الملامح التربوية التي تُسهم بعون الله تعالى في مواجهة عداوة الشيطان:
أولًا: إن عصيان الشيطان لربه سبحانه وتمرده الصارخ بامتناعه عن السجود لآدم عليه السلام كما أمر الله تعالى كان السبب الرئيس لطرده من الجنة، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ [الأعراف: 11- 13].
ثانيًا: إن معصية الله تعالى شؤم ووبال على العبد في جميع أحواله، ويزداد الأمر سوءًا بالمجاهرة والإصرار عليها عنادًا وتكبُّرًا، كما هو حال إبليس، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36] قال الطبري رحمه الله: "ومن يعص الله ورسوله فيما أمرا أو نهيا ﴿ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، يقول: فقد جار عن قصد السبيل، وسلك غير سبيل الهدى والرشاد".
وقال سبحانه: ﴿ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ [الحجرات: 7]، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: وبغَّضَ إليكم الكفر والفسوق، وهي: الذنوب الكبار، والعصيان؛ وهي: جميع المعاصي".
ثالثًا: من تمادى في عصيانه واستمر في طغيانه، ولم يستشعر نِعَم الله عليه، وقابلها بالشكر القولي والعملي، فقد استوجب عقاب ربه بحرمانه مما أنعم عليه؛ لأن المعاصي تزيل النعم، وهذا حال إبليس، فقد حُرم مما كان فيه من النعيم الذي أنعمه الله عليه بسبب عصيانه وطغيانه، فأبدله الله صغارًا، قال تعالى: ﴿ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ [الأعراف: 13]، قال السعدي رحمه الله: ﴿ فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾؛ "أي: المهانين الأذلين، جزاءً على كبره وعجبه بالإهانة والذل".
رابعًا:لمَّا وصل طغيان إبليس مداه عنادًا وتكبرًا، استحق اللعن؛ وهو الطرد من رحمة الله في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: ﴿ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الحجر: 34، 35]، قال ابن عاشور رحمه الله: "إن اللعنة عليه في الدنيا إلى أن يلاقي جزاء عمله، فذلك يومئذٍ أشد من اللعن".
خامسًا: لم يهدأ لإبليس بال بعد طرده من رحمة الله تعالى، فاستنفر كل طاقاته كما هو حال أهل الفسق والمعاصي والفجور لا يريدون الخير للآخرين أسوة بحالهم الشقي والعياذ بالله، فيسعون جاهدين لإغواء غيرهم حقدًا وكراهية عليهم، قال تعالى: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16، 17]، فقال الله سبحانه: ﴿ قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الإسراء: 63، 64].
سادسًا: يجب أن يكون الإنسان فطنًا مراقبًا لحاله، معتبرًا بغيره فيما يراه من سُبُل الغواية التي ينتهجها أهل الفسق والضلال، ويزينون الباطل، ويلبسونه لباس الخير والحياة السعيدة للناس وهم بخلاف ذلك؛ بل يتصيَّدون ويتربصون بهم الدوائر داسِّين السم في العسل حتى يقع غيرهم في شباكهم، ويسير في ركابهم، والسعيد مَنِ اتَّعَظ بغيره.
سابعًا: يجب أن يستقر في ذهن المسلم أن كل مجالات الغواية التي قد يقع الإنسان في أوحالها وأعظمها الشرك بالله، وانتشار الفواحش والزنا وشرب الخمور، وغير ذلك من العداوات، كل ذلك من عمل الشيطان ليصد عن سبيل الله، ويفسد الناس ويوردهم المهالك، أسوة بحاله الشقي، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة:90- 91].
قال الطبري رحمه الله: "هذه الأعمال هي: من تزيين الشيطانِ لكم، ودعائه إياكم إليه، وتحسينه لكم، لا من الأعمال التي ندبكم إليها ربُّكم، ولا مما يرضاه لكم؛ بل هو مما يسخطه لكم"، وقال ابن عثيمين رحمه الله: ﴿ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾، يعني أن هذا العمل من عمل الشيطان، أضافه إلى الشيطان؛ لأنه أوحى به وأمر به الإنسان.
ثامنًا: لما كان ذِكر الله تعالى، وأداء الصلاة من أهم العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه عز وجل، وفي الوقت نفسه من أقوى ما يرد كيد الشيطان ويصرف أذاه، حَرِص الشيطان حرصًا شديدًا على صَد المسلم عنهما بشتى الوسائل الخبيثة، وقد نبَّه القرآن الكريم لذلك، فقال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ وفي موضع آخر أكَّد القرآن الكريم على خطورة ما يترتب عليه الصدُّ والإعراض عن ذلك، فقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [الزخرف: 36].
قال ابن باز رحمه الله: "من يغفل، ويعرض عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ يُقيِّض له الشيطان- نسأل الله العافية- من غفل عن ذكر الله، وعن قراءة القرآن، وعن طاعة الله من الصلوات، وغيرها؛ قَيَّض الله له الشياطين حتى تصُدَّه عن الحق، وحتى تلهيه في الباطل -نعوذ بالله- ومن قام بأمر الله، وأدى حق الله، واستعمل نفسه في ذكر الله، وطاعة الله، عافاه الله من الشيطان، وحفظه من الشياطين، نسأل الله السلامة.
والواجب على المسلم مجاهدة نفسه وترك الغفلة المسببة لمدخل الشيطان عليه في الصد عن ذكر الله وعن الصلاة؛ وأن يقابل ذلك بطلب الاستعانة بالله في الإكثار من ذكره، وهي وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: "أوصيكَ يا معاذُ، لا تدَعنَّ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ تقولُ: اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسْنِ عبادتِكَ"؛ (الألباني، صحيح أبي داود، 1522).
وأن يحرص أشد الحرص بالمحافظة على الصلوات استجابة لقول الله تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238].
تاسعًا: المتأمِّل قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76] قد يقول: كيف يُغوي الشيطانُ الإنسانَ وهو ضعيف؟ فيمكن القول أيضًا أن الله تعالى قال: ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]، وهذا يعني أن كليهما ضعيف، ولكن الفيصل في الغلبة، والانتصار يأتي من الاعتصام بالله والالتجاء به سبحانه بكثرة ذكره والالتزام بشرعه أمرًا ونهيًا.
عاشرًا:من أهم وأعظم ما يصُدُّ عداوة الشيطان ويدحر كيده ما أرشد إليه الله تعالى بالاستعاذة منه، قال سبحانه: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: 200]، وقال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ [المؤمنون: 97، 98]، قال السعدي رحمه الله: "أي وقت، وفي أي حال ﴿ يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ ﴾؛ أي: تحس منه بوسوسة، وتثبيط عن الخير، أو حث على الشر، وإيعاز إليه؛ ﴿ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾؛ أي: التجئ واعتصم باللّه، واحتم بحماه، فإنه "سَمِيعٌ" لما تقول، "عَلِيمٌ" بنيتك وضعفك، وقوة التجائك له، فسيحميك من فتنته، ويقيك من وسوسته".
الحادي عشر: عداوة الشيطان للإنسان ظاهرة، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6]، قال ابن كثير رحمه الله: "بيَّن الله تعالى عداوة إبليس لابن آدم، فقال: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾؛ أي: هو مبارز لكم بالعداوة، فعادوه أنتم أشد العداوة، وخالفوه وكذبوه فيما يغركم به، ﴿ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾؛ أي: إنما يقصد أن يضلكم حتى تدخلوا معه إلى عذاب السعير، فهذا هو العدوُّ المبين.
الثاني عشر: كل من اتَّخَذ الشيطان وليًّا، وسار في ركابه، فقد خسر دنياه وآخرته، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 119]، قال ابن عثيمين رحمه الله: وتولِّي الشيطان يكون بطاعته، فمن أطاع الشيطان وعصى الرحمن، فقد خسر خسرانًا مبينًا، والخسران ضد الربح؛ بل إن الخاسر هو الذي لم يحصل ولا على رأس ماله، فهو لم يربح بل خسر.
الثالث عشر: يسلك الشيطان طرقًا عجيبة لإغواء الناس وتزيين سوء أعمالهم، فإن ظفر بأحدهم واستجاب له، فلا يهنأ حتى يلقى نفس مصيره من اللعن والخلود في نار جهنم وبئس المصير، وقد نَبَّه القرآن الكريم لذلك، فقال تعالى: ﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ﴾ [النساء: 120، 121]، قال القرطبي رحمه الله: يعدهم أباطيله وتُرَّهاته من المال والجاه والرياسة، وأن لا بعث ولا عقاب، ويوهمهم الفقر حتى لا ينفقوا في الخير، ويُمنِّيهم كذلك، وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا؛ أي: خديعة.
الرابع عشر: نبَّه القرآن الكريم المؤمنين بخاصة والناس بعامة على مكر الشيطان وتدرُّجه في الإغواء حتى يصطاد فريسته ويضمها إلى حزبه في نار جهنم، وعبَّر عنها بالخطوات، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21]، وقال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 168، 169]، قال الطبري رحمه الله: والمعنى في النهي عن اتباع خُطواته، النهي عن طريقه وأثره فيما دعا إليه، مما هو خلاف طاعة الله تعالى ذكره، وقال السعدي رحمه الله: أي: طرقه التي يأمر بها، وهي جميع المعاصي من كفر، وفسوق، وظلم، وقال ابن عثيمين رحمه الله: "كل شيء حَرَّمه الله فهو من خطوات الشيطان سواء كان عن استكبار، أو تكذيب، أو استهزاء، أو غير ذلك؛ لأنه يأمر به، وينادي به، ويدعو إليه".
الخامس عشر: التعبير القرآني بخطوات الشيطان أنه يتدرج ويسلك مسالك شتى في الإغواء حسب كل حالة، وحسب كل شخص، وقد ذكر ابن القيم سبع عقبات يتدرَّج فيها الشيطان للإغواء، فقال رحمه الله:
إن الشيطان يريد أن يظفر به في عقبة من سبع عقبات بعضها أصعب من بعض، لا ينزل منه من العقبة الشاقة إلى ما دونها إلا إذا عجز عن الظفر به فيها، وهي:
العقبة الأولى: عقبة الكفر بالله وبدينه ولقائه وبصفات كماله.
العقبة الثانية: عقبة البدعة، إما باعتقاد خلاف الحق الذي أرسل الله به الرسل وأنزل به كتابه، وإما بتعبُّد بما لم يأذن به الله.
العقبة الثالثة: عقبة الكبائر فإن ظفر به فيها زينها له، وحسَّنَها في عينه، وسوَّف به، وفتح له باب الإرجاء.
العقبة الرابعة: عقبة الصغائر، فَكَالَ لَهُ مِنْهَا بِالْقُفْزَانِ، وقال له: ما عليك إذا اجتنبت الكبائر، (الْقُفْزَان: الحواجز والموانع).
العقبة الخامسة: عقبة المباحات التي لا حرج على فعلها، فشغله بها عن الاستكثار من الطاعات.
العقبة السادسة: عقبة الأعمال المرجوحة المفضولة عن الطاعات، فأمره بها وحسنها في عينه وزينها له، وأراه ما فيها من الفضل والربح ليشغله بها عما هو أفضل منها.
العقبة السابعة: عقبة تسليط جنده عليه بأنواع من الأذى باليد واللسان والقلب على حسب مرتبته في الخير، فكلما علت مرتبته أجلب عليه العدو بخيله ورَجْله، وهي تسمى عبودية المراغمة، ولا ينتبه إليها إلا أولو البصائر التامة، فمن تعبَّد الله بمراغمة عدوه، فقد أخذ من الصديقية بسهم وافر؛ (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، ج1، ص 237-242).
السادس عشر: إن أعمال الناس تقوم على إراداتهم واختياراتهم، فالقرار في الإقدام، أو الإحجام بيدهم، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [آل عمران: 182]، قال الطبري رحمه الله: "أي: قولنا لهم يوم القيامة: ﴿ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [الحج: 22]، بما أسلفت أيديكم واكتسبتها أيام حياتكم في الدنيا، وبأن الله عَدْل لا يجورُ فيعاقب عبدًا له بغير استحقاق منه العقوبةَ، ولكنه يجازي كل نفس بما كسبت، ويوفِّي كل عامل جزاء ما عمل.
السابع عشر: ينشط الشيطان ويجد بغيته في البيئات الفاسدة عندما يكون الإنسان في حالة من الضياع والبعد عن الله، فمن فقد الصلة بالله تعالى وضعفت علاقته بربه سبحانه، فأصبح لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا؛ هانت مهمة الشيطان ووجد ضالته، أما البيئات الصالحة فهي عامرة بذكر الله تعالى وفي رعايته، فلا يتمكن الشيطان من التسلُّط عليهم، وكلما كان الإنسان لله أقرب، كان الشيطان منه أبعد، قال تعالى: ﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف: 58] قال السعدي رحمه الله: "إن القلوب الطيبة حين يجيئها الوحي، تقبله وتعلمه وتنبت بحسب طيب أصلها، وحسن عنصرها، وأما القلوب الخبيثة التي لا خير فيها، فإذا جاءها الوحي لم يجد محلًّا قابلًا؛ بل يجدها غافلة معرضة، أو معارضة".
الثامن عشر: إن المؤمن التقي محفوظ بحفظ الله من الشيطان وشَرَكِه، قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 99]، قال الطبري رحمه الله: "إن الشيطان ليست له حجة على الذين آمنوا بالله ورسوله، وعملوا بما أمر الله به، وانتهوا عما نهاهم الله عنه، ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ يقول: وعلى ربهم يتوكلون فيما نابهم من مهمات أمورهم، أما غير المؤمنين فهو وليُّهم كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 27]، قال البغوي رحمه الله: "أي: قرناء وأعوانًا للذين لا يؤمنون وقال الزجاج: سلطانهم عليهم يزيدون في غيهم؛ كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ﴾ [مريم: 83]".
التاسع عشر: يُشاع عند بعض الناس أن كيد الشيطان أضعف من كيد النساء؛ لما ورد في بعض كتب التفسير لمعنى قول الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 28]، وقد سُئل سماحة الشيخ ابن باز عن ذلك، فأجاب رحمه الله: هذا حكاه الله عن صاحب يوسف العزيز ﴿ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ هذا نسبي، وكذلك قوله: ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76] نسبي، بالنسبة إلى مَن استعان بالله، وتعوَّذ بالله، واعتصم بالله؛ فكيد الشيطان ضعيف، وأيضًا سُئل سماحة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن ذلك، فأجاب: الله أعلم؛ النساء لهن كيد، والشيطان له كيد، وقد يكون كيد النساء أحيانًا أقوى من كيد الشيطان، وقد يكون كيد الشيطان أحيانًا أقوى من كيد النساء، هذا بحسب المواقف، واختلاف المواضع، وسُئل فضيلة الشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله عن ذلك فأجاب فضيلته: سبحان الله! ضع كل جملة في سياقها يظهر لك المعنى، أما بالنسبة لكيد الشيطان، فإن الله عز وجل قال: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76]، فكيد الشيطان هنا في مقابل كيد الله فهو ضعيف فعلًا؛ لأنه في مقابل كيد الله عز وجل؛ لكن النساء في قصة يوسف عليه السلام ذُكِر كيدهن في مقابل كيد الرجال، ونَعَمْ، فإن الرجال لا يستطيعون أن يجاروا النساء أبدًا في هذا الكيد.
العشرون: جواز لعن الشيطان، فقد بيَّن سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: لا حرج في لعنه، ولكن التَّعوُّذ بالله أحسن، التَّعوُّذ بالله من الشيطان الرجيم أفضل، وإن لعنه فلا بأس، فقد لعنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم: جاء في الحديث الصحيح أنَّ الشيطان تفلَّتَ عليه وهو يُصلي، فقال له: ألعنُك بلعنة الله، فإذا لعنه فلا بأس، وإن استعاذ بالله من شرِّه فذلك أفضل، وكلاهما جائزٌ.
ويمكن الإشارة في هذا المقام إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقولَنَّ أحدُكم: لعن اللهُ الشيطانَ، فإنه إذا سمعها تعاظَم حتى يصيرَ كالجبلِ، وليقلْ: أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ، فإنه إذا قالها تضاءلَ وتصاغر"؛ (الألباني، صحيح أبي داود، رقم: 4982)، قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: من وضع الشيء في غير موضعه ذم الشيطان؛ إذا الإنسان أذنب؛ ذُم نفسك، تُب إلى الله، واستغفر الله بدل لعن الشيطان وسبه، ارجع إلى نفسك وَلُمْها.
الواحد والعشرون: الناظر والمتأمل والمتدبِّر في الأذكار الشرعية يجدها هَيَّأت للإنسان أنجع الوسائل المناسبة لمواجهة عداوة الشيطان ودحره، وهي تعُمُّ كل حركات الإنسان وسكناته في يومه وليلته، ونومه ويقظته، وخروجه من المنزل وعودته، ودخول المسجد وخروجه، ومأكله ومشربه، ودخول الخلاء وخروجه، وحله وترحاله، وحتى قضاء حاجته وشهوته من أهله، فلكل حال أذكار شرعية مناسبة لها واردة بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وهي ثابتة ومحفوظة في مظانها، وأشهرها: "كتاب الأذكار للإمام النووي رحمه الله"، وتُعد الأذكار بمثابة وصفة طبية من طبيب ماهر خبير بأدواء الشيطان وخطواته، فمن وُفِّق للمحافظة عليها، فقد نال خيرًا كثيرًا، وعصمه الله تعالى من الشيطان، ومن فَرَّطَ وتساهل وَغَفل عن ذلك فقد أعطى الشيطان فرصة لإغوائه، فلا يلومَنَّ إلا نفسه.
الثاني والعشرون: من أعظم وأخطر ما يسعى إليه الشيطان وأعوانه من ذريته، ومن شياطين الإنس؛ تفكيك المجتمع، ونشر العداوة والبغضاء والكراهية، والتناحر بينهم حتى تَعُم الفوضى وتشيع الفاحشة؛ بل من أولوياته تفكيك الأسرة الواحدة، وإيجاد المنازعات بين الزوجين والأقارب والأرحام بمختلف درجاتهم، ويضع الحوافز المعنوية لأعوانه لمن يصل إلى درجة التفريق بين الرجل وأهله، فقد ثبت في الحديث الشريف، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ إبليسَ يضعُ عرشَه على الماء، ثم يبعثُ سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنةً، يجيءُ أحدُهم فيقولُ: فعلتُ كذا وكذا، فيقولُ ما صنعتَ شيئًا، ويجيءُ أحدُهم فيقولُ: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينَه وبين أهلِه، فيُدْنِيه منه، ويقولُ: نعم أنتَ!"؛ (صحيح مسلم، حديث رقم: 2813)، ومن تأمَّل قول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المجادلة: 10] يتأكَّد مدى حرص الشيطان على إيقاع العداوة بين الناس في كافة المجالات؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "إذا كُنْتُمْ ثَلاثَةً، فلا يَتَناجَ رَجُلانِ دُونَ الآخَرِ حتَّى تَخْتَلِطُوا بالنَّاسِ، أجْلَ أنْ يُحْزِنَهُ"؛ (صحيح البخاري، حديث رقم:6290)، (صحيح مسلم، حديث رقم:2184)، فليحذر الناس من كيد الشيطان ومكره في العداوة والبغضاء وإشعال الفتن في كافة علاقاتهم، وقد تكون لأتفه الأسباب، ويقع بسببها خصومات ومظالم وعدوات خطيرة وعنيفة تمدد سنوات طويلة، والأولى المبادرة بالعفو والتسامح والصلح والاجتهاد في صد كل أبواب المنازعات من بدايتها قبل تفاقمها، والأولى الرجوع لأهل العلم والاختصاص في معالجة ما يظهر من مشكلات في أوساط المجتمع، وفي محيط الأسرة، والأقارب، والأرحام. الثالث والعشرون: العناية بالعلم الشرعي والحرص عليه من أهل العلم الثقات، من أهم ما يُعين المسلم على معرفة الأساليب الشرعية الصحيحة من القرآن والسنة لمواجهة عداوة الشيطان، فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟! ومن التوجيهات النبوية المهمة، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ ابنُ آدمَ السَّجدةَ فسجدَ اعتزلَ الشَّيطانُ يبكي يقولُ: يا ويلَه؛ أُمرَ ابنُ آدمَ بالسُّجودِ فسجدَ؛ فلَه الجنَّةُ، وأُمِرتُ بالسُّجودِ فأبيتُ؛ فليَ النَّارُ"؛ (صحيح مسلم، حديث رقم: 81)، قال القرطبي رحمه الله: "وويل: كلمة تُقال لمن وقع في هلكة، وبكاء إبليس المذكور في الحديث: ليس ندمًا على معصيته، ولا رجوعًا عنها، وإنما ذلك لفرط حسده وغيظه وألمه بما أصابه من دخول أحد من ذرية آدم عليه السلام الجنة ونجاته، وذلك نحو مما يعتريه عند الأذان، والإقامة، ويوم عرفة"؛ (المُفهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 1/ 274).
الرابع والعشرون: عندما تصل الغواية بالإنسان مداها، ويصبح الشيطان متسلطًا عليه في شؤونه كلها، ينحرف انحرافًا كاملًا في أفكاره وخواطره وأفعاله، فلا يعد يرى أمامه إلا أنفاقًا مظلمة من الضياع تَعُج بالفسق والفجور، وكافة المُحرَّمات التي حَرَّمها الله تعالى عليه، زينها الشيطان له فرآها حسنة، وقد تصل درجة الغواية والعياذ بالله إلى أن يصبح الشيطان معبوده الأول؛ مؤتمرًا بأمره ومنتهيًا بنهيه، ومن أعظم الطَّوَام ظهور جماعة تُسمي نفسها: (عبدة الشيطان)، انتكاسة ما بعدها انتكاسة! هذا حال الإنسان إذا لم يسترشد بنور الله تعالى؛ فإنه يضل ضلالًا مبينًا، ومن لم يجعل له نورًا فما له من نور، وقد حذَّر القرآن الكريم من عبادة الشيطان، فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يس: 60]، قال السعدي رحمه الله: "أي: لا تطيعوه وهذا التوبيخ، يدخل فيه التوبيخ عن جميع أنواع الكفر والمعاصي؛ لأنها كلها طاعة للشيطان وعبادة له، ﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾، فحذرتكم منه غاية التحذير، وأنذرتكم عن طاعته، وأخبرتكم بما يدعوكم إليه (لمزيد من التعرف على جماعة عبدة الشيطان، انظر: فرقة "عبَدة الشيطان"، منهجها، واعتقادها، وكيفية إنقاذ من وقع في براثنها https://islamqa.info/ar/133898). الخامس والعشرون: يَظُن بعض الناس أن هناك أشخاصًا لهم قدرة على مؤخاة الجن وتسخيرهم في بعض الأعمال، ويزعمون بأنه: "جني مسلم"، وتحدث على يديهم أشياء خارقة للعادة، وقد سُئل سماحة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما حكم الذهاب إلى بعض الرقاة الذين يقولون: إنهم يستعينون بالجن المسلم، أو بالملائكة؟ فقال سماحته: ما شاء الله الملائكة تخدمهم! الجن المسلم تخدمهم على طلبهم! هذا كله مكر من الشيطان، ولا يجوز هذا، لا يستعين إلا بالله، لا يستعين بالغائب، ولا بالميت، وإنما يستعين بالله، أو بالحي الحاضر الذي يقدر على إعانته، والجن ما سخروا إلا لسليمان عليه السلام ما سخروا الجن لغير سليمان.
السادس والعشرون: إن الشيطان يتربَّص بالإنسان الدوائر ويتحيَّن الفرص المواتية لإغوائه، وهناك مداخل للشيطان، وأسلحة له، فينبغي للمسلم أن يؤصدها بالكلية، فلا يعطي مجالًا للشيطان إلحاق الضرر به، ومن أهم هذه المداخل، الكبر وعُجْب الإنسان بنفسه، يجعله يزدري الناس، ويقلل من شأنهم، وكذلك الغفلة عن أبواب الخير من العبادات وما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، وهناك أيضًا مداخل أخرى، منها:
• الغضب، فعندما يغضب الإنسان يصبح في حالة من عدم التركيز فيتسلَّط الشيطان عليه.
• الشبع؛ فإنه يُقوِّي الشهوة، ويُشغِل عن طاعة الله.
• العجلة وترك التثبُّت.
• حُب المال؛ فمتى تمكَّن من القلب قد يحمل الإنسان على طلبه من غير وجهه، ويؤدي به إلى البُخْل، ومنع الحقوق الواجبة.
• سوء الظنِّ بالمسلمين، فإنَّ مَنْ حكم على مسلم بسوء ظنِّه احتقره، وأطلق فيه لسانه.
• عموم الجوارح؛ كالعين، واليد، والرجل، والأذن، فإذا لم يتَّقِ العبدُ ربَّه فيها، فقد تكون من أسرع المداخل للشيطان والعياذ بالله؛ (اللجنة العلمية في مكتب الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في جنوب بريدة، موقع الألوكة).
السابع والعشرون: هناك عدوٌّ آخر لا يقل خطره عن الشيطان، وهو النفس الأمَّارة بالسوء، وهي أقل مراتب النفس الإنسانية ومكمن ضعفها، فخطرها عظيم، وقد يفوق خطرها عداوة الشيطان، والطامة الكبرى إذا اجتمعا كلاهما على الإنسان ولم يشعر بخطرهما ولم يجاهد نفسه باتخاذ الوسائل الشرعية المناسبة في الأوقات المناسبة للتصدي لهما وإيقاف خطرهما قبل أن يتمكنا منه ويلحقا به الأذى الذي قد لا ينفك منه إلا وقد لاقى ربه عز وجل خاسرًا دينه ودنياه وآخرته، نسأل الله السلامة والعافية؛ (انظر: مقال: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى﴾ [العلق: 6] على صفحة الكاتب، موقع الألوكة).
الثامن والعشرون: في المشهد الأخير للشيطان يوم القيامة قبل المغادرة إلى جهنم وبئس المصير، وعندما يُقضى الأمر في مشهد مهيب يوم العدل بين يدي الله تعالى، يخطب ويعلن الشيطان اعترافه بجريمته، فيعلن أمام الخلائق أن الله "جل جلاله" صادق، وأنه كاذب، وأنه لا لائمة عليه، وإنما الملامة على من اتبعه؛ فيندم حينها كل من تبعه، ولكن حينذاك لا ينفع الندم! وقد صوَّر القرآن الكريم هذا المشهد أعظم تصوير بأروع بيان، قال الله تعالى: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22]،قال ابن كثير رحمه الله: "يخبر تعالى عمَّا خطب به إبليس لعنه الله أتباعه، بعدما قضى الله بين عباده، فأدخل المؤمنين الجنات، وأسكن الكافرين الدركات، فقام فيهم إبليس لعنه الله حينئذٍ خطيبًا ليزيدهم حزنًا إلى حزنهم وغبنًا إلى غبنهم، وحسرة إلى حسرتهم.
هذا ما يسَّر الله إيراده، والله أسأل بمنِّه وكرمه أن يحفظنا والمسلمين أجمعين من الشيطان ومكره، ومن دعاوى النفس الأمَّارة بالسوء؛ إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
شبكة الالوكة