).

ولذلك يقولون: الدفع أسهل من الرفع؛ فلا تغترَّ بالتزامك، أو بثباتك، وبُعْدِك عن المعصية؛ فهذا نبي من الأنبياء هرب من مكان المعصية: ﴿ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ ﴾ [يوسف: 25]، فكذلك نحن لسنا أقوى من يوسف عليه السلام، ولسنا أفضل منه.

‏فكم من مغرورٍ بنفسه، استدرجه شيطانه وهواه، فخاض في أبواب الفتن والشهوات من باب الفضول، أو حب الاستطلاع كما يقولون، أو التجرِبة العابرة؛ ظنًّا منه أن الأمر يسير، وأن العاقبة مأمونة، وأن خط الرجعة سهل، فسقط في الوَحْلِ، وتشرَّب الفتن حتى أدمنها، وحِيل بينه وبين الرجوع: ﴿ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ﴾ [التوبة: 49]!

‏وخطورة الأمر الذي ربما يغيب عن الكثيرين، أنه ربما يكون المرء في وقت ما قويًّا إيمانيًّا والتزامًا، لكن يأتي وقت آخر ويكون فيه ضعيفًا، فيقع في المحظور؛ ولذلك يقولون: احترم وقت ضعفك؛ فاحذر أن تفتح باب الشهوة المحرَّمة، وتَدَعَ نفسك لهذه الشهوة حتى تصل إليها، وتدخلها، فتحاول الرجوع فلا تستطيع.

6- الوسيلة السادسة: لا تتراجع وإن تعقدت المشكلة.




والمعنى: لا تعالج المعصية بمعصية؛ ولذلك عندما ازدادت شدة الفتنة على يوسف عليه السلام وأصبح يقاوم النسوة كلهن؛ كما قال تعالى: ﴿ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يوسف: 32، 33]، ومع ذلك صبر واعتصم بالله، فنجَّاه الله تعالى.

7- الوسيلة السابعة: تذكَّر أن عقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة.
قال الله تعالى عن يوسف عليه السلام: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ [يوسف: 33]؛ قال القرطبي رحمه الله: "ولو أُكْرِه رجلٌ بالزنا ما جاز له ذلك، إجماعًا".

‏وتأمل في قصة توبة ماعزٍ والمرأة الغامدية رضي الله عنهما: ما الذي دفعهم إلى تعجيل التوبة وطلب إقامة الحد؟ إنه الخوف من عقوبة الآخرة؛ لأن الحدود الشرعية شُرِعت لتطهير العبد في الدنيا؛ كما في الحديث: ((ومن أصاب من ذلك شيئًا فعُوقب به، فهو كفارته)).

8- الوسيلة الثامنة: أحْسِنِ التعرف على ربك؛ لكي تحسن التعامل معه.
فإن مشكلة كثير من الشباب ممن وقعوا في مستنقع الشهوات المحرمة، هي ضعف التعرف على الله تعالى بأسمائه وصفاته.

‏وتأمل هذه الأسماء الحسنى لله تعالى: الرقيب، والشهيد، والسميع، والبصير، والقريب، والعليم، والحفيظ، واللطيف، والمحيط، والخبير؛ فإن استحضار معانيها، والتعبُّد لله تعالى بمقتضاها يُورِث المراقبة.

9- الوسيلة التاسعة: تفكَّر في نعيم الجنة.
ولذلك لما غابت الجنة عن الذكر، كان الولوغ في المحرمات والشهوات.

‏وتأمل معي: صفات الحور العين، ونعيم الجنة، والتي أعده الله تعالى لمن حفظ نفسه من الشهوات المحرمة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 25]، وقال تعالى: ﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 56 - 60]، وقال تعالى: ﴿ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: 70 - 75]، وقال تعالى: ﴿ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾ [الواقعة: 36، 37].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولكل واحد منهم زوجتان يُرى مُخُّ سُوقِهما من وراء اللحم من الحسن))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ولو أن امرأةً من أهل الجنة اطَّلعت إلى أهل الأرض، لأضاءت ما بينهما، ولَملأته ريحًا، ولَنَصِيفُها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها))، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لو أن حوراءَ أخرجَتْ كفَّها بين السماء والأرض، لافتتن الخلائق بحسنها، ولو أخرجت نَصِيفها – خمارها - لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة في الشمس، لا ضوء لها، ولو أخرجت وجهها، لَأضاء حسنها ما على الأرض))، وفي المسند بسند حسن، عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل لَيتَّكِئُ في الجنة سبعين سنةً قبل أن يتحوَّل، ثم تأتيه امرأته من الحور العين، فينظر وجهه في خَدِّها أصفى من المرآة، وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب، فتُسلِّم عليه، فيرد السلام، ويسألها: من أنتِ؟ وتقول: أنا من المزيد، وإنه لَيكون عليها سبعون ثوبًا، أدناها مثل النُّعمان من طُوبى، فيُنفذها بصره، حتى يرى مخ ساقها، وإن عليها من التيجان، إنَّ أدنى لؤلؤة عليها لَتُضِيء ما بين المشرق والمغرب)).

قال عطاء السلمي رحمه الله: "إن في الجنة حوراء يتباهى أهل الجنة بحسنها، لولا أن الله كتب على أهل الجنة ألَّا يموتوا، لَماتوا من حسنها".

‏وقال يزيد الرقاشي رحمه الله: "بلغني أن نورًا سطع في الجنة لم يَبْقَ موضع من الجنة، إلا دخل فيه من ذلك النور، فقيل: ما هذا؟ قيل: حورية ابتسمت في وجه زوجها".

‏فلو تأمل العاقل حقيقة نساء الدنيا، ولو كانت مَلِكَةَ جمالِ الدنيا، مهما كانت فهي مَبَالٌ في مَبَالٍ؛ حيض، ونِفاس، وعرق، لا تستحق أن تنظر إلى نظرة محرمة.

عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال: "لا تحزن على الدنيا؛ فإن الدنيا ستة أشياء: مأكول ومشروب، وملبوس ومشموم، ومركوب ومنكوح؛ فأحسن طعامها العسل وهو بَزْقَةُ ذبابة، وأكثر شرابها الماء يستوي فيه جميع الحيوان، وأفضل ملبوسها الدِّيباج وهو نسج دودة، وأفضل المشموم الْمِسْكُ وهو دم غزال، وأفضل المركوب الفَرَس وعليها يُقتل الرجال، وأما المنكوح فالنساء، وهو مَبَالٌ في مَبَالٍ".

ولذلك فإننا بحاجة إلى أن نقرأ كثيرًا في وصف الجنة، وفي وصف الحور العين؛ لكي يعرف هذا الْمُضيِّع لهذا النعيم بشهوة محرمة، وأنه خَسِرَ الخُسرانَ المبين.

10- الوسيلة العاشرة: أن يتذكر هذا الذي ولج في باب الشهوات المحرمة، أو فتحه - تلك العقوباتِ التي تَحُلُّ به في الدنيا وفي الآخرة:
أما في الدنيا: ما يكون من الفضيحة، وكذلك من الأمراض والطواعين التي لم تكن في أسلافنا الذين مضَوا، وكذلك ذهاب الإيمان: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن))، والعينان زناهما النظر.

‏ثم يكون في الدنيا الخروج على الخاتمة السيئة، وفي ذلك قصص لا تُحصَر، فكم من شباب انغمسوا في الشهوات المحرمة فساءت خواتيمهم!

‏دخلوا على أحدهم فوجدوه في غرفته عاريًا وقد فاضت روحه، وهو يشاهد المحرمات.

‏وهذه قصة مؤلمة ذكرها ابن كثير رحمه الله وهو يُعدِّد حوادث سنة 278 قال رحمه الله: "وفيها توفي عبده بن عبدالرحيم، قال: ذكر ابن الجوزي رحمه الله: أن هذا الشقي كان من المجاهدين كثيرًا في بلاد الروم، فلما كان في بعض الغزوات والمسلمون يحاصرون بلدة من بلاد الروم، إذ نظر إلى امرأة من نساء الروم، فلم يلتزم بالوصية: ((وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ؛ فإنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ))، فكانت بمثابة الباب الذي فتحه، فهَوِيها، وراسلها: ما السبيل إلى الوصول إليكِ؟ فقالت: أن تتنصر وتصعد إليَّ، فأجابها إلى ذلك، فما راع المسلمين إلا وهو عندها، فاغتم المسلمون بسبب ذلك غمًّا شديدًا، فلما كان بعد مدة، مَرُّوا عليه وهو مع تلك المرأة، فقالوا له: يا فلان، ما فعل قرآنك؟ ما فعل علمك؟ صيامك، جهادك، صلاتك؟ فقال: اعلموا أني أُنسِيت القرآن كله إلا: ﴿ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 2، 3]، وقد صار لي فيهم مال وولد".

‏فهذه عاقبة التساهل بالشهوات المحرمة أن يموت على خاتمة سيئة.

‏ثم إذا دخل هذا الوالغ في الشهوات في القبر، وجد التَّنُّور ينتظره، عبارة عن بناءٍ، أسفله واسع، وأعلاه ضيق، فيه رجال ونساء عراة، يأتيهم لهب من أسفل منهم؛ كما جاء في الحديث الصحيح.

‏ثم ما يكون كذلك من العقوبة في النار، والحديث عن أهوال النار، وطعام أهلها، ولباسهم، وشرابهم، وشدة حرها وعذابها قد ملأ القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة؛ فقد جاء في الحديث الصحيح: ((لو أن قطرةً من الزقوم قطرت في الأرض، لأفسدت على أهل الدنيا معيشتهم)) [صحيح الترمذي]، فكيف بمن هو طعامه، وليس له طعام غيره؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو كان في هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون، وفيهم واحد من أهل النار فتنفَّس لأحرقهم جميعًا بنَفَسِه)).

وأخيرًا، نختم بأمرين:
1- اجتهد في مطالعة وصف الجنة والنار؛ فقد نقل الذهبي رحمه الله في السير، عن يوسف بن أسباط رحمه الله قال: "لا يقطع الشهوة إلا خوف مزعج، أو شوق مُقْلِق".

2- عندما يُفتَح أمامك باب من أبواب الشهوات المحرمة، ضَعْ دائمًا بين عينيك هذه النصيحة والوصية النبوية الغالية، التي تُكتب بماء العيون: ((وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ؛ فإنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ)).


أسأل الله العظيم أن يُعيذنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ أبصارنا، وأسماعنا، وفُرُوجنا عن الحرام.







رمضان صالح العجرمي


شبكة الالوكة






الساعة الآن 07:15 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل