الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فأيام عشر ذي الحِجَّة أيام فاضلة؛ قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيامٍ العملُ الصالح فيهن أحبُّ إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء))؛ [أخرجه البخاري، وأبو داود، واللفظ له]، فينبغي للمسلم أن يجتهد فيها، ويُكْثِرَ من الأعمال الصالحة.
للسلف الصالح رحمهم الله أقوالٌ في عشر ذي الحِجَّة، جمعتُ بعضًا منها، أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع.
إقْسامُ الله عز وجل بعشر ذي الحِجَّة لشرفها:
قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي، والكلبي، رحمهم الله، في قوله تعالى: ﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 2]: أنها العشر الأوائل من ذي الحِجَّة.
قال مسروق رحمه الله في قوله: ﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 2]: "هي عشر ذي الأضحى، هي أفضل أيام السنة".
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "قوله: ﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 2]، هي ليالي عشر ذي الحِجَّة؛ لإجماع الحُجَّة من أهل التأويل عليه".
قال ابن رجب رحمه الله: "الليالي العشر هي عشر ذي الحِجَّة، هذا هو الصحيح الذي عليه جمهور المفسرين من السلف وغيرهم، وهو الصحيح عن ابن عباس".
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "الليالي العشر المراد بها عشر ذي الحِجَّة".
أيام عشر ذي الحِجَّة أحبُّ الأيام إلى الله جل وعلا:
عن كعب رحمه الله تعالى، قال: "اختار اللهُ الزمانَ، فأحبُّ الزمان إلى الله الشهرُ الحرام، وأحب الأشهر الحُرُم إلى الله ذو الحِجَّة، وأحبُّ ذي الحِجَّة إلى الله العشر الأُوَلُ".
فضل أيام عشر ذي الحِجَّة على غيرها من أيام السنة:
رُوِيَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "ليس يومٌ أعظم عند الله من يوم الجمعة، ليس العشر"، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "وهو يدلُّ على أن أيام العشر أفضل من يوم الجمعة الذي هو أفضل الأيام".
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "وفيه... فضل أيام عشر ذي الحِجَّة على غيرها من أيام السنة".
سُئِل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن عشر ذي الحِجَّة، والعشر الأواخر من رمضان، أيهما أفضل؟
فأجاب: "أيام عشر ذي الحِجَّة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحِجَّة".
فضل العمل الصالح في أيام عشر ذي الحِجَّة:
عن مجاهد رحمه الله قال: "ما من عملٍ في أيام السنة أفضل منه في العشر من ذي الحِجَّة، وهي العشر التي أتمها الله لموسى عليه السلام".
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: "لما كان الجهادُ أفضلَ الأعمال، ولا قدرة لكثير من الناس عليه، كان الذكر الكثير الدائم يساويه، ويفضُل عليه، وكان العمل في عشر ذي الحِجَّة يفضُل عليه، إلا من خرج بنفسه، وماله، ولم يرجع منهما بشيء".
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "يظن بعض الناس أن العشر الأواخر من رمضان أفضل من العشر الأوائل من شهر ذي الحِجَّة، والأمر بالعكس، العمل الصالح في العشر الأوائل من ذي الحِجَّة أحبُّ إلى الله من العمل الصالح في العشر الأواخر من رمضان".
تعظيم السلف لأيام عشر ذي الحِجَّة:
قال الإمام السيوطي رحمه الله: "أخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أبي عثمان قال: كانوا يعظِّمون ثلاث عشرات: العشر الأوائل من المحرَّم، والعشر الأُوَل من ذي الحِجَّة، والعشر الأخير من رمضان".
غفلة الناس عن العمل الصالح في عشر ذي الحِجَّة:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "تجد العشر الأوائل من شهر ذي الحِجَّة تمرُّ بالناس، ولا يقدرون لها قدرًا، لا في الصيام، ولا في الصدقة، ولا في قراءة القرآن، ولا بكثرة الصيام؛ لأنهم يجهلونها".
السبب في امتياز عشر ذي الحِجَّة بالفضل:
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "الذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحِجَّة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه؛ وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره".
مضاعفة الحسنات في أيام العشر:
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: "مضاعفة الحسنات زيادة على العشر تكون بأسباب متعددة؛ منها:... عِظَم الزمان؛ كما في حديث: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام؛ يعني أيام العشر)).
الإكثار من الأعمال الصالحة في عشر ذي الحِجَّة:
قال العلامة عبدالله الجبرين رحمه الله: "أنواع العمل في هذه العشر: الخامس: كثرة الأعمال الصالحة من نوافل العبادات؛ كالصلاة والصدقة، والجهاد والقراءة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونحو ذلك؛ فإنها من الأعمال التي تُضاعَف في هذه الأيام".
أفضل عملٍ يُعمَل في عشر ذي الحِجَّة:
قال العلامة عبدالله الجبرين رحمه الله: "أنواع العمل في هذه العشر: الأول: أداء الحج والعمرة، وهو أفضل ما يُعمَل، ويدل على فضله عدة أحاديث؛ منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((العمرة إلى العمرة كفَّارة لِما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))، وغيره من الأحاديث الصحيحة".
الإكثار من الدعاء والتهليل والتكبير والتحميد في أيام العشر:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "كان صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ الدعاء في عشر ذي الحِجَّة، ويأمرُ فيه بالإكثار من التهليل والتكبير والتحميد".
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "ينبغي أن نُكثر من ذكر الله وتحميده وتكبيره في أيام التشريق، كما نُكْثِرُه في أيام العشر".
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "قال الطحاوي: كان مشايخنا يقولون بذلك؛ أي: بالتكبير في أيام العشر".
قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: "
يُشرَع فيها التكبير والتحميد والتهليل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل من هذه الأيام العشر؛ فأكْثِرُوا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد))، وفق الله الجميع".
التكبير مُطْلَق ومقيَّد في العشر:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "التكبير ينقسم إلى قسمين فقط:
1- مطلق.
2- مطلق ومقيد.
فالمطلق: ليلة عيد الفطر، وعشر ذي الحِجَّة إلى فجر يوم عرفة، والمطلق والمقيد: من فجر يوم عرفة إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق، والقول الراجح أن هذا التكبير المقيَّد يسقط بطول الفصل".
رفع الصوت بالتكبير أيام العشر:
كبَّر رجلٌ أيام العشر، فقال مجاهد رحمه الله: "أفَلا رفع صوته؟ فلقد أدركتهم وإن الرجل لَيُكَبِّر في المسجد فيرتجُّ بها أهل المسجد، ثم يخرج الصوت إلى أهل الوادي حتى يبلغ الأبطح، فيرتجُّ بها أهل الأبطح".
الخروج إلى السوق للتكبير في أيام العشر:
قال الإمام البخاري رحمه الله: "كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يُكبِّران، ويُكبِّر الناس بتكبيرهما".
الأُضحِيَّة يوم النحر وأيام التشريق:
قال العلامة عبدالله الجبرين رحمه الله: "أنواع العمل في هذه العشر: السابع: تُشرَع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وهي سُنَّة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حين فدى الله ولده بذِبحٍ عظيم؛ وقد ثبت
((أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحَّى بكبشَينِ أملحَينِ أقرنين، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبَّر، ووضع رجله على صِفاحِهما))؛ [متفق عليه]".
صيام أيام عشر ذي الحِجَّة:
عن الليث رحمه الله قال: "كان مجاهد يصوم العشر... وكان عطاء يتكلَّفها".
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "استُدِلَّ به على فضل صيام عشر ذي الحِجَّة؛ لاندراج الصوم في العمل".
قال العلامة ابن باز رحمه الله: "الرسول صلى الله عليه وسلم حضَّ على العمل الصالح فيها، والصيام من العمل الصالح... فإذا صامها أو تصدق فيها، فهو على خير عظيم".
قال العلامة عبدالله الجبرين رحمه الله: "أنواع العمل في هذه العشر: الثاني: صيام هذه الأيام أو ما تيسَّر منها، وبالأخص يوم عرفة"
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
شبكة الالوكة