أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي آيات الذرية ومضامينها التربوية3

آية الذرية في سورة الكهف ومضامينها التربوية





قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50].


أشارت هذه الآية الكريمة إلى توجيهين تربويين مهمين هما: تكريم الإنسان على غيره من المخلوقات، وتأصل عداوة الشيطان للإنسان، وفيما يلي عرض لهذين التوجيهين:

أولًا: تكريم الإنسان على غيره من المخلوقات:


إن الإنسان المؤمن المطيع لربه مخلوق مُكَّرَم، بل هو أفضل المخلوقات؛ لسجود الملائكة له تعظيمًا وإكرامًا، وقد جاء هذا المعنى بوضوح في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].



ويقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره: "إن الله تعالى كرَّم بني آدم بجميع وجوه الإكرام، فكرَّمهم بالعلم والعقل، وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، وإنـزال الكتب، وجعل منهم الأولياء والأصفياء، وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة.



فيجب على الوالدين فَهْم هذه الحقيقة فهمًا واضحًا لا لبس فيه، وغرسها في نفوس أولادهم، وبالتالي التأكيد عليهم ببذل كامل الجهد في عبادة الله تعالى، وابتغاء مرضاته، واجتناب سخطه سبحانه وتعالى.





ثانيًا: تأصُّل عداوة الشيطان للإنسان:


إن تكرار هذا التوجيه مرارًا دلالةً على أهميته ومكانته في التحذير من عداوة الشيطان، وبيان خطره العظيم، وعداوة الشيطان للإنسان ليست وليدة اليوم، وليس لها وقت محدد، بل هي قديمة منذ أن خلق الله تعالى آدم عليه السلام، فامتنع إبليس من السجود له عصيانًا وتمردًا على الخالق جل وعلا، وهذه العداوة ستستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.



وقد حذرنا الشارع الحكيم في كثير من الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية المطهرة منه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَـكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾، [الأعراف: 11، 17] وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6].

ومن الأحاديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ"[1].

وقد حفظ الله تعالى عباده المخلصين من شر الشيطان، واستثناهم الله عز وجل في قوله: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [الحجر: 42]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ﴾ [الإسراء: 65].

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ؛ أي: تسلط وإغواء، بل الله يدفـع عنهم - بقيامهم بعبوديته - كلَّ شـر، ويحفظهم من الشيطان الرجيم، ويقـوم بكفايتهم، ﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ﴾ لمن توكَّل عليه، وأدَّى ما أمر به.



ولذلك يجب على الوالدين تنبيه الأولاد على عداوة إبليس المتأصلة لهم، فيكونوا على حذَّر من نزغاته ووسوسته بالاستعاذة منه، وبكثرة العبادة والمحافظة على الصلوات، وقراءة القرآن الكريم، والأذكار الشرعية الصباحية والمسائية.



ولعل أهم التوجيهات الشرعية لكف أذى الشيطان الرجيم التي يجب على العبد المسلم الأخذ بها هي: المداومة على قراءة آية الكرسي، وسورتي المعوذتين، لما ثبت في الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ[2].

وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَـالَ رَسُـولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وقل أَعُوذُ بِـرَبِّ النَّـاسِ).[3]



وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْجُحْفَةِ وَالْأَبْوَاءِ إِذْ غَشِيَتْنَا رِيحٌ وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ بِأَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَأَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، وَيَقُولُ يَا عُقْبَةُ تَعَوَّذْ بِهِمَا، فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَـا، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَؤُمُّنَـا بِهِمَا فِي الصَّلَاةِ[4].



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

[1] صحيـح البخاري، حديث رقم: 2038، كتـاب: الاعتكاف، باب: زيارة المرأة زوجها في اعتكافه.

[2] صحيح البخاري، حديث رقم: 3275، كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده.

[3] صحيح مسلم، حديث رقم: 1891، كتاب: فضائل القرآن وما يتعلق به، باب: فضل قراءة المعوذتين.

[4] سنن أبي داود، حديث رقم: 1462، كتاب: الصلاة، بـاب: في المعوذتين.





آيات الذرية ومضامينها التربوية3




آيات الذرية في سورتي مريم ويس ومضامينها التربوية




سورة مريم:


قال الله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ [مريم: 58].

نستفيد من هذه الآية الكريمة توجيهًا تربويًّا مهمًّا، وهو إنعام الله للطائعين من عباده، فإن من نعم الله تعالى على عباده الطائعين له أن يُخَلِّدَ ذكرهم الحسن بين الناس، فكل من يَذْكُرْهُم في الحاضر والمستقبل يترضى عليهم، ويدعو لهم بالرحمة، والعفو، والمغفرة، ولا شك أن ذلك لا يتأتى إلا للمخلصين من عباده الذين ساروا على نهجه وتبعوا صراطه المستقيم.

وهذا التوجيه تراه ماثلًا أمامك اليوم في سيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفي مقدمتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي بسيرته وذكره تنشرح الصدور، بل الصلاة والسلام عليه من أجل وأعظم القربات لله تعالى وبها تغفر الذنوب، وتفرج الهموم؛ كما جـاء في الترمذي وغيره عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَـالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقـَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي، فَقَالَ: مَا شِئْتَ، قَـالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، قُلْتُ: أَجْعَـلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا، قَـالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ "[1].

وإذا نظرت إلى سيرة عباد الله الصالحين العاملين سواء من السلف، أو الخلف - تجد ذكرهم قد ملأ الأرض والسماء أريجًا فواحًا يحمد لهم الناس ما فعلوه من جهود علمية أو عملية خدمة دينهم وأمتهم.

وإنني أُثَنِّي على قول الشاعر:
فارفع لنفسك بعد موتك ذِكرها *** فالذكر للإنسان عمر ثانِ

سورة يس:
قال الله تعالى: ﴿ وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾ [يس: 41].
يستفاد من الآية الكريمة توجيه تربوي مهم، وهو حفظ الذرية بصلاح آبائهم.

إن صلاح الوالدين له بركاته في الدنيا والآخرة على نفس الإنسان بالدرجة الأولى، في الدنيا يرزقه الله تعالى زوجة صالحة ورزقًا واسعًا، وذرية مباركة، ومنزلًا واسعًا رحبًا، وثناءً حسنًا وذكرًا جميلًا.

وهذا يؤكده ما جاء في قصة الخضر مع نبي الله موسى عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام عند قتل الخضر للغلام، واعتراض موسى عليه السـلام على فعله؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ [الكهف: 80، 81].

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: وكان ذلك الغلام قد قُدِّر عليه أنه لو بَلَغَ لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا؛ أي: لحملهمـا على الطغيان والكفـر، إما لأجل محبتهما إياه، أو للحاجة إليه يحملهما على ذلك؛ أي: فقتلتُه، لاطلاعي على ذلك؛ سلامةً لدين أبويـه المؤمنين، وأي فائـدة أعظم مـن هـذه الفائـدة الجليلـة؟ وهـو وإن كـان فيـه إساءة إليهمـا، وقطع لذريتهما، فإن الله تعالى سـيعطيهما مـن الذرية ما هو خـير منـه، ولهـذا قال: ﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمـًا ﴾؛ أي: ولدًا صالحًا زكيًّا، واصلًا لرحمه، فإن الغلام الذي قُتل لو بلغ لعقهما أشدَّ العقوق بحملهما على الكفر والطغيان.

وإن الإنسان المسلم كلما ترقى في صلاحه وتقواه وورعه، نال من الله الدرجات العلا في الدنيا، وما أعده الله تعالى للصالحين من عباده في الآخرة أشد وأعظم، فحينئذ يجب على المسلم الحرص الشديد على طاعة ربِّه، والتزام أوامره واجتناب نواهيه.

[1] ( سنن الترمذي، حديث رقم: 2457، كتاب: صفة القيامة، باب: في الترغيب في ذكر الله وذكر الموت آخر الليل وفضل إكثار الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ).






آيات الذرية ومضامينها التربوية3
آية الذرية في سورة الفرقان ومضامينها التربوية



قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].

نستفيد من هذه الآية الكريمة توجيهات تربوية مهمة؛ منها: أهمية الدعاء المستمر للذرية، والسعي لنيل الدرجات العالية، وعلو الهمة، وأهمية القدوة الحسنة في التربية، وفيما يلي عرض لهذه التوجيهات:




أولًا: أهمية الدعاء المستمر للذرية:
إن الدعاء عبادة عظيمة يتجلى فيها الافتقار والخضوع، والحاجة لله جل وعلا، وقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلـم قولـه: "الدعاء هو العبادة"؛ (سنن أبي داود، حديث رقم 1479، كتاب: الوتر، باب: الدعاء)، وقـال رسول الله صلى الله عليـه وسلم: "لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِخَطِيئَةٍ يَعْمَلُهَا"؛ (سنن ابن ماجـه، حديث رقم: 90، كتاب: السنة، باب: في القدر).

وإن الله تعالى لا يرد من دعاه وتوجـُّه إليه، فهو الكريم الجواد اللطيف بعباده، وقد تأكد ذلك في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، فالأهم أن ندعو الله تعالى ونصدق معه، فالإجابة مضمونه؛ لأنه سبحانه وعد بهـا، ومن أصدق من الله تعالى وعدًا ووفاءً.

إن أفضل ما يدعو به الإنسان المسلم هو أن يكون من الموحدين لله تعالى قولًا، وسلوكًا، وأن يتعدى هذا الدعاء إلى صلاح الذرية؛ لأن صلاحهم مطلب كل والدين ينشدان الخير، والاستقامة لأولادهم، وأولاد أولادهما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ولقد سمعت أذناي أكثر من مرة آباءً يدعون لأولادهم بالهداية والصلاح بعد أن تلقفتهم الشهوات، وأصدقاء السوء، والعياذ بالله، فانحرفوا عن جادة الطريق، وبعد مناجاة وإلحاح وقُرب من الله تعالى، رأيت هؤلاء الأولاد وقد عادوا إلى الطريق المستقيم، فحافظوا على الصلوات، وبروا والديهم، ووصلوا أرحامهم، وأكملوا مشوارهم العلمي والعملي؛ فاحرص أيها الأب وأيتها الأم على هذا التوجيه المبارك، فله من الخير والبركة ما لا يخطر في بالكما.



ثانيًا: السعي لنيل الدرجات العالية:
إن الدعاء مهم جدًّا، ولكنه وحده لا يكفي لبلوغ المطالب والدرجات العليا؛ إذ لا بد من الصبر واليقين، وخصوصًا في المطالب العليا؛ كالإمامة في الدين التي ورد ذكرها في الآية الكريمة المشار إليها، ويقاس عليها كل أمر رفيع المستوى لا يتم الوصول إليه إلا بالسعي والصبر واليقين، وقد تأكد هذا المعني أيضًا في قول الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].

ويقول الشيخ السعـدي رحمه الله: وإنما نالوا هـذه الدرجة العالية - الإمامة في الدين - بالصبر على التعلم والتعليم، والدعوة إلى الله، والأذى في سبيله، وكفوا أنفسهم عن جماحها في المعاصي، واسترسالها في الشهوات، ووصلوا في الإيمان بآيات الله إلى درجة اليقين، وهو العلم التام الموجب للعمل، وإنما وصلوا إلى درجة اليقين؛ لأنهم تعلموا تعلـمًا صحيحًا، وأخـذوا المسائل عن أدلتها المفيدة لليقين، فما زالوا يتعلمون المسائل، ويستدلـون عليها بكثرة الدلائل، حتى وصلوا لذاك، فبالصبر واليقين تُنَالُ الإمامة في الدين.

وقريبًا من هذا المعنى صاغ أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله قوله:
وما نيلُ المطالب بالتمني آيات الذرية ومضامينها التربوية3
ولكن تؤخَذ الدنيا غِلابا آيات الذرية ومضامينها التربوية3

وما استعصى على قوم منالٌ آيات الذرية ومضامينها التربوية3
إذا الإقدام كان لهم رِكابا آيات الذرية ومضامينها التربوية3


ثالثًا: علو الهِمة:
إن هذا التوجيه التربوي العظيم يتأكد في الكثير من توجيهات الشارع الحكيم، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَـلَ الشَّيْطَانِ"[1].

وقـول رسول صلى الله عليـه وسلـم: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وأَشْرَافَهَا، وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا"[2].

وهنا أورد موقفـًا عظيمًا لأحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبين علو الهمة عند الصحابة رضوان الله عليهم، فعن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رَضْي الله عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْـهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: سَلْ، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ[3].



وهذا الحديث الشريف يؤكد أمرين مهمين؛ هما:
الأول: علو الهمة، ويتضح من طلب الصحابي الجليل كعب الأسلمي رضي الله عنه مرافقة الرسول صلى عليه وسلم في الجنة، فلم يطلب عَرَضًا من الدنيا الفانية: أموال عينية، أو نقدية، بل طلب ما هو أفضل وأدوم، وأي طلب أعظم وأشرف من مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة.

الثاني: هذا الطلب العظيم الشريف لا يتأتى بالأماني والأحلام، بل ثمنه هو طاعة الله تعالى وابتغاء مرضاته، ومن خلال أعظم وأشرف عبادة، وهي السجود لله تعالى والإكثار منه، ولذلك ينبغي أن تكون همة المسلم دائمًا عالية جدًّا، وأن يعمل بجد ومثابرة للوصول إلى مبتغاة، وإن ضعفت همتُه وقصَّر عن العمل والجد والتحفز لطلب معالي الأمور، فحاله يقف نقطة واحـدة لا تَغَيُّر ولا تَجْدِيد إن لم يكن تراجعًا وتخلفًا، وهنا يحضرني قول الشاعر:
ومن لا يحب صعودَ الجبالِ *** يعشْ أبد الدهرِ بين الحفرْ

وقول الآخر:
لا تحسبِ المجد تمرًا أنت آكله *** لن تبلغَ المجد حتى تلعقَ الصبرا

وهذه التوجيهات العظيمة يجب على الوالدين غرسها في نفوس أولادهم؛ لتَعلو هممُّهم، وينشدون الأعلى من القيم والمبادئ والأخلاق والسلوكيات، شريطة أن يكون ذلك منضبطًا بضوابط الشرع الحنيف، فلا ضرر ولا ضرار.

ولا يفوتني هنا أهمية التذكير بدور مؤسسات التربية الأخرى، فهي مكملة لدور الوالدين، فيجب أن تكون هناك توجيهات وإرشادات، وعرض نماذج لعلو الهمة من السلف والخلف لشَحْذ هِمم الناشئة والشباب لمواجهة الزحف الإعلامي الكبير، وما يعرضه من نماذج سيئة تكرِّس مفهومات تافهة أثَّرت على سلوكيات بعض شبابنا، وجعلتهم لا يفكرون إلا في أمور سطحية لا تنمي فكرًا ولا توجد إبداعًا، ولا تهيئ شبابًا يُعَوَّلَ عليه في بناء أمة لها تاريخها ومجدها وحضارتها.



رابعًا: أهمية القدوة الحسنة في التربية:
من الأساليب المهمة والمفيدة في التربية: القدوة الحسنة، ولقد بيَّن القرآن الكريم المثال والأسوة الحسنة للمسلمين، وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وقد أشارت الآية الكريمة (الفرقان:74) إلى أهمية القدوة الحسنة من خلال حـرص المسلم على العمل والجد والاجتهاد، وأن تكون أقواله وأفعاله متفقة وتوجيهات الشريعة أمرًا ونهيًا؛ ليكون قدوة للمتقين، فينال بذلك درجـة الإمامة وحسن الاقتداء والأجر العظيم والمثوبة مـن الله لمن اقتـدى به، فقـد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَـا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ"[4].

[1] (صحيـح مسلم، حديث رقم: 6774، كتاب: القدر، باب: الإيمان بالقدر والإذعان له).

[2] ( المعجـم الكبير للطبراني، حديث رقم: 2826 ).

[3] ( صحيح مسلم، حديث رقم: 1094، كتاب: الصلاة، باب: فضل السجود والحث عليه).


[4] ( صحيح مسلم، حديث رقم: 6800، كتاب: العلم، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة).









قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
آيات الذرية ومضامينها التربوية2 امانى يسرى القرآن الكريم
آيات الذرية ومضامينها التربوية 1 امانى يسرى القرآن الكريم
ربى لا تحرمنى سماع بكائه معلنا قدومه لدنياى ♥ احبك ربى ♥ مدونآت الاعضآء!
الدعاء المعجزة Aziza_Algérie الارشيف والمواضيع المكررة
ادعولي بالحمل والله راح طق اللهم أهدي قلوبنا مضيفة عدلات


الساعة الآن 02:40 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل