أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي عبادات تدفع البلاء

الحمدُ للهِ الذي جعلَ بعدَ كلِّ ضائقةٍ وشدَّةٍ فَرَجًا، ويسَّرَ لِمَنِ اعتصمَ به مِنْ كلِّ نازلةٍ مَخْرجًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآيات الباهرة، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آله وأصحابه ما جادَ السَّحابُ بقطره، وطلَّ الربيعُ بزهره، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:



أيها المسلمون عباد الله، عند حلول النكبات، وتوالي الأزمات، وتزايُد المدلهمات، يتجلَّى لُطْف الله بأهل الإيمان ورعايته لأهل الإحسان، بالتخفيف عنهم وحفظهم من السوء، وتجنيبهم ما حلَّ بغيرهم، والتحلِّي بالصبر والرِّضا بقدر الله عند الشدائد، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: ((عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له)).



ولولا لطف اللطيف الخبير لامتلأت القلوب وحشةً وفزعًا وخوفًا؛ يقول السعدي في تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ﴾ [يوسف: 100]، قال: يوصل بره وإحسانه إلى العبد من حيث لا يشعر، ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها، ومن رحمته سبحانه أنه جعل لنا عبادات جاءتِ النصوصُ بأنها تدفَعُ البلاء؛ عَلَّمنا إيَّاها النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذه العبادات:


التضرُّع والدعاء يَدْفَعُ البلاء:

أيُّها المسلمون، أحسنُ الكلام في الشكوَى سُؤال المولَى زوالَ البَلوى، فاستدفِعوا أمواجَ البلاء بالتضرُّع والدعاء، فليس شيءٌ أكرم على الله عز وجل من الدعاء، وأعجزُ الناسِ من عجزَ عن الدعاء، ولا يرُدُّ القدَرَ إلا الدعاءُ، فأكثِروا من الدعاء والمُناجاة؛ فإن الله يسمعُ دعاءَ من دعاه، ويُبصِرُ تضرُّع من تضرَّع إليه وناداه، ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]، يقول الحسن: وَمِفْتَاحُ السَّمَاءِ الدُّعَاءُ.

وقال الله عز وجلَّ: ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ﴾ [الأنعام: 43].

قال ابن كثير: أَيْ فَهَلَّا إِذِ ابْتَلَيْنَاهُمْ بِذَلِكَ تَضَرَّعُوا إِلَيْنَا وَتَمَسْكَنُوا إِلَيْنَا، وليس لنا إذا أحاطَت الحُتوف، ونزلَ الأمرُ المَخوفُ، واشتدَّ الكَربُ، وعظُمَ الخَطبُ إلا اللهُ، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17].



ومَن سألَ اللهَ بصدقٍ وضراعةٍ كشفَ عنه بَلواه، وحماه ووقاه وكَفاه، وحقَّقَ له سُؤلَه ومُناه، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ فُـتِـحَ له مِنـكُمْ بابُ الدُّعاءِ فُـتِحَتْ لـه أَبـوابُ الرَّحْمَةِ، وما سُئِـلَ اللَّهُ شَيْـئًا – يعني: أَحَبَّ إِليـهِ – مِن أَنْ يُسْأَلَ العافِـيَـةَ)).

وقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الدُّعاءَ يَـنْـفَعُ مِمَّا نَـزَلَ ومِمَّا لمْ يَنْزِلْ، فَـعَـلَـيكُم عِبادَ اللهِ بالدُّعاءِ))؛ [رواه الترمذي وغيره]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((وإن البلاء لينزل فيتلقَّاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة))؛ (صحيح الجامع).



ومن عجائب قوة تأثير الدعاء، أن عنوان الفساد يأجوج ومأجوج عند خروجهم في آخر الزمان، يحاصرون عيسى عليه السلام وأصحابه في جبل الطور ببيت المقدس، فيرغبون إلى الله بالدعاء، فيرسل الله عليهم نوعًا من الديدان يُسمَّى النغف، فيصبحون قتلى كموت نفس واحدة، ثم يرغبون إلى الله برفع زهمهم ونتنهم، فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله؛ والحديث في صحيح مسلم.



ولما كان المرض والوباء من قدر الله فلا يرُدُّه إلا الدعاء، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الترمذي بسند حسن قوله: ((لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ)).



وقال وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: يَنْزِلُ الْبَلَاءُ فَيُسْتَخْرَجُ بِهِ الدُّعَاءُ؛ (الإشراف في منازل الأشراف)، وقد ترجم البخاري "بَاب الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الوَبَاءِ وَالوَجَعِ"، وبوَّب النَّسائي في سننه الكبرى باب "الدُّعَاء بِنَقْلِ الْوَبَاءِ"، ثم ذكر حديث دعاء نقل الحمى إلى الجحفة.



ومن الأدعية والتحصينات دعوةُ ذي النُّون؛ يقول النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((دعوةُ ذي النُّون إِذْ دَعا بها وهو في بَطْنِ الحُوتِ؛ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمينَ؛ لَم يَـدْعُ بها رجلٌ في شيءٍ قطُّ إلا استجابَ اللهُ له))؛ [أخرجه أحمد والترمذي].



قال الله: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88].



ومن الأدعية المهمة والتحصينات العظيمة؛ ما أخرجه أبو داود في سننه، وصحَّحه الألباني، عن عثمان رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيءٌ في الأَرْضِ وَلا في السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، لم يَضُرَّهُ شَيْءٌ)).



وفي رواية: ((لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ))؛ قَالَ: فَأَصَابَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ الْفَالِجُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ، فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ، وَلا كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَني غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا، قال القرطبي: هذا خبرٌ صحيح، وقولٌ صادق، عَلِمنا دليله دليلًا وتجربة، فإني منذ سمعته عملت به فلم يضُرُّني شيء إلى أن تركته فلدغتني عقرب بالمدينة ليلًا فتفكَّرْت، فإذا أنا قد نسيت أن أتعوَّذ بتلك الكلمات؛ (الفتوحات الربانية).



ومن الأدعية المهمة والتحصينات العظيمة النبوية أيضًا التي تقيك الأسقام والآفات؛ أن تقول: "أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّاتِ من شرِّ ما خلق"؛ لما ثبت في صحيح الترغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَن قال حين يُمسي ثلاث مرات: أعوذ بكلماتِ الله التامَّاتِ من شر ما خلق؛ لم تَضُرَّهُ حُمَةٌ تلك الليلة)).



يقول ابن باز رحمه الله: ومما يحصل به الأمن والعافية والطمأنينة والسلامة من كل شر، أن يستعيذ الإنسان بكلمات الله التامَّات من شر ما خلق، ثلاث مرات صباحًا ومساءً.



ومن الأدعية المهمة والتحصينات العظيمة النبوية أيضًا، ما أخرجه ابن السُّنِّي في عمل اليوم والليلة، وصححه شعيب الأرناؤوط، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ، كَفَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)).



ومن الأدعية المهمة الواقية الجامعة التي لم يكن صلى الله عليه وسلم يدعها حين يُمسي وحين يُصبح: ((اللهُمَّ إني أسألُك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ، اللهم إني أسألُك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استرْ عوراتي وآمنْ روعاتي، اللهم احفظْني مِن بين يديَّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذُ بعظمتِك أن أُغتالَ مِن تحتي))؛ أخرجه أبو داود في سننه وصحَّحه الألباني.



ومن الأدعية والتحصينات العظيمة النبوية المهمة التي تُقال في الصباح والمساء، ما أخرجه أبو داود في سننه وصحَّحه الألباني في صحيح الأدب المفرد، عن عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: يَا أَبَتِ، إِنِّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ «اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، تُعِيدُهَا ثَلَاثًا، حِينَ تُصْبِحُ، وَثَلَاثًا حِينَ تُمْسِي»، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بِهِنَّ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ، (عافِني في بدني؛ أي: من الأمراض والأسقام والآفات والشرور).



وقد كان سيدُ الخلقِ نبيُّنا وسيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم يدعُو عند الكَربِ بهذه الدعوات: ((لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ الأرض وربُّ العرش الكريم)).



ومن الأدعية المهمة والتحصينات العظيمة النبوية ما أخرجه أبو داود في سننه وصححه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ))؛ أي: الأمراض الرديئة الخطيرة، ذات الأثر السيئ على المريض ومن حوله؛ كالأمراض المزمنة والسرطان ومرض الكورونا المنتشر هذه الأيام.



ومن الأدعية النبوية الجامعة والتحصينات النافعة، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ)).



قال الطيبي في شرح المشكاة: ((وتحول عافيتك))؛ أي: من تبدل ما رزقتني من العافية إلى البلاء، ((وفجاءة نقمتك))؛ أي: بمصيبة أو بلية تأتي على غير ميعاد أو توقع أو استعداد.



ومن الأدعية المهمة ما أخرج الترمذي في جامعه وحسنه الألباني، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلَاءٍ، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، إِلَّا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ البَلَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ)).



وفي رواية عند الترمذي وصححها الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ البَلَاءُ)).



وفي رواية أخرجها البزار في مسنده وحسَّنها الألباني في صحيح الجامع: ((كَانَ شَكَرَ تِلْكَ النِّعْمَةِ))، وهذا توجيه نبوي عظيم ومُهِمٌّ لمن رأى مريضًا أو مبتلًى بلاءً دينيًّا أو دنيويًّا، أن يبادر بهذا الدعاء مع اليقين والإيمان بأثره، فإن الله سيُعافيه منه إن شاء الله.



ومن الأدعية المهمة والتحصينات العظيمة النبوية الدعاء عند الخروج من المنزل، فقد أخرج أبو داود في سننه وصحَّحه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟)).



قراءة القرآن تَدْفَعُ البلاء: أيها المسلمون، ومن العبادات التي تدفع البلاء القرآن الكريم، يقول الله: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]، ويقول الله: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾ [فصلت: 44].



فكتاب الله شفاء لجميع الأدواء والأمراض، قرأ الصحابيُّ فاتحة الكتاب على من لدغ بعقرب؛ فشفاه من السُّمِّ الناقع؛ فعجبًا من مريض لم يترك طبيبًا إلا وذهب إليه، ثم غفل عن أعظم دواء: التداوي بالقرآن.



قال ابن القيم: «ومن هَجْر القرآن: هجر التداوي والاستشفاء به» فما أعظم كلمات الله! «القرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل، ولا يوفق للاستشفاء به؛ وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه؛ لم يقاومه الداء أبدًا، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها؛ فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه، وسببه، والحمية منه، لمن رزقه الله فهمًا في كتابه»؛ (ابن القيم، كتاب الطب النبوي).



ومن التحصينات المؤثرة الفعَّالة

قراءة سورة الإخلاص والمعوِّذتين ثلاث مرات في الصباح والمساء تكفيك من كل شيء؛ فعن عَبْدِاللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: «خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ، وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ، نَطْلُبُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: ((أَصَلَّيْتُمْ؟))، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ: ((قُلْ)) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: ((قُلْ))، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: ((قُلْ))، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: ((قُلْ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي، وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»))؛ أخرجه أبو داود، والترمذي، وحسنه الألباني.



ومن التحصينات الوقائية القرآنية المهمة

قراءة الآيتين من أواخر سورة البقرة في الليل؛ لما أخرجه البخاري عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ)).



ذكر بدر الدين العيني في عمدة القاري معنى كفتاه: قيل: مَا يكون من الْآفَات تِلْكَ اللَّيْلَة، وقيل: معناه كفتاه كل سوء، ووقتاه من كل مكروه، كما في مرقاة المفاتيح.



وقال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: "قَوْلُهُ: ((كَفَتَاهُ))؛ أَيْ: أَجْزَأَتَا عَنْهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ بِالْقُرْآنِ، وَقِيلَ: أَجْزَأَتَا عَنْهُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا, سَوَاءٌ كَانَ دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَمْ خَارِجَهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَجْزَأَتَاهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ؛ لِمَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ إِجْمَالًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ كُلَّ سُوءٍ، وَقِيلَ: كَفَتَاهُ شَرَّ الشَّيْطَانِ، وَقِيلَ: دَفَعَتَا عَنْهُ شَرَّ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ " وقال النووي رحمه الله: "قِيلَ: مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: مِنَ الشَّيْطَانِ، وَقِيلَ: مِنَ الْآفَاتِ، وَيَحْتَمِلُ مِنَ الجَمِيعِ".



ومن التحصينات القرآنية الوقائية المهمة:

قراءة آية الكرسي إذا أويت إلى فراشك فإنه لَنْ يَزَالَ معك مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، ولَا يَقْرَبكَ شيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ، كما في قصة أبي هريرة مع الشيطان لما وَكَلَه النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان كما في صحيح البخاري.



الصلاة تَدْفَعُ البلاء:

أيها المسلمون، الصَّلاةُ صِلةٌ بين العبدِ وربِّه، وهي عبادةٌ جليلةٌ، فيها تَصْفو الرُّوحُ مِن الكَدَرِ والمُنغِّصاتِ النَّفسيَّةِ، وفيها يَقِفُ العبدُ بينَ يدَيْ ربِّه ويَدْعوه لِتَفريجِ هُمومِه؛ فهو وحْدَه القادِرُ على إزالةِ الهمِّ والحزنِ وتسهيلِ الصِّعابِ؛ فعن أبي الدرداء، وأبي ذر رضي الله عنهما، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عن اللهِ عز وجل أنه قال: ((ابنَ آدمَ، اركعْ لي أربعَ ركَعاتٍ من أولِ النهارِ أكْفِكَ آخِرَه))؛ [حسَّنه الذهبي في "السير"، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع"].



وعَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ الْغَطَفَانِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((قَالَ اللهُ: يَا بْنَ آدَمَ، لَا تَعْجزْ عَنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ))؛ (مسند أحمد، وأبو داود).



قال الإمام المناوي في فيض القدير: ومعنى: ((أكْفِكَ آخِرَه))؛ أي: شر ما يُحدثه تعالى في آخر ذلك اليوم من المحن والبلايا، فأمره تعالى بفعل شيء أو تركه إنما هو لمصلحة تعود على العبد، وأمَّا هو فلا تنفعه الطاعة، ولا تضُرُّه المعصية.



وقد اختلف أهل العلم في المراد بهذه الصلاة، فذهب بعضهم إلى أن المراد بها صلاة الضحى، منهم: أبو داود، والترمذي، والعراقي، وابن رجب الحنبلي، وغيرهم.



وذهب البعض الآخر إلى أن المراد بها صلاة الصبح وسنتها، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم.



فالصلاة تَدفَعُ الكرب، وتنجي صاحبها المداوم عليها من العقبات والشدائد؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((كَانَ رَجُلٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ يُصَلِّي، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهَا، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي، ثُمَّ أَتَتْهُ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ، وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: لَأَفْتِنَنَّ جُرَيْجًا، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى، فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَقَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ وَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ، فَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ، فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ الرَّاعِي، قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ: لَا، إِلَّا مِنْ طِينٍ))؛ صحيح البخاري.



فإذا داهمك الخَوْفُ وطوَّقك الحزنُ، وأخذ الهمُّ بتلابيبك، فقمْ حالًا إلى الصلاةِ، تثُبْ لك روحُك، وتطمئنَّ نفسُك، إن الصلاة كفيلةٌ بإذنِ اللهِ باجتياحِ مستعمراتِ الأحزانِ والغمومِ، ومطاردةِ فلولِ الاكتئابِ؛ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبَهُ أمرٌ قال: ((أرِحْنا بالصلاةِ يا بلالُ))؛ فكانتْ قُرَّةَ عينِهِ وسعادتهُ وبهجتَهُ.



قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديث أنَّ المفزعَ في الأمور المُهمَّة إلى الله، يكون بالتوجُّه إليه في الصلاة، يقول حذيفة رضي الله تعالى عنه: كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى؛ لأنَّ في الصَّلاة راحةً وقُرَّةَ عينٍ له، وهذا مِصداقُ قولِ الله تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 45].



وهذا مِن تعليمِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لأمَّتِه، وحثهم على اللُّجوءِ إلى الصَّلاةِ عِندَ النَّوائبِ؛ بارك الله لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البيِّنات والآيات والعِظات والحِكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه كان للأوَّابين غفورًا.



ومنها قِـيَـاُم اللَّـيْـلِ:

فعن بِلالٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ((عليكُمْ بِقيامِ اللَّـيْـلِ؛ فإِنَّـهُ دَأبُ الصَّالِحينَ قَبلكُم، وإِنَّ قِيامَ اللَّيلِ قُربَـةٌ إلى اللهِ، ومَنْهاةٌ عنِ الإِثْمِ، وتكفِيرٌ للسَّيِّـئاتِ، ومَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عنِ الجَسَدِ))؛ [رواه الترمذي وغيره، حسنه الألباني].



ملازمة الاستغفار:

ومن العبادات اليسيرة ذات التأثيرات العظيمة في دفع البلاء كثرة الاستغفار؛ إذ من داوم عليه أعاذه الله من الشرور ودفع عنه البلاء والنقم والمحن؛ قال الله: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10- 12].



وقال تعالى: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ [هود: 3]، وقال تعالى: ﴿ وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 52]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33].



قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أما العذاب المدفوع، فهو يَعُمُّ العذاب السماويَّ، ويعمُّ ما يكون من العباد؛ وذلك أن الجميع قد سمَّاه الله عذابًا".



وقال الشيخ السعدي رحمه الله: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾، فهذا مانعٌ مِن وقوع العذاب بهم، بعدما انعقدت أسبابه.



وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أمانانِ كانا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رُفع أحدهما وبقي الآخر: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾؛ [أخرجه أحمد].



وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ))؛ رواه أبو داود وابن ماجه، وأحمد في "المسند"، والطبراني في "المعجم الأوسط"؛ وغيرهم.



وعن فَضالةَ بن عُبَيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((العبدُ آمنٌ من عذاب الله ما استغفر الله))؛ [أخرجه أحمد].




كثرة الصلاة على النبي تَدْفَعُ البلاء:

فعن أُبَيِّ بن كعبٍ قال قُلْتُ: يَا رسول الله، إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي؟ فَقَالَ: ((مَا شِئْتَ))، قُلْتُ: الرُّبُع، قَالَ: ((مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ))، قُلْتُ: فَالنِّصْف؟ قَالَ: ((مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ))، قُلْتُ: فالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: ((مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ))، قُلْتُ: أجعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: ((إذًا تُكْفى هَمَّكَ، وَيُغْفَر لَكَ ذَنْبكَ))؛ (سنن الترمذي، وحسَّنه الألباني).



قال ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تعالى: «مَنْ فاته كثرة الصيام والقيام، فليشغل نفسه بالصَّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنك لو فعلت في عمرك كل الطاعات، ثم صلى الله عليك صلاة واحدة، رجحت تلك الصَّلاة الواحدة على كل ما عملته في عمرك من جميع الطاعات؛ لأنك تصلي على قدر وسعك، وهو سبحانه وتعالى يُصلي على قدر ربوبيته، هذا إذا كانت صلاة واحدة، فكيف إذا صلَّى عليك عشرًا بكل صلاة، كما جاء في الحديث الصحيح؟!».



وقال سهل التستري رحمه الله: «الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم أفضل العبادات؛ لأن الله تعالى تولَّاها هو وملائكته،ثمَّ أمر بها المؤمنين، وسائر العبادات ليست كذلك».



وقال ابن القيم رحمه الله: "من أراد انشراح الصدر، وغفران الذنب وتفريج الكرب، وذهاب الهمِّ فليُكثر من الصَّلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم".



ومن عجيب ما ورد عن فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنها تفرج الكرب ما ذكره الحافظ السخاوي في كتابه (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع):

قال: حكى الفاكهاني في كتاب "الفجر المنير" قال: أخبرني الشيخ الصالح موسى الضرير أنه ركب في المركب في البحر المالح، قال: وقد قَدِمَتْ علينا ريحٌ تُسَمَّى (الإقلابية)، قَلَّ مَن ينجو منها مِن الغرق، فنِمْتُ فرأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يقول لي: ((قل لأهل المركب أن يقولوا ألف مرة: اللهم صلِّ على سيدنا محمد صلاةً تُنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتَقضي لنا بها جميعَ الحاجات، وتُطهرنا بها من جميع السيئات، وتَرفعُنا بها عندك أعلى الدرجات، وتُبَلِّغُنا بها أقصى الغايات مِن جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات))، قال: فاستيقظت وأخبرت أهل المركب الرؤيا؛ فصلينا نحو (ثلاثمائة) مرة؛ ففَرَّجَ الله عنا وأسكن عنا تلك الريح ببركة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.



ورَوى هذه القصةَ المجدُ اللُّغوي، ونقل عَقِبها عن الحسن بن عليٍّ الأسواني، قال: ومَن قالها في كلِّ مُهِمٍّ ونازِلةٍ وبَلِيَّةٍ ألفَ مرةٍ؛ فَرَّجَ الله عنه، وأدرك مأمولَه (النفحة الإلهية في الصلاة على خير البريه للشيخ المُحدِّث عبدالله الصديق الغُمَاري).



صَنائعُ المَعروف تَدفَعُ البلاءات والآفات:

ومن العبادات التي تدفع البلاءات والآفات في الأموال والأبدان صنائعُ المعروفِ مع الآخرين؛ وصنائع المعروف هي الإحسان إلى عباد الله بعمل المعروف؛ من قرض حسن، أو بر، أو هدية، أو صدقة، أو إعانة على قضاء حاجة، من شفاعة، أو تحمُّل دَين، أو بعضه، أو غير ذلك من وجوه الإحسان المتنوعة؛ ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]، ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56].



وصدقة السر تطفئ غضب الرب،

ففي الترمذي: ((إنَّ الصدقة تُطفِئ غضب الربِّ، وتدفع ميتة السوء))، وفي الترمذي أيضًا من حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصدقة تُطفِئ الخطيئة كما يُطفِئ الماءُ النارَ)).

وعَنْ أَنسِ رضي الله عنه قالَ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((صنائعُ المعرُوفِ تقي مَصارِعَ السُّوءِ، والآفاتِ، والهَلَكَاتِ، وأَهْلُ المعرُوفِ في الدُّنيا هُمْ أَهلُ المعرُوفِ في الآخِرَةِ))؛ [رواه الحاكم، وهو في صحيح الجامع].



قال ابنُ القَـيِّم رحمه الله: «ومِنْ أَعْظَمِ عِلاجات المرضِ: فِعْلُ الخيرِ والإِحسان، والذِّكْـرُ، والدُّعاءُ، والتَّـضَرُّعُ، والابتهالُ إلى الله، ولهذه الأمور تأثيرٌ في دَفْعِ العِلَل، وحُصُولِ الشِّفاءِ؛ ولكن بحَسَبِ استعدادِ النَّـفْس، وقَـبُولِها، وعَقِيدتها في ذلك ونفعِه»؛ [زاد المعاد].



إن الصدقة لترفع الأمراض والأعراض من مصائب وبلايا، وقد جرب ذلك الموفقون من أهل الله، فوجدوا العلاج الروحي أنفع من العلاج الحسي، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج بالأدعية الروحية والإلهية، وكان السلف الصالح يتصدقون على قدر مرضهم وبليتهم، ويخرجون من أعز ما يملكون؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((داووا مرضاكم بالصدقة))؛ حسنه الألباني في صحيح الجامع.



وكما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: ((وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم))؛ (صحيح الجامع).



وقال العلامة ابن القيم: "للصدقة تأثيرٌ عجيب في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم؛ بل مِن كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعًا من البلاءِ، وهذا أمرٌ معلوم عند الناس، خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلُّهم مُقِرُّون به؛ لأنهم قد جرَّبوه".



وقال رحمه الله: "في الصدقة فوائدُ ومنافع لا يحصيها إلا الله؛ فمنها أنها تقي مصارعَ السوء، وتدفع البلاء حتى إنها لتدفَعُ عن الظالم".



يقول ابن شقيق: "سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فأحفر بئرًا في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويُمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرئ"؛ صحيح الترغيب.



وقال البيهقي: "في هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبدالله رحمه الله، فإنه قرح وجهه، وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب، وبقي فيه قريبًا مِن سنة، فسأل الأستاذ الإمام "أبا عثمان الصابوني" أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة، فدعا له وأكثَرَ الناسُ التأمين، فلما كان يوم الجمعة الأخرى ألقت امرأةٌ في المجلس رقعة بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبدالله تلك الليلة، فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها ((قولي لأبي عبدالله يوسع الماء على المسلمين))، فجئت بالرقعة إلى الحاكم فأمر بسقاية بُنِيت على باب داره، وحين فرغوا من بنائها أمر بصبِّ الماء فيها وطرح الجمد؛ أي: الثلج في الماء، وأخذ الناس في الشرب، فما مرَّ عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء، وزالت تلك القروح، وعاد وجهه إلى أحسن ما كان، وعاش بعد ذلك سنين.







ويُذكر أن رجلًا أصيب بالسرطان، فطاف الدنيا بحثًا عن العلاج، فلم يجده، فتصدق على أمِّ أيتام، فشفاه الله تعالى، فأحْسِنوا -أيها المسلمون- ولا تحقروا من المعروف شيئًا؛ فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، وإن الله لمع المحسنين.






ومن التوجيهات الشرعية، والآداب المرعية في الشريعة:

توقِّي المَواضِع التي فيها الوَباء: فقد وضع الإسلام أساس الحَجْر الصحي في مكافحة الأوبئة القاتلة السارية بما يتوافق مع حقائق الطب (والمراد بالحجر الصحي: تحديد حرية الانتقال لمَن تعرَّض للعدوى بمرض مُعْدٍ، وحجره مدة من الزمن تعادل أطول حد لحضانة ذلك المرض، فإذا ثبتت سلامته رفع عنه الحَجْر، وإلا عُزل بسبب إصابته).



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ -يعني: الطاعون- بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه))؛ (متفقٌ عليه).



وهذا الحديث أصلٌ في الحجر الصحي الذي لم يعرفه العالم إلا على أبواب القرن العشرين، فقد أثبتت الدراسات أن البلد المصاب بالمرض الوبائي إذا خرج منه الإنسان فإنه يَنشر المرض وإن لم يُصب به، فأصبح أول قرار تتخذه الدول التي تُصاب بالوباء، بأن تحجُر على المنطقة الموبوءة.



وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ))؛ (متفقُ عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((وفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كما تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ))؛ (رواه البخاري).

وقد سلك الرسول صلى الله عليه وسلم الأسباب المؤدية لعدم انتقال العدوى نتيجة الأمراض المعدية، أخرج مسلم في صحيحه من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنا قد بايعناك فارجع)).



وكانت البيعة تتم بطريق اللمس، وذلك بوضع اليد في اليد، ولا يوجدُ أوضح وأصرح من هذا النص في تجنب التعامل مع المريض المصاب بمرض مُعْدٍ.



وقد فهم هذا المعنى أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أراد دخول الشام ومعه كبار الصحابة وقد استشرى الطاعون فيها ومات الآلاف، فأخذ بالأسباب والحذرِ والحيطةِ ورجع ومن معه إلى المدينة؛ وهذا هو الحَجرُ الصحي بعينه بلغة اليوم.



أيها المسلمون، هذه بعض العبادات التي تدفع البلاء ولطول الموضوع فسوف يكون لنا معه تتمة في الجمعة القادمة بمشيئة الله تعالى، نسأل الله تعالى أن يصرفَ عنَّا الوباء والبلاء، اللهم احْمِ بلادنا وبلاد المسلمين من شر الأمراض والأوبئة، ما ظهر منها وما بطن, اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم احفظ بلادنا وبلاد الإسلام من كل مكروه وسوء، وارزقنا العفو والعافية في الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير، اللهم آمين، وأقم الصلاة.


جمعها ورتبها: الشيخ محمد عبدالتواب سويدان، خطيب بوزارة الأوقاف المصرية.


شبكة الالوكة





قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
نعمة الابتلاء امانى يسرى المنتدي الاسلامي العام
أدعية دفع البلاء, ما هي أدعية دفع البلاء,تعرفي علي أدعية دفع البلاء... اللهم تقبل جنا حبيبة ماما المنتدي الاسلامي العام
البلاء نورا 2013 صوتيات ومرئيات اسلامية
نعمة الابتلاء الـمـتـألـقـة المنتدي الاسلامي العام
خطوات عند نزول البلاء مدام نونا السنة النبوية الشريفة


الساعة الآن 02:21 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل